31/10/2010 - 11:02

فرقة الفنون الشعبية تحتفل بخمسة وعشرين عاما من الابداع المقاوم

الفرقة تقيم مساء اليوم احتفالية يوبيلها الفضي* ضيف الشرف النائب الدكتور عزمي بشارة

فرقة الفنون الشعبية تحتفل بخمسة وعشرين عاما من الابداع المقاوم
بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسها، تقيم فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية امسية احتفالية، مساء اليوم الخميس، بمناسبة يوبيلها الفضي.

وسيقام الاحتفال في قصر رام الله الثقافي ويتضمن برنامج الامسية رقصات جديدة وقديمة للفنون والبراعم .

وسيكون ضيف الشرف في هذه الامسية الثقافية الفنية النائب الدكتور عزمي بشارة.

وجاء في بيان اصدرته الفرقة بهذه المناسبة تعريف عنها وعن الدور الذي قامت به خلال سنوات عملها:

"دبكنا عندما كان إحياء التراث ممنوعاً، وشبكنا الأيادي عندما كان ذلك محرماً ، وجرّبنا الجديدَ عندما كان مستهجناً ... غذينا جذورَنا كي لا تجف، وانطلقنا لفضاءٍ أرحب كي لا نتمتحف ... طوّرنا رقصاً معاصراً يحمل هويتنا ، ورفضنا التطبيع عندما أضحى موضة... رقصنا فحرّكنا قلوب وعقول عشرات الآلاف على مر عقدين ونصف من الزمان في مدن وقرى ومخيمات فلسطين .. في أمريكا وأوروبا، وفي مدن عربية تمتد من الخليج إلى المحيط ... وبكينا وقلبنا المواجع في عين الحلوة ونهر البارد وبرج البراجنة وبيروت ... وما زلنا نرقص ونبدع فنا يتغذى بالأصالة ويحيى بالمعاصرة ويقوى بعمق الانتماء". منذ اللحظات الأولى... .. قبل خمسة وعشرين عاما وأيام كانت رؤوس الدبيكة أعلى من سقف البيت القديم الذي احتضن فرقتنا، فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية، ونحن نستكشف ونستشرف، نشاكس ونكسر البداهات، نحاور ونساجل، نجرب ونغامر .. وفي هذا العام وبعد خمسة وعشرين عاما على بداية الحنجلة وصولا الى بداية الرقص اصبح من حقنا نحن الفنونيون ان نفتخر، لا ان نتفاخر، ومن واجبنا ان نراجع لا ان نتراجع.. فالمسؤولية كبرى والحمل ثقيل..
في ظروف غير عادية كالتي نعيش ربما من حقنا ألا نصدق أننا ما زلنا على قيد الاحتفاء بوجودنا، ولكننا في ذات الوقت نطلق سؤالا اكبر منا هو سؤال فلسطيني بامتياز " أنحتفي أم نختفي؟؟" ...
اننا في غمرة هذه المحاورة الذاتية التي نخوضها معا خالد قطامش ( مدير اعمال فرقة الفنون) وانا ( عضو مجلس امنائها) نحاول ان ننثر رذاذا من رحيق النوستالجيا .. لعلنا نوفق في استفزاز المياه الراكدة كي تنهض من ضحالتها، وفي استكناه قسمات الغد، كي يرتسم حلمنا الجميل باشراق وتسام.

