الروائي الراحل الطيب صالح في الصالون الأدبي لجمعية الثقافة العربية

-

الروائي الراحل الطيب صالح في الصالون الأدبي لجمعية الثقافة العربية
أقامَ الصّالونُ الأدبيّ في جمعية الثقافة العربية في النّاصرةِ ندوةً أدبيّةً عن الرّوائيِّ الرّاحلِ الطّيب صالح، وذلك يوم الاثنين الموافق 23-3-2009 ، حولَ سيرته الذاتية ومسيرتِهِ الأدبيّةِ وإنجازاتِهِ الإبداعيّةِ والرّوائيّةِ، وبعرضِ فيلمٍ وثائقيٍّ عن الرّوائيِّ الطّيّب صالح.

افتُتِحَت النّدوةُ، ثمّ ألقى الشّاعرُ سامي مهنا كلمةً ترحيبيّةً بالحضور.

سامي مهنا:
رحب بالجميع وافتتح الصالون الأدبي قائلاً:
" جمعية الثقافة العربية أخذت على عاتقها تبني هذا البرنامج... برنامج سنوي يتناول عدة شخصيات ثقافية وأدبية... نتأمل أن تتوسع هذه الحلقة وتتكرر... نحن متفقون على أن الطيب صالح أحد الروائيين الكبار عربياً وعالمياً هذا بالتقييم النقدي العالمي... مئات آلاف النسخ من إبداعاته بيعت بترجمة روسية.

رواية "موسم هجرة إلى الشمال" يمكن أن تباع بمئات آلاف النسخ وبعدة لغات، بيعت بملايين النسخ باللغات المترجمة واللغة العربية. سيخوض المتكلمون في أهمية هذه الرواية... رغم أن هنالك من يخطئ ويظن أن هذه الرواية بسيطة لأنها كتبت بلغة بسيطة لا يوجد بها ابتذال، وهي رواية تتكلم بلغة الإنسان البسيط تصف الحالة البسيطة لمجتمع بسيط الحياة البسيطة لهذا المجتمع السوداني الريفي.

يتكلم الطيب صالح عن مصطفى سعيد الذي يقطن في بريطانيا، يتكلم بغرائزه العربية السودانية الإفريقية... نقل دون زيف أو ابتذال أو تشويه الصورة الحقيقية لغريزة الإنسان الريفي العربي السوداني الإفريقي ربما المتخلف بنظر الغرب فقد نقل صورة جميلة... لم يعد فقط الصراع بين الحضارات هو النقطة التي تمخضت عنها أهمية الرواية بل الصراع بين الإنسان وغرائزه وبين ثقافته وبين إمكانية تحضره وتقليده للآخر.

مصطفى سعيد أصر، رغم عبقريته، على أن يعطي مجالا لغرائزه الأولى الموروثة والمكتسبة من الريف أن تحضر مساحة هامة في حياته حتى لو كانت على حساب وجوده وحساب قيمته في أوروبا... هذه أهمية الرواية كما أرى.
نحن نرى أن كثير من الروائيين العرب الذين يعيشون في أوروبا يحاولون تجميل الصورة العربية.. نظراً لنظرة الأوروبي للعربي، وأن يسايروا نظرة الأوروبي للعربي.

د. الياس عطاالله:
كان الطيب صالح أصيلاً في رواياته، ما زيف وما كذب، وما نقل وما جمل ولا ذرّ المساحيق على شيء... كتب كل شيء ببساطة... ولعلّ عظمته تكمن في أصالته، والأصالة والصدق صنوان ورديفان، وأراهما شرط سيرورة وتجاوز لحدود اللغة والبلد.

حين يكون الكاتب أصيلا صادقا في ما يكتب فلا بدّ أن يرقى بعمله... وكما تفضل أحد الجالسين بمقاطعة هنا "القارئ لا يُشترى، الصدق يشتري القارئ". طبعا نحن لا ننسى أننا موجودون في دولة إسرائيل، ولا ننسى أن وزارة العلوم أو المعارف تطبع ألف نسخة كحدّ أقصى، وعليك أن تتكفل أنت وتتحمل نفقات ما تريد إنتاجه إن ابتعدت عن الوزارة أو المؤسّسة.. وما يطبع، على الغالب، فيه انتقائيّة، ينشرون لمن يشاؤون ليس لمن يشاء، وكثيرًا ما طبع ما لا يستحقّ الطبع ولا النشر... للمرّة الثانية في منتدانا أعبّر عن سعادتي برؤية الشباب الموجودين معنا... وأرجو أن نتعلم قليلاً من هؤلاء العمالقة... الصدق هو المفتاح... والكمّ لا يقول شيئا، فلنكتب صادقين.. أنا لست واقعا تحت استعمار فكريّ صهيوني ولا أمريكي حتى أجمل صورتي، وليس هذا في مخيّلتي... فلأكتب بأصالتي، فأنا الجميل وهو القبيح، وعليه هو أن يجمل صورته، وعلى الأصحّ أن يكون جميلا، وإن كان لنا أن نتعلّم من تجربة الطيّب صالح، فإنه دفع بالأصيل الجميل الذي يحمل أنفاس السودان ناسا ومحلا، وينقل بكل المباشرة تجربة الإنسان في السودان، حاملا الجنس مغدقا عليه ألفاظه المستلّة من قاموس البسطاء والفلاحين من نساء ورجال.

