نساء أويا؛ رواية الوجه المستتر لتاريخ المرأة../ طارق عسراوي

صدرت للكاتب المتوكل طه رواية جديده بعنوان "نساء أويا، عن دار الشروق في بيروت وعمان. جاءت الرواية في مائتين و تسعين صفحة من القطع المتوسط

نساء أويا؛ رواية الوجه المستتر لتاريخ المرأة../ طارق عسراوي

صدرت للكاتب المتوكل طه رواية جديده بعنوان "نساء أويا، عن دار الشروق في بيروت وعمان. جاءت الرواية في مائتين و تسعين صفحة من القطع المتوسط.

وقد بدأت الرواية بخطاب تاريخي عميق على لسان المرأة، كأنها مرافعتها أمام قضاة التاريخ، لا لتقنعهم ببراءتها أو كي تظهر مدى الظلم الذي لحق بها أو لتعدد إنجازاتها، بل لتدين مرة أخرى تاريخا صاغه الرجل من مرآة نظره التي لم تعكس وجودها كركن أصيل في الصورة.

وتمعن الرواية في استنطاق أولى النساء، ثم تجيء بامرأة أخرى ثم أخرى لتغدو صفحات الرواية محاضر جلسات دونت بها شهادات قرابة الخمس وعشرين امرأة استدعاهن الكاتب من رمل التاريخ بما يغطي أكثر من ثلاثة آلاف عام. وقد حاول أن يضيء الكاتب هذه الحقبة الزمنية الطويلة بتلك الشهادات ليؤكد أن المرأة عبر التاريخ مظلومة ومستلبة.

واعتمد الكاتب طريقة جديدة في السرد الروائي ليصبغ الرواية بالسياق الدرامي إذ كانت بطلة الرواية امرأة ذات قدرة على الاستشراف وقراءة ما كتب على رمل الغيب، إذ تأخذ بحفنة من رمل الماضي وتنثرها في الهواء لتبدو حبات التراب حروفا تروي تاريخ المرأة التي وقعت عليها يد العرافة أو كأنها عرض سينمائي لتفاصيل حياة كل امرأة من النساء الخمس والعشرين.

والمفاجئ أن قدرات بطلة الرواية - قارئة الرمل – الاستثنائية لم تنجيها من نهايتها التراجيدية لتتشابه في المأساة مع كل نهاية امرأة ممن قدمن شهاداتهن، وكأن المأساة قدر نساء أويا دون استثناء على امتداد سنوات الرواية.

وكما في معظم كتبه يستند المتوكل طه لأرض لغته المتينة الصلبة، ويجعل من اللغة علامته الفارقة كما هو حال كتاب ( نصوص بترا ) على سبيل المثال، وفي نساء آويا لم يتخلّ الكاتب عن علامته الفارقة وبدا متماهيا، شغِفا باللغة مبتعدا عن الفائض المجاني.

وللرواية فنتازيا خاصة تفيض بها حكايات الرمل المفاجئة، فلا تبدو أنها واقعية رغم أن الواقع يبدو أشد غرابة من غرابة الرواية وسرياليتها. و يسجل للمتوكل طه أنه أطل بنا من خلال هذه الرواية خلف أسوار الممنوع فلا أجد أن ثمة قيد أو سقف قيد اقتحامه لموضوعات السياسية أو الجنس أو غيرها من التابوهات دون تسويق لفكرة ما على حساب أخرى أو إقحاما أو سعيا للإعجاب و التصفيق.

إن المتوكل في نساء أويا ينحاز كليا للمرأة، ويحاول الكشف عما لحق بها من تدنيس و إكراه واغتصاب خلال زمن الرواية، وكأني به يعيد المرأة ويضعها في مكانتها التي تستحق بما لها من فضل على الرجل فهي الأم و الزوجة والشقيقة والابنة، ويحذرنا من أن الظلم الواقع على المرأة ستكون تداعياته على الأبناء، وستنعكس سوءا و خسرانا على الرجل.

ولا يخفى أن الرواية عبر قصص النساء الخمس والعشرين هي وثيقة تاريخية و شهادة اجتماعية وثقافية لكل مرحلة من مراحل تاريخ الرواية ومكانها، وانه آن أوان إنصاف المرأة والانتصار لها لكي يكتب في التاريخ القادم أن المرأة شريكة الإنجاز.

أويا الاسم القديم لطرابلس ليبيا، وإحدى مدن فينيق الثلاث، من بيت الإله "ملقارت"، من هناك كتب المتوكل طه ما أملته عليه عرافة الرمل من قصص وأحداث، فنساء أويا انبثقنَ من تراب مأساتهن ليقلن لي أن المرأة قيمة وحضارة وجمال.

التعليقات