29/05/2013 - 12:34

"حياة أديل" لعبد اللطيف كشيش يثير أسئلة التلقي التونسي بعد فوزه بسعفة "كان" الذهبية

احتفل العالم، وتونس تحديدًا، قبل أيام، بتتويج الفرنسي التونسي عبد اللطيف كشيش بجائزة السعفة الذهبية لمهرجان "كان" السينمائي، والتي أهداها للشباب التونسي على منجزه التاريخي، الثورة التونسية، وقد أثار هذا الفوز في المقابل أسئلة حول كيفية استقبال وتعاطي السلطات التونسية الجديدة بعد الثورة مع فيلم من هذا النوع، خاصة أن بطلتاه مثليتان تونسيتان.

احتفل العالم، وتونس تحديدًا، قبل أيام، بتتويج الفرنسي التونسي عبد اللطيف كشيش بجائزة السعفة الذهبية لمهرجان "كان" السينمائي، والتي أهداها للشباب التونسي على منجزه التاريخي، الثورة التونسية، وقد أثار هذا الفوز في المقابل أسئلة حول كيفية استقبال وتعاطي السلطات التونسية الجديدة بعد الثورة مع فيلم من هذا النوع، خاصة أن بطلتاه مثليتان تونسيتان.

وقد قال كشيش في معرض إهدائه لشباب الثورة التونسية إنه يفعل ذلك "من أجل إنجازهم التاريخي، الثورة التونسية، ومن أجل رغبتهم، هم أيضا، في أن يعيشوا بحرية، وأن يعبّروا بحرية، وأن يحبوا بحرية". يشير إلى ذلك، وبأسلوب لا يخلو من الفخر، الموقع التونسي "كابيتاليس دوت كوم".

صحيفة "كورييه إنترناسيونال" الفرنسية تسائلت عن آفاق عرضه في هذا البلد المغاربي قائلة: "مع وجود حكومة إسلامية في السلطة، ماهي حظوظ فيلم ’حياة أديل‘ ليسمح له بالعرض داخل قاعات السينما في مسقط رأس مخرجه التونسي الفرنسي؟"

الفيلم يعالج مسألة المثلية في المجتمع الفرنسي

وأشاد نقاد سينمائيون بالفيلم، لا سيما أنه لخص في ثلاث ساعات مشكلة المثلية المتنامية في المجتمع الفرنسي، ودخل في العمق ليكشف العوالم الداخلية لتلك العلاقات المشبوهة والمكشوفة داخل المؤسسات التربوية الفرنسية، خصوصا المدارس الثانوية.

الفيلم يتابع يوميات أديل، الفتاة ذات الـ 17 عامًا، وهي طالبة في إحدى ثانويات باريس، فبعد علاقة جنسية أولى مع شاب من عمرها، تكتشف أنها تميل الى الفتيات، هذا كله في إطار بحثها عن وعيها الحسيّ واكتمال أنوثتها.

وتلتقي أديل عن طريق المصادفة بالفتاة إيما، وتتعزز المعرفة بينهما عندما تلتقيها ثانية في حانة للسحاقيات، والنتيجة علاقة غرامية يصورها كشيش بتفاصيلها الدرامية والنفسية والشهوانية والجسدية.

وأديل التي تطمح إلى أن تكون مدرسة، والداها لا يتقبلان فكرة أن تحب فتاة، في حين أن إيما رسامة ومثقفة لا تجد رفضا من عائلتها المنفتحة.

السينما التونسية دائما "دغدغت المشاهد بما هو تحت الحزام"

ومن جهته، تساءل موقع "ماغ14 دوت كوم": "على ماذا تم تتويج عبد اللطيف كشيش وخاصة فيلمه ’حياة أديل‘ بالسعفة الذهبية لمهرجان ’كان‘؟ هل لأن أبطاله تونسيون؟ هذا الفيلم الطويل الذي تبلغ مدة عرضه 3 ساعات، يغوص خلالها المشاهد بعمق في خصوصية عشيقتين سحاقيتين، هل يمثل الثقافة التونسية في شيء؟ وإذا استطاع هذا الفيلم أن يثير اهتمام مجتمع فرنسي لا يزال الجدل مستمرا داخله حول القانون المعتمد مؤخرا بشأن زواج مثليي الجنس، فما الذي يجعل التونسيين يشعرون بأنه فيلم يعني مجتمعهم؟"

ويواصل "ماغ 14" حديثه عن تتويج كشيش، مقدما أمثلة عديدة لأفلام تونسية قدم من خلالها المخرجون التونسيون "سينما تدغدغ المشاهد بما هو أسفل الحزام"، قبل أن يؤكد "بالمحصلة، ورغم كل المظاهر (التي حفت بحفل تتويجه في كان)، فإن عبد اللطيف كشيش انخرط بدوره في الخط المستقيم للتقاليد السينمائية التونسية التي تبدو وقد صنعت من الغموض الجنسي اختصاصها الوحيد."