إياد برغوثي ( الكلمة معدّة مسبقًا لهذا الصالون بناء على الطلب):
لا يكفينا وصف رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" كعمل أدبي عملاق وعبقري ككاتبها، لأنها نصٌ شبهّه الناقد والمفكر العربي جورج طرابيشي ب"قلعة من الرموز". حيث لا يكفينا نحن المتلقين، في حال أردنا سبر أغوار هذا العمل الضخم، التذوق الأدبي له وتحليله كنص روائي محض بل علينا أن نفكّكه ونحلّله كنص ثقافي يحمل أطنانًا من المعاني الثقافية.

اخترت أن أشارككم بنقد جورج طرابيشي لهذه الرواية، لأنه يشكّل نموذجًا برأيي للخوض في النصوص الأدبية من زاوية النقد الثقافي، أو الثقافوي بتعبير آخر، ولأن نقده مثير وذو صلة بقضايا جوهرية، أردت أن أعرضه لنتفق معه ونعترض.

يخصّص طرابيشي فصلاً من كتابه النقدي "شرق وغرب رجولة وأنوثة- دراسة في أزمة الجنس والحضارة في الرواية العربية" (نشرت طبعته الأولى في العام 1977)، لرواية الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال". ويتعرّض طرابيشي في الكتاب نفسِه إلى روايات عربية أخرى مثل "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم، و"الحي اللاتيني" لسهيل إدريس وروايات عربية أخرى.

محور كتاب طرابيشي هو نقد النصوص الروائية من خلال أدوات تحليلية نفسية وثقافية مؤسسّة على مفاهيم ما سماه "تجنيس العلاقات الحضارية"، حيث يعتبر أن مفهوم الرجولة والأنوثة موّجهًا لا للعلاقات بين الرجل والمرأة فحسب، بل للعلاقات بين الإنسان والعالم، ويعتبر أن علاقات الرجل بالمرأة في ظل الحضارة الأبوية هي دائرة مغلقة لعلاقات الاضطهاد والسيطرة والمفاهيم الثنائية المتناقضة، ويدعّي طرابيشي أن هذه الثنائية ازدهرت في عصر الاستعمار والعنصرية الكولونيالية.

يذكر طرابيشي في مستهل كتابه المفكّر فرانز فانون ويركّز على اهتمامه الخاص بجدل العنف الجنسي المتبادل بين المستعمِر والمستعمر. فالرجل الأبيض باغتصابه المرأة السوداء يُشعر الأسود بأنه رجل مخصي، وبالمقابل ينتقم الأسود من الرجل الأبيض بإقامته علاقات جنسية طوعية أو غصبية مع المرأة البيضاء من ويثبت أنه رجل مثله.

ينتقد طرابيشي، بالأساس، المثقفين العرب بتسليمهم وقبولهم بمنطق يقول بأن العلاقات بين الأمم والحضارات هي كالعلاقة القائمة واقعًا بين الرجل والمرأة، علاقة قوة وتحكم وسيطرة وبالتالي رضوخ واستسلام ومعاناة. يصرّ طرابيشي على أن علاقة الراكب والمركوب بمستتبعاتها القهرية الإذلالية ليست مقبولة ولا عادلة لا بين الأمم ولا بين الرجل والمرأة ولا يجوز الردّ على المستعمر الظالم بتبني المنطق ذاتِه، ويستنتج طرابيشي أن تجنيس العلاقات الحضارية بين الأمم يساهم في تأبيد هذه عبودية المرأة في المجتمع المتخلف، كما يسميه، وفي تأبيد تخلّف هذا المجتمع بالذات.

ويدرك طرابيشي أن تجنيس العلاقات الحضارية يمتثل لضرورة فنية ورمزية لكنه لا يقبله لأنه مبني على أساس واحد: أساس المنطق الرجولي.

نعود لموسم الهجرة إلى الشمال، التي يصفها طرابيشي برائعة الطيب صالح، ويقلب عنوانها إظهارًا لمفاهميها الحضارية "موسم الهجرة إلى الغرب"، فالشرق في الرواية جنوب والشمال غرب، مما يدلّ على ارتجاجية هذه المفاهيم الثقافوية وعدم مطابقتها للواقع حتى جغرافيًا.

يعتبر طرابيشي، كما ذكرنا في البداية، رواية الطيب صالح قلعة من الرموز، ويحلل شخصياتها كشخصيات حضارية رمزية. مصطفى سعيد وجن مورس وحسنة بنت محمود والراوية، كلها شخصيات حضارية وليست شخصيات روائية لأفراد عاديين.

يشيد طرابيشي بقدرة الطيب صالح التي تكاد تكون بلا حدود، على تشكيل الرموز وعلى درزها في بنية واقعية على نحو لا يحدث معه أي انقطاع في سيولة الحدث الروائي.

مثلاً، ولد مصطفى سعيد في 16 آب 1898، وهو اليوم الذي بدأت فيه القوات الإنكليزية بقيادة كتشنر اجتياحها لدولة السودان، ولد بطل الرواية في بداية الاستعمار، أو ما يسميه طرابيشي الرضة الحضارية، شخصية البطل هي شخصية حضارية مركّبة من الحقد والحب تجاه الحضارة الغربية، شخصية شديدة التعقيد وكثيرة التناقضات، تعتبرها نفسها "جنوبًا يحنّ إلى الشمال".

