مأساة الفارس المعذب (هملت) في قلب القاهرة / د. حسن عطية

مأساة الفارس المعذب (هملت) في قلب القاهرة / د. حسن عطية
تجرى معظم أعمال الكاتب الإنجليزي "وليم شكسبير" في أزمنة مغايرة لزمنه ، وأماكن غير تلك التي يعيش فيها ، وهو ما يتيح له فرصة تحليل واقعه المعيش دون أن تطاله يد باطشة ، ويمكنه من نقد هذا الواقع وأنظمته ، رغم أنه يقدم عروضه في مسرح (الجلوب) الذي ترتاده علية القوم التي يوجه سهام نقده لها ، وتجرى أحداث تلك العروض في الأروقة الملكية ، وهو في ذات الوقت لا يستطيع أن يخرج عن رؤية مجتمعه الفكرية والفنية للحياة التي يعيشها ، فيحضر جمهوره بقوة داخل مسرحياته ، حتى وإن اعتمدت تلك المسرحيات على حكايات تاريخية حدثت في أزمنة وأمكنة غير تلك التي يعيش فيها ، وهو ما يتيح أمام مخرجي نصوصه الفرصة للانفلات من أسر التاريخ المقدم داخل تلك النصوص ، والحضور الإنجليزي القابع فيها ، فالأجواء الدانماركية والإيطالية والرومانية القديمة التي دارت فيها غالبية أعمال "شكسبير" ليست حقائق تاريخية ، وإنما هي وجود واقعي مفترض ، يقدم به المبدع ، إلى جانب انفلاته من عيون السلطة الحاكمة ، رؤيته لعوالم تتهاوى بفعل الجهل وهيمنة الأفكار البالية ، ويمزج عبرها ثقافته بثقافة النص الدرامي الأصلي .

ولذا فإن العرض الذي يقدمه المخرج هاني مطاوع لنص "هاملت" في فضاء المسرح القومي بقلب القاهرة ، بداية من الأيام الأخيرة من عام 2003 ، وبعد أربعة قرون كاملة من تقديم المسرحية بمسرح (الجلوب) المتجدد بلندن ، حيث كتبت عام 1601 ، وعرضت عام 1603 ، إنما يقدم لنا رؤية جديدة ترتكز على تفسير عقلاني لهذا النص الملغز ، ومنطلقة من أرضية لا تتعالى على النص الشكسبيرى أو تدعى التفوق (العصري) عليه فتمزقه وتهد معماره البنائى وتنسف رؤيته الفكرية بحجة التجريب ، ولا تتخاذل في نفس الوقت أمام عظمة هذا النص ، فتقدمه بصورة متحفية (أركيولوجية) باسم قداسة النص ، بل هي رؤية تحاور النص من لحظة زمنية مغايرة ، تحترم مادته وبناءه ، وتضيف وتبدل في بعض مواقفه ولغته لتناسب جمهوره المتلقي ، اعتمادا على النص الذي أعاد ترجمته د."جمال عبد المقصود" ، مستفيدا من كل الترجمات العربية السابقة ، وواعيا بلغة عصره ومفرداته .

