"لوغاريتم": متاهة الواقع أكثر تعقيدا من الخيال

تبدأ بخاتمة وتنتهي بمقدمة؛ غلاف يحمل عبارة "الأحداث العظيمة تحدث مرتين وربما أكثر"؛ إهداء من مؤلف الرواية ثم إهداء من بطل الرواية لزوجة وحبيبة وعشيقات أخريات؛ أحداث تتداخل مع أحداث وراو واحد للأحداث... أم أنه أكثر من راو؟

تبدأ بخاتمة وتنتهي بمقدمة؛ غلاف يحمل عبارة "الأحداث العظيمة تحدث مرتين وربما أكثر"؛ إهداء من مؤلف الرواية ثم إهداء من بطل الرواية لزوجة وحبيبة وعشيقات أخريات؛ أحداث تتداخل مع أحداث وراو واحد للأحداث... أم أنه أكثر من راو؟ هل هي رواية واحدة أم أكثر؟ كل عنصر مهما بلغ من الصغر يجعل رواية أمير عاطف (لوغاريتم) تستحق هذا الاسم عن جدارة.

للوهلة الأولى تبدو الرواية تقليدية نوعا ما إذ تلقي الضوء على حياة الروائي الشهير معبود الجماهير العاشقة للقراءة مروان جابر. ويبدو واضحا تماما أن البطل زير نساء مولع بعلاقات متعددة مع الجميلات رغم أن له زوجة محبة مخلصة، بل أن عشيقته الرئيسية هي شقيقة زوجته.

يسهب الكاتب في وصف حياة مروان جابر المفعمة بالمجون والعبث برغم موهبته ونجاحه المهني الكبير.

في قمة نجاح بطل الرواية يفاجئ بتوجيه الاتهام له ولعشيقته بقتل زوجته برغم إصراره حتى النهاية على براءته. يحاكم بطل الرواية ويقضي أعواما خلف أسوار سجن يلقى فيه صنوفا من العذاب ليخرج منه بعد ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، لا يكاد يفهم شيئا مما يدور حوله.

لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، وإنما تصفعه الحقيقة بقسوتها ليدرك أن ما يكتبه في الروايات يمكن أن يتحول لواقع وأن الشخصيات الروائية يمكن أن تتجسد في عالمه وتحيل حياته جحيما، ويفهم حقيقة أنه تعرض لانتقام محكم ومعد له ببراعة منقطعة النظير، لكن الفهم يأتيه متأخرا جدا.

تتوالى مفاجآت اللوغاريتم المعقد حتى الصفحات الأخيرة من الرواية ليجد القارئ نفسه يلهث من متابعة الأحداث المتلاحقة ويكتشف أن الحقيقة قد تكون أبعد بكثير مما تبدو عليه.

لا تقتصر الرواية على إلقاء الضوء على حياة مروان جابر الماجنة التي تخلو من أي وازع أخلاقي، فلا يتوانى عن الخيانة والسرقة وارتكاب كل ما يكفل له الوصول لأهدافه، وإنما تطرح أيضا العلاقة الشائكة بين الزوجة ريهام وشقيقتها وفاء التي كان لها دور كبير في التحول الذي ستشهده شخصية ريهام وتحولها المفاجئ.

الحبكة التي استخدمها الكاتب في روايته تضع القارئ في حيرة حقيقية، حيث يجد أنه ما أن يصل لنقطة ذروة الأحداث حتى يفاجأ أنه ما يزال هناك المزيد وأن الذروة ليست تلك التي ظن أنه بلغها.

يلجأ المؤلف للدراما النفسية في العمل حيث يظهر بشكل غير مباشر أثر مرحلة الطفولة وما يتعرض له المرء خلالها ودور ذلك في تكوين الشخصية لاحقا، إذ أن لطفولة بطل الرواية الرئيسي مروان جابر دور شديد الأهمية فيما آلت إليه حياته وشخصيته.

جميع الشخصيات الرئيسية في الرواية تقريبا تحمل سمات البطل التراجيدي الكلاسيكي. مروان جابر برغم نجاحه وشهرته ووسامته إلا أنه زوج خائن بلا ضمير لا يتورع عن فعل أي شيء للوصول لهدفه لكن القارئ لا يملك سوى أن يتعاطف معه في بعض الأحيان خاصة فترة وجوده في السجن والتغير الهائل الذي طرأ عليه بسبب هذه المحنة.

الزوجة المخلصة المحبة ريهام التي تبدو مثالية الشخصية من جميع الأركان، قد ينتقد البعض خنوعها الشديد لزوج خائن لا يكف عن إيذائها، لكنها تمر بنقطة التحول التي تجعل منها إنسانا منتقما شديد القسوة وإن كان ذلك مبررا نوعا ما. حتى وفاء العشيقة يرى بها القارئ في بعض الأحيان الضعف البشري الذي يظهر مدى هشاشتها الداخلية.

لا يقتصر الأمر على الدراما النفسية وملامح التراجيديا الواضحة في الرواية بل تحمل الفترة التي قضاها مروان جابر في السجن سمات أجواء كافكا السوداوية. كما أن الرواية في مجملها يغلب عليها طابع الإثارة والغموض والتشويق وهو ما يجعل منها عملا متعدد الأوجه.

رواية لوغاريتم مكتوبة في 270 صفحة من القطع المتوسط، وهي صادرة عن دار دَوِّن للنشر والتوزيع، والعمل الروائي الثالث للكاتب المصري أمير عاطف.

 

التعليقات