لقد حوّل مصطفى سعيد، العربي الأفريقي، المدينة الغربية إلى امرأة وجامعها وقتلها، وحمل في ذاته غريزة الحب والموت معًا، أي أنه تمنى في غور لاوعيه أن يدمّر الحضارة التي يشتهي امتلاكها، كما قتل زوجته جن مورس التي تمنّعت ورفضته وخانته واشتهاها. مصطفى سعيد فريسة صارت صيادًا، خصي انقلب فحلاً، كما وصفه الطيب صالح "النساء تتساقط عليه كالذباب" ومثقف لا يعنيه من الثقافة "إلا ما يملأ فراشه كل ليلة"، كأنه يثأر وينتقم بطريقته الخاصة للعشرين ألفًا من السودانيين الذين سقطوا برشاشات كتشنر، في غرفته التي حوّلها إلى وكر من الأكاذيب الحضارية، عند محاكمته يقرّ مصطفى سعيد ويعترف: "أنا أكذوبة"، أو بالأحرى يقول أنا لست فردًا عاديًا..أنا شخصية حضارية.

الشخصيات الأخرى حضارية ورمزية أيضًا بنظر طرابيشي: حسنة بنت محمود رمز للأمة التي طرأ عليها تبدل عظيم، بعد أ عاد إليها الجيل الأول من المثقفين المغتربين وأصبحت "كنساء المدن".

ويعتبر طرابيشي الرواية أغنى شخصيات الرواية بعد مصطفى سعيد، وهو يمثّل جيل الهجرة الثاني، اتسمت حياة الأول بالاختلال والاضطراب، والثاني بالاتزان والاعتدال. الراوية يريد أن يكون قومه قومًا عاديًا في حين أراد مصطفى سعيد أن يردّ على من اتهم هذا القوم بالدونية أن يثبت انهم فوق البشر.

بعدما انتهيت من إعادة قراءة مقال طرابيشي، لإيجازه وعرضه أمامكم، وراجعت ملاحظاتي النقدية التي سجلتها على هوامش الصفحات المصورة، أردت أن أخضع النقد للنقد، وهنالك الكثير مما يقال ويكتب عنه خصوصًا حول خضوعه للثنائية المضاعفة التي يحاول أن ينتقدها فيعلق فيها فكريًا. لكني عدت للرواية نفسها، لأقرأها واستمتع بلغتها وأحداثها ودراميتها وقسوتها وجماليتها، وخلف صوت القراءة الصمت في وعيي أسئلة تعيق المتعة والانسياب..

هل نسجن شخصيات الرواية في قبو قلعة الرموز الثقافية أم هناك ولدت هي أصلا؟ هل الشخصية الروائية إنسان عادي يمرّ في تجربة تستحق التدوين أم جيل من أمة تتنكر بفرد يلخّص تجربتها التاريخية؟ هل أتمتّع أم أحلّل؟ هل التحليل لفهم النص يضيف متعة للمتعة ويعمّق فهمها أم أنه يفرض على النص مفاهيم من خارج عالم الرواية الجمالي والقصصي ويلبس شخصياتها أثوابًا جاهزة؟
أضع الكتب كلها جانبًا، وأبحث عن جملة لأنهي فيها مداخلتي هذه، ولا أريد أجوبة، فأحيانًا علين أن نكتفي بمرافقة الأسئلة الطويلة لنا في رحلة البحث عن المعاني والحقائق في الشمال والجنوب والتاريخ والواقع والذاتي والموضوعي. تثيرني الأسئلة فأكمل الهجرة إلى كل مكان.

آمال رضوان( الكلمة معدّة مسبقًا لهذا الصالون بناء على الطلب):
نبذة قصيرة عن سيرة الطيب صالح: (1929- 2009)
من مواليد السودان، مارس التدريس في السودان ثم هاجر عام 1952 الى لندن، فعمل في الإذاعة البريطانية، وعمل خبيرًا بالإذاعة السودانية 1967، ونال شهادة في الشؤون الدولية في إنكلترا، وتولى منصب مستشار في مقر اليونسكو في باريس ثم مقيّما لليونسكو بالدوحة وعمان لمنطقة الخليج، وشغل منصب ممثل اليونسكو في دول الخليج ومقره قطر في الفترة (1984 – 1989).

من روائعه الأدبية: موسم الهجرة إلى الشمال، وضوّ البيت، وعرس الزين، ومريود، ودومة ود حامد، وبندر شاه.
استطاع أن يثري المكتبة العربية والمؤتمرات الثقافية والمحافل الفكرية بإبداعاته الروائية ومقالاته، وقد دعت بعض الجمعيات والمؤسسات الثقافية السودانية إلى ترشيح الطيّب صالح لجائزة نوبل للآداب، إذ صُنّفت الرواية كواحدة من أفضل مئة رواية في القرن العشرين، ونالت العديد من الجوائز التي تناولت لقاء الثقافات وتفاعلها. وقد ساهم الناقد الراحل رجاء النقاش في تعريف القارئ العربي بها، لتصبح فيما بعد إحدى المعالم المهمة للرواية العربية المعاصرة.
في التسعينيات، منعت السلطات السودانية تداول الرواية "موسم الهجرة إلى الشمال"، بحجة تضمنها مشاهد ذات طابع جنسي. وقد صدر حول الرواية مؤلَّف عام بعنوان "الطيب صالح عبقري الرواية العربية"، لمجموعة من الباحثين في بيروت، تناول لغته وعالمه الروائي بأبعاده وإشكالاته 1976.

