22/01/2012 - 00:31

كان عنّا مدينة.. واغتالوها!: لقاء مع المخرج رامز قزموز

ما خسرناه مؤلم جدًا، أنصح القراء مشاهدة الفيلم ليعرفوا بالتحديد حجم الخسارة، من مسرح وسينما وصحف وإذاعة وتلفزيون وشركات ومعامل ومصالح تجارية وزراعة الخ.. المؤلم أكثر عندما تتخايل كل ما كان لنا لم يٌضرب، كيف كانت ستكون فلسطين، قتل المدينة يُوجع أكثر من قتل النفس، سرقوا دولة، بدأوا بدولة شغالة وصاعدة، وكل القوانين التي يضعوها اليوم هي استكمال لهذه السرقة، وكل التمييز العنصري والمصادرة وعدم التطوير وخنق البلدات العربية يهدف لمنع تطورنا ولاستكمال ما بدأوا، فهم يخافون منا ليس بالعدد بقدر من ما نحمل من مشروع سياسي ثقافي التي كانت المدينة الفلسطينية تمثله.

كان عنّا مدينة.. واغتالوها!: لقاء مع المخرج رامز قزموز

يافا وحيفا، بين ازدهار ما قبل النكبة، ويافا وحيفا اليوم. مدينتان فلسطينيتان رئيسيتان شكلتا حالة حضارية مدنيّة في فلسطين التاريخية، تأسست فيهما مقوّمات المدينة الحديثة والمكوّن المدني الأول، ليس محليًا فقط، بل على مستوى العالم العربي. وقد ثبت عبرهما، ما كان مثبتًا طوال التاريخ، وبشكل لا يقبل أي تأويل، بأن المدينة الفلسطينية، على ارض فلسطين، كانت قائمة ومزدهرة، وان هذه الأرض هي لشعب هو الأصلاني فيها وعليها.

 المدينتان تعرضتا لعملية تهويد ومحو معالم في محاولة من المؤسسة الاسرائيلية لشطب المدينة الفلسطينية بقصد الإجهاز على التاريخ والرواية، بعد شطب الجغرافيا والمكان والشواهد. فكيف نجحت اسرائيل في شطب المدينة الفلسطينية، وإن كانت عمليات الشطب والتشطيب تتفاوت بين يافا وبين حيفا، في حين أن الناصرة - المدينة الفلسطينية الوحيدة التي بقيت، كما هي، بعد عام 48 - جرى مع الوقت، تهميشها وخنقها ومحاصرتها، بعد ان فشلت المؤسسة الاسرائيلية في محو معالمها وشواهدها، كما جرى في يافا وحيفا، وبالتالي فقد كان الهدف منع الناصرة من التقدم والتطوّر وإنشاء الحيّز المديني الحقيقي فيها، ودفعها للحاق باخواتيها يافا وحيفا، استمرارًا لنفس السياسة الاسرائيلية، ولكن بأوجه مختلفة، بينما المعنى كان يفضي الى النتيجة ذاتها: اغتيال المدينة الفلسطينية!

موقع عــ48ــرب أجرى لقاء مع مخرج فيلم "إغتيال المدينة" رامز قزموز، حول غياب المدينة الفلسطينية بعد النكبة.


- المخرج رامز قزموز والمصور موفق عودة -

لماذا بحثت عن المدينة الفلسطينية الغائبة؟

أثارني الموضوع، بعد تساؤلاتي الكثيرة كفلسطيني يشعر بنقصان المدينة وهو يعيش في بلاده، فنحن لا نملك أجواء مدينية، وسألت نفسي لماذا؟ لماذا أمارس حياتي المدينية في تل أبيب او حيفا (اليهودية)، وبدأت أبحث في الموضوع. كنت أسمع دائمًا عن يافا، وأسأل نفسي هل كانت حقًا كانت مدينة حديثة ومتطورة؟ هل ما تقوله إسرائيل عنا صحيح أم أنّ الحقيقة المطموسة تنتظرنا فقط أن نبحث عنها لنعرفها فعلًا.

وإلى ماذا توصلت في مسار بحثك عنها؟

الفيلم يحكي ما توصلت إليه، لكن هذه ليست الفكرة، الفكرة أننا مقتنعون بأن ما تقوله إسرائيل عنا غير صحيح، فهي تدعي أننا كنا شعب غير متحضر وهم جلبوا الحضارة والتقدم إلى هذه البلاد، نحن مقتنعون بأن هذه كذبة كبيرة جدًا، لكننا لا نعرف تفاصيل الكذبة، أو بالأحرى تفاصيل الحقيقة. عندما نعي هذه التفاصيل، مثل تطور سكك الحديد في فلسطين، تعي حجم الخسارة، لذلك كان مهم بالنسبة لي من خلال الفيلم أن أبرز هذه التفاصيل.

من هو جمهور هدفك في الفيلم، إلى من تريد أن تصل صوره ومعلوماته وشخصياته؟ وماذا يحمل هذا الفيلم من جديد لجمهوره؟

الجديد في فيلم "اغتيال المدينة" هو أنّه ينقل ما كانت فلسطين عليه قبل عام 1948، عادة غالبية الأعمال عن النكبة تكون بكائيات والحديث عن التهجير، المميز في هذا العمل أنه يحكي عن ماذا خسرنا وليس فقط أننا خسرنا وطننا، وإبراز حقيقة أنه في فلسطين كانت حياة مدينية ويافا كانت تنافس بيروت والقاهرة، ولو لم تحصل النكبة لكانت من أهم مدن الشرق الأوسط.

