عن تَمَفْصُل العقل العلمي الخالص والأخلاق/ د.سمير خلايلة

-

عن تَمَفْصُل العقل العلمي الخالص والأخلاق/ د.سمير خلايلة
مقدمة

عندما عزمت على نشر مقالتي "لا نعرف ما نعرف: لا تولد الأمّة المتنوّرة إلا من رحم الأمّ/الأنثى" في موقع Arabs48.com, كنت أتصوّر أنّ هناك فضاء منطقيّا (ولو كان ضيّقا) في رحم حضارتنا يتيح لنا (كإناث وذكور مثقفين) فرصة للحوار الفكري, المُغنِي علميّا وأخلاقيّا (أنظري مدى التعالق والترابط المتين بين المعرفة والفضيلة عند سقراط), حول قضايا وجوديّة مركزيّة مثل قضيّة الأنثى/ المرأة العربيّة (الفلسطينيّة) وقضيّة لغة الأم عند العرب (الفلسطينيين)/ ووعي اللغة. عندها, كنت أتشوّق أن أساهم بتشييد بيت يَعِد بالوعيّ والتنوير على طول شوارع المعرفة في جمهورية وطننا الحرّ, والتضامن مع حق عودة الأنثى/ المرأة/ الأم اللاجئة من منفى التّغييب والإقصاء والتّهميش, المُمَارس ضدها من قِبل إرهاب دولة الذكورة الكونيّة, إلى وطن الإنسانيّة المُنصف. فقد دافعت عن الطرح الذي يقول إنّ عملية أخلقة الإنسانة الفلسطينيّة والإنسان الفلسطيني, التي هي في الواقع أخلقة الإنسانة والإنسان, يجب أن تبدأ من روح وقلب اللغة الطبيعيّة, لأنّ الأخيرة تشكّل ملحًا لأرض إنسانيّتنا, والوعي بها يمثّل نورا يُخرجنا من ظلمات الجهل والعبوديّة والشّقاء. فقد أنهيت المقالة بهذه الكلمات:" ها أنا أفتح كل الأبواب على مصراعيها للنقاش والحوار، فأمي وأمهات الوطن نفخن من أرواحهنّ فيَّ بعض حروف المعقول اللطيفة والرحيمة وبلّغتها الأنثى الخلاّقة عند الظهيرة."
إنّ إستراتيجية تأنيث الخطاب في ذاك النّصّ جاءت لتستفزّ النّحاة المعياريين الجُدد عمدا وتدعوهم للرّد كي يتسنّى لي محاورتهم. وكما توقعت, فإنّ الزّميل الدّكتور عطا الله لبّى النداء, وبدون أن يعترف بحضور نصّي المنادي/المخاطِب, راح يدافع, بأسلوب محافظ, عن ذكوريّة اللغة العربيّة الكلاسيكيّة ,(التي نعرفها نحن الفلسطينيين كلغة ثانية "ميّتة"), وتغليب الصيغة المذكّرة فيها, باعتباره يتمتّع بأقصى درجة من "فحولة النحو" لتلك اللغة, على الأقل بمنظار نفسه, مستشهدا بالنّصوص الدينيّة ومقولة أرسطو الفلسفيّة.
ردّ عطا الله بمقال مطوّل تحت عنوان "تخنيث اللغة, بين التّذكير والتّأنيث", متصديّا لهجمة التّفكيك لمفهوم الجنس المعياري المذكّر, ورافضا إحلال الجنس المعياري المونّث كبديل يطرح رؤية كونيّة للوجود الإنساني من منظور أنثويّ أموميّ واعد. لم يكن صعبا, باعتقادي, أن تقرأ كل أكاديميّة, بعين المنهجيّة العلميّة, الأسلوبيّة الوصفيّة والمعياريّة من جهة, والاستخفاف بعقول القارئات اللواتي يتمتّعن باستقامة فكرية, ولو حدّ الوسطيّة, حيث لا يوجد مصدر واحد باللغة الإنجليزيّة في جسد النصّ, في حين أنّ الحركة الأنثويّة (feminism) والنظريات التي تتعلق بالجندر النحوي (grammatical gender) معظم مصادرها هي , بالأساس, أجنبيّة /غربيّة.
لم يكن بوسعي الا أن أردّ وأدافع عن الطرح الأنثويّ لتأنيث الخطاب للغة العربيّة الكلاسيكيّة والعربيّة الفلسطينيّة الحديثة بمقال تحت عنوان "تأنيث الخطاب كضرورة لأخلقة اللغة", أي لغة طبيعيّة. كنت حريصا كل الحرص أن أتجنّب أي موقف ذاتي/شخصاني, أو حتى لا أُفسّر بهذه الروح, والقارئة يمكنها أن تفحص الأسلوب الكتابي الذي اتخذته في الرّدّ; على العكس, اجتهدت أن أدلي بحجج وأدلّة من اللغة العربيّة الفلسطينيّة الحيّة, لغة الأمّ عند الكاتب, من جهة, لأنني قادر على فحص المعطيات والحقائق اللغويّة بالاعتماد على الحدس اللغوي (linguistic intuition) في البحث اللساني (أنظري كتابات تشومسكي), بعكس اللغة العربيّة الفصحى التي تخلو من متكلّمين لها كلغة أمّ , وأبيّن نقاط الضعف في مقال عطا الله, من جهة أخرى. تقودنا الملاحظة الأخيرة لموضوع الكتابة العلميّة والاستقامة الفكريّة في البحث عن حقائق وماهيّات الأمور.