الشخصية المحورية مصطفى سعيد:
شخص غريب لا يملك القدرة على المحبة والتعاطف الإنساني، علاقته بأمه وببلده كان ينقصها الحب والحنان والانتماء والعطاء ولغة التحاور، يقول: "مثل جبل ضربت خيمتي عنده، وفي الصباح قلعت الأوتاد، وأسرجت بعيري، وواصلت رحلتي". وعندما بلغه نبأ وفاتها وقد كان مخمورا قال "لم أشعر بأي حزن، كأن الأمر لا يعنيني في كثير أو قليل".

كان يحركه قلبه الأجوف رغم امتلاكه عقلية فذة، كان جميل الطلعة ذكيا، تدفعه نزواته الجنسية والمادية، وقد انسجم بشكل فائق ومذهل في الحياة الأوروبية خاصة في ملاحقة النساء، جاعلا من شقته معبد إغراء وإغواء بأعواد البخور وأكاذيب غضة عن النيل والأساطير.

تزوج مصطفى سعيد غريب الأطوار المتطرّف من جين الفتاة المتحررة بتطرّف، وشكّلا ثنائيًّا غريبا في مواجهة الثقافات بتناقضاتها، وينتهي به الامر الى اغماد الخنجر في صدرها بحسب رغبتها وقتلها.

وقد أدرك القاضي أن المأساة الحقيقية لمصطفى سعيد: "إنك يا مستر سعيد رغم تفوقك العلمي، رجل غبي. إن في تكوينك الروحي بقعة مظلمة. لذلك فقد بددت أنبل طاقة يمنحها الله للناس، طاقة الحب".
وبعد سجن دام سبع سنوات يترك لندن، واستقر في بلد ريفي على ضفة النيل مع غموضه وأسراره، وتزوج من فتاة ريفية وأنجب طفلين، وكان عنصرا فاعلا رغم انطوائيته وتكتمه، إلا أنه كان محبوبا، وقد حاول الانسجام مع الحياة الريفية من جديد مخادعا نفسه بمرارة، حيث التقى الكاتب ليشيه بعض خيوط أسراره وهو مخمورا، فيتكلم الانجليزية والشعر بطلاقة، ثم يختفي فجأة إما انتحارًا أو غرقا أو ربما هروبا وانسحابا، من عجزه على غزو أوروبا، وبسبب استعماره فكريا واستعمار بلاده، فقد آثر الهروب وترك أسراره بجانب مدفأة تحمل ما تحمل من دلالات، إما الدفء او الاحتراق أو.... !

مميزات إبداعه:
*الفكرة المركزية في الرواية: قضايا إنسان العالم الثالث وهمومه وآلامه، وأفراحه وإحباطاته، بجوهره الطيب وظاهره الخبيث، ببساطته وتعقيداته، الذي حاول عقله استيعاب حضارة الغرب بقدرته على الفعل والإنجاز، وأثر التطورات العالمية حول قضية الهجرة والمهاجرين، من خلال السرد المتباين بين أمكنة وأزمنة أوروبية وإفريقية، محاوِلاً أن يكون وسيطا بين هذه الثقافات، رغم العقبات وصراع الحضارات المشتعل والمتلاحق.

*أحدثَ ثورةً على الرّواية العربيّة وهيكليّة السّرد الموسومة بصراعات حادة، وقد وطّد بلباقة بين المزج التجريبيّ التحديثيّ، وبين والتقليدي القديم، فلم يجترّ التّراث الروائيّ، بل اهتم بشكل ومضمون مغاير، فصوغها بعناية شعرية فائقة، وبإبداع متكامل مشبعا بالحياة والصور المتحركة المفاجئة تتنقل بين الهدوء والصخب والتشويق والتوثيق، وبين التصوير والسرد.

*الشخصيات الروائية النابضة بالحياة اختلقها بفنية رائعة في نصوصه الروائية، جعلها متجددة وفقا لمقتضيات الزمان والمكان والأحداث، مصورا بعين شفافيته البارعة أعماق همومها اليومية، وتفاصيل العلاقات بين البشر والأشياء، من اجل التغلب على صراعها المرير، وقد هيأ لها الأجواء المبتكرة وأشكال حياة تناسبها، مازجا بين ألوان الواقع من جهة، وخياله ورؤيته من جهة أخرى.

*أسلوبه يتّسم بنضوج فكريٍّ وانفتاح كبير على الإدراك الذاتي، فجاء مثيرًا متلاحقًا جريئًا ومميّزًا في طرق مواضيع مسكوت عنها، وخاصة العلاقات بين الرجل والمرأة، وطرح المشاكل بطريقة متفردة في التعبير وبعمق فكري وفني راق، وذلك لخبرته العميقة في التنقل المستمرّ ومعرفته بقضايا وطموحات أمته، وقد لمس التناقضات بين البيئات المختلفة فزادته التصاقا وتمسكا ببيئته الحميمة.

