20/09/2009 - 15:48

الشاعر الفلسطيني محمود درويش يزور المدن الفلسطينية غادة اسعد/عرب 48

الشاعر الفلسطيني محمود درويش يزور المدن الفلسطينية
غادة اسعد/عرب 48
لم تعد لبطاقات الهوية وجوازات السفر الدبلوماسية مكانًا في حياة درويش وفي ذكرياته، صارَ شعره جواز سفره، واينما حلّ تحتضنه القلوب والعيون والمشاعر، قادمًا من أماكن بعيدة، حاملاً معه همّ شعبه، وحبه الكبير لمعنى القصيدة، جاءَ إلى المعرض، الذي حمل عنوان: "جواز سفر"، مخترقاً جلّ الحواجز التي اعترضته حيًا، وميتًا، كما اعترضت من قبل ملايين الزوار الى فلسطين، هو الشاعر الفنان، الشراع الفلسطيني الذي حمله الفن التشكيلي ليصل الى كل بقاع الأرض، وفي هذه المرة أتى من رام الله، متجاوزًا الحواجز، مقيمًا في مدينة الطيرة في منطقة المثلث الفلسطينية، تلتقط اللوحات انفاسها الملتهبة، لتنتقل الى مدينة طمرة، تتجول بالجراح والفرح الذي عاشه محمود درويش، وكما هي القصائد ملتهبة بالعشق للكلمات، كذلك الحالُ في اللوحات التي رسمها أكثر من عشرين فنانًا تشكيليًا، جاءوا بلوحاتهم وغاب كثيرون منهم بفعل الاحتلال.
"جواز سفر"، معرضٌ نظمه المسؤولون في جاليري المحطة في رام الله برعاية وزارة الثقافة الفلسطينية وبالتعاون مع مؤسسة عبد المحسن القطان ومركز خليل السكاكيني الثقافي، وهم الذين توجهوا للفنانين التشكيليين على اختلاف اسماءهم، ليرسوا الحظ على خمسة وعشرين فناناً من مناطق مختلفة في البلاد، ليقدّموا لوحاتهم التي تتماثل مع إبداعات محمود درويش ومكانته وحقه في ذكراه الأولى، في ما أشرف على المعرض الفنان الطمراوي أحمد كنعان الذي تبنّى المعرض، وساهم في التحضير المكثّف لإقامته.
* طمرة تحتضن درويش *
من لم يكن يعرف أنّ الإبداع هو اقوى سلاح في وجه العدائية والكراهية، فقد أخطأ، فمؤخرًا كانَ للإبداع مكان رئيس في تكريم شاعرنا الكبير محمود درويش، جاءَ كثيرون فلم تتسع قاعة الاستقبال لاحتضانهم، وتجولوا وتابعوا البرنامج المخصص لتكريم الشاعر لمناسبة ذكراه الأولى.
كان البرنامج عامرًا بالكلمات الترحيبية وتألق أصدقاء الراحل المحامي جواد بولص وشقيقه المربي زكي درويش، كما شارك كلٌ من الشاعران حنا ابراهيم وحسين مهنا، وتولت عرافة الاحتفال الشاعرة الطمراوية نهاية عرموش.
وجديرٌ بالذكر أن كثيرون من أبناء طمرة رعوا افتتاح المعرض، وهم: محلبة الجليل ابو رومي , محطة وقود اخوان سمار, مركز بصريات طمره , نعيم قاسم , جمعية اجيال , حركة اضمامة النسائية , كوفي بين وازياء الانوار.
أما المشاركون في المعرض من الفنانين فهم كالتالي: ابراهيم نوباني، ايمن حلبي، بشار حروب، تيسير بركات، جواد ابراهيم، حسنة رضوان، حمادة امداح، خالد حوراني، دينا غزال، رأفت اسعد، رنا بشارة، زهدي قادري، سليمان منصور، سناء فرح بشارة، طالب دويك، عبدالرحمن المزين، عصمت اسعد، فاتن نسطاس، فهد حلبي، فيرا تماري، محمد ابو ستية، محمد صالح خليل، منذر جوابرة، نايل قدري، نبيل عناني، ونهاد ضابيط، ياسين زيداني وخليل ريّان. ويشار ايضًا انّ المعرض سيستمر حتى الثلاثين من تشرين الأول القادم.
*الرسم والشعر متلازمان*
لم يخطئ محمود درويش حين قال: "هزمتكَ يا موت الفنون جميعها.../هزمتك يا موت الأغاني في/بلاد الرافدين. مسلة المصري، مقبرة الفراعنة،/النقوش على حجارة معبدٍ هزمتك/وانتصرت، وأفلت من كمائنك/ الخلود.../فاصنع بنا، واصنع بنفسك ما تريد..."
هي إذًا قصيدةٌ ينتصر فيها الفن على المحسوسات والملموسات من الكائنات، وكما هي الكلمة في حياة درويش، هو الابداع في ذكراه الأولى.
هكذا يعتقد الفنانون المشاركون، وهذا ما يؤكده احمد كنعان وياسين زيداني، اللذان عشقا روح درويش، كما عشقا قصائده.
فحين نقرأ من قصائده: "كنا نقطة التكوين، كنا وردة السور الطويل وما تبقى من جدار، ماذا تبقى منك غير قصيدة الروح المحلّق في دخان"، هي القصيدة، اللوحة، الابداع.
وعن التواصل مع الفنانين، تحضيرًا للمعرض يقول أحمد كنعان: "تمّ التوجه للفنانين لتقديم اقتراحاتهم، بعد شهرين من وفاة الشاعر محمود درويش، فكان الافتتاح في رام الله، ثم انتقل الى جامعة بير زيت فدائرة الفنون في عمان وبعدها الى الطيرة وطمرة وسينتقل الى الناصرة في جولةٍ فنية...".
كثيرون من الفنانين تحمّسوا للمشاركة لكنّ لم تقبل جميع الأعمال، خاصةً أنّه كان لا بدّ من لغةٍ مشتركة بين اللوحةِ والقصيدة، لكنّ المعرض بالمجمل بدا فنيًا أدبيًا.
*عشاق درويش*
كان الحضور رهيبًا، وجوهٌ معروفة، ووجوه جديدة التقت حول اللوحات والقصائد المعروضة، وانصت الحضور كبارًا وصغارًا، نساءًا ورجالاً وأطفالاً للقصائد التي قيلت بحق درويش والقصائد التي قالها الشاعر قبل أن يغادر الدنيا، ويتركنا.
لم يكن المشهد غريبًا فدرويش ظاهرة، وفاقها الترحيب الكبير والحب الكثير والرثاء المرير في وداع الشاعر الفسطيني، وقد سجّل التاريخ في الماضي البعيد لقاءٌ للشاعر مع جمهوره في بيوت، حين القى قصائده، فكان المشاهدون في القاعة الفي شخص، وفي الخارج ثمانية الاف شخص.
لقد استطاع درويش أن يؤثر كونه حمل الهم الفلسطيني على عاتقه، فهو أكثر من كان على علاقة مباشرة مع الآخر، غير الفلسطيني في الداخل، المحتل، الذي سرق بروته وسرق طفولته وحاول سرقة قصائده او الغائها من تفاصيله.
فكان درويش مؤثرًا وواحداً من أبرز أدباء المقاومة، ومن فلسطينيي الداخل الذين رفضوا هوية الآخر وحملوا جوازَ سفرٍ غير مكتوب، هو زميلٌ لكثيرون من بينهم: توفيق زياد، سميح القاسم، راشد حسين...
محمود درويش، ترك الوطن، وظل مرتبطًا بالقضية، صار سفيرًا في العالم، هاجر وحمل الهم معه، وظلّ يحمل همه الى اخر يوم في حياته.