الكتابة العلميّة وضميرنا المستتر الذي لا يقوى على الكلام

ليس صدفة أن يلجأ عطا الله إلى استعارات من قاموس ذهنيّ دينيّ كَـ "الخطيئة" و"الأثمنة" (من "الإثم") في ردّه, " شخصنة الخطاب ليس ضرورية "لأخلقة اللغة", لأن الروح السلطوية تتجلى في نغمة وإيقاع حروفه الموجهة إلى "زميل" خرج عن طاعة السيّد العارف بشؤون مملكة اللغة العزيزة, المُطوَّعَة لإرادته. يسطر عطا الله حروفه وكـأنّه ألّف نصّا غير نصّ " تخنيث اللّغة, بين التّذكير والتّأنيث". يكتب:
... كانت الغاية ]من كتابة مقالته[ تتمحور في الناحية التطبيقيّة الراميّة الى نزع الجنسنة في العربيّة, ومدى نجاحه...
يدّعي عطا الله أنّه بعث مقاله إلى المسؤول في موقع عرب 48 متضمنا الإحالات والمصادر باللغة الإنجليزيّة وشاملا مقالة روس (Ross) Against the theory of "sexist theory", التي نعتقد أنّ مقال عطا الله يعتمد كثيرا عليها في طرحه المركزيّ (القارئة مدعوة أن تقارن مقالة روس ومقال عطا الله).
دعنا نفترض جدلا أنّ المسؤول عن نشر المقالات الثقافيّة في الموقع لم يلتفت إلى إرفاق المراجع باللغات الأجنبيّة والإحالات (يشير عطا الله, مثلا, إلى حقائق لغويّة من الإنجليزيّة, الألمانيّة والفارسيّة), يبقى السوأل: لماذا لم يصرّ على أن تُنشر ثانية؟ كان لديه متسعٌ من الوقت, فقد جاء ردي بعد قرابة شهر ونصف من نشر الجزء الأخير من مقاله, (من تاريخ 17/2 الى 2/4). باعتقادي, لم يكترث عطا الله كثيرا, لأنه يكتب عن قضايا لغويّة عن العربيّة الكلاسيكيّة, متيقنا أنّ أحدا لن يجرؤ على مناظرته أو محاورته, لأنه يعتبر نفسه مرجعيّة "لفحولة" النحو العربي, أو أن السجال بين اللغويين أو النحويين المعياريين الجدد في البلاد ليس بالأمر المألوف. كانت هناك فرصة "ذهبيّة" أمام عطا الله أن يبرهن للقارئات والقراء أنّه يملك بالفعل المصادر الأجنبيّة ولم يجد من المناسب تفنيد نقدي تجاه مقاله بإرسالها للنشر كي ينتزع مني اعترافا بغلطتي (وليس خطيئتي, لأني كنت أناقش النصّ المكتوب وليس من يقف وراءه). وحتى لو بعث المصادر الأجنبيّة ثانية في ردّه, يبقى انتقادنا في جهة الصواب, لأنّ معايير الكتابة الأكاديميّة ومقاييسها في أي مقال تحتّم الفصل التام بين أفكار الكاتب نفسه عن أفكار الآخرين في أدبيات الموضوع المدرج في البحث. (تجدر الإشارة هنا أنّ عطا الله يحيل القارئة إلى أهم المصادر العربيّة التي تعالج قضيّة التأنيث والتذكير في العربيّة في الجزء الثاني من مقاله.) إنّ الألف في أبجدية الكتابة العلميّة, من منظور الحداثة, هو أن تناقش الكاتبة/المؤلفة أفكار الآخرين الذين سبقوها, وإذا صدف أنّها تدافع عن طرح يشابه طرحا آخر سبقها, فيتوجّب عليها أن تذكره على الاقل بين قوسين. هذا ما أعلّمه لطالباتي وطلابي في السنة الأولى عن مبنى المقال العلمي (البحثي) في الكليّة العربيّة في حيفا. (أقص لهنّ, عادة, حكاية تراجيدية عن البروفسور الهولندي في علم النفس الذي طُرِد من جامعة ليدن (Leiden) بعد خدمة 15 عاما بمكانة مرموقة في حقل اختصاصه, لمجرد أنه لم يذكر في آخر إصداراته مرجعا لبحث اختصاصي من نفس المجال.) لا أستبعد أنّ أيّ قارئة عاديّة لمقال عطا الله عن "تخنيث اللغة" سَتُنسِب, حتما, الأفكار الرئيسيّة لعطا الله ذاته بغياب ذكر المختصين في المجال في جسد النصّ, الأمر الذي سيضللها في خاتمة المطاف. إنّ "إسقاط" مقالتي "لا تولد الأمّة المتنوّرة الا من رحم الأم/الأنثى", (التي أهديته إياها شخصيا آملا النقاش معه), من وعي/ذاكرة عطا الله ينصبّ في المنطق نفسه الذي غيّب الآخرين من ذوي الصلة (relevant) في أدبيات الموضوع. صحيح أنني لا أستطيع أن ألقي نظرة داخل دماغ عطا الله حتى أتيقن من السبب/الغاية الحقيقيّة لكتابة مقاله المطوّل, لكني أستطيع أن أجزم عن طبيعة الغاية اعتمادا على الحقائق التي تصدّرت النصّ المكتوب/المنشور. لسوء الحظ, إنّ الإنسانة العاديّة لا تستطيع أن تقرأ الأدمغة البشريّة, لامتناع المَنفَذ الإنساني إليها (راجعي مقالي بالتفصيل).