*اللغة عذبة موحية تتوهج بالمشاهد المحلية البسيطة، وأثر البيئة السودانية الريفية، وبالتالي بتشكيلها اللغوي ونسيجها الشعري، تلامس الواقع إلى حد قريب، وقد انسابت بحريّة وبمهارة واستفاضة في أدق التفاصيل المتداخلة، وبلغة شاعرية آخاذة فرفعها من المحلية إلى العالمية.

الرواية تناولت عدة محاور:
*الرسالة الأساسيّة والجوهرية التي ينادي بها هي التناغم بين الحياة والأحياء، من خلال تأصيل المحبة والتسامح في المجتمعات والعائلات، لمواجهة صعوبات الحياة وصراع الحضارات.

*الاستعمار والهيمنة الغربية على الدول الأفريقية، والنظرة المتعاكسة لصورة العربيّ القادم من بلاد السحر والغموض بعيون الأوروبيّ ، والأوروبي المستعمِر بعيون الشرقي، وخاصة آثار الاستعمار على المتعلمين في الغرب.
*الصدام بين الحضارات والثقافات بين ثنائيات التقاليد الشرقية والغربية، وبين الشخصيات المتلبسة بغموضها وتناقضاتها.

* الوضع الاجتماعي للمرأة وختان المرأة وحريّة تقرير المصير، والذي انتهى بقتل عجوز الشهوة والانتحار بطريقة غريبة. يقول:

"فلاتة والمصريون وعرب الشام أليسوا مسلمين مثلنا؟ لكنهم ناس يعرفون الأصول يتركون نساءهم كما خلقهن الله،، أما نحن فنجزهن كما تجز البهيمة".

*تناول كثير من القضايا السياسية والاجتماعية، ومثّلها بالرجل والمرأة والموت والحياة، موحيا إلى أزمة الصراع الكثيف بين استعمار الحضارات وما تخلفه من انتكاسات وأزمات وحياتية.

*تناول الموت كسلطان بأنواعه وطرقه من وفاة وقتل وانتحار، ومعانيه ودوافعه بدلالاته بالنسبة للأنثى وللرجل، من ذلّ وضعف ورفض وخطيئة وإثم وكبرياء وعنف وتضحية وانتقام.
*الارتباط بالوطن والريف:
اختزن عقله موسوعة من الألفاظ والأمثال الشعبية وحنينا مفصّلا لأبسط الأمور كرائحة التربة والثمار وأصوات النخل والطير والنسيم، ولم تفلح الغربة في محوها من ذاكرته وتتردد في أقوال شخصياته.
فيحدّثنا عن بيت جده «خليط من روائح متناثرة، رائحة البصل والشطة والتمر والقمح والفول واللوبيا والحلبة والبخور الذي يعبق دائمًا في مجمر الفخار الكبير.
وعن أدوات التجميل عند النساء في القرية، وأكثرها سودانية خالصة، الكحل والدلكة والدهن والكبرتة والريحة والحناء.
وعن الفركة والقرمصيص والبرش الأحمر المنازل المطلية بالطين الأسود
وعن ملابس الرجال: من ثياب فضفاضة، وعباءة سوداء، والعروس في ليلة زفافه.

عطاالله جبر( إعداد مسبق للصالون بناء على الطلب):
ما دام الحديث عن رواية موسم الهجرة قد فتح، أذكر أن الرواية نشرت في مجلة "حوار" عام 66... ظهرت وثائق أن هذه المجلة مبيوعة للمخابرات الأمريكية وصدر بيان الكتاب الطويل رافضًا لهذه المجلة التي ينشر بها الطيب صالح... فربما كل هذه الدوشة ما أثارته مجلة حوار بين الكتاب والمفكرين لفت النظر لما ينشر بهذه المجلة،.. وكانت رواية الطيب صالح واحدة مما نشر في هذه المجلة... وربما التفت المثقفون لهذه الرواية بعد ما حصل.. ومعنى هذا الكلام أن الطيب صالح ربما ظهر بشكل فجائي دون مقدمات بسبب هذا الأمر وليس لأنه كاتب نشر في المجلات العربية وبعد ذلك ذلك عرف.. وإنما فجأة.

مما جعل الكتاب والنقاد الكبار من العالم العربي يقولون التفتنا للطيب صالح أنه جاء بروايات جيدة، ولأول مرة نقرأ هذا الكسر لنجيب محفوظ.. الذي كان مهيمنا على الثقافة العربية وعلى القراء وعلى كل الرواية العربية، جاء الطيب صالح ليكسر هذه الحدة وبدأت رواياته تظهر.

أنا في اعتقادي، مع احترامي لرواية "موسم هجرة إلى الشمال"، أنّها ليست أحسن روايات الطيب صالح، باعتقادي أحسن رواية هي "عرس الزين" وأنا مصرّ على ذلك لأنني قرأت للطيب صالح وكتبت عنه وأعرفه شخصيا حتى... "عرس الزين" هي من الروايات التي تعتبر رقم 1 في العالم العربي... وبها نستطيع أن نبرز ونبارز.. هذه هي الرواية التي يمكن أن تكون كل كلمة فيها جزءا من العمود الفقري في الرواية .. إذا حذفنا حرفا منها انهار كل العمل الأدبي ولذلك أعتقد أنّ "عرس الزين" هي رواية خالدة للطيب صالح مع أنها ليست الأكثر شهرة له.. "عرس الزين" فيها مقومات الرواية المتكاملة التي تقرأ في جلسة واحدة، قصيرة، بنيتها التقديم والتأخير بكل الوسائل الفنية تجعلك تقرأها بشكل مباشر وسريع. ثمّ ركّز الأديب جبر على قراءة الرواية من منطلق التحليل الصوفي لمعجم مفرداتها، وتيرة ورودها، وثنائيّتها.