... في سنوات المخاض الاولى لملم الهم والاهتمام المشترك الاعضاء المؤسسين لفرقة الفنون كمجموعة من الشبان والشابات المتحمسين والواعدين، الذين كانت تدفعهم اهتماماتهم بحماية الفولكلور الفلسطيني من الضياع والاندثار، والعمل على ترسيخ العلاقة بين التراث الشعبي والجمهور الفلسطيني في مواقعه المختلفة، وتعريف العالم بمدى التجذر الفلسطيني في حضارته وتاريخه وصلته بالمكان وتوافر عناصر الحياة والاستمرارية لديه من خلال فنونه وابداعاته المتنوعة.
نحن دائما نقول اننا في بداية الطريق، ونظل باستمرار حاملين للتوجس والقلق ، ذلك ان ظرفا كالظرف الفلسطيني لا يسمح بعمر طويل كعمر فرقتنا ، فهل تخطينا فعلا حدود العمر الطبيعي لفرقة فنية فلسطينية؟؟ نحن لسنا حالة نادرة لكنها حالة فلسطينية مشابهة لكثير من حالات التحدي الوجودي عبر شكل من اسمى اشكال مصارعة الموت وهو الابداع .. فالى اي حد نستطيع في فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية ان نختزل سنوات الالق؟.

خالد قطامش: ربما نكون ممن يكرهون لغة الارقام لكنها بليغة في بعض الاحيان وتستطيع ان تقول شيئا، فلو تصفحنا الارشيف قليلا فانه سوف يشي ببعض الحقائق حول تاريخ فرقة الفنون وبعضا من انجازاتها المهمة ، فقد انتجت فرقة الفنون حتى الان مجموعة من الاعمال الفنية هي : لوحات فلكلورية، ووادي التفاح، ومشعل، وأفراح فلسطينية، و مرج ابن عامر، و طلة ورا طلة، وزغاريد، والعرض الاخير( حيفا، بيروت وما بعد..) بالإضافة الى عشرات اللوحات التجريبية التي تسبق كل عمل فني جديد لتحديد مسارها الفني ورؤيتها العامة.
ويحفل تاريخ الفرقة بأكثر من ألف ومئتي عرض منذ 1979 في مدن وقرى ومخيمات فلسطين. وأبرزها كانت في مهرجان فلسطين الدولي من 1992 حتى 1999. أما في العالم، فقد قامت الفرقة بجولات فنية متعددة منها جولة فنية في الولايات المتحدة (15 مدينة)، 1986، وجولة ثانية في الولايات المتحدة (20 مدينة)،1991، وجولة في بريطانيا وفرنسا لجوقة الغناء،1992، وشاركت في مهرجان جرش الدولي في الأردن، 1994، ومهرجان "من أجلك يا قدس" في الإمارات العربية المتحدة، 1995 ومهرجان ريتفيك الدولي للفلكلور في السويد، 1996 ومهرجان بابل الدولي في العراق، 1996 واكسبو 98 في البرتغال 1998 وقامت بجولة في الولايات المتحدة (5 مدن)، 1998 وجولة في فرنسا ( خمسة مهرجانات فلكلورية)، 1999 ، وقدمت عروضا في دار الأوبرا في القاهرة، 1999 وقامت بجولة في لبنان (خمسة عروض)، 2000 وشاركت في اكسبو 2000 في هانوفر ألمانيا. وفي الإمارات العربية المتحدة (ثلاثة مدن)، 2001 وفي دار الأوبرا في مسرح الجمهورية في القاهرة ،2003 ، وفي مهرجان الرباط على مسرح محمد الخامس في المغرب 2004.. الى جانب الجولة المرتقبة في الولايات المتحدة. ولم تتمكن الفرقة من تلبية الكثير من الدعوات لاسباب عديدة مرتبطة بظروفنا الفلسطينية سواء المتعلقة بواقع الاحتلال او المتعلقة بظروف اعضاء الفرقة وامكانيات توفير الحاجات الاساسية للجولات الفنية وصعوبة الاجراءات الادارية والتنسيقية مع الجهات الداعية ، مثل دعوات البرازيل واسبانيا وتركيا وايطاليا والنمسا والولايات المتحدة والاردن وسوريا وغيرها..
اما براعم الفنون فقد كانت لهم عدة مشاركات فنية في الداخل والخارج اهمها الجولة الفنية في فرنسا في عام 2001 واليونان في العام 2002 وفي قطر في العام 2003 اضافة الى الجولة المرتقبة في لبنان.
ومن اهم الورشات التي شارك فيها راقصون من فرقة الفنون في العالم وفق الظروف التي اتيحت لها ورغما عن المعيقات فكانت ورشات للرقص في تونس 1999 وفرنسا2003، ولندن 2003 وبرشلونة 2004، ومالطا 2004.
كما تمت استضافة عدد من الراقصين العالميين والعرب الذين عقدوا ورشات في فلسطين مع الفنون من اهمهم : هالك واريك من فرنسا 1995، وروبرت ود من امريكا 1997و1998، ومارجي دوغلاس من كندا 1998، وكلوديا ليهمان المانيا 1998 ورونيت لاند من المانيا 1998، ونيكولاس رو من استراليا 1999، والان بتيل من بلجيكا 2003، وسيمون رو من جنوب افريقيا 2004..
وقد حصلت "الفنون" على مجموعة من الجوائز اهمها: الجائزة الاولى في مهرجان الدبكة الشعبية في جامعة بيرزيت 1979، والجائزة الاولى في مهرجان الرقص الشعبي في جامعة بير زيت 1982، والجائزة الاولى في مهرجان ليالي بيرزيت في جامعة بير زيت 1984، والجائزة الاولى في مهرجان الدبكة الشعبية في جامعة بيرزيت 1986، وجائزة نوح ابراهيم في الاردن 1987، وجائزة فلسطين للتراث الشعبي من وزارة الثقافة الفلسطينية للعام 1997.

