"ترنيمة مريم": دبلوماسية الجسد وخطيئة السياسة

بمزيج من الواقعية والرمزية، يقتحم الروائي التونسي توفيق العلوي في عمله الجديد "ترنيمة مريم"، أسوارا شائكة ويعري بجرأة واقعنا الاجتماعي والسياسي.

(pixabay)

بمزيج من الواقعية والرمزية، يقتحم الروائي التونسي توفيق العلوي في عمله الجديد "ترنيمة مريم"، أسوارا شائكة ويعري بجرأة واقعنا الاجتماعي والسياسي.

والرواية الصادرة عن دار زينب للنشر في 248 صفحة مقسمة إلى 30 فصلا، يحمل كل منها عنوان أغنية تونسية أو عربية مشهورة، هي الثانية للكاتب التونسي بعد "تعويذة العيفة".

منح الكاتب شخوص روايته وأماكنها دلالات رمزية وأجواء إيحائية، فلم يكن أي من شخصياتها الرئيسية أو أحداثها المحورية يخلو من دلالة تدفع القارئ لاكتشاف ما بين السطور.

وتبدو الرواية في ظاهرها بسيطة، تسرد رحلة معاناة مريم التي حملت بجنين عقب اعتداء جنسي، لكنها تحمل دلالات عميقة، تعري الجهل والفقر والانتهازية والوصولية التي نهشت تونس في فترة بين خريف 1987 وربيع 1989، بالتزامن مع إزاحة الرئيس الحبيب بورقيبة عن الحكم.

مريم عاملة نظافة في إحدى السفارات، وفي ليلة ظلماء وقفت فيها عاجزة أمام صدمتها وهشاشتها، وتعرضت لاعتداء جنسي من "سعادته".

ويصف العلوي حالتها "باهتة في ما يجري، صدمة والحال ظلمة، دهشة يسعى سعادته لرفعها ودبلوماسية الجسد تنتهك أرضا بورا".

تحمل مريم ثمرة خطيئة فرضت عليها كرها، ثم أخذت تداري سوءتها محاولة أن تجد حلا لكنها تجد نفسها دوما مغلوبة على أمرها ولقمة سائغة للانتهازيين متحيني الفرص.

لجأت إلى (الوقور) وهو أحد شيوخ الحي، لكنه استغل ثقتها وجهلها وضعفها النفسي ليعاشرها إذ "لا بد من رجل مسلم يرفع النجاسة ويكتم السر".

ولم تكن رحلة مريم بحثا عن مخرج لمصيبتها أفضل حالا عندما لجأت إلى المحامي لينتشلها من محنتها، لكنه نهش بدوره من لحمها وتركها.

اعتمد الكاتب في الرواية لغة شعرية تكاد تحيلها إلى "ترنيمة" مشبعة بألحان حزينة تتناغم مع تفاصيل حياة البطلة وصراعاتها النفسية، وتتماهى مع معاناتها كأنما ترثيها أو تواسيها.

ويقول في فصل بعنوان (أسألك الرحيل) "تخنقها الهواجس فتتخيل الجنين يلاغيها. تهدأ بالا. تعاودها الملاغاة تدعوها إلى صبر جميل، تنرعب، تنزعج، تكاد تضع إصبعها فرط وقع الكلمات.. أماه أسألك الرحيل، كل الطرق تؤدي إلى الترحال.. لي أن أندثر في الطبيعة، ما وددت حياة بموت".

تحاول خالة مريم مساعدتها بالتخلص من الرضيعة بعد ولادتها برميها في الوادي لكنها لم تستطع، فتركتها أمام مسجد ليجدها المصلون ويقررون إيجاد من يتبناها.

كما تحكي الرواية عن التحولات الكبرى في تلك الفترة من خلال تحكم قادة الحزب في مصائر الناس. ويبرز ذلك بين سطور حكاية (جمال) شقيق مريم الذي تقاذفته الحياة قبل أن ترميه في أحضان الحزب الحاكم.

فبعد خروج جمال من السجن بسبب تعاطي المخدرات، تعرف على هاجر وجمعتهما علاقة حب، لكن زعيم الحزب اختار لهما مصيرا آخر عندما قرر تزويجه من شقيقته وتزويج حبيبته بعضده الأيمن. لكنهما يهربان.

وتختتم الرواية بفصل عنوانه (سنرجع يوما إلى حينا) بسفر جمال وهجرته إلى إيطاليا.

ويقول الراوي فيها "حمدا لله عن انسلاخه عن البركة وأتباعه قبل أن تتلطخ يداه، ينظر فيهما، يتفقدهما، يمسك بيد هاجر اليسرى، يدفئها، وإذا باليمنى ماسكة صورة لمريم التقطت منذ يومين. بدت سمحة بهية تحتضن جميلة (...)".

 

التعليقات