د. تغريد يحيى - يونس:

موسم الهجرة إلى الشمال" بالنسبة لي هي رواية ممتعه أكثر من منظور اجتماعي للموضوع، هذا ناهيك عن المتعة الأدبية – والتي من حيث الموضوعية لست متمكنة من منظومة مصطلحاتها، لكن من المنظور الاجتماعي للموضوع، تناول الطيب صالح موضوع الاستعمار بالذات و... علاقة الشرق والغرب. في قراءة ل "موسم الهجرة إلى الشمال" نلاحظ بأنه صدرت الرواية ما يقارب العقد ونصف، 13 سنة على وجه التحديد، قبل صدور الاستشراق، مؤلفة إدوارد سعيد، ، وبالتالي كان للطيب صالح نوع من السبق في تناول الموضوع على غير ما نعتقد أنه كان لإدوارد سعيد- وله طبعاً حفظ المقام وهو مفكرنا ويمثلنا. ولكن ها هو (الطيب صالح) تناول الموضوع طبعا ليس بتمحيص علمي بمنظور اجتماعي كما فعل ادوارد سعيد.

نقطة أخرى، هنالك تضارب بين الشرق والغرب وهنالك الثنائية المستقطبة والقطبية. على غير هذا المعهود، الخاصّ في "موسم الهجرة إلى الشمال" أن هنالك متسع لبقاء شيء من التنافر والتجاذب بين الشرق والغرب والكاتب يمنح هذا المتسع إما من خلال نقله لتلك الطقوس ولتلك الرموز وما إلى ذلك مما يرتبط بشخصية الإنسان الإفريقي والعربي إلى قلب الغرب، وعلى عكس ذلك هو، ممثل بتلك الشخصية المركزية، لا يستطيع أن يفلت من تأثير الغرب عليه في محبته لبعض عناصر الثقافة الغربية ..... فيلجأ إلى نوع من الاعتكاف في بلده حينما رجع إلى السودان ليمارسها.

أريد أن أشير كذلك إلى الجدلية بين ملامسة العالمية في الرواية الأدبية "موسم هجرة إلى الشمال" والعودة إلى المحلوية في "عرس الزين" مثلا، حيث تناول الموضوعات الأخرى التي هي صرفة في التعامل مع المحلوية بالشخصيات والطقوس والمعالم وغير ذلك. ففي حين أنه في "موسم الهجرة إلى الشمال" لامس الكاتب وطرح في المحور علاقة الشرق والغرب والمواجهة بينهما فهنالك (في عرس الزّين) كل الأحداث تدور في محل واحد فهذا التضارب.. وهذه الجدليّة أريد أن أنوه لها حيث تزيد من جمالية إنتاج الكاتب وقدرته على الإبداع ومن وقع مثل هكذا كتابات.

هنا لا بد من الالتفات إلى العلاقة بين الغربة والإبداع، معبّر عنه بالوصول لمصاف الإنتاج أو الأدب العالمي. الظاهرة هذه تتكرر في أكثر من مثال ومجال اختصاص في العالم العربي. من هنا إثارة السؤال حول العلاقة بين الغربة والإبداع. هل ينبغي على الإنسان من هذه الخلفية أن يغترب كي يبدع؟ ما الذي يتوافر في الاغتراب والغربة من تجارب، وعناصر وظروف تمكّنه من ذلك؟

أما بالنسبة للتفسيرات والتحليلات المختلفة للرواية فتحضرني مقولة "موت الكاتب" والتي تعكس نهجًا أو مدرسة في التعامل التحليلي مع ما ينشر من نصوص. وفق هذا النهج بمجرد أن يصدر الكاتب نصّه لا ضرورة للبحث عمّا أراد قوله أو عناه، ولا ضرورة لتفاصيل من سيرة حياته الذاتية لتفسير العمل الأدبي، كل هذا ليس بذي صلة. بل يمكن أن يقرأ النص قراءات كثيرة ومتعددة عدد القراء، الأمر الذي يمكن أن ينطبق على "موسم الهجرة إلى الشمال". ومع ذلك، حقيقة أن للجنس في علاقة الشخصية المركزية مع نساء من الغرب حضور قويّ لا يمكن تجاهله في الرواية، إلاّ أنّي لا أرى أن المؤلف أراد بهذا أن يختزل شخصية الرجل الشرقي، وهنا العربي تحديدا، في الجانب ألغرائزي الجنسي ليس إلاّ، وليس لنا، وعلى ما أظن ليس له أيضا، هدف أو مصلحة في تصوير شخصية ماهويّة جوهرانيّة ( (essentialist وذات بعد واحد للإنسان الشرقي، بل هي شخصية متشكلة ومتعددة الأبعاد.

