الجسد.. سلعة ثقافية على الفضائيات

الجسد.. سلعة ثقافية على الفضائيات
الصورة أقوى تأثيراً من الكلمة خاصة إذا كانت صورة أنثى تعرض مفاتنها على شاشة التلفزيون، نصفها عارية من الصدر إلى الأعلى، أو ما يحيط بالسرة، أو ما فوق الركبة بشبر ونص أغنية عا الهوارة لعاصي الحلاني، وهذه الصورة لا تدع المتفرج أن يتأمل في الكلمة ولا في اللحن لأن العين تركز على منطقة العري، وتحريك أعضاء الجسد التي تثير الشهوة في المتفرج، فهذه الصورة حسية ملموسة لا تترك مجالاً للتفكير.

كان الرقص الشرقي يثير الشهوة الجنسية، كنا نشاهد هذا الرقص في فقرة غنائية أو في حفلة راقصة أو في فيلم سينمائي، لكن لم تخصص لهذا النوع من الرقص فضائيات تلفزيونية كما هو اليوم في الرقصات المرافقة للأغاني الحديثة، فأصبحت المغنية تجيد الرقص (الحركات المثيرة) والاستعراض ما عدا الغناء، وتحولت الكاميرا إلى عين تبحث عن أكثر الحركات إثارة في جسد الراقصة، ولم تتوان الكاميرا أو تصور الراقصة في وضعية خاصة (أصبحت عامة) مع الشريك كأن ترقص أفقياً أي تتمدد على الأرض أو تحرك مؤخرتها كما تفعل روبي، وتشعل النار في صدور الجمهور، وصرخة إعجاب في الحناجر، مما تدفع المتفرج أن يدير وجهه خجلاً من المشهد.

فضائيات كثيرة تختص بالأغاني المعولمة كالخليجية التي لا تترك حركة مثيرة إلا وتعرضها، والميلودي التي تكون صيغة معولمة عن الأغاني الأجنبية والميوزيك والشبابية ونجوم الخليج وغيرها من الفضائيات التي أخذت على عاتقها إيصال أصوات وحركات لم تكن موجودة في القاموس الموسيقي العربي. فالرقصات تثير الشهوات وتختزل الأنثى إلى جسد كسلعة لترويج الأغنية وثقافة الرقص وتالياً يساهم في ترويج الفضائية الأكثر إثارة، هل الفضائيات التي تعرض هذه المشاهد تواكب موجة العولمة التي اجتاحت العالم وتهدف إلى رفع مستوى السلعة المعروضة إلى مستوى الإنتاج الأجنبي المعولم بما يرافقها من رقصات خلاعية تواكب الحدث العالمي، وتتخلى عن الخصوصية ويتحول الرقص إلى شكل من أشكال البورنو الذي يجذب المتفرج من أذنه، أو أنها تدخل إليه دون أن يدري ودون استئذان أحد وأحياناً في غفلة من صاحب المنزل وتفعل ما تريد؟

موضوع الجسد هو موضوع بالغ الأهمية إذ يطرح في سياق ثقافي اجتماعي يواكب عصر الصورة البصرية في الألفية الثالثة بعد موجة الفضائيات التي يكون فيها الجسد سلعة لاجتذاب المتفرج، خاصة إذا كان جسد أنثى تتلوى وتتحرك وتتحكم بأعضاء جسدها، فتحرك السرة أو المؤخرة وترفع يدها منتصرة، الصورة هي التي تحدد هوية الراقصة وخصوصيتها التي تنبع من حضارتها، إلا أن الفضائيات أزالت الفروق وقضت على الخصوصيات ومسخت الجسد، وأفرغته من مضمونه الثقافي والإحتماعي لصالح الشهوة الجنسية مقلداً في ذلك الفضائيات الأجنبية ضارباً عرض الحائط القيم الإنسانية والقيم الروحية المزروعة فينا.

إذا كان الجسد كتلة متماسكة، فأصبح الآن كتلة مرغوبة قابلة للاختراق، أي كتلة مفككة متعددة الأهداف والحركات تمارس هوايتها من خلال الإيماءة في التعبير عن حالات عدة.

لغة الجسد هي الأكثر مفهومية لدى جميع البشر لذلك حاولت الفضائيات الاستفادة من هذه الميزة، وبدأت تطرح الجسد ضمن إطار العولمة وتأثيرها على قلب المتفرج قبل عقله الذي لا يتأمل المشهد إلا من خلال الحركة الشهوانية التي تنتجها الراقصة، كهز الأرداف وتحريك النهدين وتدوير المؤخرة أو جزء من المؤخرة إلى أن تجد نفسها بوعي في حضن شاب، وتنفلت بخبث أنثوي لإثارة الرغبة المكبوتة. فلغة الجسد عند النساء في كل الثقافات تعتمد على إثارة الرغبة مع حركات جنسية تزيد إيلاماً ، ويتحول الجسد إلى صورة للتغرّب والتشيؤ في أفضل الحالات، ويسعى الرجال لإقتناص هكذا جسد، وتتحسر النساء لإمتلاكهن هكذا جسد، فأيهما أهم في رأي الفضائيات؟

التعليقات