11/01/2019 - 11:06

مسرح المهباش: كوميديا في النقب

لم يتوقف مشاهدو مسرحية "العرض الأخير" في مدينة رهط بمنطقة النقب، جنوبي البلاد، عن التفاعل مع العرض المسرحي الذي تسيطر اللهجة البدوية على كل فقراته.

مسرح المهباش: كوميديا في النقب

مشهد من مسرحية "العرض الأخير"

لم يتوقف مشاهدو مسرحية "العرض الأخير" في مدينة رهط بمنطقة النقب، جنوبي البلاد، عن التفاعل مع العرض المسرحي الذي تسيطر اللهجة البدوية على كل فقراته.

المشاهدُ لمسرحية "العرض الأخير" في رهط، يعيش عملا تفاعليا يقوم المشاركون خلاله بدعوة الجمهور من أبناء وبنات النقب لأخذ أدوار تمثيلية مباشرة على مسرح العرض، كما يغادر الممثلون المسرح خلال العمل ليتحركوا بين صفوف المشاهدين ومناداة الأشخاص بأسمائهم، ويصنع التفاعل حالةً حميمية جميلة بين الجمهور وطاقم العمل، تظهر ارتباط أبناء مدينة التي تعد 70 ألف نسمة ببعضهم البعض ورسالة التغيير الاجتماعي التي يطرحها مسرح "المهباش" وتوافق الجمهور معها.

يظهر الاهتمام والتعطش لأعمال مسرح المهباش مدى النقص الذي يعاني منه الجمهور العربي بالنقب في المضامين الملائمة للتركيبة الاجتماعية المعبرة عن الواقع الحياتي الذي يعيشه العرب في النقب.

تستند أحداث مسرحية "العرض الأخير" على كتابات المؤلف التركي، عزيز نيسين، الذي يعتبر على نطاق واسع موليير الأدب التركي الحديث.

تتحدث المسرحية عن وقائع الحياة اليومية في النقب وهي من تمثيل عبد الله أبو علان الذي يمثل وقائع من الضفة الغربية، وسهل الدبسان الذي يمثل وقائع من صحراء النقب، وكايد أبو الطيف الذي يمثل وقائع من قطاع غزة، إضافة للمخرج المقدسي محمد عيد.

عبد الله يتحدث إلى كايد كل الوقت ويناديه "خالي"، وكايد الذي يشرح من بداية العرض أن لديه مونولوج يريد أن يلقيه على مسامع الجمهور، لكن العرض ينتهي دون أن يتسنى له أن يحكيه.

هذا المونولوج هو النص المكمل للمسرحية في ذهن الجمهور والذي يريد قوله كل من حضر العرض عن الواقع المركب الذي يعيشه في النقب من مسألة التهجير والحكم العسكري والحصار القائم فعليا لغاية اليوم في منطقة السياج من قبل المؤسسة الإسرائيلية.

ويتطرق أيضًا لمواضيع اجتماعية منها الفساد الإداري من المدارس إلى البلدية والدوائر الحكومية، أزمة السكن والمشاكل الحياتية والاجتماعية التي تهدد النسيج الاجتماعي.

"العرض الأخير"

القلق الذي يبدأ على المسرح يستمر إلى ما بعد انتهاء المسرحية. وهذا ما كان في رد فعل الجمهور الذي استقبل جرعة كوميديا ساخرة وضحك خلال العرض، لكنه عاد مع أسئلة مؤرقة.

يشغل كايد أبو الطيف منذ العام 2006 وظيفة المدير الفني للمهباش- المسرح البلدي في رهط.

وقال أبو الطيف عن عمل المهباش وأهدافه لـ"عرب 48" إن "المسرح قام بدوره في عكس صورة للواقع في النقب، لكن ماذا عنا نحن الجمهور الذي يريد التغيير في هذا المجتمع. هذا التساؤل يضاف إليه ضعف البنية التحتية للفنون والثقافة في النقب".

وأضاف: "نحن نتحدث عن مجتمع عربي في النقب عدده يصل نحو ربع مليون نسمة، الحراك الثقافي والفني فيه شبه معدوم، صوت الرصاص يعلو عن أي صوت آخر. إذا لم نتمكن من إخراس صوت البارود بالحوار والثقافة والفن والعمل المجتمعي الملتزم بالقضايا التي تعنيه فبماذا سننهي دوامة العنف؟".