خالد الغول : فلنتوقف عن استعراض الارشيف الى هنا.. اعتقد انه حان وقت استنباط المعاني واستخلاص العبر، وانه علينا ان نقرا اسباب هذه الحياة المتوالدة والمستمرة رغما عن كل شيء، ولكي ننجح في قراءة الأسباب والعوامل التي ساهمت في استمرارية التجربة وتطورها بهذا الشكل الراسخ والمتجدد ان ننسحب قليلا الى الوراء لكي نتامل ظروف وتاريخ نشوء الفرقة...

قطامش: كانت انطلاقتها في العام 1979 تعبيرا عن حالة نهوض جماهيري فلسطيني، متناغم مع الفعل الوطني والنضالي في تلك المرحلة حيث أخذت القوى السياسية تنشط في تشكيل أطرها الجماهيرية وفعالياتها المجتمعية، مما ساهم في تفعيل النوادي والنقابات والمؤسسات الجماهيرية لنشاطاتها وتوسعها على مختلف الصعد، وزاد من التفاعل مع المجتمع بشكل أفضل وأوسع، وكان للبعد الثقافي التراثي الأهمية الكبيرة في معركة اثبات وجودنا البشري والتاريخي والجغرافي والتراثي والحضاري الممتد، فجاءت فكرة تأسيس فرقة الفنون الشعبية لتكون لها مساهمتها في الحفاظ على التراث الشعبي الفلسطيني وحمايته من المحو والتغييب. ان فرقة الفنون الشعبية هي جسم فني مستقل، غير ربحي يعتمد كليا تقريبا على جهود متطوعيه ومتطوعاته، وتحرص باستمرار على استقلاليتها في تقرير أمورها الداخلية التي تخضع لنقاش داخلي جماعي وديمقراطي على الصعيد الفني والإداري والمالي.
ان من اسباب استمرار عمل الفرقة وجود قوانين وأنظمة داخلية مهنية وعصرية تنظم عمل الفرقة، هذه القوانين مرنة وديناميكية، جاءت في سياق تطور طبيعي لمسار الفرقة، وتعبر عن انسجام بين الأعضاء، وعن مدى توافر الاجواء المريحة العامة في العمل في مختلف المجالات ، مما يجعل الجميع يحترم مجمل القرارات والأفكار واللوائح التي يعتمدها مجلس الأمناء، وتنفذها الإدارة التنفيذية الميدانية. فتتبدى واضحة في التنفيذ آلية تنظم يوميات وتفاصيل عمل الفرقة على صعيد عمل مكتب الفرقة ،والتصميم، والتدريب، والتطوير، والإعلام والتسويق والعلاقات العامة، والعضوية ...الخ
كما ان وجود إدارة جماعية للفرقة منذ تأسيسها ضمن لها الاستمرارية والتطور، ولم يكن هذا الأمر ليتعارض بأي شكل ولا في أي وقت مع دور الفرد في الفرقة ، بل إننا نعتمد في أسلوبنا على الانخراط الطوعي الخلاق للفرد في الجماعة دون إلغاء لخصوصيته وفرادته، وعلى وضع هذه الخصوصية في الإطار الجماعي في سياق إبداعي، مما يرفع من مستوى وحجم مساهمات الفرد ويجعلها الرافد المعطاء لمساهمة الجماعة وبالعكس، وهذا الأسلوب المطبق فنيا وإداريا، حمى الفرقة تاريخيا من احتمالات تعرضها للشلل، إذا ما غادرها أحد الأعضاء المميزين، مهما كان موقعه ودوره في الفرقة، فقد يترك هذا العضو فراغا جزئيا ومؤقتا، ولكن سرعان ما يتم ملؤه دون أن تتعثر مسيرة الفرقة أو تتراجع، وهذا العامل شكل عنصر تميز مشهود للفرقة، وحالة ديمقراطية إبداعية لا ينكمش فيها الفرد ولا تتمادى الجماعة.

