23/10/2012 - 04:47

"عن يهود مصر": فيلم يتناول تاريخ يهود مصر الحديث، يرفض مخرجه عرضه في إسرائيل

أخرج السينمائي المصري الشاب، أمير رمسيس، وثائقيا مدته 95 دقيقة "عن يهود مصر"، والذي يتناول تاريخ يهود مصر منذ بدايات القرن العشرين وحتى عام 1956 الموافق لـ "خروجهم الثاني" من مصر، بعد العدوان الثلاثي، البريطاني والفرنسي والإسرائيلي، على مصر، إثر تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس.

أخرج السينمائي المصري الشاب، أمير رمسيس، وثائقيا مدته 95 دقيقة "عن يهود مصر"، والذي يتناول تاريخ يهود مصر منذ بدايات القرن العشرين وحتى عام 1956 الموافق لـ "خروجهم الثاني" من مصر، بعد العدوان الثلاثي، البريطاني والفرنسي والإسرائيلي، على مصر، إثر تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس.

يحاول الفيلم الذي يجمع بين شهادات مصريين يهود في مصر وخارجها، وبين تسجيلات وصحف من الأرشيف، إضافة إلى الصور العائلية، رصد تحول هوية المجتمع المصري من التسامح والقبول بالآخر، إلى الخلط التدريجي بين الدين والسياسة في مجتمع برفض الاختلاف.

ويصور أمير رمسيس العديد من المصريين اليهود الذين لجأوا إلى فرنسا، ويجمع آراء أبنائهم وأحفادهم، وكان من الأسهل على العديد من اليهود، وخاصة ذوي الإمكانيات المادية المحدودة، الرحيل عن طريق البحر المتوسط إلى إيطاليا وفرنسا، وقد تكونت في روما الحركة الوطنية التي عرفت بـ "مجموعة روما"، ثم انتقلت إلى فرنسا؛ ونشأت المجموعة عن الحركة الشيوعية الثانية، واستقطبت عددا كبيرا من الأقليات ذات الأصول الأجنبية وطلاب مدرسة "الليسيه"، أي المعهد الثانوي الفرنسي.

مصر كانت بلدا "كوسموبوليتيا"

ويطرح الفيلم وجهة نظر ترى أن مصر تحولت من بلاد "كوسموبوليتية" في أربعينات القرن العشرين، تندمج فيها مختلف الديانات والثقافات، إلى بلاد صار اليهود فيها يعتبرون أعداء، بعد أن كانوا شركاء في الوطن؛ وتظهر مختلف الشهادات انطباعات تجمع بين الحسرة والغضب والحنين على خلفية تاريخية معقدة، فأغلب المصريين اليهود من أصل أندلسي، وقد عاشوا في عهد العثمانيين في مصر، في حين ينحدر الآخرون من أصول أوروبية لجأوا إلى مصر في بداية القرن العشرين هربا من صعود التيار النازي في بلدانهم.

ويقول أمير رمسيس وفقا "لفرانس 24": "أعتقد أنه بالرغم من أن حقائق عامة كانت جديدة عليّ أثناء عمل الفيلم، إلا أنني في رحلة البحث اكتشفت بعض التفاصيل المؤلمة جدا.. فالكثير من اليهود المصريين الذين أجبروا عند خروجهم من مصر على التنازل عن جنسيتهم، ما زالوا لا يملكون حق العودة، في حين أن بعد ’كامب ديفيد‘، أصبح للإسرائيليين حق الدخول بتأشيرة تصدر خلال دقائق، بعد أن تم طرد اليهود المصريين من مصر على خلفية الصراع العربي الإسرائيلي.. مثل هذه الحقائق الغائبة والعبثية مؤلمة جدا."

هل أمد هنري كوريل النظام الناصري بخطة العدوان الثلاثي؟

ومن أهم الشخصيات التي ألقى عليها الوثائقي الضوء، هي شخصية هنري كوريل، الذي اغتيل في العام 1978 في فرنسا في ظروف غامضة؛ وهنري كوريل هو أحد مؤسسي وقادة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو)، وقائد "مجموعة روما" فيما بعد.

