06/12/2010 - 14:25

(صيد وحيد).. مختارات من قصائد نثر مصرية تثير جدلا حول ماهية الشعر..

لا تبدو نهاية قريبة للصخب الثقافي حول قصيدة النثر من المتحمسين لهذا اللون الابداعي الذي يتصدر المشهد الشعري العربي ومن الرافضين أيضا.. وان سمح هؤلاء الرافضون بنشر نماذج من هذا الشعر فانهم في الوقت نفسه يرونه ابداعا قليل القيمة أو شعرا الا كثيرا.

(صيد وحيد).. مختارات من قصائد نثر مصرية تثير جدلا حول ماهية الشعر..

لا تبدو نهاية قريبة للصخب الثقافي حول قصيدة النثر من المتحمسين لهذا اللون الابداعي الذي يتصدر المشهد الشعري العربي ومن الرافضين أيضا.. وان سمح هؤلاء الرافضون بنشر نماذج من هذا الشعر فانهم في الوقت نفسه يرونه ابداعا قليل القيمة أو شعرا الا كثيرا.

فالبهاء حسين أحد شعراء قصيدة النثر يرى أنها عانت كثيرا من النبذ وأن شعراءها عاشوا ضحايا قصائدهم التي يجري الافساح لها الان على استحياء. ولكن الشاعر حسن طلب يعتبرها ضجيجا أو "كومة حصى" أراد أن يكشفه للناس في كتاب (صيد وحيد) الذي أصدرته مجلة (ابداع) مع عددها الجديد الصادر هذا الاسبوع.

ومجلة (ابداع) يرأس تحريرها الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي الذي رفض قبل سنوات الاعتراف بقصيدة النثر ثم سماها "القصيدة الخرساء" أما طلب وهو مدير تحرير المجلة فقال في مقدمة الكتاب ان الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش "اعتصم بالتقية فلم يصرح برأيه السلبي في قصيدة النثر دفعا لشرور العصابات وغوائل المافيا من أنصارها" مشددا على أن الشعر فن موسيقي.

ورغم ايمان طلب بأن موسيقية الشعر لا تتحقق الا بالتفعيلة فانه يؤمن أيضا بحرية الشاعر "في الخروج الى أرض لم تطأها قدم وله أن يقلب تربته كما يشاء ويلقي بذوره حيث يريد ولكن بشرط وحيد هو ألا يطلب الينا أن نشهد بأن الثمرة حلوة الا اذا وجدناها كذلك... لعلي أردت بهذا الكتاب أن أكشف للناس عن كومة الحصى المسماة بقصيدة النثر."

ويعترف البهاء حسين بأن قصيدة النثر ولدت "من غير قابلة ولهذا جاءت بأوشابها وفوضاها وحريتها الفائقة التي أغرت الصغار بانتهاكها... والان بعد أن هدأ الغبار أصبح لزاما أن نستعيد الجزء الصالح من الجلبة" محذرا أن هذه القصيدة تبدو كأنها تمتلك "اليقين الذي حاربها به خصومها. اليقين المطلق الذي يحتكر ذوق المستقبل ويتحدث باسمه."

ويقع كتاب (صيد وحيد) في 122 صفحة متوسطة القطع ويضم قصائد 19 شاعرا منهم محمود قرني وابراهيم داود وجيهان عمر وحسن خضر وعاطف عبد العزيز وعماد أبو صالح وعماد فؤاد وفاطمة قنديل وفتحي عبد السميع ومحمود خير الله وميلاد زكريا.

وتحتفي كثير من القصائد بتفاصيل صغيرة وأمور هامشية مقارنة بقضايا وأدوار كبرى لعبتها القصيدة قديما حين كان الشاعر جهاز اعلام للدولة أو القبيلة.

ففي قصيدة (عندما تكون الملابس في المتجر) يقول تامر فتحي "من يدرك حزن الملابس حين تكون وحدها مصلوبة بالدبابيس-وهي تدخل مرحلة الكي والطي والمصابيح الملونة-الملابس لا تعشق المانيكانات- الشماعات-هي تعشق الخروج وتكره الزجاج-وتحسد الملابس الطليقة-فمنذ كانت في المصنع وهي تشتهي الهروب... تشتهي الملابس رائحة العرق (لم تكن المانيكانات تتصبب عرقا ولم تمتلك رائحة قط) تشتهي سخونة الجسد عند الانحناء-وعند الجلوس-وأن تلامس الملابس الداخلية. أيتها المانيكانات التي لا تمتلك ملابس داخلية-ولا تستطيع النوم أو الجلوس-عليك لعنة الله.

هؤلاء الذين يشاهدون دهشتها-عندما تمشي في الشارع لاول مرة-تتهجى الاسماء-وتشم الروائح-تحفظ الوجوه-وتسمع الاغنيات-وتلمس ملابس الاخرين. هؤلاء الذين يسمعون شهقتها-عندما تفاجئها بقعة طعام-أو القهوة أو الحبر لاول مرة. هؤلاء ليسوا بكثير."

أما علاء خالد فيقول في قصيدته (حياة تسير على جدران) "مع كل جهاز كهربائي يضاف الى أرشيف البيت-تضاف وصلة جديدة من الاسلاك-سنة بعد أخرى تكثر الثقوب في الحائط-المسامير المنسية لوصلات قديمة ولاطراف مبتورة. الارض وهي مفروشة بتلك الاغضان الملتفة-من كل غرفة تخرج فروع دقيقة... في صمت الليل ونحن نائمون-هناك حياة تسير على الجدران وفي الزوايا-أزيز كصوت الحقول. أي بيت مهما تعالت جدرانه-مكشوف أمام نقطة حنين قادمة. كلما فكرت أن أترك هذا البيت-تراجعت أمام هذا النسيج الحي من الاسلاك."

وأيا كان رأي رافضي قصيدة النثر من بعض الشعراء أو القراء أو النقاد فانها شقت لنفسها مجرى يتفاوت عمقه وأصبحت حقيقة لم ينكر حضورها حتى الذين سبق أن نبذوها. ولعل هذه المختارات تكون فرصة لتقييم ما بلغته قصيدة النثر من عمق أو فوضى.

ويقول البهاء حسين ان هذا الكتاب بحكم مساحته المحدودة ضاق بقصائد أخرى سوف تتسع لها طبعة تصدر في يناير كانون الثاني القادم متضمنة شهادات للشعراء الى جوار القصائد.

التعليقات