رسالتي الى طلبة المدارس الوطنية في كل الاقطار العربية - بقلم المحامي: جريس بولس

-

رسالتي الى طلبة المدارس الوطنية في كل الاقطار العربية - بقلم المحامي: جريس بولس
ايها السادة والسيدات،

ان املي بشعب اليوم وبزعمائه لمن الامال الضائعه، فاسمحوا لي إذن، بعد التحية والاكرام، بان اوجه كلامي الى الطلبة في كل المدارس الوطنية الحرة الراقية.

احييكم ايها الطلبة واحيي فيكم روح المستقبل وقد سطعت فيه الانوار التي تتزودون زيتها بل كهرباءها من هذه المدارس الوطنية العالية – العالية بكل معنى الكلمة. احيي فيكم المستقبل وقد سطعت فيه انوار الوطن الحر المستقل العزيز الجانب بغير الاجانب، الوطن الذي لا يعرف التقسيم والتجزئة، ولا يعرف الإثرة والتعصّب، ولا يعرف الظلم ولا الخنوع.

انتم وامثالكم في المدارس الوطنية الراقية من المغبوطين لانكم سترون تلك الانوار وتمشون في ضيائها، فتستمتعون بثمار الوطنية الحقَّة. بل انتم المشعلون لتلك الانوار وانتم زيتها. انتم مصدر الزعامة الكبرى التي ستظهر فيكم ومنكم لخير الوطن الاكبر.

انكم في هذه المدارس إخوان، وان اختلفت لهجاتكم العربية وتعددت مذاهبكم الدينية. ولكن لا فضل لكم في هذا الإخاء وهو ركن من اركان التعليم الحر الراقي. انما فضلكم فيما ستحملونه ان شاء الله الى الوطن – كُلُّ الى بلاده– من هذا الروح المقدس روح الاخاء الذي سيضم تحت لوائه المسلم والمسيحي والدرزي كما سيجمع بين اللبناني والسوري والعراقي والفلسطيني.

انكم ايها الطلبة رسل هذا الروح المقدس، روح الاخاء، وعليكم قبل ان تخرجوا من المدارس ان تقسموا اليمين امام رؤسائها واساتذتها انكم ستحفظون عهدها فتعملون بمبدأ الاخاء، في كل بلد تقيمون فيه من البلاد العربية يميناً، وعملاً، وفوزاً بعد ذلك مُبيناً.

أليسَت لغتنا واحده؟ أليست آدابنا العربية واحده؟ أليست عاداتنا وتقاليدنا واحده؟ أليست مواردنا الروحية، وان تعددت الطرق اليها، واحدة؟

كلنا ندين بدين التوحيد. كلنا نوحد الله ولا نرجع في النهاية الى سواه. نحن ابناء الاديان التوحيديه، وما عيسى ومحمد وشعيب غير رسل الاله الواحد رسل التوحيد. فاذا كان الهنا واحداً، ولساننا واحداً، وبلادنا في سهولها وجبالها وصحاريها واحدة ومصائبنا السياسية كلها واحدة، أفلا ينبغي ان يكون الوطن كذلك واحداً فرداً لا تقسيم فيه ولا تجزئة؟

اني أسأل هذا السؤال وانا عالم ان الجواب الذي فيه العمل والانقاذ متوقف عليكم انتم رجال المستقبل.

اما رجال اليوم فهم ابناء احوالهم. لا اقول اكثر من ذلك واحوال اليوم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ان كان في فلسطين أو في لبنان أو في سوريه أو في العراق وغيرها، هي كما تعلمون – هي كما تشتهي العواذل لا كما يشتهي الوطنيون الصادقون، الوطنيون المنزهون عن الاغراض الخصوصيه، الناظرون بعين العقل وعين القلب الى ذاك المستقبل المجيد الذي تموت فيه العصبيات، الا عصبيه واحدة هي العصبية العربية، وتضمحل فيه الطوائف الا طائفة واحدة وهي الطائفة الوطنية.

اقول، وحق ما أقول، ان ذاك المستقبل آتٍ آتٍ لا محاله، وكل آتٍ قريب وانتم شهودي على ذلك. انتم حجتي. انتم المستقبل، فالسلامُ عليكم.

واني اعطيكم هذه الكلمة لتكون شعار كل منكم مهما كانت مهنته في الحياة.

هي كلمة قلتها مرة ورددتها في صِيَغ شتَّى وفي مواقف متعددة.

اني فلسطيني متطوع في خدمة الامة العربية وكلنا منها. واني عربي متطوع في خدمة الانسانية جمعاء وكلنا منها.

فاذا قال فلسطيني هذا القول، افلا يقوله السوري واللبناني والعراقي؟

قل: اني سوري متطوع في خدمة الامة العربية وكلنا منها ... – واعمل بما تقول.

قل: اني لبناني متطوع في خدمة الامة العربية وكلنا منها – واعمل بما تقول.

اما انك مسيحي او مسلم او درزي فذلك لا يهمني ولا يجب ان يهمك خارج معبدك.

بل اقول فوق ذلك: إذا كنت لا تنسى ايها المسلم خارج الجامع انك مسلم، واذا كنت لا تنسى ايها الدرزي خارج الخلوة انك درزي، وإذا كنت لا تنسى ايها المسيحي خارج الكنيسة انك مسيحي - إذا كنتم لا تنسون مذاهبكم لتتحدوا اتحاداً حقيقياً وتتضامنوا في سبيل الوطن، فانكم كلكم بفضل تلك المذاهب، فريسة اطماع الاجانب. بل كلكم سائرون الى العبوديه السياسيه الاقتصادية التي هي في الامم شر العبوديات.

ولكن المستقبل لنا ان شاء الله. أجل، ما زال في البلاد مدرسة عربية واحدة مدرسة واحدة وطنية حرة راقية فاملنا في المستقبل حي لا يموت. واملي انا الخاص ان تجعلوا ايها الطلبة الاعزَّاء الكلمة التي ذكرت شعاركم، وان تقولوا فوق ذلك باللامذهبية خارج المعابد وتعملوا بها.

انا لا مذهبي، لا طائفي. ولكني في ديني القومي اصدق من كثيرين من اصحاب القلانس، واحنف – اذا صحت الصيغه- من كثيرين من اصحاب العمائم الكبيرة. استغفر الله واستغفركم من كلمة فخر تمقتها نفسي. ولكن الذين يكفروننا يحرجون عندما افكر في المذاهب والطوائف الدينية – وفي اولئك المتعصبين جهلاً او نفاقاً، الذين يكفرون الناس ويتعيشون بجهل الناس. اذكر بيتين من الشعر الانكليزي للشاعر الكبير الاميركي إدون مركهام
(EDWIN MARKHAM)
,"HE DREW A CIRCLE AND SHUT ME OUT
A RENEGADE A HERETIC A THING TO FLOUT;
BUT LOVE AND I HAD THE WIT TO WIN:-
WE DREW A CIRCLE THAT TOOK HIM IN".


اي ان المتعصب رسم دائرة صغيرة وجعلني انا "الكافر" خارجها ولكني والحب عوني غلبناه، فرسمنا دائرة كبيرة وجعلناه ضمنها.

ايها السادة والسيدات، ايها الاخوان والادباء. ايها الاساتذة والرؤساء، لنتعاون كلنا في رسم الدائرة الكبرى – دائرة الاخاء– الني ستضم ابناء الوطن كلهم اجمعين، وترفع بهم الى مستوى الوطنية الحقة، المرتكزة على التعليم الحر الراقي، وعلى التربية القومية الشاملة العالية.






التعليقات