ولأن الظواهر الطبيعية كانت تشكل في زمن "شكسبير" وجودا مثيرا للتساؤلات بالنسبة للإنسان ، فيربط بين ما يحدث أمامه من ظواهر لا يمسك بسهولة بكنه حركتها ، وبين ما يقع له وفيه من أفعال ، أو يتوقع وقوعها له مستقبلا ، دون أن يعرف حقيقة حدوثها ، ولذا فظهور شبح ملك الدانمارك الراحل بزيه وقناعه العسكريين لبعض من أهله ، في مفتتح مسرحية (هاملت) ، ينذر بحدوث مأساة و"فتنة غريبة" في المملكة التي تسلل الفساد إلى أركانها ، فلم يحدث أن ظهر مثل هذا الأمر من قبل ، وعليه يبنى "شكسبير" مسرحيته منطلقا من ظلمة منتصف ليل بارد ، ومن على إفريز ضيق فوق قلعة (السينور) الملكية ، وفى لحظة حراسة لهذه القلعة مقر حكم الدانمارك ، والمهددة بهجوم خارجي من أمير النرويج الشاب "فورتنبراس" ، الذي يجيش فيالقه الخاصة لاستعادة أرضه التي حصل عليها الملك الراحل "هاملت" الأب ، وضمها لأراضيه ، عقب مبارزته للملك "فورتنبراس" الأب ، ووفقا لاتفاق معقود بينهما وثقة بقوانين الفروسية في ذاك الزمان ، حصل المنتصر على أراضى الخاسر ، وضمها لمملكته ، وها هو ابن الخاسر يتحرك لاستعادة ما أخذ منه ، بجيش من المرتزقة لقاء قوتهم ، لذا تخشى الدانمرك من غزو "فورتنبراس" الشاب لحدودها وقصر الحكم ، بعد موت "هاملت" الأب ، الذي كان وما يزال سبب هذه الحرب المندلعة بين الدولتين ، فتعمل على صناعة مدافع نحاسية كثيرة ، وشراء معدات الحرب من الخارج ، وبناء السفن بشكل مكثف ، وتجرى حراسة شديدة على القصر ، ومن ثم تبدأ حبكة المسرحية دراميا بظهور ذلك الشبح المنذر بكارثة قادمة ، في لحظة فاصلة ومتوترة من حياة هذه المملكة ، وقد جاء "هوراشيو" ، صديق الأمير"هاملت" ، هذه الليلة ليتعرف على كنه هذا الشبح الغامض ، الذي ظهر مرتين من قبل للحراس الأوفياء ، دون أن ينبس لهم بكلمة ، وقد أثار هذا الظهور الشبحى أمام "هوراشيو" ، موقفا مماثلا حدث قبيل سقوط الحاكم الروماني الجبار "يوليوس قيصر" حيث راحت أرواح الموتى تجوب شوارع روما ، وحلت الكوارث بالشمس ، واضطربت الكواكب ، وخسف القمر ، "وها هي ذي الأرض والسماء معا تبديان لبلادنا ومواطنينا دلائل كتلك ، تشير إلى أحداث عنيفة ... كأنها رسل تسبق الأقدار دوما ، وفاتحة لما سيتلوها من دلائل" ، مشيرا بذلك لظواهر طبيعية وغير طبيعية تظهر في الواقع وتنبئ بما سيحدث ، مستفيدا ، "هوراشيو" وخلفه المؤلف ، من التاريخ ، أو من الأساطير التي دارت حول التاريخ (الروماني خاصة) في الدراما ، كما أن "شكسبير" نفسه يذكر متلقيه بهذا القول بما قدمه في مسرحيته السابقة والمعنونة باسم بطلها (يوليوس قيصر) ، والتي عرضها قبل عرض مسرحيته بسنوات قليلة (1599) ، فيحيل مشاهده إليها ، ويربط بين وقائع أعماله بصورة ذكية ، فضلا عن ربطه بين زمن واقعه المسيحي (موسم عيد ميلاد المسيح) ، وزمن الرومان الوثني (إله النهار) في متن الحديث الواحد دون أي شعور بالغرابة ، وينتهي الأمر لدى "هوراشيو" بضرورة إخبار الأمير "هاملت" بما حدث ، وقد عاد من بعثته بإنجلترا إلى الدانمارك لتشييع جنازة والده الملك ، الذي مات فجأة وهو نائم بحديقة قصره.فضل "شكسبير" كمؤلف أن يبدأ حبكة مسرحيته من لحظة ظهور الشبح وسط ظلمة ليل الدانمارك ، ليضع جمهوره منذ اللحظة الأولى في ظلمة ليل طويل يبدأ بظهور شبح ملك مغتال ، لينتهي ذات مساء بحفل تقتل فيه كل شخصيات الأسرة المالكة بيد بعضها البعض ، بسبب جرم قتل الملك المعظم ، بينما فضل المخرج د. "هاني مطاوع" أن يبدأ حركة عرضه المسرحي ، من خارج الدانمارك بأكملها ، بمشهد إفتراضى غير مكتوب في النص الأصلي ، حيث يبدو لنا "هاملت" متدربا مع زملائه من شباب أرستقراطية ذلك الزمان في درس من دروس المبارزة بالسيف في المدرسة الملكية بلندن ، قبيل معرفته بخبر موت أبيه ، ليكشف لنا عن عالم "هاملت" في بلاد الغربة عن بلاده ، حيث كان يعيش متلقيا تعليمه في المدارس الإنجليزية الملكية ، فهو شاب جاد ، عاشق للفروسية قيما وفنا ، يأتيه صديقه وزميل دراسته "هوراشيو" ليخبره بموت أبيه الملك ، ويطالبه بضرورة العودة لبلاده لتشييع جنازته ، وهى مقدمة مسرحية ذات دلالة تكشف عن نفسها في التناقض بين فروسية المدرسة وغياب تلك الفروسية في الدانمارك ، وبين ضياء عالم "هاملت" الفارس ، وظلمة مجتمع استشرى فيه الفساد وارتكبت فيه المحارم بليل ، فضلا عن الكشف عن حال فتى شريف قبل معرفته بموت أبيه ، وما آل إليه هذا الحال بعد المعرفة الأولى بالموت ، ثم المعرفة الثانية بالمتسبب في هذا الموت ، وتقدم لنا وجها غير متداول عن شخصية (هاملت) فهو ليس بالمثقف الغارق في كتب التأمل الفلسفي ، بل هو الفارس المتعلق بفنون النبالة والتفوق الجسدي.