الغول: لقد التفتنا مبكرا ومنذ البداية الى امدى اهمية استقلاليتنا المالية والا تبتزنا مؤسسات الضغط المالي والسياسي، وتوجد لدينا محددات أساسية نتعامل معها ونحتكم إليها عند مناقشة مصادر تمويل الأعمال الفنية والنشاطات الخاصة بالفرقة، فعندما يعرض علينا تمويل من أي مؤسسة فإننا نشترط ألا يكون المشروع المقترح تمويله متعارضاً مع توجهات الفرقة أو رؤيتها العامة أو المبادئ التي تحكم نشاطاتها أو رؤياها الفنية والثقافية . وألا ترتبط المساهمات المالية من الجهات الممولة -أجنبية كانت أم محلية - بأي شروط تؤثر أو تتدخل في الرؤية العامة للفرقة ورؤياها الفنية والثقافية .. وتضع الفرقة في استقطابها للدعم المالي للفرقة أولوياتها في التعاون مع الهيئات والمنظمات والمؤسسات التمويلية والاقتصادية العربية والفلسطينية ، وتحرص على بناء علاقات وثيقة مع هذه المؤسسات باستمرار.
والى جانب الاستقلالية المالية انتبهنا إلى أهمية التحرر من فجاجة المباشرة وتلاوة البيانات السياسية على ايقاع شعبي راقص لأننا راينا في ذلك اخلالا بدور الفن ومساهمته الجمالية، ورفضنا أن تكون الفرقة مجرد بوق إعلامي سياسي، يطلق هتافاته واناشيده وفق الظروف والمصلحة السياسية الآنية المباشرة، بل نحن نلتفت دائما إلى جذور الأشياء، كما نلتفت في ذات الوقت إلى الآفاق برؤيا تجاوزيه ابتكاريه ، نستبصر، ونستشف، ونستشرف، ونعطي المجال لخيالاتنا كي تحلق بلا قيود أو شروط أو محددات بعيدة عن رؤيانا المعرفية والثقافية والفنية .
إن هذا التبني الصارم من قبلنا لهذا التوجه هو الذي افضى في النتيجة الى الاتساع في الرؤيا، والى العمق في التناول، وهو الذي جعلنا نمارس الانفتاح على منابع ومنابت فكرية ثقافية إبداعية متعددة، كي ننجح من الناحية الفعلية في توسيع رقعة خيالنا وشق مساحات ممتدة امامه كي لا يبقى محبوسا في قمقم الذات المهووسة بذاتها، والتي لا تنعم بنور وجمال الالوان والسفوح والافاق الرحبة المترامية على مدى العين والعقل والذاكرة والخيال.