ويقدم ابنه آلان غرييش، وهو أحد مديري صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية، معلومات نادرة عن والده وعن نشاطه السياسي والفكري، من أجل تحرير مصر والجزائر.

وتوجه في الفيلم أصابع الاتهام بمقتله إلى المخابرات الفرنسية، في حين تبنت آنذاك "منظمة الجيش السري" العملية، ولم يتوصل التحقيق إلى إثبات تورط جهة معينة.

وقال رفعت السعيدـ رئيس حزب التجمع في شهادته في الفيلم، إن "ثروت عكاشة سلم البيانات وطلب من عبد الناصر أن يعطي الجنسية المصرية مرة أخرى لهنري كورييل تكريما له"، وأضاف: "لكن هذا لم يحدث".

وجاء في الفيلم أن مبنى السفارة الجزائرية في مصر هدية من كوريل للجزائر. وأكدت الناشطة اليسارية جويس بلاو في شهادتها، أنها استقلت القطار إلى روما لتمد آنذاك ثروت عكاشة (وزير الثقافة في عهد عبد الناصر)، بخطة العدوان الثلاثي التي تسلمتها من كوريل، وهذا من الأمور المهمة التي يكشفها الفيلم.

ورغم شهادات الشخصيات الـ 12، قال المخرج: "كنت أود إقناع عدد أكبر من يهود مصر الذين ما زالوا مقيمين فيها بالحديث، إلا أني أدرك أسباب خوف من خاف منهم"، وأضاف: "لا يتجاوز اليوم عدد اليهود في مصر المئة، وقد رفض العديد المشاركة في الفيلم بسبب الضغط المجتمعي والأمني عليهم."

محمد نجيب وطلعت حرب وموقفهم من يهود مصر

وتجولت كاميرا أمير رمسيس في القاهرة لتصور البنايات والمتاجر اليهودية، على غرار متجر "مزراحي"، ولتفقد الأماكن التي قضت فيها شخصيات فيلمه طفولتها وشبابها، وذكّر المخرج بأهمية المصريين اليهود ودورهم في إثراء الساحة الثقافية، على غرار ليلى ومنير وزكي مراد، ونجوى سالم، وشحاتة هارون، ويوسف درويش، ويعقوب صنوع.

وأشار الفيلم إلى زيارة الرئيس المصري الأسبق، محمد نجيب، للمعبد اليهودي فور توليه الحكم، وتعنيفه للشيخ الباقوري، شيخ الأزهر آنذاك، لأنه أساء لليهود في أحد أحاديثه.

كما رويت في الفيلم قصة استجلاب نجيب للدقيق الخاص بصناعة طعام "الكاشير" من الخارج، في مناسبة عيد يهودي، عندما كانت البلاد في أزمة، وكان هذا الدقيق غير متوفر، باعتبار أن عيد يهود مصر هو عيد مصري، والتزام على الدولة توفير مستلزماته.

وفي سياق شرح طبيعة علاقة الرأسماليين من اليهود المصريين بنظرائهم، ألقى الباحث عصام فوزي الضوء في الفيلم على دور شيكوريل، صاحب المحلات الشهيرة، الذي كان واحدا من مؤسسي بنك مصر، وعضوا في مجلس إدارته، وأحد المقربين من مؤسسه، طلعت حرب.

وأوضح فوزي أن بنك مصر كان أنشئ عام 1920، "لمحاولة خلق رأسمالية مصرية تواجه الرأسمالية الأجنبية التي تحول الأموال المصرية للخارج"، وخلص إلى أن "شيكوريل لعب دورا يوازي دور أي مصري".