لذا ما أن يعود "هاملت" لبلاده حتى يجد كل شيء على غير ما آمل أن يكونه ، ويضعنا العرض أمام المشهد الثاني المثبت في النص الشكسبيرى ، حيث تمتد قاعة العرش في فضاء المسرح ، ويبرز كرسيان ضخمان في عمقه ، وعلى مرتفعات كأنها الهرم المتدرج ، فيؤسسان عرشا بعيد المنال من صاحبه ، في الوقت الذي تهبط فيه من سماء خشبة المسرح متدليات ذهبية كأنها الأسهم الموجهة من السماء المضطربة لموت الملك غيلة لتنغرس في لحم الأرض المهتزة ، ويدخل "كلوديوس" أخو الملك الراحل وعم الأمير "هاملت" ، عائدا من حفل تتويجه ، وقد صار ملكا شرعيا للبلاد وزوجا لامرأة الملك السابق وأم الأمير الذي كان له حق تولى الحكم بعد أبيه لولا هذا الزواج ، مما يشكل لدى الفارس "هاملت" هموما متداخلة : فالأب الحاكم القوى المنتصر دوما قد مات ميتة تثير الريبة في أعماقه ، والأم الحنون التي كانت معشوقة أبيه قد صارت بسرعة زوجة لأخيه بقران محرم ، والعرش المحق له قد ضاع منه بتلك الزيجة المشبوهة ، لذلك ألقى به المخرج بثياب الحداد الملكية خارج إطار المسرح (البروسينيوم) الأصلي ، ومنح فضاء المسرح بأكمله لمن أستطاع بالحيلة والإغواء الحصول على التاج والملكة معا ، مزهوا بزيه الأبيض الذي يتصور أنه يمكنه به إخفاء جريمته غير المعلنة حتى هذه اللحظة ، ومعه الملكة "جرترود" في ثوبها العاجي وبقية حاشيته ، ملقيا عليهم خطبة يعلن فيها عن حزنه لموت أخيه ، وعن قراره مواجهة الواقع بالزواج من زوجة الأخ الراحل ، والتصدي للأمير المهدد بجيشه للمملكة "فورتنبراس" ، والذي تصور أن موت "هاملت" الأب قد أوهن بأس الدولة ، فأرسل من يطلب منهم تسليم الأرض التي تنازل عنها أبوه بعقود وثقها القانون ، ولذا فقد قرر الملك "كلوديوس" أن يرسل لعم "فورتنبراس" الشاب (أخو "فورتنبراس" الأب والذي حل محل أخيه في الحكم فأصبح ملك النرويج) و"الذي لم يسمع بعزم ابن أخيه (على الحرب) لأنه عاجز طريح الفراش – حتى يثنيه عن المضي في هذا السبيل" ، أن يرسل له برسالة مع "كورنيليوس" و"فولتماند" ، سفيراه لملك النرويج لإيقاف ابن أخيه عن محاولة الحرب مع الدانمارك لاسترداد الأرض الضائعة ، كما يوافق على عودة "لايرتس" ، ابن مستشاره "بولونيوس" وأخو "أوفيليا" ، إلى فرنسا ، بعد أن عينه ، وفقا للعرض المسرحي ، مفوضا للدانمارك في سفارتها بباريس .