قطامش : تامل هذا المسار الواسع والطويل .. لقد كنا في بداية التأسيس نغرف من التراث ونقوم بنقله إلى المسرح دون تدخل في بنيته الفنية أو إخضاعه لمتطلبات تقنية فنية، وبعد التأسيس بعدة أعوام بدأت تنضج شخصية خاصة بالفرقة تبحث عن التميز في كل ما تقدمه على المسرح وبدأ يتردد في أحاديثنا واحاديث الذين تاثروا بتجربة الفنون مصطلح مدرسة الفنون أو رؤية الفنون اخذين منطق التوازن بين الأصالة والمعاصرة والاستناد إلى الفلكلور في بناء أعمالنا الفنية القادمة وبقي باب هذا المفهوم مفتوحا في كل فترة مفصلية تمر بها الفرقة ليشكل الهادي للعمل القادم والجديد. وفي نفس الوقت اخذ أحد المفهومين " الأصالة والمعاصرة " يطغي على الآخر بحسب الرسالة والفكرة التي تريد الفرقة تحقيقها من العمل الجديد بالاضافة الى رفض الفنون التعامل مع التراث بشكل متحفي صنمي بل حاورته وطورته وبنت جميع اعمالها عليه ولكن برؤية ومعالجة فنية معاصرة تعبر عن رؤية مبدعيها واتجهنا باتجاه اعطاء اسماء فنية على انتاجاتنا حتى نخرج من جدل هذا تراث وذلك ليس تراثا. فالفنون تقدم اعمالا فنية تعبر عن نفسها فيها بحرية وانطلاق لا تحصرها في اطار الفولكلور والتعبير الامين والدقيق عنه، ولكنها في نفس الوقت اعمال فنية معاصرة غير منقطعة الجذور..

الغول: ما زلنا قادرين على اختراق الواقع فنيا وفكريا ومعرفيا، والتفاعل معه وفق علاقة البناء والهدم، وبالتالي فان أسلوبنا المبني على أساس (الأصيل معاصرا، والمعاصر أصيلا) ما زال هو هادينا في تجربتنا المفتوحة.. نحن لا نتعامل مع الفن كنسق مغلق تحدده علاقات الدال والمدلول القائمة في داخله، ولا ننظر إليه كوحدة متقوقعة منعزلة عن التاريخ الاجتماعي وتعقيدات البنية الاجتماعية بتغيراتها وتجددها المستمر. ولا نرى للفن تاريخا ذاتيا خالصا، بل نرى للمجتمع تاريخه وتفاعلاته الداخلية المفضية إلى علاقات وأنماط محايثة للتغيرات البنيوية فيه، ومن ضمنها الفن. فلا الفن، ولا المثقف ولا المبدع، يقفون فوق المجتمع أو خارجه، ونحن لا نضع الفن في مساحة من التجريد والرمزية بشكل مسبق وببالغ الترصد، بقدر ما نتعامل معه بواقعية منفتحة تلتفت إلى سياق المجتمع وتبحر في ثناياه لتشتبك معه في لحظة الصدام ، وتتصالح معه في لحظة الوئام ، وتستبصر آفاقه وتجلياته التاريخية، بمنأى عن واقعية المحاكاة التي تجمد الواقع وتأسره برؤيتها الاستبدادية، لذا نبدو دائما في علاقة إبداع وتلق، ونقد وحوار مع الجمهور وبشكل ديناميكي ومتفاعل، يستبعد كل منا ضمن هذه العلاقة صفة المعلم أو الواعظ أو المؤثر من طرف واحد.

