30/03/2013 - 23:12

فيلم 30 آذار: حوار مع المخرج نضال بدارنة

بمبادرة هي الأولى من نوعها، قامت هيئات ثقافية من قرية عرابة البطوف، وعلى رأسها المركز الثقافي البلدي، بدعم إعداد فيلم وثائقي عن يوم الأرض، الذي شكّلت القرية واحدًا من مسارحه التي تناثرت على عدة قرى في الجليل شمال فلسطين المحتلة عام 1948.

فيلم 30 آذار: حوار مع المخرج نضال بدارنة

حوار: حنين نعامنة.

بمبادرة هي الأولى من نوعها، قامت هيئات ثقافية من قرية عرابة البطوف، وعلى رأسها المركز الثقافي البلدي، بدعم إعداد فيلم وثائقي عن يوم الأرض، الذي شكّلت القرية واحدًا من مسارحه التي تناثرت على عدة قرى في الجليل شمال فلسطين المحتلة عام 1948.

[ينوّه أن غداة كتابة هذه المقابلة، وفي يوم 29 آذار 2013، توفيت الحاجة ندى نعامنة، التي تقص شهادتها في الفيلم عن دورها في مواجهة الجنود الإسرائيليين في بيتها بعرابة البطوف].

المخرج نضال بدارنة من عرابة البطوف، حدثنا عن الوثائقي، فكرةً وعملاً وإعدادًا.

حنين نعامنة: حدثنا عن عملية البحث والدراسة التي سبقت الفيلم، وعن كيفية الوصول إلى الشخصيات المختلفة، وعن المواد التي شكلت الفيلم في النهاية؟

نضال بدارنة: قمت بداية بتقصي أسماء الأشخاص اللذين اقترنت أسماؤهم بشكل مباشر بيوم الأرض الأول في القرى المختلفة، وتحديدًا ديرحنا، وعرابة البطوف، وسخنين، وكفركنا. في كل قرية حصلت على اسم أو اثنين من الأسماء المركزية، ومن هناك بدأت؛ ومن خلال القصص التي رواها هؤلاء استطعت التوصل إلى أسماء أخرى، وما ساعدني في ذلك هو أن هؤلاء الناس يتذكرون الأسماء والوجوه والتفاصيل بحذافيرها، وكأن الأحداث حصلت بالأمس. ومن المهم الإشارة إلى أنه لم يكن هناك مبالغة  في روايات الناس عن الأحداث، ثم إن الأشخاص اللذين تحدثوا في الفيلم لم يتحدثوا فقط عن أنفسهم، إنما أشادوا أيضًا بالدور الهام لأشخاص آخرين في صنع  يوم الأرض، ما ساعدني أيضًا في تقصي أثر الأحداث، فكان أن قصةً يرويها لي أحد الأشخاص، توصلني إلى قصص أخرى وإلى أشخاص آخرين. بالإضافة إلى الذاكرة، فإن الناس ما تزال تحتفظ بالملابس المبقعة بالدم التي ارتداها الشهداء والجرحى في يوم الأرض، وكذلك بأحجار كانت قد جمعتها من مكان الحدث، وكان مهمًّا بالنسبة لهم ولي عرض هذه الأغراض أمام الكاميرا والتحدث عنها.

بالإضافة إلى الشهادات الحية، الفيلم يُظهر الكثير من الصور والصحف والفيديوهات التي قمت بجمعها من نشطاء سياسيين كانوا مدركين لأهمية الحفاظ على هذه الأشياء، فحفظوها في أرشيفات شخصية؛ أما بالنسبة للفيديو، فقد قمت بتجميع بعض المقاطع من الفيلم الأول الذي أُنجز عن يوم الأرض بإخراج غالب شعث، إلا أنني لم أتمكن من الحصول على مقاطع من التسجيلات التي قامت بها السلطات الإسرائيلية آنذاك، والمحفوظة في أرشيف التلفزيون الإسرائيلي، لأنه يكلف مبالغ تعجيزية لم نستطع دفعها بسبب الميزانية المتواضعة للفيلم. هذا الأمر تحديدًا ترك لدي مرارة تجاه غياب أرشيف يوثق تاريخنا، وقد جعلني أفكر بكيفية الحفاظ على الأغراض الشخصية للشهداء والمصابين، وقصاصات الجرائد والصور، وغيرها من الأشياء التي تتناثر مخبأة في بيوت الناس، غير معروضة في متحف يقص سيرتها وتكون متاحة للبحث والدراسة. للأسف، هناك إهمال شديد للذاكرة من المجتمع الفلسطيني في الداخل، ويبرز هذا في الفيلم بالنسبة للشهيد من مخيم نور شمس في الضفة الغربية، والذي استشهد أثناء الأحداث في قرية الطيبة، فهذا الشهيد كتب اسمه مغلوطًا على النصب التذكاري في القرية، دون أن يقوم أحد بالاهتمام بتصليحه، وقد أشارت والدته إلى المرارة التي تحملها منذ سنين بسبب هذا الخطأ، حتى أنها توجهت إلي في الفيلم لتصليحه.