يحاول "كلوديوس" أن يجتذب الفتى الشارد "هاملت" لعالمه ، محاولا إضفاء شعور أبوي على وجوده داخل معيته ، فيرفض "هاملت" بإباء هذه المحاولة ، داخلا بحركته الجسدية لفضاء القصر المغتصب ، معلنا إصراره على عدم نفى ذاته خارج دائرة الحكم ، ومؤكدا للملك أنه قد يكون قريبا له باعتباره عمه وزوج أمه ، ولكنه لن يكون له يوما أبنا ، مشيرا بذلك لانفصام العلاقة الأبوية العطوفة بينهما ، مما يتيح له يوما الخلاص منه ، دون أي شعور بالذنب لارتكاب جريمة قتل الأب ، وموافقا على البقاء داخل جدران المملكة دون أن يكون فردا فيها ، مما يعنى اغترابه نفسيا منذ هذه اللحظة عن الجميع ، بمن فيهم حبيبته "أوفيليا" ، فقد أنهار العالم أمامه ، وتفتتت علاقته به ، وهو ما جعله يتمنى في مناجاته بعد ذلك الموت الانتحار للخلاص من مأزق الاغتراب الوجودي الذي وجد نفسه فيه ، مترددا في الإقدام عليه بحكم تدينه من جهة ، حيث ينتمي "هاملت" لأسرة بروتستانتية ، ويتعلم في لندن بجامعة (ويتنبرج) اللوثرية ، لذا يقول لنفسه : "لو أن شريعة الإله السرمدي لا تحرم على المرء أن يقتل نفسه" ، وأيضا لفروسيته التي تأبى عليه عدم مواجهة المخاطر من جهة ثانية ، لذا يتردد ويقارن بين ملك قوى محب لزوجته وملك شديد المجون أغتصب في نظره الملك والزوجة ، بين عالم كان هو فيه بؤرة حركته ، وآخر قام بتهميشه ويود استقطابه لدائرة لم يعد هو محورها ، فشعر بالضعف تجاه هذا اللغز الذي حول الكون في لحظة من النقيض للنقيض ، ومن ثم رأى كفارس أن الضعف امرأة ، فقد خانت أمه أباه ضعفا منها تجاه الأخ القاتل ، فصارت زوجه له ، وهى بعد بنفس الحذاء الذي سارت به خلف جثمان أبيه ، ومن ثم فالخيانة بالتبعية وبالنتائج امرأة ، خاصة وقد فجع في أمه التي كان يراها عاشقة لأبيه ومعشوقة منه ، ومع ذلك فقد تزوجت عمه بعد شهر واحد ، وهو زواج من وجهة نظر مسيحية بروتستانتية محرم ، حيث تحرم هذه الشريعة زواج الأخ من زوج أخيه المتوفى ، وبالتالي ازدوجت عنده الخيانة بالعهر.
وجد "هاملت" نفسه في مواجهة لغز يستشعره دون أن يمسك بحقيقته ، فقرر أن (يكون) داخل هذا العالم الردئ ، و(ألا يكون) بعضا منه ، وصارت تلك مأساته التي ستودي بحياته وحياة كل من صنعوا أسس مأساته ، وأضحى السواد لون زيه المفضل ، وأمسى بذلك منفيا داخل مجتمعه الصغير ، حتى محبوبته "أوفيليا" ، فقد نصحها أخوها "لايرتيس" ، قبل رحيله ، بضرورة نسيان هاملت ، واعتبار علاقتها به مجرد نزوة مراهقة عابرة ، فثمة فوارق بينهما أشتد وضوحها مع موت الملك الأب ، ف"هاملت" كأمير "خاضع لمولده" ، تتعلق إرادته بوضعه الطبقي والاجتماعي كأمير للبلاد ، لذا فإرادته في اختيار الشريك ليست حرة ، وإنما هي متعلقة بأمن الدولة كلها وسلامتها ، ولابد لاختياره أن يوافق مطلب هذه الدولة ، التي هو رأس لها ، ويستسلم له ، فثمة مواضعات اجتماعية ذات هيبة مقدسة تجعل الملك أو الأمير أبنا لقواعد صارمة ، كما أنه مطلوب منها كفتاة المحافظة على شرفها ، وضرورة الابتعاد عن مرمى الشهوة ، والالتزام بالفضيلة التي لا تسلم من سهام الاغتياب ، ويؤكد الأب "بولونيوس" ، بعد رحيل ابنه ، على قوله هذا ، مغاليا في تحذير "أوفيليا" من "هاملت" وعشقها له ، فهي بعد فتاة غريرة ، وهو يقف موقفا غير مؤيد مثل أبنه لعلاقتها به ، ويرى أن عروضه الغرامية عليها هي عروض زائفة ، وأنها تعرض نفسها في ذات الوقت بثمن بخس ، وعليها الإقلال من رؤية "هاملت" وأن تجعل اللقاء به "أغلى من أن يكون استجابة لأمره" ، ويأمرها بعدم تضييع الوقت بالحديث إلى الأمير المعذب ، فتعلن طاعتها له ، وتمتنع بالفعل عن اللقاء به ، وهو الأمر الذي يستثيره ، خاصة بعد أن ذهب ذات ليلة لمقابلة هذا الشبح المتخفي في زى والده ، حيث يجد نفسه في مواجهة قوى الطبيعة العاتية ، والتي يرى شكسبير أن البشر في صراع دائم معها ، هي تعده ألعوبة بيدها ، وهو يعدها عدوا غاشما لابد من قهره ، وخلف جدران القصر العالية ، التي أنشأها مصمم الديكور "محمود حجاج" على المسرح ليجعل من قلعة (السينور) مكانا منغلقا على ذاته ، بعيدا عن حركة الجماهير خارجه ، يبرز الشبح لهاملت وصحبه مطبوعا على شاشة خلفية ، وينادى "هاملت" وكأنه قدره الذي يشده لعالم آخر ، داعيا إياه لمكان أكثر عزلة ، وأبعد عن الجميع ليسره بسر خاص ، وبالفعل يطيعه الفتى بشجاعة ، ثم يعود ليدفع أصحابه بصوت الشبح المرفرف خارج القصر للقسم على السيف بعدم الحديث لأي شخص بما شاهدوه ، ويقول لهم ما تفتق عليه ذهنه من خطط مستقبلية ، عما سيبدو عليه في الغد القريب " فربما أجد من الملائم بعد اليوم أن أتظاهر بالبلاهة والجنون" وعليهم ألا يندهشوا أو يكشفوا عن معرفة سابقة بما انتواه ، خاصة وقد أدرك للحظة أنه ولد ليصلح ما أفسده الزمان ، ولذا فهو قادم من أجل مهمة ليست بالميسرة ، ولا تتعلق فقط بالثأر لأبيه ، وإنما لكي يعدل ميزان الكون الذي أختل من الرأس ؛ رأس الحكم .يخبر "هاملت أصحابه بهذا القرار ، دون أن يقول لهم ما قاله الشبح له ، ودون أن يقدم لنا المخرج هذا المشهد (وهو المشهد الخامس وفقا للنص الشكسبيرى) ، والمعتاد تقديمه في سياق العرض المسرحي بين مشهد وصول "هاملت" لإفريز سطح القلعة المطل على البحر ، ومشهد عودته من مقابلة الشبح ، حيث يعرف المشاهد ما لا يعرفه أصحاب "هاملت" من معلومات عن الشبح وأقواله له ، على حين فضل المخرج د. "هاني مطاوع" أن ينقل مشهد المقابلة من سطح القلعة المكشوف ، لحجرة نوم "هاملت" ، وأن يظهر متحدثا له عبر حلم كابوسي ، تعذبه فيه كائنات صغيرة (أقزام) ، وكأنها مخلوقات عالمه الذي لم يعد واقعيا ، بل صار أقرب للوحات التعبيريين التي تسبح فيها كائنات غرائبية ، ومن ثم يصبح هذا الشبح جزءا من هذا العالم الغرائبى الوحشي الذي وجد "هاملت" نفسه داخله ، فصار شبح الأب هاجسا نفسيا يطارده في منامه وأحلام يقظته ، ولا يتركه حتى في لحظات انفعاله الحادة مع أمه فيما بعد.

