11/12/2018 - 15:01

اختتام أعمال مؤتمر "المعاجم التاريخية للغات: مقارنات ومقاربات"

اختتم معجم الدوحة التاريخي للغة العربيّة اليوم الثلاثاء، أعمال مؤتمر "المعاجم التاريخية للغات: مقاربات ومقارنات"، الذي نظّمه بالتعاون مع معهد الدوحة للدراسات العليا لمدّة يومين شملا جلساتٍ معرِّفة بمعجم الدوحة التاريخي، من خلال أوراق تناقش خصائصه ووظائفه وتعقد مقارنات بينه

اختتام أعمال مؤتمر

اختتم معجم الدوحة التاريخي للغة العربيّة اليوم الثلاثاء، أعمال مؤتمر "المعاجم التاريخية للغات: مقاربات ومقارنات"، الذي نظّمه بالتعاون مع معهد الدوحة للدراسات العليا لمدّة يومين شملا جلساتٍ معرِّفة بمعجم الدوحة التاريخي، من خلال أوراق تناقش خصائصه ووظائفه وتعقد مقارنات بينه وبين عدد من المعاجم العربية القديمة والحديثة، بالإضافة إلى جلسات ناقشت المعاجم التاريخية العالميّة، في مقارنات ومقارباتٍ مع معجم الدوحة التاريخي للغة العربية.

معجم الدوحة التاريخي للغة العربية: مقارنات ومقاربات

اعتنت الجلسة الثالثة من أعمال المؤتمر بمحور: المعاجم التاريخية العالميّة في مقارنات ومقاربات مع معجم الدوحة التاريخي للغة العربية؛ حيث قدَّم عزالدين البوشيخي، المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، ورقة بعنوان "معجم الدّوحة التّاريخيّ للّغة العربيّة في سياقه العالميّ: الخصائص والوظائف"، بيَّن فيها مكان معجم الدوحة التاريخي للغة العربية في السياق العالمي للمعاجم التاريخية، مبيِّنًا أوجه الائتلاف والاختلاف بينه وبين المعاجم التاريخية لبعض اللغات العالمية مثل الإنجليزية والألمانية والفرنسية وغيرها، وقد رصد البوشيخي ذلك في عدد من الأسس النظرية والمبادئ المنهجية والخصائص والوظائف وتقنيات الصناعة المعجمية وإدارة الإنتاج والنشر وغيرها، وختم كلمته بمميزات معجم الدوحة التاريخي للغة العربية إعدادا وإنجازا وعرضا، وآفاقه المستقبلية.

في السياق ذاته، قدَّم فيرنر أرنولد، أستاذ الدراسات السامية في معهد اللغات والثقافات في الشرق الأدنى في جامعة هايدلبرغ، ورقة بعنوان "الألفاظ الأكادية والكنعانية المقترضة في المعجم الآرامي الشمالي الغربي"، مشيرا فيها إلى أن الألفاظ العربية دخلت إلى الآرامية الشمالية الغربية منذ قديم الزمان. كما ذهب أرنولد إلى حدث خلال فترات زمنية طويلة؛ حيث إنّ الآرامية اقترضت العديد من الألفاظ من اللغات السامية القديمة، وعلى الأخص اللغتين: الأكادية والكنعانية، وبيّن أن بعض المفردات الأكادية دخلت في البداية إلى العربية، ثمّ انتقلت منها إلى الآرامية الشمالية الغربية. وأكّد أرنولد أنّ دراسة البنية الصوتية تُمكّن الباحث من تتبع طريق دخول المفردات المقترضة إلى الآرامية الشمالية الغربية، مع قدرة الباحث على برهنة ذلك في حالاتٍ كثيرة.