- ميناء يافا 1930 -

صنعنا الفيلم وأردنا أن يكون كل شخص في العالم ضمن جمهور هدفه، وفي العالم العربي وبين الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم على وجه التحديد. على الجميع أن يعرف أنّ الحداثة والتطور والتمدن ليس هم من جلبوها لنا، بل هم من منعوه عنا حتى يومنا هذا. لقد دمرت إسرائيل المدن الفلسطينية وبنت عليها مدنها، سرقت المكتبات وكل شيء. لقد كانت هذه أكبر عملية سرقة في التاريخ، والآن يقولون لنا إنهم هم من جلبوا التطور والثقافة، الحقيقة أنّهم قاموا بالعكس تمامًا، وليس فقط عام 1948، إنما حتى يومنا هذا، وأكبر مثال على ذلك مدينة الناصرة التي لم تُهجر عام 48، التي كان من الممكن أن تكون المدينة الفلسطينية بكل ما تحمله المدينة من دلالات، إلا أن الناصرة مُحاصرة، ولا يتم تطويرها كما طوروا عشرات المدن الإسرائيلية، ولو أُتيح لها الفرصة لكانت أصبحت مدينة حقيقية.

ما هي رسالتك للفلسطينيين في الداخل بالتحديد من خلال الفيلم؟

رسالتي للفلسطينيين في الداخل، وخصوصًا الجيل الشاب هي أنّه من لم يعرف ما كان قبل النكبة لا يستشعر طعم الخسارة، أريد للشباب أن تعرف أن ميناء تل ابيب بُني على حساب ميناء يافا، ليعرفوا ما خسرناه، وأن لا يشعروا بعقدة النقص أثناء تواجدهم في المدينة اليهودية، فنحن عظماء ليس فقط في فترة صلاح الدين وهارون الرشيد والمتنبي، نحن عظماء في هذا العصر، وأتت إسرائيل واغتالت المدينة، يجب أن نفخر بما كان لدينا من ثقافة وصناعة وتجارة وأدب ومسرح وفنون، أول من أنتج سينما كان الفلسطينييون، قبل مصر، كان لدينا شركة إنتاج سينمائي قبل ال48!!، لو أن فلسطين تطورت دون الضربات لكانت جنة عدن... أتمنى لو وضعنا اليوم في الداخل مثلما كان عام 1948، فنحن قبل النكبة نسبق أنفسنا اليوم... الفيلم يجعلك بالافتخار بأنك فلسطيني، التاريخ يُقربك على فلسطينيتك.


- مسبح في مدينة حيفا 1942 -

ماذا خسرنا؟

ما خسرناه مؤلم جدًا، أنصح القراء مشاهدة الفيلم ليعرفوا بالتحديد حجم الخسارة، من مسرح وسينما وصحف وإذاعة وتلفزيون وشركات ومعامل ومصالح تجارية وزراعة الخ.. المؤلم أكثر عندما تتخايل كل ما كان لنا لم يٌضرب، كيف كانت ستكون فلسطين، قتل المدينة يُوجع أكثر من قتل النفس، سرقوا دولة، بدأوا بدولة شغالة وصاعدة، وكل القوانين التي يضعوها اليوم هي استكمال لهذه السرقة، وكل التمييز العنصري والمصادرة وعدم التطوير وخنق البلدات العربية يهدف لمنع تطورنا ولاستكمال ما بدأوا، فهم يخافون منا ليس بالعدد بقدر من ما نحمل من مشروع سياسي ثقافي التي كانت المدينة الفلسطينية تمثله.

أين يمكننا مشاهدة الفيلم؟!

الفيلم عُرض على قناة "الجزيرة" قبل فترة وجيزة، وسوف يُعرض قريبًا في حيفا والناصرة ويافا، كما نسعى لعرضه في المدارس، وسوف يشارك في مهرجانات عربية وعالمية.

بودي الإشارة إلى أن الفيلم لا يعتمد فقط على الشهادات الحية لأشخاص عايشوا تلك الحقبة، أو على المؤرخين، إنما يشمل على الإرشيفات مع مواد بالصوت والصورة والذي يُثبت ما كان.

هل لديك مشاريع سينمائية وثائقية بعد "اغتيال المدينة"؟

نعم، أعمل في هذه الآونة على إنهاء إخراج فيلم وثائقي جديد حول تاريخ ظاهر العمر الزيداني، مؤسّس للكيان الفلسطيني، وله أيضًا نفس توجّه هذا العمل، وسيضيء مساحة معتم عليها في التاريخ الفلسطيني الحديث رغم أنّها كانت فترة تنوّر ونهضة، وربما لأنّها كذلك.

- الفيلم كاملا -

.......................................................................................

طاقم الفيلم:

إخراج: رامز قزموز

تصوير: موفق عودة

إضاءة: جميل عازر

صوت: سامر يونس

مونتاج: أنمار فاعور

فكرة: رمزي حكيم

موسيقى تصويرية كارم مطر

بحث في الأرشيف: نبيل عويضة

مديرة الإنتاج: زينة عدوي

منتج: نزار يونس

إنتاج: "الأرز" الإنتاج لصالح قناة "الجزيرة" الإخبارية

التعليقات