تتجلى روح الأب ل "هاملت" كشبح قادم من (المطهر) أو البرزخ الواقع بين الحياة الدنيا الفانية والحياة الأخرى الخالدة ، يخاطب فيه "طبيعته السوية" التي لابد وأن ترفض عدم الاستواء في الطبيعة ، وغياب العدل في المجتمع ، ويطالبه بالانتقام ممن اغتاله ، ويخبره بأن الثعبان الذي قيل أنه لدغه نائما ما هو إلا العم "كلوديوس" لابس التاج حاليا ، بعد أن أستطاع أن يستميل إلى شهواته المخزية الملكة التي كانت في مظهرها غاية في الفضيلة ، ثم يصف له كيفية قتله بالسم بيد الأخ الذي أغوى الزوجة ، واستباح المحرمات ، فسلب منه في لحظة الحياة والعرش والزوجة ، ودفعه للموت وحسابه قبل أن يتطهر أو يلتمس الغفران ، وهو أمر هام بالنسبة لهاملت المتدين ، لقد قتل الأب بيد العم وغواية الأم ، وصار العرش سرير زواج محرم ، غير أن الشبح في مطالبته لأبنه بالثأر سرعان ما ينبهه بضرورة قتل العم فقط فهو المذنب ، دون التعرض بسوء لأمه ، "لا تدع نفسك تدبر أي مكروه لأمك ، دعها للسماء ولتلك الأشواك المستقرة في صدرها ، تخزها وتوجعها " ، ويخاطب "هاملت" الشبح بعد رحيله عن فضاء حلمه وكأنه يخاطب نفسه : "أجل سأمحو من صفحات ذاكرتي كل ما سجلته من توافه حمقاء ، كل مأثورات الكتب ، كل صورة سابقة وكل انطباع سطره فيها الشباب وأكدته الملاحظة. ستعيش وصيتك وحدها في سجل فكرى وسفره ، نقية لا تشوبها من دنايا الأمور شائبة" ، ويكتب هاملت تعليقه الخاص في دفتره الذي يحمله معه عن نذالة عمه ، ويقسم على السيف بضرورة الفعل ، فالفارس المتجلي في أعماقه يرفض أن يتخاذل عن أمر صدر له من أبيه الحاكم ، والقسم على السيف يجعل الفعل قادم لا محالة.