ثلاث سنوات من العمل كانت حافلة بالعقبات

واستغرق الفيلم ثلاث سنوات من العمل، وكان ذلك بشكل أساسي لصعوبة رحلة البحث التاريخي، وبعد ذلك الحصول على الأرشيف البصري والوثائق.. ثم بناء الفيلم مونتاجيا، وهو الأمر الذي لم يكن سهلا حسب رمسيس، الذي تتلمذ على يد يوسف شاهين وأخرج أعمالا تسجيلية أخرى وأفلاما قصيرة، وقد كانت المتاعب الأساسية حسب رمسيس، بصرف النظر عن رحلة الإقناع ورحلة الحصول على موافقة الرقابة على السيناريو، "تصوير المعابد اليهودية في ظل الحصار الأمني المحيط بها، والذي يمنع التصوير أيا كان نوع التصريح الذي تحمله."

وأضاف أنه خلال التصوير، وفي تعامله مع الشارع المصري، "تفاوتت ردود الفعل بناء على الخلفيات المختلفة.. فمنهم من كان يعي الفرق بين كلمة يهودي وصهيوني، ولكن الأغلبية كانت تتعامل مع اليهودي كعدو."

فقد استطلع صناع الفيلم آراء عينة من المواطنين المصريين في الشارع عن اليهود وجاءت الردود تنم عن عداء مبني على الاختلاف الديني وليس السياسي، مثل "أعداء الإسلام في كل حاجة دين ودنيا"، و"اليهود دول ملعونين، ده مش كلامي"، ومثل ما قاله بائع صحف: "ليلى مراد كويسة.. برضه يهودية؟ تبقى مش كويسة".

اليهود المصريون الذين اتصلوا بالحركة الصهيونية كانوا قلة قليلة

ويؤكد الفيلم أن اليهود المصرين الذين شاركوا في الحركة الصهيونية وساهموا في دعم إسرائيل قلة قليلة، وبدأوا نشاطهم في إطار قانوني قبل أن ينتقلوا إلى التجسس، وقد تعرض الفيلم إلى بعض حالات "الخيانة" التي أعدم أصحابها.

ولاقى فيلمه ترحيبا قويا، لا سيما من الصحافة العربية والأجنبية، لكن رأى بعض النقاد "خبثا" و"انحيازا" في وجهة نظر رمسيس، ونوعا من التقليل من مساهمة اليهود المصريين في دعم إسرائيل، في حين يبدو أن المخرج صنع فيلما لمحاربة الأفكار المسبقة والسائدة في المجتمع المصري والعربي عامة، والتي لا تفرق بشكل عام بين يهودي وصهيوني، ولتعيد لمصر جزءا من ذاكرتها المفقودة.

 ويؤكد رمسيس: "أعتقد أنه كان وراء هذا الفيلم حالة من الضيق الشديد بالنظر لمفهوم الآخر عند المصريين في السنوات الأخيرة.. أو بمعنى أصح، التغير السلبي في الهوية المصرية التي كانت يوما ما واسعة المفهوم ورحبة الآفاقـ واليوم تغدو أضيق يوما بعد يوم."

ورأى الفيلم أن اليهود لاقوا نوعا من في ظل حكم الرئيس جمال عبد الناصر، وأظهر أن اليهود تعرضوا لمضايقات بعد تقسيم فلسطين عام 1948، خاصة من جانب جماعة "الإخوان المسلمون".

تهجير.. وتفجيرات خططت لها جهات إسرائيلية لإجبار اليهود على الرحيل

كما أشار الفيلم من خلال حكايات إنسانية مختلفة إلى نماذج من عمليات التهجير القسري والعشوائي التي تعرض لها اليهود المصريون، والإجبار على التوقيع على التنازل عن الجنسية المصرية، وعلى التعهد بعدم العودة لمصر.

في الوقت نفسه أشار الفيلم إلى الحياة الطبيعية المنسجمة التي شهدها اليهود المصريون في مصر قبل عام 1954، في مقابل تجارب اضطهاد مريرة عاشها اليهود في بلدان أوروبا الشرقية ومناطق أخرى من العالم.

- مخرج الفيلم: أمير رمسيس -

وكانت تفجيرات فاشلة عرفت باسم "فضيحة لافون" نسبة إلى اسم مخطط العملية، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، بنحاس لافون، قد وقعت في مصر صيف عام 1954، وكشفت السلطات المصرية عن تورط يهود مصريين في تنفيذها.

