31/10/2010 - 11:02

رحيل الشاعر عبد الجليل وهبي صانع مجد الأغنية اللبنانية

-

رحيل الشاعر عبد الجليل وهبي صانع مجد الأغنية اللبنانية
لم تطل رحلة الشاعر الغنائي الكبير عبد الجليل وهبي مع مرضه، فيوم الإثنين الفائت ادخل وهبي على جناح السرعة طوارئ مستشفى بيروت، ليرحل منتصف ليل الجمعة تاركاً مكتبة ضخمة من الأغنيات التي رددها كبار المطربين والمطربات اللبنانيين والعرب.

وإذا كانت شهرة عبد الجليل وهبي قامت بشكل خاص على الأغنية، إذ كان من أوائل الشعراء الذين كتبوا الأغنية مع زميليه وصديقيه الأسعدين (أسعد السبعلي وأسعد سابا)، مؤلّفاً معهما ما عرف ب<<عصبة الشعر>>، فإنه تميّز أيضاً بارتجاليّة شعريّة نادرة، لا سيّما أنه كان زجالاً من الصف الأوّل نازل خلال شبابه كبار شعراء الزجل في عصره امثال علي الحاج القماطي، محمد مصطفى، موسى زغيب وزين شعيب الذي رحل قبل أيّام قليلة.

خلال اكثر من نصف قرن، ساهم وهبي إلى حد كبير بإثراء المكتبة الموسيقيّة بآلاف الأغنيات (يقدر عددها بنحو 5000 أغنية)، ولعل أشهرها أغنية <<عاللومة>> التي كانت الخطوة الأولى في درب شهرة المطرب الكبير وديع الصافي عام 1953، ما فتح الطريق أمام مزيد من التعامل بين العملاقين الكبيرين. ومن بين هذه الأغنيات التي حصدت شهرة كبيرة <<جنات عَ مد النظر>>، <<بترحْلك مشوار>>، <<بالساحة تلاقينا>>، <<للضيف مفتوحة منازلنا>>...

وإذا كان المطربون اللبنانيين تسابقوا على <<أخذ الأغنيات منه كما يتسابق الناس على الحصول على رغيف الخبز في زمن الحرب>>، بحسب تعبير زوجته السابقة المطربة وداد، فغنى من كلماته الشحرورة صباح (<<دخل عيونك حاكينا>>، <<عالعصفوريّة>>)، نجاح سلام، نصري شمس الدين، نور الهدى، سميرة توفيق، فإن شهرة عبد الجليل المحليّة، فتحت في وجهه بوابة اللقاءات مع كبار المطربين العرب، ومن بينهم فايزة أحمد التي غنت من كلماته <<بنتي قمورة وأحلى من الصورة>>، وردة الجزائريّة (لولا ما بحبك لولا، على شو يا حبيبي)، عبد العزيز محمود (لو نحسب للحب حساب)، ونجاة الصغيرة (احمي أرضك) وصباح فخري (عدد النجوم والرمال بعتلك مراسيل)، فريد الأطرش (<<اشتقتلك>> و<<شعْبُنا يوم الفدا>>).

بعد سلسلة من النجاحات المتلاحقة، طلب موسيقار الأجيال محمّد عبد الوهّاب لقاءه في استديوهات الإذاعة اللبنانيّة للاتفاق معه على سلسلة من الأعمال كانت باكورتها <<يا حبيبي الله يخليك>> (لحّنها عبد الوهاب وغناها عبد الغني السيّد)، لكن ظروف الرجلين لم تسمح بتجدد اللقاء بينهما ثانية.

أواخر الستينيات، التقى عبد الجليل وهبي في مطعمه <<ليتوال>>، مقصد الفنانين في ذلك الوقت، الملحن بليغ حمدي واتفقا معاً على أغنية مشتركة ليغنيها العندليب الأسمر عبد الحليم، فكتب عبد الجليل:

الهوا هوايا أبنيلك قصر عالي
واحميك من الليالي وأشوف منك عيالي
شبان وصبايا

لكن ما لبث بليغ حمدي أن سافر إلى القاهرة، وأسند كتابة الأغنية من جديد إلى الشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي، بعد اعتذاره من عبد الجليل لعدم اعتماد كلماته بحجة عدم انسجامها مع لحنه.

عبد الجليل وهبي الذي ولد عام 1921 في حلب، ينتمي بنسب عائلته إلى بلدة حاروف الجنوبيّة، عاش طفولته في بيروت، وعشق الشعر منذ نعومة أظفاره، فارتقى المنابر ليغدو بعد ذلك اسماً كبيراً في عالم الشعر، حاملاً شهادة البكالوريا من مدرسة حوض الولاية.

عام 1953، دخل بصفته ملحناً الإذاعة اللبنانيّة، وما لبث أن شكّل مع أسعد سابا ومصطفى محمود لجنة الشعر، ومهمتها الإشراف على مستوى النصوص الشعريّة ومدى قابليتها للغناء.

في العام 1961، انتخب أول رئيس لجمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى في لبنان، لتمنحه الجمعية بعد سبعة عشر عاماً وسام الشرف باسمها.

سافر عبد الجليل وهبي منتصف السبعينيات إلى الإمارات العربيّة المتحدّة، حيث أقام في أبو ظبي مؤسّساً شركة إنتاج فني، ليبتعد بعد ذلك عن أجواء الشعر ويفتتح محلاً للمجوهرات والأحجار الكريمة. وتنقل بعد ذلك بين عدد من البلدان العربيّة، فزار الكويت والمملكة العربيّة السعوديّة وسواها...

خلال العام 2003، عاد إلى لبنان، ليمضي أيّامه الأخيرة في حضن عائلته، ويعيش مع ابنته البكر فاطمة التي بدأت مؤخّراً تحضير ديوان شعر له يتضمن مجموعة من كلمات أغنياته، فضلاً عن شهادات من كبار المطربين والزملاء الذين رافقوا مسيرته الطويلة. وقبل أشهر، كُرِّم في بلدته حاروف ومنحه رئيس الجمهوريّة وسام الاستحقاق تقديراً لعطاءاته الكبيرة، علماً بأنه حصد عدداً من الأوسمة من جهات مختلفة خلال حياته.
وبرحيل عبد الجليل وهبي، ينضم مبدع آخر إلى قافلة الكبار الذين صنعوا مجد الأغنية اللبنانيّة وعزّها، والذين تخلدهم أسماؤهم وأعمالهم.



"السفير"

التعليقات