لقد ظهر شبح الأب ليفجر الحدث الدرامي ، وينقل "هاملت" الشاب من حال لآخر ، فثمة معرفة جديدة صارت في عقل "هاملت" ، سواء جاءته بالظهور المادي الخارجي أم بالإلهام والاستضاءة الداخلية ، غير أن ثمة تمهيدا لشخصية وحال هاملت السابقين يمهدان الطريق لتحوله نحو فعله الدرامي القادم ، فقد شك "هاملت" قبيل ظهور الشبح في عمه وفى زواجه السريع بأمه ، وجاء قول الشبح ليؤكد على ما اعتمل في داخله ، أو كان مجرد هاجس في عقله دون دلائل ، ومن ثم تتوافق طبيعة الشخصية الدرامية مع حدث المسرحية ، فتؤثر بسماتها الخاصة في حركته ، وتتبادل معه التأثير والتأثر ، فالقائد العسكري "عطيل" حاد الانفعال ، يندفع لقتل الزوجة فور إثارته بوشاية من صديق كاذب ، دون أن يتوقف لحظة عن التفكير في حقيقة الخيانة الملفقة للزوجة البريئة ، والملك العجوز "لير" يندفع بكبريائه وغروره في طريق الضلال ، لعدم قدرته على نزع الأقنعة عن المتحدثين معه ، ويؤدى نزقه لانهيار مملكته وموت أبنته البريئة ، وكذلك "هاملت" الذي تتأسس شخصيته على مبادئ الفروسية وقيمها النبيلة ، والتي لا تندفع لخوض معركة إلا وفقا لشروط محكمة ، ولذا لا يندفع "هاملت" لقتل العم فور إخبار الشبح له بجريمة القتل ، سواء أكان هذا الظهور الشبحى مجسدا في الواقع وفقا لتصورات المجتمع الإليزابيثى ، أو باديا في حلم الشخصية وفقا لتفسير المخرج المصري العصري ، الذي لا يرى للأشباح وجودا في حياتنا ، بقدر ما يضع يده على أن وعى الشخصية بالواقع الذي تعيشه ، وقدرتها على ربط الوقائع بمقدماتها ، يجعلها تستشعر وجود فجوة معرفية فيما يحدث أمامها ، تتجلى في لاشعورها المنفلت بحرية في الأحلام ، عبر كيان شبحي يترأى له في منامه ، ويتجسد مسرحيا في هيئة الأب المعذب المطالب بالانتقام. يغيب الشبح عن حلم "هاملت" ، تاركا إياه معذبا في يقظته ، مندفعا في ردهات القصر المهتز دون هدف ، ويضعه أمامنا المخرج في إحدى قاعاته مهدما ، لتعثر عليه "أوفيليا" في بحث ليلى لها عن سبب الجلبة التي أحدثها وجوده بالقاعة ، وعلى ضوء شمعتها الصغيرة ، وفى تلامس مجنون مع جسدها الصغير ، ينفجر "هاملت" صارخا في الكون ، بعد أن جسد لنا المخرج هذا المشهد الذي ستسرده "أوفيليا" قولا لأبيها فيما بعد ، عن دخول "هاملت" عليها في غرفتها بهيئة وكلام غير طبيعيين ، والذي سيظن معه الأب "بولونيوس" أن "هاملت" قد صار مجنونا بسبب عشقه لأبنته ، ومنعه إياها من رؤيته ، ويأخذها إلى الملك لإخباره بما حدث ، وبقاعة الاستقبال الملكية ، يعرف الملك بما صار إليه حال "هاملت" ، ويفسره بأنه بسبب موت الأب فجأة ، بينما تزيد عليه الأم سببا آخر هو الزواج السريع بينهما ، لذلك دعا الملك صديقا "هاملت" منذ الصبا "روزنكرانتز" و"جيلدنسترن" للإقامة بعض الوقت بالبلاط كي يستميلا الفتى المعذب للهو ، ويخرجانه من حالة الحزن التي اعترته ، ويعرفا منه سبب تحوله ، بغرض علاجه عقب معرفته.

يكتشف "هاملت" خلال سعيه للقبض على حقيقة ما حدث ومستمر الحدوث أمامه ، أن الدنيا مجرد امرأة غانية ، ما دامت المرأة ذاتها دنيا من الكذب والعهر ، وأن ظهور الشرف في هذه الدنيا يعنى قيام الساعة ، كما يدرك في لحظة وعيه بالعالم المحيط به أن بلاده قد صارت سجنا "من أسوأ السجون" ، باعتبار أن الدنيا كلها قد صارت بالنسبة له سجنا كبيرا به الكثير من المسجونين والعنابر والسراديب ، بسبب عدم قدرة هذه الدنيا على أن تتسع لطموحه اللامحدود ، ذلك الطموح الذي يرى أحد صديقيه أنه ليس "إلا ظل حلم" ، ويرد هاملت "الحلم نفسه ليس إلا ظلا" ، فيعلق صديقه الآخر "وأنى لأرى الطموح شيئا رقيقا كالهواء ، لا يعدو أن يكون ظل الظل" ، ومن ثم فمادام الطموح ظلا ، فالملوك وعلية القوم الطموحين ليسوا غير ظلال ، والحقيقة القائمة لا تتجلى إلا في غير الطموحين من المتسولين ، فهم الوجود الحق ، وعليه فمجتمع "هاملت" المحصور داخل عالم النبالة ، هو مجتمع غير موجود ، أو على أقل تقدير هو مجتمع في طريقه للزوال ، بعد أن تفتتت الأرض المقدسة ، وتزلزل اليقين الكامل بالمطلق ، ورغم أنه عادة ما يحذف ذلك الحوار بين "هاملت" وصديقيه في العروض المعاصرة المختلفة ، إلا أنه حديث هام يحيلنا مباشرة إلى ما كان مطروحا وقتذاك من أفكار فلسفية ، عربية أندلسية المنشأ أو غربية التكون ، وعبر عنها فيما بعد الكاتب الإسبانى الكبير "كالدرون دى لاباركا" في مسرحيته المعنونة ب (الحياة حلم) ، كما تمهد لفكرة التمثيل التى سينتهزها "هاملت" ، بمناسبة إحضار صديقيه لفرقة (التراجيديا في المدينة) ، والتي كان "هاملت" نفسه يسر بتمثيل ممثليها حينما كان في المدينة ، وذلك لتسليته ، غير أنه ينتهز وجود هذه الفرقة ليهرب من مراقبة القصر له ، وليمتحن هاجسه الداخلي ، باختبار عملي ، تقدم فيه الفرقة أمام الملك مسرحية قديمة لها ، هي (مصرع جورنزاجو) بعد إضافة بعض الأبيات لمشاهدها بيد "هاملت" نفسه ، يكشف بها هذا الأخير حقيقة ما فعله الملك من جرم ، عبر ردود أفعاله ، حيث يتم تجسيد مشاهد (ممثلة) تشابه نفس الجريمة (الواقعية) التي تمت في غياب "هاملت" ، والذي يعلق في مونولوج له على قدرة الممثل الذي يستطيع أن يخضع روحه لخياله فإذا هو يكسو وجهه بالشحوب ويملأ عينيه بالدموع ، ويطبع على وجهه الجنون ويتهدج صوته وتتسق أفعاله وحركاته مع ذلك الخيال ، حزينا على شخصيات خيالية ، فلا يقدر المتلقي لهذا السلوك أن يدرك للحظات الحقيقة من التمثيل ، وأن يفك التشابك بين الواقع الفعلي والتشخيص له ، كما لم يدرك "هاملت" نفسه الفارق بين تجلى الشبح له في الواقع وتجسده له في حلمه الكابوس.