ح. ن: ما هي الصعوبات المركزية التي واجهتك في إعداد الفيلم؟ 

ن. ب: يفتتح الفيلم بمشهد نقوم فيه بتصوير أحد المدرسين في مدرسة حكومية، وهو يخبر عن شهادته بصفته طفلًا رأى مجموعة من النسوة يحاولن بشدة فتح بوابة المدرسة لإخراج أطفالهن منها، وذلك لإجبار إدارة المدرسة المفوضة من الحكومة الإسرائيلية بالالتزام بالإضراب العام الذي أعلنته القيادة السياسية العربية آنذاك. وخلال التصوير، جاء أحد موظفي المدرسة لكي يعلم الأستاذ أنه لم يحصل على موافقة بالتصوير - نظرًا للطابع السياسي للفيلم - وأن عليه إيقاف التصوير حالًا. وكما يشير المدرس في أعقاب ذلك، فإن هذا جزء من السياسة الترهيبية التي يواجهها الفلسطينيون في كافة المجالات، وأيضًا في الجهاز التربوي.   

مع أن الناس بشكل عام تجاوبت مع أسئلتي وتوجهاتي ولم تخف من التحدث بحرية أمام الكاميرا، إلا أنني واجهت تمنعًا في البداية من بعض الأشخاص، مثل أحد المعتقلين من مدينة سخنين، والذي ضُرب بقسوة في يوم الأرض؛ فبعد محاولات عدة، تمكنت من إقناعه بالتحدث، وكانت النتيجة بأنه بكى بحرقة أمام الكاميرا، الأمر الذي أظهر عمق المشاعر والآلام التي يحملها في داخله منذ قرابة أربعة عقود، وبالنسبة له ولآخرين غيره، فإن هناك صدمة مروا بها في يوم الأرض، ولا يريدون التحدث عنها أو كسر هذا الحاجز الذي وضعوه أمامها؛ تلمّست رغبة في حفظ هذه الأحداث على أنها شيء شخصي لا يريدون مشاركته مع أحد.

ح. ن: هل تم توثيق يوم الأرض في أماكن وفي مراحل أخرى؟ وكيف يختلف "30 آذار" عن غيره في ما يقدمه لنا اليوم من شهادات؟

ن. ب: في مجال توثيق يوم الأرض، نجد الفيلم الذي أخرجه المخرج الفلسطيني غالب شعث عام 1978، والذي يعتبر تسجيلًا للأحداث من وجهة نظر القيادة السياسية تحديدًا، حيث نرى شهادة طويلة للراحل توفيق زياد، الذي يُعتبر من أهم الشخصيات السياسية التي حضرت وقادت يوم الأرض، وسجلت أيضًا بعض الشهادات للناس التي شاركت، لكن دون التدقيق في التفاصيل.

ثم هناك "الكتاب الأسود عن يوم الأرض"، وهو مجموعة شهادات أصدرتها "لجنة الدفاع عن الأراضي"، والتي تزامن تشكّلها في الفترة نفسها التي شهدت يوم الأرض؛ إلا أن الكتاب الأسود لا يفِ بالغرض اليوم، نظرًا للعدد المحدود من النسخ التي تم إصدارها، فنجد صعوبة في إيجاده، وثانيًا، وذلك هو الأهم في سياقنا، فإن الشهادات الموجودة فيه غير وافية، فنجد عددًا من الشهادات لا تأتي على ذكر أسماء المشاركين، ولا تقوم بعرض الأحداث كاملة، فلا تأتي مثلاً على ذكر حبس مجموعة من شباب سخنين لفرقة من الجنود في بيت أحد سكان القرية، وعليه فإن هذه الشهادات لا تعطي صورة واضحة ودقيقة للدور النضالي لأهالي هذه القرى.

ويبدو لي أن هذا النقص يأتي بسبب القرب التاريخي في تسجيل هذه الشهادات، إذ كانت الصدمة ونفسية الترهيب المتّبعة ضد الفلسطينيين ما تزال في أوجها. ومن هنا، فإن هذا الابتعاد بالزمن عن تلك الفترة، وفي ظل الظروف التي نحياها اليوم، بالإضافة إلى تركيز فيلم "30 آذار" على شهادات الناس البسيطة، وتجاربهم الإنسانية، دون التركيز حصرًا على الشخصيات والأحداث السياسية، سواء في عملية إنتاجه وجمع المواد التي كونت الفيلم، أو في الشهادات التي يقدمها، فقد جاء ببعد إنساني توثيقي مختلف.

ح. ن: نادرًا ما نجد مبادرات محلية لدعم مشاريع ثقافية أو وطنية، وتحديدًا صناعة أفلام وثائقية عن الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1948، فماذا كان الهدف والدافع من وراء هذا العمل؟

ن. ب: أتت هذه المبادرة الطلائعية عملًا محليًّا خالصًا من المركز الثقافي على اسم محمود درويش، ورابطة عرابة للثقافة والفنون، وهي جزء من تكتلات ثقافية محلية نجدها في بعض القرى العربية، حيث تقوم بسد الفراغ الثقافي الذي نواجهه جرّاء غياب المؤسسات الثقافية والسياسية والتربوية للفلسطينيين في الداخل. 

أما بالنسبة للفيلم تحديدًا، فقد كنت مدفوعًا بالحاجة لتوثيق شهادات من عايش يوم الأرض، وتقديمها للجيل الجديد من أبناء عرابة تحديدًا، الذين ندرة ما ينكشفون لمثل هذه الشهادات، وهي من المفترض وأنها حصلت في قريتهم. ثم إن هناك أهمية قصوى لتسجيل هؤلاء الذين شهدوا يوم الأرض، علمًا بأن عددًا كبيرًا منهم قد تقدم بالسن، ويستوجب تسجيل شهادتهم قبل فوات الأوان، فنحن إذن في معركة ضد الوقت.  

التعليقات