د. إلياس عطاالله:
الجدلية مهمة والثنائية الجدلية مهمة.. كل ما في عرس الزين ثنائي جدلي، وحسنا فعل الزميل جبلا بالتركيز على المعجم الصوفي، ولكن هناك حيز ومتسع للتأويل والاجتهاد، وخاصّة في ما يتعلّق بشرق غرب، فثمّة أهميّة لجنوب شمال، على صعيد ما كتب، وعلى صعيد الدرس الحضاري الاقتصادي العامّ، وأنا لا أرى فقط أن الطيب صالح كان يعاني من الغرب المستعمر.. ولا لأنه خرج لينتقم من الغرب المستعمر.. الاستعمار كان أقرب للطيب صالح شمالاً... هناك في مصر كان التحدي الأكبر للطيب صالح.. فلمصر رؤيتها في كل الأداء الأدبي والفكري، بكل إقليميتها، ولا أرى أنّ مصلحة أحد أن ينكر حتى التعتيم على الإبداع اللبنانيّ السوريّ عبر التاريخ... لو ننتبه للحظة فالسوداني- وكأنّه أقلّ قيمة من العرب- لا يختلف عن الفلسطيني هذا الذي بيننا الآن كل واحد منا.. مطالب بإثبات الولاء يومياً أو حتى النقيض أنا مرغم على إثبات عروبتي بكل الإتجاهات علي أن أثبت عروبتي... فهل على السوداني أو الصومالي أن يصرّح صباح مساء وتحت القسم بأنّه عربيّ؟!

علي مواسي:
هنكتنكتون أشار في كتاب له إلى اسم معروف في الجانب الفلسفي في العالم العربي هو الدكتور "مهدي المنجر" وهو الذي سبقه في الكتابة عن صراع الحضارات ووجدنا الأول يعترف بفضل الثاني عليه.. أكثر ما في كتاب الدكتور المنجر وهو دكتور مغربي في كتاب اسمه قيمة القيم تحدث فيه عن تأثره من الطيب صالح يصب في أن المنجر يقول إن الذي دفعه للكتابة في هذا الموضوع عام 1993 هو الطيب صالح في روايته عام 1966 وأنا أعتبر أن شهرة الطيب صالح أو شهرة رواية موسم الهجرة إلى الشمال جاءت من المضمون لا من التقنية السردية ومن أدواتها.. أنا بالنسبة لي .. هناك تأكيد من عرب الذين اشتغلوا في الرواية تقدم على الطيب صالح بالكثير الكثير من التقنيات السردية وفي التقنيات الروائية .. إبراهيم الكوني وسمعان إبراهيم وإبراهيم نصرالله وحنا مينا كلهم تفوقوا عليه.. ولكن الموضوع حساسية الموضوع والإذكار في طرح الموضوع .. هو كان السباق بالإضافة إلى الضجيج الإعلامي الذي دار حول مجلة الحوار فبالتالي الطيب صالح جاء بجديد جيد في ظل صدفة وضجيج إعلامي أشهره.. العدد والكم ليس دليلاً على شيء، إننا جميعاً نعرف أسماء ساطعة ولامعة.. ولكن كانت قضية صدام الحضارات وصراع الحضارات والعلاقة بين المستعمِر والمستعمَر في ذلك العصر وتناول الطيب صالح... هناك كانت بيئة صالحة جداً وتربة صالحة جداً لتناول هذا الموضوع وإشهاره..

أنا أميل لقراءة كل مشاهد الدنيا قراءة تشخيصية.. ما وجدته هنا أن كل القراءات هي قراءات غير تشخيصية هي قراءات تمس البعد الجمالي أو العنصر الذي برز فيه الطيب صالح.. مدحيات في الطيب صالح، ولكن الجميل قيمته الكل متفق عليها.. نحن في هذا العصر بحاجة إلى من يقرأ المشاكل في الدنيا قراءة تشخيصية لتحقيق شيء أفضل في المراحل المتقدمة... ونحن نعاني من هذه المسألة وهي مسألة القراءة في العالم العربي.

كنت أود أن أتطرق إلى كل ما قيل من كلام جميل أن أستمع أيضا أين قصّر الطيب صالح ونحن نميل إلى ذلك التهويل والتثقيل... صاحب الفخامة والنيابة والكسامة وإلى آخره.. الأكاديمية العربية السورية أعلنت ولا أعرف ما المعايير التي أدت إلى هذا الإعلان.. ومن من النقاد الذين أعلنوا هذا الأمر بأنه عبقري الرواية العربية وأهم روائي عربي.. الذي أعلن هو وزارة الثقافة السورية... هل هذا الإعلان وهذا المعيار الذي اتكل عليه النقاد بعد موت الطيب صالح وجدته إعلانا مفرغا من المضامين الأساسية لأنهم أجحفوا بذلك بالعديد العديد من الأسماء العربية، وفي قراءتي التشخيصية للطيب صالح أرى أن الطيب صالح كما بدأ موسم هجرة للشمال انتقالاً لعرس الزين إلى ضو البيت وأخيرا منسي، أنا وجدت الطيب صالح هو الطيب صالح... من حيث الإنتاج الأدبي،لم يطور في التقنيات الروائية، لم يطور في الأدوات التي اعتمد عليها في نهاية روايته.. إذا جئت لمنسي تجده هو نفسه في عرس الزين... بينما هناك بون شاسع ما بين نجيب محفوظ مثلاً في كفاح طيبة مرورا بالكرنك وبأولاد حارتنا والحرافيش وإلخ.. هنا أسأل الطيب صالح لماذا كررت نفسك؟ لماذا لم تطور نفسك روائيا؟ وشكرا.