وبينما يختبر "هاملت" واقعه ليصل إلى الحقيقة الكاملة ، التي تؤكد يقينه الكامل بوجود الشبح ، وتمسكه بالمعلومات التي نقلها إليه ، فعلا أو حلما ، يدبر الملك الحيلة تلو الحيلة للقضاء على "هاملت" ، بداية من إرسال صديقيه برسالة لملك إنجلترا تطالبه بقتل "هاملت" خلال رحلة له إليه ، فيكشف "هاملت" الحيلة ويقلبها على صاحبيه ، مرورا بمحاولة إثبات جنونه ، بالاتفاق مع مستشاره "بولونيوس" ، بحيلة الاختفاء خلف ستار ، بينما تقابل ابنته "أوفيليا" متدثرة بردائها الوردي "هاملت" في الممشى الذي يسير فيها يوميا ، لكي يتثبتا من جنونه ، وان أدت هذه الحيلة لقتل "هاملت" لبولونيوس" المختبئ خلف الستار ، رغبة منه بأن يكون الملك نفسه ، فضلا عن موت "أوفيليا" غرقا في البحر ، بعد أن جنت لموت أبيها وارتدت ثوب العرس الأبيض وهى تسير دونما انتباه للموت ، وصولا لحيلة استخدام "لايرتس" العائد من باريس للانتقام لموت أبيه فغرق أخته ، ودفعه لمبارزة "هاملت" في لقاء عام ، بسيف مسموم وشراب خلط بالسم ، تشربه بطريق الخطأ الأم فتموت ، ويقتل "هاملت" غريمه "لايرتس" ، بعد أن يكون هذا الأخير قد جرح ذراعه بالسيف المسموم ، فيتأكد "هاملت" أنه ميت لا محالة ، وأن الملك هو قاتله وقاتل أمه باعتراف "لايرتس" ، ومن ثم فهو قاتل أبيه من قبل ، فلا يملك غير أن يغرس سيفه في صدره ، لينهى بذلك الحدث الدرامي الذي بدأ بقتل الأخ لأخيه ، وانتهى بمذبحة عائلية ، تاركا البلاد نهبا لأي محاولة هجوم خارجي ، سواء من الأمير المنتصر "فورتنبراس" ، الذي فضل العرض المصري حذف ظهوره في الدقائق الأخيرة منه ، بعد أن عاد في النص منتصرا على البولنديين ، ومطالبا في حقه من الأرض التي حصل عليها "هاملت" الأب من أبيه ، أو سواء من أي من منتهز آخر لفرصة خلخلة الدولة وتهرؤ نظامها الداخلي وموت كل حكامها.

لقد مجد العرض المصري عقل "هاملت" وأدار فعله الدرامي بين الوعي اليقظ وأحلام اللاوعى النشط ، وأثار التساؤل حول ذلك اليقين الكامل الذي يسبغه "هاملت" على جريمة القتل التي ارتكبها عمه في حق أبيه ، فثمة غموض يكتنف الأمر بأكمله ، فالشبح لا وجود حقيقيا له ، وإنما هو متبد في أحلامه ، والجنون مجرد ادعاء ، وجريمة قتل الأخ لأخيه مجرد رواية يسردها شبح بأذن "هاملت" وتمثيل تقدمه فرقة مسرحية فيما بعد بصياغة "هاملت" نفسه ، لذا قد تكون الحقيقة التي يظنها "هاملت" مجرد وهم أو تصور ابن فقد أباه بالموت ، وأمه بالزواج من آخر ، وعرشه باستيلاء هذا الآخر عليه . هذا الغياب لليقين الكامل بصدق "هاملت" وبحقيقة ما حدث ، الذي يسرى في أوصال العرض المصري ، هو سر خروج الجمهور المتلقي منه قلقا ، ومحاولة فرض كتاب الصحف تصوراتهم المسبقة على النص الشكسبيرى ، بما فيها لغة "خليل مطران" الفخمة ، وأداء ممثلين عظام ، ينتمون لأزمنة ولت ، مثل "ريتشارد بيرتون" أو لورانس أوليفيه" و"كريستوفر بلامر" و"كرم مطاوع"، وحتى "محمد صبحى" و"ميل جيبسون" فيما قبل عقدين أو عقد واحد من الزمان ، هو نوع من تجنب الصدمة التي يحدثها هذا العرض لدى متلقيه ، بسبب خلخلته لليقين الكامل الذي يتمنى المتلقي أن يحققه الفن له.