واعتبر محللون القضية نقطة فاصلة في حياة اليهود في مصر، الذين حدثت بحقهم لاحقا عمليات تهجير عشوائية تصاعدت وتيرتها عقب العدوان الثلاثي عام 1956.

وعن إنتاج الفيلم في سياق التغيرات التي تمر بها فيلم إثر ثورة 25 يناير، يقول رمسيس: "بدأت الفيلم قبل الثورة بعامين. وأعتقد أن رسالته مهمة بعد الثورة، وستظل مهمة في ظل التغيير الذي تشهده مصر حاليا؛ ولكننا لا يمكن أن نتعامل معه كعمل ذي أهمية لحظية.. لا شك أن بعد الثورة أصبحت هناك تيارات تسعى لأن تحدد وتضيق أكثر من مفهوم الهوية المصرية.. وهنا يصبح للفيلم قيمة أهم".

ولاقى الفيلم الذي عرض في السادس من الشهر الحالي، في إطار "بانورما الفيلم الأوروبي" في القاهرة، نجاحا باهرا إلى حد أن المنظمين اضطروا إلى إعادة بثه ثلاث مرات استجابة للإقبال الكبير الذي غصت به قاعة تستوعب مئتي شخص، واعترف المخرج أنه كان يتوقع ردود فعل سلبية أكثر بكثير، ولكنه سعيد في آخر الأمر بأن "رسالة الفيلم لامست الكثيرين."

رفض عرض الفيلم أو توزيعه في إسرائيل

وأبدت عدة جهات اهتمامها بالفيلم، ولا يزال المخرج في مرحلة البحث عن موزع لـ "عن يهود مصر"، الذي أنتجه هيثم الخميسي، وفي انتظار ردود عدد من المهرجانات.

لكن رمسيس رفض عروض الموزعين الإسرائيليين خوفا من فقدان رسالته ومغزاها، وهو يقول: "الفيلم يتحدث عن اليهود كجزء من حالة أو مرحلة في حياة مصر، ورسالة الفيلم هي عن تقبل الآخر عموما.. وهو ما نفتقده في مصر حاليا.. وما أكثر صراعاتنا الحالية سواء الإثنية أو الفكرية."

كما قال إنه لن يوافق على عرض فيلمه في إسرائيل إذا طُرح عليه هذا الأمر، لأن الفيلم عن مصر والمصريين، وعرضه في إسرائيل سيفقد قضية الفيلم أهميتها.

وقال رمسيس أيضا: "أدرك تماما أنه مع عصر الإنترنت سيراه الجمهور هناك.. شئت أم أبيت.. عندما يعرض على الفضائيات العربية أو على الإنترنت"، موضحا أن ذلك "لن يكون بعرض منسّق من جهتنا بأي حال".

عمرو حمزاوي: كثير من اليهود كانوا رافضين لفكرة إقامة دولة إسرائيل

واعتبر السياسي والإعلامي عمرو حمزاوي، الذي كان ضمن مشاهدي الفيلم، أن العمل "يوثق لحالات يهود مصر في القرن العشرين، والتحولات المأساوية التي حدثت لهم عندما هجروا قسرا في الخمسينيات"، مشيرا إلى أنهم "أخذوا بجرم لم يرتكبوه، بينما كان كثير منهم رافضين لإقامة دولة إسرائيل."

وأضاف أثناء حوار أجراه مع مخرج الفيلم على قناة "سي. بي. سي"، أن الفيلم هو "خطوة للأمام في التعامل مع هذا الملف المعقد، الذي كانت تتم مصادرته لصالح أجندات وتخويف"، مضيفا أن "الجوهر هو أنها قضية مواطنين مصريين"، واختتم حمزاوي بأنه يعتبر أن الفيلم "دعوة للسماح بالعودة ليهود مصر وزيارتها"، في ظل "عدم تسييس القضية لا من إسرائيل ولا من أي قوى أخرى".

التعليقات