الزّمالة وأثمنة الفكر

بشأن حديث عطا الله عن الزّمالة والأخلاق, لا أدري من يستحق أن يلوم من في هذا السياق. هناك حقيقة واضحة: مقالتي ظهرت قبل مقاله المطوّل على نفس الموقع وكانت بحوزته. أمّا عن ذكر حقيقة أنّنا ننتمي لنفس الكليّة ونلتقي فيها أسبوعيا ثلاث مرّات و"ما رأى (الزميل) مناسبة لا لنقاش ولا لاستيضاح, ]وآثر هذه الأثمنة لسبب في نفسه[", تنطبق على موقف عطا الله ذاته, لأنّ أسلوبيّة كتابتي التي اعتمدت تأنيث الخطاب في اللغة العربيّة تشمل منطقيّا اقتراح عطا الله (في ذيل المقال) بشأن (ضرورة أو عدم ضرورة) إجراء عمليّات تصحيحيّة (تجميليّة على حد تعبيره) في العربيّة, "مذكرا المناديات بلا جنسنة اللّغة بأن يطبّقْنَها وأن يقمن بهذا بمنهجيّة خالية من الثّغرات", رغم اعتقاده أنّ اللغة العربيّة ليست مجال صراع لمطلب نسويّ, "وما التركيز على اللغات "إلا نوع من اللعب في حافة الطريق أو في هامش الأشياء, لا في الجوهر" (الجزء الرابع من مقالة). نذكّر عطا الله بالحقيقة الدلاليّة اللّغويّة التي تتعلق بالصّورة المنطقيّة لأفعال القلوب (propositional attitude verbs), كما هو مُمثّل في (1), أنّ صدق القضيّة المُعبّرة في (1ا) لا تَتَضَمّن (entail) صدق القضيّة في (1ب).