*العلاقة بين القصيدة واللوحة*
في موازاة الشعر والأدب، كان هناك فنانون تشكيليون، من جيل النكبة، كانوا هنا ثم شردوا الى الضفة الغربية وقطاع غزة او الى العالم العربي والعالمي وفي اعمالهم الفنية تناولوا القضية الفلسطينية، ظلّ ارتباطهم بالأرض والهوية قويًا، ومن بينهم: اسماعيل شموط، تمام الأكحل، محمد ابو زريق ومحمود طه،
يقول احمد كنعان: "أعمال اسماعيل شموط تحتاج الى متحفٍ منفرد، لأنه يحكي الحكاية من البداية، ايام التهجير، والترحيل ومعاناة المخيمات وكل ما مرّ به التاريخ الفلسطيني من مآسٍ وويلات".
وكما حمل الفلسطينيون في الخارج وفي الاغتراب قضيتهم وسطروها لوحاتٍ وقصائد، كذلك فعل الفنانون في الداخل، فيعيشون يتلقون الضربة على جلودهم، هنا قصة الآخر، والعلاقة معه، هنا قضية الارض، واللاجئين واللاجئين الذين بقوا في الأرض، كلها صورٌ سطرها الفن المحلي.
"نحن لا نرسم الفرح فقط، بل نرسم العمق الفلسطيني"، يقول ياسين زيداني.
ثم اتجه الى حديثٍ أخر، فقال: "كنت أحب ان يحضر الذين شاركوا في المعرض، لكن للأسف يصعب حضورهم، بسبب الحواجز، والجدار الفاصل بين الفلسطيني وأبناء شعبه".
الفنانون الحاضرون في لوحاتهم من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة يرسمون عن القضية الفلسطينية، ويظهرون المعتدي بشكلٍ بارز، بسبب الاحتكاك اليومي مع الآخر، بينما في الداخل يرسمون الفرح قليلاً والطبيعة، هم يميلون الى التجريدية والالوان الجميلة والتقنيات الجميلة.
* أحن الى خبز أمي في لوحة تجسيدية لرنا *
أبدعت بفكرتها، وحولتها الى واقع، الى بيتٍ دافئ يحتضن الشاعر محمود درويش، يجالس امه ويشرب قهوتها، ويشم رائحة بروته، فكرة ابداعية، طبقتها على ارض الواقع، فأبدعت.
أما الزائر يعقوب حجازي، فعلّق على استغراب البعض من مكانة درويش واحتضانه الرائع بعد وفاته، فقال: "نحن بحاجة الى محمود درويش، لا هو، نحنُ نحتاجُ الى رمزٍ وها هو رمزنا وقدوتنا وفخرنا".
ويظل درويش في عيون محبيه أجمل لوحة، وأروع كلماتٍ... فهل كسر حضوره الفني إلى مدينة طمرة الحواجز التي حالت بينه وبين عشاقه حياً وميتًا.

.

التعليقات