قطامش : العلاقة بيننا وبين جمهورنا علاقة حوارية ، هناك حوار دائم بيننا، فبعدما نعرض أعمالنا لا نحمل الديكور والملابس والإكسسوارات ونغادر المسرح من الباب الخلفي، بل نثير جدلا واسعا ونستثير انتقادات مفتوحة دائمة. ولا نرى في حب الناس هذا قيدا على إبداعاتنا، كما قد يبدو للوهلة الاولى، ان فرقة الفنون حساسة جدا تجاه جمهورها وتهتم بكل الملاحظات التي تدور حول كل عمل جديد لها وتكون هذه الملاحظات محط نقاش باللجان المتخصصة في الفرقة وياخذ منها ما ينسجم مع رؤيتنا ويراعي في الاعمال القادمة او يحدث تغير على العمل نفسه وغالبا ما يكون الجمهور احد عناصر الاعمال الجديدة للفنون، ولكن ترفض الفنون ان تكون اسيرة رؤية وتوقعات الجمهور بمعزل عن ما تريد الفرقة تقديمه او تجريبه .ان كل عمل فني جديد للفنون يحدث جدلا واسعا حول ما يتوقعه الجمهور من الفنون وما تريد الفنون ان تقدمه فمثلا عملنا الفني الخامس "مرج ابن عامر" عام 89 احدث جدلا كبيرا نتيجة استخدامه لعناصر جديدة في الازياء والالحان وتصميم الرقص، وكذلك عملنا الاخير "حيفا، بيروت" ..

الغول: واضح من الملامح الفنية التي تبدت في العمل الأخير للفرقة أنها تسير باتجاه جديد مختلف، البعض اعتبر ان هذا الاختلاف يأتي في سياق تطور طبيعي للفرقة في حين اعتبره اخرون قطعا قسريا مع الأعمال السابقة..

قطامش: عملنا الفني الاخير "حيفا بيروت وما بعد.." لم يشكل قطعا قسريا مع الاعمال السابقة ولكنه صيغ بشكل مختلف عن السابق، فحملت لوحاته الاربع ملمحا فلكلوريا اساسيا هنا او هناك ولكن برؤية جديدة متطورة عن العمل قبل الاخير الذي انتجناه عام 1997 "زغاريد" ، بالاضافة الى استخدام عناصر جديدة لم تجرب في عروضنا السابقة كاستخدام موسيقى غير فلكلورية او الرقص مع الشعر او الرقص على موسيقى فقط بلا غناء وجماعية صياغة التصور النهائي للعمل، بالاضافة الى التجريب في مساحة جديدة في تصميم الرقص لربما لم تكن مبنية على تاريخ الفرقة التي نهلت من منبع الفلكلور جميع اعمالها السابقة برؤيتها الخاصة، وذلك لا يعني ان الفرقة سوف تتبني هذا او ذاك في الاعمال القادمة فكل عمل فني سيحمل ملامحه وموسيقاه ورقصاته بما يتناغم ويتناسب مع ايصال فكرة وشكل وروح العمل ولا شك اننا في عملنا الاخير سبحنا في مساحات جديدة لم نسبح فيها سابقا وجربنا عناصر كثيرة جديدة على صعيد الموسيقى والديكور والازياء والادارة الفنية، والتجريب دائما يغذي العمل ويصقل مهارات متنوعة ويطور ويفتح افاقا جديدة، وفي غمرة الحوار المستمر فان الانتقادات المستمرة لا بد ان تفضي الى تطوير مستمر في ظل التجاوب المستمر مع متغيرات الذات والمحيط، ولكن لا يعني ذلك بالضرورة ان العمل القادم سيكون كامل الاوصاف فكل شيء يحمل في ثناياه ما يصارعه ويختلف معه وعنه.


التعليقات