(1) ا. يعتقد الياس عطا الله أنّ سمير خلايلة قد أثمن أفكاره.
ب. سمير خلايلة قد أثمن أفكار الياس عطا الله.


الزّمالة الحقيقيّة, بتصوّري, تقتضي تجنيب الزميلة (أية زميلة) المواقف غير الأخلاقيّة, خاصة في الحياة الأكاديمية. فلا تكشف الحقيقةُ, التي تندرج في خانة الفضيلة والأخلاق, عن جمالها للعقول والأرواح المُشتبه بنزاهتها. فالحقيقة والفضيلة دوما تتجاذبان في حقل المفاهيم المجرّدة بالعقل البشري.

شخصنة خطابي أم شخصنة الردود السريعة على مقالة علميّة؟

إنّ اندفاعية عطا الله في الردّ الشخصاني الفائق يدلّ إمّا على عدم حضور مفهوم النقاش والمحاورة الفكريّة الأصيلة في وعيه أو عدم اعتياده لتلقي أيّ نقد موضوعي لمواضيع كتابته اللغويّة, وكأنّ مياهه الفكريّة تنساب من نبع الحقيقة المُمَأسسة, فيصبّ في محيط المتعاطفين والمتعاطفات متلّبسا بثوب الضحيّة, علّه يتطهّر من أثمنة إبليس قبل الفجر. فقد أخطأ حتى في ذكر تاريخ نشر الجزء الأول للمقال, الذي صادف 2/4/06 , في السطر الأول لردّه, ولم يقبض على قصد السائل في السؤال الاستنكاري الموضوعي"... هل يعرف الكاتب كيف تتحدّد أو تتعيّن (assigned) سمة الجندر في عبارة عطفيّة اسميّة (coordinate phrase) تتألف من ثلاث عبارات اسميّة تتنوّع قيمة سمة الجندر فيها في الألمانيّة الحديثة, الفارسيّة الحديثة, واللغات غير المُجَنسِنة؟...", لأنّه يتضمن الادعاء أنّه لا توجد هناك لغات غير مُجنسِنة, بحكم أنّ رأس المحمول/المسند بهذه اللغات يتعين بسمة المذكّر في الجمل التي يكون فيها أحد أجزاء العبارة الاسميّة العطفيّة في المسند اليه, كونها القيمة المُتحكمَة والمسيطرة في عبارة العطف الاسميّة, كما هو الحال في علاقات السيطرة في التّراكيب الاجتماعيّة والسّياسيّة بين الذكر والأنثى.

