31/10/2010 - 11:02

"شظايا رواية" فلسطين عزمي بشارة

هوية فلسطين واحدة, هذا صحيح, لكنها تتجلى في حالات متعددة: الأهالي في كيان 1948 حاملو الجنسية الاسرائيلية, المقدسيون الذين وضعتهم اسرائيل في منزلة صعبة ترشحهم لفقدان الانتماء القانوني الى مدينتهم, أهالي مناطق السلطة ووضعهم القلق بحسب قلق السلطة نفسها, الفلسطينيون في الأردن حيث ازدواجية الانتماء يخفف منها قرب وطنهم الجغرافي, اللاجئون في البلاد العربية حيث تبرز الفلسطينية السياسية بقوة في مخيمات لبنان وسورية, المهاجرون خارج البلاد العربية وقد صاروا مواطنين أجانب يحملون فلسطين قضية معنوية لا تتصل بعيشهم ومصيرهم.

شظايا فلسطين أمر واقع, لكن النائب العربي في الكنيست الاسرائيلي عزمي بشارة نقل صورة الشظايا هذه الى مكان محدد هو فلسطين نفسها التي تبدو اليوم أشبه بدولة حواجز يقيمها المحتل الاسرائيلي وتتشكل منها ظاهرة عيش ودلالة قلق خاص اختار له عزمي بشارة التعبير الأدبي في ما سماه "شظايا رواية" عنوانها "الحاجز", صدر جزؤها الأول ويليه الثاني عن دار رياض الريس للنشر في بيروت وستصدر ترجمتها الفرنسية عن "اكت سود" في باريس قبل نهاية هذا العام.

"الحاجز" لا تذكر بروايات اميل حبيبي على رغم تضمنها الكثير من حسّ السخرية تعليقات النموذج الفلسطيني على أوضاعه غير النموذجية, وهي لا تذكّر بروايات وسيَر كتبها عائدون الى الوطن بعد أوسلو من أبرزهم مريد البرغوثي على رغم ان الحاجز كان بطلاً واضحاً في كتابات هؤلاء في حين أنه البطل الرئيسي في "شظايا رواية" عزمي بشارة. و"الحاجز" كولاج بشر وأمكنة في وضع يحتمل اعادة التأليف بين وقت وآخر, والذي يعيد التأليف هو الاحتلال الذي يظهر في صورة جنود قليلي الكلام يقف خلفهم مهندس أمني يُخضع كل شيء لتحقيق مهمته, المكان والبشر والرغبات والماضي والمستقبل والمصالح والخيبات والانتصارات.

يضع عزمي بشارة الحاجز القاسي في مقابل عيني الطفولة إذ تروي وتقف في خلفية وصف المشهد وتقديمه الى القارئ, من هنا حضور الرقة الدائم والجمالية التي لا تغيب في مشاهد يحكمها العنف حتى تكاد تنفجر. يستدعي الحاجز الأشياء والبشر نثاراً ونتفاً ويشكل منهم جميعاً ما يشبه المؤسسة, حتى تبدو نقطة المراقبة والانتظار كأنها في كوكب آخر, أو كأنها خارج المجتمع الذي يتنقل فيه هؤلاء العابرون بصعوبة لا تطاق, فيشكل الحاجز مجتمعه الخاص حيث مفاتيح كلام وموضوعات لا تشبه مثيلاتها في مكان آخر, وحيث اشكال للارتزاق لا تدخل تحت مسميات المهن المعروفة, وحيث آليات للتعامل خاصة خصوصية شعارات قماش يشبه الخيم وسيارات متوسطة الحجم لا باصات ولا تكسيات.

فلسطين هي هذا الحاجز, ومجتمعه يعبر عنها كما لا تعبر سلطة أو أي تجمع مدني أو عسكري, واسرائيل هي جنود الحاجز لا حكومتها ولا جيشها الجرار ولا ديبلوماسيتها الناجحة في العالم لأسباب غير موضوعية في أحيان كثيرة. هنا عند الحاجز تختصر المسألة الأكثر تعقيداً في عالمنا.

وفي طابور الانتظار الطويل هذا المشهد: "في أحد الأيام سقط الشادر من جهته الشمالية. سقط ببساطة. فرفعه أول الواقفين بالدور وبقي يسنده بيده ثم انضم اليه أكثر من عشرة يستظلون بالشادر, يقفون جميعاً في انتظار دورهم وأيديهم اليمنى مرفوعة الى أعلى ويتبادلون الأماكن كلما تقدم الدور, ويضحكون من المهمة الجديدة ومن منظرهم الغريب كأنهم يرفعون أيديهم في وداع قريبهم على الحدود, أو يصرون على رفع الراية مهما كان الثمن.

منذ تلك الأيام القائظة والتي يبدو أن ثقب الأوزون قد تحالف فيها مع الحاجز أصبح بالإمكان تقسيم المعاناة أو الانجازات الى قسمين: مرحلة ما قبل الوصول الى "الشادر" ومرحلة ما بعده. وهنالك من يستعجل المراحل, فقبل وصوله الشادر ببضعة سنتيمترات يمطُّ رقبته ويدلّي رأسه عند الظل ليشعر بالأمان أو ليقنع نفسه بأنه أنجز مرحلة من مراحل التقدم نحو الهدف المنشود:

- أوف... دخيل الله.

- قول الحمد لله.

- كمان هاي فيها مزاودة؟ هدي بال حضرتك لأنك وصلت الظل قبلي بساعة, لحقت تهدأ وكمان توعظ؟ طيب يا سيدي, الحمد لله. الله يذلكو يا عرب مثل ما ذلتونا.

- وشو دخل العرب, شو دخلهم؟ بدك يعني يمدولك الشادر؟

- أسكت يا!! خلص, بكفي حل عني!!... الله يذلهم, الله يذلهم يا شيخ".
(عن "الحياة")

التعليقات