وأكد بو الطيف أنه "منذ العام 2016 قمنا بتأسيس الورشة السنوية للتمثيل بالشراكة مع المركز المسرحي في عكا ومعهد التمثيل للمسرح في بئر السبع".

وفي سرد أعمال مسرح المهباش البلدي في رهط، قال أبو الطيف، إن "مسرحية لبن العصفور من تأليف كايد أبو الطيف وإيسي ممانوف نوريئل التي قدمت للمرة الأولى ضمن عروض مهرجان عكا الدولي للمسرح في 2018 التي تعالج قضية القرى العربية، مسلوبة الاعتراف، في النقب هي الجزء الأول من ثلاث مسرحيات ستقدم تباعا للجمهور تتخذ من صحراء النقب نقطة انطلاقها، ومسرحية عبدو وكوكب السعادة وشمس الشموسة تعرض في كافة البلاد، بينما يجهز المسرح حاليا لعمل درامي تاريخي يتخذ من الأسطورة العربية القديمة نقطة انطلاقته للموسم المسرحي في النقب للعام الجاري 2019".

فازت مسرحية "العرض الأخير" بجوائز قطرية في مهرجان "مسرحيد عكا"، ولكن يبدو لمن يشاهدها في رهط التي يشكل أبناؤها الطاقم الأساسي لمسرح المهباش أنها صنعت لتعرض في المدينة، وبالفعل تنطلق المسرحية من الواقع الحياتي الرهطاوي والنقباوي لتطرح القضايا بلهجة وطريقة أهل الصحراء متحدثة لهم وعنهم.

معنى المهباش

وعن معنى المهباش، فهي آلة مصنوعة من الخشب تستخدم لسحق حبوب القهوة المحمصة، كذلك يستخدم المهباش كآلة موسيقية ترافق الأهازيج البدوية. وللمهابيش قيمة اجتماعية في التراث البدوي ففي زمن بيوت الشعر كانت تسمع أصوات موسيقية عن بعد، حيث تدق بها القهوة والهيل، وسماع صوت المهباش يعتبر دعوة من صاحبه وإعلان أن القهوة اليوم عند فلان، فيجتمع الرجال في ديوانه للسمر وتبادل السواليف، وعليه يدعو مسرح المهباش جمهوره للنقاش والحديث والتفاعل عبر الضحك والحزن وتجييش العواطف والنقد الاجتماعي لتحسين الواقع.

وحاز مسرح المهباش الذي جاء تعزيزًا للحراك الفني في النقب، والذي شكل نقلة في الحياة الثقافية لمدينة رهط، على العديد من الجوائز القطرية والمحلية في معظم محافل تواجده، ومنها جائزة أفضل ممثل عن مسرحية "عبدو" وجائزة أفضل عمل مسرحي عن مسرحية "العرض الأخير" وأفضل نص مسرحي لمسرحية "بن بروا".

ينطلق مسرح المهباش من رهط، لكنه يتفرع ليلعب دورًا في العديد من قرى النقب، وينظم المسرح دورات لتعليم التمثيل في تجمعات منها حورة واللقية وتل عراد، كما يوفر للمشاركين فرصة امتهان الفن والتمثيل والربط بمسارح قطرية، ويحفز على بناء مسارح في بلدات النقب المختلفة بهدف بناء وتعزيز الحياة الثقافية في النقب عامة وتكوين حالة النقد الاجتماعي عبر الفن لمواضيع منها العنف والقتل، المساواة وهدم البيوت.

وأكد طاقم المسرح البلدي، المهباش، عند سؤالنا عن المرحلة القادمة للعمل المسرحي، أن السماء هي الحدود، والتوجه نحو لعب أدوار فنية قطرية، والمشاركة في الحالة الثقافية الفلسطينية مطروح وفي متناول اليد، والأعمال القادمة لمسرح المهباش سيكون هدفها الوصول إلى العالم العربي ومهرجان قرطاج العربي، بعد الخروج من مسارح منها الحكواتي وعشتار والحرية في جنين.

التعليقات