الانتقائيّة وأهدافها

كل من تتهم أخرى في أسلوب الانتقائيّة (لقصد غير أخلاقي في نفسها), يتوجّب عليها أن تنظر في مرآة أسلوبها أولا, لعلّ الصورة المُنعكسة تهدي الى صدق الادعاء, فمجرد إسقاط الموقف على الأخرى لا يعني دفاعا صائبا, بل هجوما لا يصيب الهدف. ثانيا, لا يوجد حظر على أي عقل بشري أن ينتقي المواد والحقائق التي تعزّز موقفه في الطرح الفكري, فعادة تكمن الأدلة في المناطق غير المتوقعة. في تصوّري, نسبت لمقال "تخنيث اللغة" قيمته التي يستحقها بحجّة أنني تطرقت تقريبا لجميع جوانبه. ما لا أستطيع فهمه هو الردّ السريع لعطا الله دون معالجة "اللحم الفكري" في جسد "تأنيث الخطاب كضرورة لأخلقة اللغة". يسطر عطا الله في نقطة 6 :
... وما تناولته في مقالتي هو إشكاليّة الخطاب في حضرة أكثر من جنس, حيث يُلجأ إلى التذكير, وعليه جاءت اقتراحاتي في محاولة لتغيير الخطاب والأسلوبيّة في حالة التعدّد الجنسي والجندري الاجتماعي, ولكن انتقائيّة الزميل تجاوزت هذه الحقيقة لسبب لا أعرفه.
من شدّة العجالة, (التي تنسب العرب مصدرها الى الشيطان), عند عطا الله, اجتزأ هو نفسه الجوانب الرئيسيّة من مقالته المطوّلة, والحقيقة الناصعة هي أنّ اقتراحه للعمليات التصحيحيّة التجميليّة, التي هي ضرب من اللعب في حافة الطريق (على حدّ تعبيره), جاء في "ذيل" المقالة ويمكن اعتباره تجلّيا للانتقائيّة في مناقشة القضيّة المحوريّة على الأجندة: نقد نظريّة الجنسنة عند الأنثويّات والأنثويين. (أدعو القارئة الى فحص قراءتي هذه لمقالة عطا الله). أمّا بشأن الانتقائيّة لمعنى (sense) "زلمه" في اللغة العربيّة الفلسطينيّة للتأكيد على ذكوريّة اللغة العربيّة, فإنّي أستصعب اختيار الردّ المناسب. إذا كان هناك قاموس عربيّ يشمل عدّة معان لمفردة في لغة قديمة, من يمثّل المرجعيّة التي تحسم المعنى الأصليّ لها وعالم إمكان التّوسّع الدلالي عبر الاستعمال والتغيير للّغة؟ إن متكلمي اللغة الأصليّة وحدهم قادرون على أن يشكلوا المرجعيّة والحكم الحقيقّي, لا "فحول اللغة", وكون غياب المتكلّمين الحقيقيين للغة العربيّة الكلاسيكيّة هي واقعة أكيدة, من المنظور العلمي التشومسكيّ, وهذا يلغي اعتراض عطا الله على انتقائيتنا. وليس صدفة أنّ عطا الله يستفيض في تناول المعنى القاموسي لكلمة "أزلام", لأنّ هذا هو أحد مجالات اختصاصه, كما يبدو. إنّ تركيزي على العربيّة الفلسطينيّة نبع, أولا, من المنظور العلمي للبحث اللساني الحديث وتصوّره لطبيعة اللغة الإنسانيّة (المنطوقة). كان يكفي, لو تعمدت الاقتضاب, أن أقدم حقيقة اللاتماثل بين استعمال العبارة "حكي زلام؟" ببعدها الاستعاري الدلالي الإيجابي والعبارة "حكي نسوان" ببعدها الاستعاري الدلالي السلبي كدليل على ذكورية اللغة. الاستعارة, وللتذكير فقط, تشكل جزءا لا يتجزأ من ماهية العقل البشري واللغة الطبيعيّة حسب المنظور الحديث على الأقل (أنظري كتاب ليكوف وجونسون (1980) Metaphors We Live By).
النقطة الأخيرة التي يذكرها عطا الله هي انتقادي لعدم وضوح عبارة "مفاهيم الشعوب" في مقالته. إنّ تجنّب غموض وإبهام أي تعبير لغوي أو اصطلاحي في سياق أي طرح أو تفسير هو قيد أساسي في التنظير العلمي. في سياق هذه العبارة, كان يدور في ذهني التّباين باللغة الإنجليزيّة بين concept و conception , والذي من خلاله يمكن أن نوضح أكثر مفهوم (conception of the concept) الجندر النحويّ في لغة طبيعيّة ما, مثل العربيّة الفلسطينيّة, عندما عالجنا العلاقة بين مفردة "البيت" و"الدار", متجاوزين افتراض العلاقة الاعتباطيّة الجاهزة منذ زمن طويل, باعتبارها الملجأ الأخير في التعليل.

خلاصة

قد أكون قسوت بعض الشيء في تفكيك مقالة زميلي الدكتور الياس عطا الله ونهج كتابتة العلميّة, ولكن إذا خيّرت بين الزمالة (التي لا تعترف بأفكاري ولا حتى بذكرها في الهوامش على الأقل) والعقل العلمي الخالص, فلن أستصعب الاختيار. علّمتني التّجربة الذاتيّة, أيتها الزّميلات وأيها الزملاء القلائل, أنّه لا توجد زمالة. فقد يفسد معنى الخطاب (تعبير النّحوي سيبويه) عندما تُنتج ماكنات السيطرة معاجم وأبجديات ذات معان مفرغة من محتواها الطبيعي, بروح الـ Newspeak عند جورج أورويل (George Orwell).

التعليقات