08/04/2011 - 11:06

جنيـن: المخيم يبكي جوليانو

التصق جوليانو حرًا بمخيم جنين منذ ربع قرن، وتمترس بمسرح الحرية المنتصب على مدخل المخيم الشامخ بين طلابه ومحبيه حتى طلقات الغدر الأخيرة، خمس رصاصات عابثة، ضلّ مطلقيها طريق الحرية والتنوير، خمس رصاصات مشحونة بأحقاد هولاكو أُطلقت من أيدٍ ظلامية عابثة

جنيـن: المخيم يبكي جوليانو

التصق جوليانو حرًا بمخيم جنين منذ ربع قرن، وتمترس بمسرح الحرية المنتصب على مدخل المخيم الشامخ بين طلابه ومحبيه حتى طلقات الغدر الأخيرة، خمس رصاصات عابثة، ضلّ مطلقيها طريق الحرية والتنوير، خمس رصاصات مشحونة بأحقاد هولاكو أُطلقت من أيدٍ ظلامية عابثة، وبأصابع مرتعشة لم تقو على أن تكن ندًا إنسانيا، ولم تجد ضالتها إلا في التطاول على عملاق فني إنساني وجد طريقه مبكرًا إلى زقاق المخيم، متنازلا عن حياة الاستهلاك والبذخ. لينتقل من ضوضاء المدينة وصخبها ومن أضواء الشهرة السريعة إلى وعاء المخيم مازجًا مع بؤسه شراب الثورة الثقافية الفنية لتمنح حياة المخيم نبضًا وروحًا، وتمنح شبابه شمسًا من الأمل.

زرنا مخيم جنين ومسرح "الحرية" بعد الاغتيال، وجدنا مسرحًا باكيًا موشحًا في السواد، ومخيم لاجئين غاضبًا ومصدومًا. وجدنا أبناء وبنات جوليانو الروحيين يبكون ألمًا ودهشة، وحيطان مسرحٍ تلوّح بملصقاتها تسأل عن مصيرها بعد مقتل مؤسّسها، وكانت دموع الحاضرين تبحث عن إجابة ل"لماذا" وتمزج بين العار والفاجعة من اغتيال الحلم.

بتول طالب: جبناء اغتالوا حلمنا، لكن معلمنا علمنا أن لا نستسلم

عندما أخذت الشابة بتول طالب (21 عامًا)، ابنة مسرح "الحرية"، تقصّ لنا مشهد معلّمها "بابا جول" غارقًا بدمائه أمام باب المسرح غرقت هي الأخرى بدموعها، "كنا داخل المسرح، وكنا وكالعادة منهمكين بأعمالنا، تحوّل هذا المكان إلى بيتنا الثاني كما كان بابا جول معلمًا وأبًا مخلصًا لنا واكتسب المخيم بوجوده جوًا ونكهة ومعنى خاصًا، في ساعات ما قبل  العصر سمعنا صوت إطلاق رصاص حيّ قريبٍ من المسرح، وفي تلك الأثناء هرعنا مذهولين إلى الشارع القريب، وهناك حيث كانت الصدمة الكبرى، ذلك المشهد الذي لن يمحى من ذاكرتي، هناك رأينا أعزّ ما لدينا "بابا جول"غارقًا بدمائه على كرسي السيارة، لقد استهدفته أيدٍ حاقدة وجبانة، وسرقت منا أبًا ومعلمًا دفعنا نحو الحرية ومفهوم الحرية وزرع فينا الشجاعة، قتلوا حلمنا لكن كما علمنا فاننا لن نستسلم وسنكمل المشوار".

محمد شعبان: مقاومين على الجبهة الثقافية...

بكى محمد شعبان بمرارة كما بكت بتول وإخوتها وأخواتها، خسارة مخيم جنين وفلسطين، وحدّثتا بمستوى يسبق جيله بكثير: "كنا برفقته أكثر من أهلنا، كان يؤكد لنا على الدوام قناعاته أنّ الاحتلال الفكري والثقافي أخطر من الاحتلال العسكري، كان يقول لنا: عليكم أن تتحرروا من خلال فتح الجبهة الثقافية وتفعيلها، وهذا ما كان يفعله جول في المخيم وفي جنين من خلال احياء المسرح وتفعيل الجبهة الثقافية منذ عام 2002، وتطوّر المشروع ليصبح داعمًا لكل المؤسسات والمشروع الثقافي التحرّري، بعدما كنا مهمشين أصبحنا، حاول إخراجنا من تحت الأنقاض، وبعد أن غطى المخيم تعتيم إعلامي، حتى من قبل السلطة، أضاء علينا النور. هذا الاغتيال هو اغتيال صوت حر واغتيال لمشروع، وأخشى أن يكونوا قد نجحوا في هذا الاغتيال، فقدنا علمًا كان من الممكن أن يخدم القضية الفلسطينية أكثر من أي رجل سياسي يتغنى بقضيتنا في مجلس الامن والامم المتحدة وغيرها".