وفي دراسة بمرجعية تأثيلية قدّم محمد مرقطن، المتخصص في لغات وحضارات الشرق القديم، والمشارك بأعمال الحفريات الأثرية في العديد من البلاد العربية، ورقة بعنوان " حول صناعة المعجم التاريخي للغة العربية: دراسة في تأثيل وتأريخ المعجمية العربية في ضوء اللغات الساميّة"، نفى فيها إمكانية دراسة تاريخ اللغة العربية والتأريخ لمعجميتها دون معرفة التكوين التاريخي للغة العربية في ضوء اللغات السامية والرجوع إلى جذورها التاريخية الأولى، وقد ذكر مرقطن أنّ الشعوب السامية دوّنت أفكارها وحياتها اليومية في مئات الآلاف من النقوش ابتداءً من الألف الثالث قبل الميلاد وحتى فجر الإسلام، وأنّ المادة الثقافية المدونة في هذه النقوش تُشكّلُ جزءًا أساسيًّا من الهوية اللغوية والتاريخية للعرب. وقد عرض مرقطن التعريف لمسألة التأريخ اللغوي والوسائل العلمية التي تُساعد في تأريخ اللفظ في المعجمية العربية، ذاكرا المعاجم التأثيلية للغات السامية وأهميتها في التأريخ للمعجمية العربية.

فيما عرض محمد حسن الطيان، أستاذ في الجامعة العربية المفتوحة في الكويت، وعضو المجلس العلمي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، "دراساتٍ إحصائية وصوتية في المعجمية"، وهي دراسة على مدونة معجم الدوحة التاريخيّ وضَّح فيها كيف اعتمد معجم الدوحة التاريخي للغة العربية على مدونة لغوية تضم نصوص التراث العربي المدوّن عبر المراحل الزمنية المتعاقبة للغة، وتحتوي -بطبيعة الحال- على المعاجم العربية المختلفة التي اعتُمدَت أساسًا ومحتكمًا لكثير من القضايا التي تعرض للمعالجين في معجم الدوحة التاريخي.

المعاجم التاريخية العالمية، تجارب وشهادات

اعتنت الجلسة الرابعة من أعمال مؤتمر "المعاجم التاريخية للغات: مقاربات ومقارنات" بالتجارب العالمية في المعاجم التاريخية؛ حيث تناولت ورقة ليندا موغلستون، أستاذة تاريخ اللغة الإنجليزية بجامعة أكسفورد، عددا من المشكلات وتحديات التأريخ للمفردات التي تظهر في معجم أكسفورد للغة الإنجليزية بالتركيز على العلاقة بين المعنى القديم والمعاصر للكلمات، والموضوعات المتضمنة في تمثيلات هذه العلاقة؛ فقد اعتبرت موغلستون معجم أكسفورد التاريخي ملتزما بالرؤية البعيدة من حيث النموذج الببلوغرافي المفسِّر الذي من خلاله تحكي كل كلمة قصتها الخاصة، في الوقت ذاته تمثل المعاصَرة تحديا مثيرا للاهتمام فيما يتعلق بما يمكننا أن نعرفه، أو نظن أننا نعرفه عن تاريخ الوحدة المعجمية، فبالنسبة لموغلستون يمكن أن تسهم المعجمية المعاصرة في الحكاية التاريخية التي تقدِّمها المعاجم.

عرض علي أشرف صادقي، رئيس قسم المعجمية بالأكاديمية الإيرانية للغة والأدب، تجربة المعجم التاريخي للغة الفارسية، مشيرا إلى أن العمل فيه قد بدأ منذ 15 عاما، حيث أدرك العاملون عليه منذ البدء الحاجة إلى تطوير عدد من الموجِّهات العملية لبناء المدونة اللغوية وكتابة تعريفات المعجم، وأنهم قد خلصوا إلى تبني 1400 وثيقة تغطي التراث اللغوي للفارسية منذ القرن الرابع الهجري/ الحادي عشر الميلادي إلى الآن، ومنها بنيت المدونة الرقمية. وأوضح صادقي أن العمل استلزم بناء حزمتين من البرامج الحاسوبية إحداهما لتهيئة المدونة، والثانية لكتابة المعجم وتحريره. وأهم ما يقدمه المعجم التاريخي للفارسية -حسب رأي صادقي- هو صداقته للمستخدم، حيث يقِل فيه بشكل ملحوظ استعمال الاختصارات والرموز؛ وقد قُسِّم العمل إلى ثلاثة أقسام رئيسة: قسم الكلمات العامة، وقسم المصطلحات، وقسم التأثيل. وأشار الصادقي إلى أن أجزاء المعجم تنشر بالتتابع، حيث نُشِرَ الجزء الأول 2013، والجزء الثاني 2016، بينما الجزء الثالث قيد الطبع حاليا.