كما قدم العرض المصري رؤية عصرية تتمازج فيها الثقافات وتعبيراتها الفنية المختلفة في رؤية متكاملة ، حيث تتجلى موسيقى الروسيين "كورساكوف" و"خاتشاتوريان" والفرنسى "بيزيه" مع نص الإنجليزي "شكسبير" المترجم للغة عربية سهلة بيد د."جمال عبد المقصود" ، ورقصات كلاسيكية وعصرية ، وأزياء صممتها "نعيمة عجمي" تجمع بين خطوط العصر الإليزابثى" وخطوط العصر الحديث ، وديكور "محمود حجاج" الذي يشى بضخامة وكلاسيكية عصر يتهاوى ، وأداء تمثيلي غير مؤسلب ، يبرز فيه "فتحي عبد الوهاب" في دور "هاملت" ، والذي يقدمه شابا واهن العزم والصوت ، وإن كان واعيا بكل ما يدور حوله ، وبما يفعله ، فهو مدع للجنون وممثل لمظاهره ، ويستطيع بالفرقة المسرحية أن يدير عرضا مسرحيا داخل عرضه المسرحي ، مختبرا به الملك القاتل ويكشف أمره ، ويكشف عن ادعائه الجنون لأمه في مخدعها ، وهو يحاكمها بقسوة عما فعلته في حق أبيه ، وهو ممزق بمعرفته هذه من جهة ، وبتناقض معرفته مع تدينه ، الذي جعله غير قادر على الانتقام من أمه ، ليس فقط لشبهة وجود علاقة أوديبية أو شعور أيروتيكى نحوها ، بقدر ما يتصل بالعلاقة الأخلاقية التي يقدسها "هاملت" تجاه الأم ، فضلا عن دفع "هاملت" لحبيبته "أوفيليا" للذهاب إلى الدير ، حفاظا منه على عفافها من جمالها البرئ ، في زمن صارت الخيانة فيه فعلا موصلا لسدة الحكم ، لذلك يسخر "فتحي عبد الوهاب" موهبته الجلية في تجسيد شخصية "هاملت" الفارس المهزوم بشكل يفوق أدواته التكنيكية ، ويقدم صورة مغايرة لما نتصوره عن "هاملت" ، فيتجاوز التأمل الهادئ ولحظات المناجاة المعزولة عن العالم ، ليقدم ذاته كإنسان وجد نفسه فجأة نهبا لشكوك حادة تجاه عالم لم يكن يوما يرى فيه غير وجود تافه في معية أبيه الملك المعظم ، ، وقد نجح "فتحي" في تجسيد هذه الشخصية ببراعة ، داخل منظومة من الأداء الذي لا يؤسلب نفسه داخل أنماط كلاسيكية متحجرة ، ولا ينسى لحظة أنه يقدم عملا رصينا قابل للتجدد كل لحظة.

وبرعت معه "ريهام عبد الغفور" في تجسيد شخصية "أوفيليا" المحبة لهاملت ، الرقيقة رقة الربيع وهو ينساب في جدول ماء صاف ، وفجأة تواجه عاصفة الجنون المصطنع من حبيبها ، فضلا عن موت أبيها خطأ بيد من أحبته ، فتصاب هي بالجنون ، وتفقد حياتها في بحر متلاطم الأمواج ، كما برع "أحمد مراد" في أداء شخصية "لايرتس" شقيق "أوفيليا" ، المنافس لهاملت في الزهو بنفسه وفى فنون المسايفة ، والساعي للانتقام منه بسبب قتله لأبيه ، والذي يلقى حتفه في مشهد النهاية بنفس السيف المسموم الذي خدش به كتف "هاملت" وأودى بحياته ، وعلى نفس الوتيرة تميز من جيل الشباب "ياسر على ماهر" في دور "هوراشيو" صديق "هاملت" الوفي والذي ترك له هذا الأخير وصيته في سرد حكايته للتاريخ ، و"جهاد أبو العينين" في دور "روزنكرانتز" صديق "هاملت" الآخر ، والذي حمل مع صديق ثالث رسالة سرية من الملك الخائن لملك إنجلترا ليقضى على "هاملت" ، فيوقعهما في مصيدة الموت .

برع هذا الجيل الشاب في تقديم رؤية العرض ، في حضن جيل أكبر تميز بالموهبة والخبرة وامتلاك أدواته التكنيكية ، تمثل في "ليلى طاهر" في دور الملكة الأم ، و"عبد الرحمن أبو زهرة" في دور العم الخائن ، و"رشوان توفيق" في دور والد "أوفيليا" ، وامتزجت الأجيال كما امتزجت اللغات الكلامية وغير الكلامية ، داخل فضاء مسرحي صاغ رؤيته الكلية مخرج ممتلك لأدواته ، واع بدور المسرح كوسيط تعبيري جمالي ، يتسلح بقوة الفكر ، ويسعى لمخاطبة كل الفئات دون تعال عليها أو على النص المكتوب .

______________________________________________

( القاهرة)

التعليقات