ناجي الظاهر:
هو كاتب سوداني يعتبر عمقا بثقافته العربية في كل مكان بما فيها بلادنا فكان يستحق تحية أوسع وأشمل إذا ما كان هناك اهتمام بكاتب عربي محلي أيضا. لأن الاهتمام ينبغي أن ينصب على ما في بلادنا أيضا.. بالنسبة للتعدديات لقراءات العمل الأدبي الإبداعي..العمل الإبداعي يزداد فراغا كلما ازدادت قراءاتنا وتعددياتنا، فأعتقد أننا استمعنا إلى عدة قراءات للطيب صالح. أما فيما يتعلق بمسألة عرس الزين.. فقد كتبها قبل موسم هجرة إلى الشمال، وهناك الدور الهام جداً الذي يؤديه النقد في حياة الثقافة.. فعلاً هناك كتاب أبدعوا بشكل لافت جدا ويستحقون الاهتمام خاصة حنا مينا.. هناك العديد من الكتاب يستحقون الاهتمام كما حصل مع ذات الطيب صالح. السياسة شكلت خلفية لدى الطيب صالح.

الشاعر نزيه حسون:
أنا سعيد جدا باختيار الطيب صالح وبعيدا عن كل ما ذكر من نظريات الطيب صالح عبقرية تستحق الدراسة والتقدير، أنا عشقته بشكل شخصي.. رواية موسم هجرة إلى الشمال أعتقد هي التي اشتهرت، رغم أني أتفق مع الأخ بأن عرس الزين رائعة... رائعة جدا جدا... كانت بالنسبة لنا رواية الساحة.. أنا أذكر أني قرأتها بيوم واحد.. والطيب صالح أثار اهتمامنا جدا جدا.. كان هناك سؤال ملح هل الطيب صالح هو مصطفى السعيد، هو تكلم عن نفسه.

أخيرا قرأت مقالاً على الإنترنت لأحد الذين كتبوا عن الطيب صالح التقى به.. سأله هل أنت مصطفى سعيد.. قال له كل الشخصيات التي كتبتها هي شخصيات خيالية. ومن ثم التقى به، همس الطيب الصالح لأحدهم أن مصطفى السعيد هو شخص ثان كان يعيش في لندن... حتى يقول أن لهذا الشخص هذه المغامرات.. لذلك أظن أن أهمية الكاتب أن مدى تأثيره في القارئ ليس من مدى الأدوات الفنية التي يطرحها أو النظريات الأدبية.. موسم الهجرة إلى الشمال أثرت في كل قارئ سواء كان عربيا أو أجنبيا.. حتى بخصوص عرس الزين هي رواية رائعة.. أصالة وصدق الطيب الصالح التي تصل حد التجسد.. هذه الرواية تعكس كل قرية سودانية كل واحد يقرأها يعيش هذه الشخصيات... هذا الصدق هذه الأصالة هي التي صنعت الظاهرة التي تسمّى الطيّب صالح، وليس النظريات... برأيي الطيب صالح لم يأخذ حقه ومن الجميل جدا أن نقيم له ندوات وندوات.

الأستاذ مجيد عموري:
أنا أحترم التعددية الفكرية أنا لا أمارس الأدب أنا دارس للتاريخ أكثر.. أنا أفهم أن هذه الرواية..
يقول: من يريد أن يفهم هذه الرواية عليه أن يكون مدركاً للخلفية التاريخية التي نشأت بين الشرق والغرب والتي أدت إلى الاستعمار وإنتاجا لذلك حدثت الفجوة المادية الاقتصادية بين الشرق والغرب وهنا مرارة الطيب صالح.. لا أستطيع أن أفهم الطيب صالح بدون السياسة بدون الحالة الاجتماعية.

ثانيا: قضية الجنس في هذه الرواية ليست قضية جوهرية وإنما جاءت لتخدم الفكرة المركزية وهي العلاقة المشوهة بين الشرق والغرب.. أي العلاقات التي كان يقيمها بأوروبا مع الفتيات ويستغل بشرته السمراء، هي فقط وصف للعلاقة وهي قضية خدمة الفكرة المركزية.

ثالثا: الطيب صالح كان حادا كالسيف.. هو لا يريد أن يصالح الغرب قبل أن يحدث تغيير جذري.. يجب أن لا ننسى أن معظم دول إفريقيا تحررت سنة 1960 حتى 1970 وانتبهوا في أي ظرف تاريخي كتبت هذه الرواية كل القرن التاسع عشر تميز بالاستعمار ونعرف لأي شيء أدت هذه الفجوة ذكرت في النقطة الأولى أنه كان حاداًا كالسيف وكتب أنه لا يريد الغرب ولا يريد المصالحة والسلم قبل إحداث تغيير جذري.. وتضييق هذه الفجوة المادية الاقتصادية، وكأني به يخاطب الغرب قائلا: أنتم نهبتم زيتوننا وثرواتنا .. أنا أفهم القضية كتاريخ م.. أنا أنظر للكتاب كتاريخ أرى كل كتاب يأتي من ظرف تاريخي.. وشكرا.

.........

التعليقات