وفي دراسة مقارنة، قدّم لوتز إدزارد، أستاذ العربية واللسانيات السامية بجامعة  إرلانقن – نورنبرغ، دراسة وافية عن تقاطعات اللغة العربية مع اللغات السامية الأخرى من خلال دراسة التأثيل في معجم الدوحة التاريخي، حيث ناقشت ورقته النظائر السامية للجذور العربية سواء كانت ثلاثية أو رباعية، وكيف أن هذه النظائر تتوزع بين الساميات الشرقية مثل الأكادية، وساميات المركز مثل الساميات الشمالية، والعبرية والآرامية، والساميات الجنوبية مثل العربية الجنوبية الحديثة، وهي تعرض في ذلك ظواهر صوتية مطردة وشاذة داخل العائلة السامية، وإلى أي حد يُلقي النظير السامي بظلاله على تمثلات المعنى للجذر العربي، مع الإشارة إلى أنّ التطابق الصوتي للجذور في بعض الحالات قد يأتي بمعانٍ مختلفة تماما.

المعاجم العربية ومعجم الدوحة

تناولت الجلسة الخامسة مسألة التعريف في معجم الدوحة التاريخي للغة العربية ومقارنة بينه وبين معاجم عربية أخرى، حيث بدأها محمد العبيدي، نائب المدير التنفيذي للمعجم، بتسليط الضّوء على أهمِّ قضايا المعنى في المعجم التّاريخي للغة العربية، وهي قضايا متشعِّبةٌ ومعقّدةٌ ومتنوِّعةٌ بتنوّعِ الألفاظ وتغيُّرِ المعاني، حيث ناقش أهميّة المعنى في المعجم التّاريخيّ وخُصوصيّته وأبرز سِماتِه، ومنهجيّة تحديده وتوجيهه تبعًا لمعطيات سياق الشّاهد، بما يحقِّق الوصولَ إلى فهم معنى الوحدة المعجميّة وفق قصدِ قائلها ومفهومها في زمن استعمالها والبيئة اللغوية التي قيلت فيها؛ واستخلاص المعاني المعجميّة الدقيقة وصياغتها في تعريفات مُحْكمةٍ تستوعب مسارات المعنى المتجسِّدة في آلاف السِّياقات التي تضمها المدونة.

بينما اعتنت ورقة محمد محمود محجوب بالعلاقة بين الوسم والتعريف في معجم الدوحة التاريخي، فرصَدَ مستويين لتلك العلاقة: مستوى تأسيسي: يؤدي فيه الوسمُ دورَ نقل الوحدة المعجمية المعالَجة من "وجودٍ متوتر" إلى "وجودٍ قارٍّ"، وذلك حين ترد في سياق معين لا تُستبان منه حقيقتها ولا انتماؤها الصرفي، فيكون تعريفها متوقفا على وسمها. وقد ربط محجوب بين هذا الأمر وبين المعجم التاريخي الذي يتعامل مع معطيات اللغة في سياقات حية تُمَثِّلُ في كثير منها تحديا للخبير المعجمي عندما يأخذ في بناء مداخله اعتمادا على مدونة لغوية محددة. أما المستوى الثاني، فأطلق عليه المحجوب اسم المستوى التجاوري، وهو ما يكون فيه التعريف إما موائما للوسم عاكسا له -وهذا الأصل- وإما مخالفا له نوعَ مخالفة. وفي كلا الحالين يتبنى المعجم روائز وضوابط -في الدليل المعياري- تؤسِّس لأصل العلاقة بين الوسم والتعريف، ويُرَوَّض ما خرج عنها بقرارات وروائز جديدة يُحيَّن بها الدليل. وقد أشار محجوب إلى ملاحظته أن الروائز تميل إلى "الاستقرار" في مقابل سعي حثيث من القضايا إلى "التجدد".