نبيل الراعي: جوليانو مؤسس لمفهوم المقاومة المكملة...

بدا نبيل الراعي، المخرج المسرحي ومدير مدرسة التمثيل في مسرح "الحرية"، كمن أصيب بنوبة الفقدان المروع لركن من عالمه الخاص وتوازنه الداخلي، لكنه شرعان ما يهدئ من روعه ويقول: "كيف نكمل الرسالة بغيابه؟ إنهم اغتالوا كنزًا من الحرية والثقافة، فهو امتداد لوالدته المؤسسة منذ عشرين عامًا، ورسخ أعمدة المسرح ومفهوم المقاومة المكملة الذي اعطى للجبهة الثقافية المقاومة بعدًا وعمقا مغايرًا، وسوف يترك فراغًا كبيرًا بفقدان أهم أعمدة المسرح ،والكثير يعرف امتداد عائلة خميس في هذا المخيم، ويعرفون معنى هذا التغييب، لكن مهما تكن الجهة التي أقدمت على هذه الجريمة فهي جهة جاهلة ظلامية وجبانة،التي تطاولت على معلم وانسان استثنائي".

زكريا زبيدي:الأجهزة الأمنية متقاعسة وسأتولى التحقيق بنفسي

زكريا زبيدي، قائد كتائب شهداء الاقصى سابقا من مخيم جنين، له حكاية اخرى مع عائلة خميس حيث كان طالبا طفلا في مسرح آرنا، والدة جوليانو عام 1987، وخاض النضال طفلا في الانتفاضة الأولى وتمرس في الانتفاضة الثانية حيث كان قائدا لكتائب شهداء الاقصى مطاردًا ومطلوبًا للأجهزة العسكرية الإسرائيلية، وكان على علاقة خاصة بمسرح الحرية ومع جوليانو حتى آخر أيامه، الزبيدي تحدّث ل"فصل المقال" بغضب دون أن يبدي علامات الحزن وقال: "رافقت والدة جوليانو آرنا منذ أن كنت طفلا وأنا افقد الآن أخا ورفيق عمر، لكننا لن نغفر ولن نرحم من وقف وراء هذا الاغتيال الجبان"، مشيرًا إلى أن طبيعة الاغتيال تشير إلى لأن جهة كبيرة تقف خلفه إما دولة أو تنظيم كبير بأيدي مأجورين مرتزقة، كما اتهم الزبيدي الأجهزة الأمنية بالتقاعس في إجراء التحقيقات والكشف عن الجريمة بالقول "إنني ساتولى عملية التحقيق بنفسي وأنا املك الأدوات".

من قتل جوليانو؟

خلال تواجدنا في جنين حاولنا الاستفسار أكثر حول ملابسات الجريمة والتحقيقات الجارية، وتحدّثنا مع قسم الإعلام في المحافظة، حيث أكد المسؤول الإعلامي فيها، ثائر أبو بكر، أنّ التحقيقات تجري في مراحل متقدمة وأن الجناة معروفون لدى الأجهزة الأمنية وهناك معتقلين متهمين و سيتم الاعلان عن ذلك بعد استكمال التحقيقات التي تولتها لجنة خاصة من الأجهزة الأمنية.

المحافظ قدورة موسى استهجن من جهته الجريمة النكراء بحق خميس، وقال كان جوليانو واحدًا من أبناء المخيم عاش معهم حلو الأيام ومرها ونشط من أجل أن يكون هنالك مسرح قادر على رفض القهر والظلم والاحتلال. وأضاف أنّ جوليانو سعى طويلا من أجل أبناء فلسطين هنا في الضفة وفي الداخل وقد جاءت الضربة قاتلة له. وأضاف أنه لا يستحق هذا المصير، لكن الذي حصل هو جريمة سيلاحقها القضاء الفلسطيني وسيتم الكشف عن الجناة وتسليمهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم.

وقال إنّ "جوليانو كان واضحًا حين اختار أن يترك كل شيء للعمل في المخيم مع أطفال عرفتهم والدته قبل عشرين عامًا واليوم هم شهداء أو قادة مجتمع. إنه حدث آلمنا جميعا كمثقفين أولا وكأبناء فلسطين ثانيا وكسلطة فلسطينية تحمى كافة ابنائها ومن يعيشون في ظلها فإننا نشعر بالألم العظيم لفقدانه ونعزي أنفسنا وعائلته وكل من عرفه هنا في جنين وفي الداخل وفي العالم".

التعليقات