زلزال سينيمائي

ويضيف موقع "ماغ 14": "يكفي أن نقول إن هذا الفيلم يهدد بإثارة شيء آخر أكثر من مجرد زلزال سينمائي، في حال ما تم عرضه في قاعاتنا المغلقة التي هي على أبواب الاندثار، خاصة ونحن في سياق تونسي، ما يزال الحداثيون فيه يخافون صدر أمينة (ناشطة فيمن)."

ولا بد من الإشارة في هذا السياق، إلى أن انتشار المواضيع الجنسية المتلونة في السينما التونسية تعود إلى عقود مضت، فقد أعطى المخرج التونسي نوري بوزيد مثلا، كشيش، عندما كان الأخير شخصا مجهولا في عالم السينما، وإيمانا من المخرج التونسي بموهبته كممثل، الدور الأول في فيلمه "بزنس" (1992)، وهو دور قوّاد يقدم خدمات جنسية للسياح الغربيين الوافدين على تونس، والدور نفسه حصل به كشيش على جائزة أحسن ممثل في مهرجان "نامور" السينمائي الفرنسي.

هل سيسمح النظام الجديد في تونس بعرضه؟

بدوره تساءل موقع "كابيتاليس": "يبقى أننا بحاجة إلى أن نعرف ما إذا كان وزير الثقافة (التونسي) المهدي مبروك سيسمح بعرض ’حياة أديل‘ الذي يتحدث عن المثلية الجنسية في مسقط رأس المخرج، بينما تونس اليوم هي تحت سيطرة الإسلاميين".

المسألة نفسها أثيرت على موقع "ويبدو دوت تي أن": "لم تتأخر كثيرا ردة فعل وزارة الثقافة (التونسية)، فقد قال فتحي الخراط، مدير عام قطاع السينما بالوزارة، وهو يهنئ بالنجاح، إن الفيلم يتوجه إلى ’محيط خاص‘، وإن ردود أفعال حادة ضد عرضه في قاعاتنا المغلقة، يمكن توقعها بقوة."

من يملك حق محاكمة إبداع سينمائي؟

ويقول الموقع التونسي: "هل هي عودة لزمن جديد من الرقابة؟ إن التونسيين بصفة عامة والشباب التونسي بصفة خاصة، الذين حياهم كشيش بشكل خاص يوم تسلمه جائزة ’كان‘ في 26 مايو / أيار، لم يحصلوا بعد على حقهم في تقييم أي فيلم بأنفسهم.. من يملك حق محاكمة إبداع سينمائي وتحديد ما إذا كان جيدا أو سيئا لمجتمعنا أو هو ليس كذلك؟"

ويتساءل "ويبدو" أيضًا: "في مجال السينما تحديدا، أين يقع حد حرية التفكير التي دفع من أجلها التونسيون كثيرا؟ هل الفنون بصفة عامة هي مواضيع تخضع للتقييمات الأخلاقية؟"

قبل أن يستدرك: "لم يحن بعد موعد كلّ هذا الجدل.. فالفيلم لن يبدأ عرضه في القاعات الفرنسية إلا في أكتوبر / تشرين أول المقبل.. لننتظر إذن، ومن يدري فلعل اتجاه الرياح، من هنا وإلى ذلك الحين قد يتغير."

المنع وحذف المشاهد

ويتوقع أن يواجه فيلم "حياة أديل" المنع في عديد الدول العربية، خاصة منها التي توجت ثوراتها بحكومات ذات توجه إسلامي.

وقال كشيش ردا على سؤال عما إذا كان مستعدًّا لحذف بعض المشاهد كي يصبح عرض الفيلم في أسواق سينمائية معينة، كالأميركية مثلًا، مقبولًا، فقال: "قد أتنازل عن أشياء صغيرة، كي لا أفوّت عليَّ احتمال أن يُعرَض الفيلم، ولكن إذا كان الأمر يتعلق بمشاهد كاملة، فهنا سيكون القبول به أصعب بكثير"، مضيفًا أن المشكلة لن تكون حتمًا مع أميركا بقدر ما هي مع بلدان أخرى"، على حدّ قوله.

وقدم كشيش عام 2004 "المراوغة"، وفيلم "كسكسي بالسمك" 2007، و"فينوس سوداء" 2010، إلا أنها بقيت ضمن الأفلام التي لم تسجل النجاح نفسه الذي سجله فيلمه الجديد "حياة أديل".

يذكر أن عبد اللطيف كشيش ولد في تونس يوم 7 ديسمبر / كانون الأول سنة 1960، وغادر في سن السادسة من عمره إلى فرنسا صحبة العائلة ليستقر في مدينة نيس.

التعليقات