وفي الإطار نفسه من العناية بالتعريف في معجم الدوحة التاريخي، قدّم حسين السوداني، الأستاذ المساعد بقسم اللسانيات بمعهد الدوحة للدراسات العليا، وهو خبير لغوي سابق بمعجم الدوحة التاريخي، ورقة بعنوان "المعنى النووي وتاريخية التعريف"، عرض فيها الأسس التمييزية التي تنبني عليها خصوصية التعريفات في المعاجم التاريخية قياسا بنظائرها من المعاجم العامة، منطلقا في ذلك من أنّ التعريفات التي تُجعَل للمداخل المعجمية في المعجم التاريخيّ خاضعةٌ لأسس تصوّرية لا بدّ من مراعاتها لدى صياغة التعريف، منها المقْولَة (categorization) التي تتعلق بأدقّ العمليات الذهنية للمتكلمين في عصر ما، وهو مستوى يتجلى على نحو دقيق ولطيف في المعنى النووي من حيث هو الأساس القاعديّ المتحكم في حركة المعنى بين المشتقات العائدة إلى جذر واحد. وقد عمد السوداني -من خلال ورقته- إلى اختبار درجة إجرائية مفهومَي "المقْولة" و"المعنى النووي" في تدقيق التعريف في المعجم التاريخي؛ استدعى المفهوم الأوّل اختبار منوالات المقْولة ابتداء بالمنوال الأرسطي القائم على نظرية الشروط الضرورية والكافية، وانتهاء بآخر أطوار النظرية الطرازية لاسيما مع إليانار روش (Eleanor Rosch)؛ أما المفهوم الثاني -أي "المعنى النووي"- فقد ذكر السوداني أنه قد  أسهم في صياغته واقتراحه لدى عمله بالمعجم التاريخي إلى أن غدا أداة مضمَّنة في الدليل المعياريّ للمعالجة المعجمية، وأن العمل مستمر منذ أربع سنوات على صياغة ضوابطه حيث وُجِدَ في المقاربات اللسانية العرفانية عتادا نظريا مهمّا يعزز وجاهة هذا المفهوم.

أما ورقة أحمد الجنابي، الأستاذ بعدد من الجامعات العراقية والماليزية، والخبير اللغوي السابق بمعجم الدوحة التاريخي، فقد كان موضوعها "المداخل المعجمية بين فيشر ومعجم الدوحة"، وهي تعقد مقارنة بين المداخل المعجمية التي ضمها المعجم اللغوي التاريخي للمستشرق الألماني الدكتور "أوجست فيشر" في القسم الأول المنشور من أول حرف الهمزة إلى مادة: "أَبَدَ"، وبين المواد الجاهزة للنشر في معجم الدوحة التاريخي للغة العربية. وقد وضّح الجنابي أن الدليل المعياري لمعجم الدوحة قد عرّف المدخل المعجمي بأنه مجموعة من السمات والمعلومات تُخصِّص كل لفظ من ألفاظ المعجم من حيث الجذر والفرع واللفظ المعالج والوسم والتاريخ والشاهد والمستعمل والتعريف والتوثيق والتأثيل والتأصيل، وهو ما يُعرف بعناصر محتوى الجذاذة المعجمية. أكّد الجنابي على أنَّ المقارنة بين أنموذجين من معجمي فيشر والدوحة تضع الباحث أمام حقيقة أن معجم فيشر -على فضل سبقه وبكوره وحدود مدونته الورقية، ومحدودية وسائله ووسائطه- لا يمكن أن يداني ما يرد في معجم الدوحة من مداخل معجمية، إذ نرى في الأخير ما لا نراه في غيره، من حيث عدد المداخل، وأقدمية الشواهد، والتوسيم بالنصّ والتعريف بالعبارة، والضبط بالشكل، والتقدمة اللازمة لبعض الشواهد، والترتيب المنسجم في كل مدخل، ناهيك عن الإخراج الفني والشكلي المريح للقارئ، في التنظيم والتنميط والتلوين والتشكيل والترقيم والترميز وغير ذلك مما سيكتشفه المطلع على معجم الدوحة التاريخي من جماليات في مداخله.

التعليقات