الفيلسوف النمساوي هانس كوكلر: اسرائيل تواصل البطش لانها تعرف ان الغرب لن يعاقبها! / اجرى الحوار: د. حميد لشهب

 الفيلسوف النمساوي هانس كوكلر: اسرائيل تواصل البطش لانها تعرف ان الغرب لن يعاقبها! / اجرى الحوار: د. حميد لشهب
لم يعد من الضروري تقديم الفيلسوف النمساوي هانس كوكلر للجمهور العربي، الذي اعتاد على مواقفه النبيلة والشجاعة تجاه القضايا العربية وعلى رأسها أم القضايا: المشكل الفلسطيني. يعد كوكلر في الوقت الراهن الفيلسوف الغربي الوحيد الذي استطاع أن يحافظ على نقاوة مبادئه الفلسفية والإنسانية في الدفاع عن القضايا العادلة للدول الثالثية بصفة عامة والدول العربية الإسلامية بالخصوص. فلم يرضخ لا للإغراءات الكثيرة التي قدمت له ليكف عن نضاله المستقيم ولا للضغوطات المختلفة، المباشرة وغير المباشرة منها، لينكمش في أعالي عوالم التأملات الفلسفية، بل اختار أصعب وأكثرها أشواكاً وأعقد طريق إيمانا منه بعدالة القضايا الني يدافع عنها وبأسبقية المبدأ الإنساني عن المبدأ النفعي البراغماتي، سواء في العلاقات الإنسانية أو في القرارات السياسية.
حصل البروفيسور هانس كوكلر، رئيس قسم الفلسفة بجامعة إنزبروك النمساوية ورئيس المنظمة العالمية للتقدم بفيينا، على جوائز علمية كثيرة من جامعات ومؤسسات علمية ومنظمات دولية وجمعيات مختلفة، كانت آخرها ' الميدالية الكبرى لدافيد الأنفسيبل'، التي تسلمها يوم 11 حزيران (يونيو) 2009 من طرف البروفيسور جورج بريطاين، عضو أكاديمية العلوم الأرمينية والرئيس الحالي للجمعية العالمية للفلسفة، تقديرا لمجهوداته الفكرية والتزاماته المبدئية.
يدخل هذا الحوار مع كوكلر بمناسبة نشرترجمة عربية لمجموعة من نصوصه تحت عنوان: 'المسلمون والغرب. من الصراع إلى الحوار'بدار النشر المغربية 'طوب'.
هاجم الجيش الإسرائيلي في بداية هذه السنة ما يسميه بمواقع مقاومة حماس في غزة قاتلا بذلك أبرياءعزّلاً من أطفال ونساء وشيوخ فلسطينيين لا ذنب لهم غير كونهم ولدوا فلسطينيين. ألم تعد هناك حدود أخلاقية عندما يتعلق الأمر بـ 'تصفية العدو'، كما يوهم المرء دائما في إسرائيل؟
يعتبر الهجوم الإسرائيلي على العزل غير المسلحين في غزة بمثابة دوس بالأقدام واضح وعلني على القانون الإنساني الدولي وبالخصوص على الفصل الرابع لمعاهدة جنيف التي تحث على الحرص على عدم المس بحقوق العزل في النزاعات المسلحة. تعتبر الحدود الأخلاقية لهذا الأمر، وأكثر من هذا القوانين الدولية في حد ذاتها جد واضحة ولا غبار عليها. للأسف فإن هذه الأخيرة ليس لها أي اعتبار في عيون جيش الاحتلال الإسرائيلي. فالكثير من الهجمات الإسرائلية ـ ليس في غزة فقط، بل في كل الأراضي الفلسطينية ـ هي بمثابة عدوان ضد الإنسانية، تعاقب عليها معاهدة جنيف بغض النظر عن الجهة التي تقوم بها. ونجد مثل هذا في بنود محكمة العدل الدولية بهاغن بلاهاي.
لماذا لا تحترم إسرائيل القرارات الدولية ولماذا تسلك كما لو أنها الوحيدة التي لها الحق للعيش في فلسطين؟
بعكس الدول العربية والإسلامية تتوفر إسرائيل على لوبيات قوية في الدول الغربية وبالخصوص في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. لهذه اللوبيات حضور قوي ليس فقط على الصعيد السياسي، بل وكذلك لها تأثير قوي على وسائل الإعلام الغربية. ونتيجة ذلك هو انتشار شعور بعدم إمكانية عقاب إسرائيل عند قيامها بأشياء ضد الإنسانية. تعرف إسرائيل إذن بأنها لن تعاقب، ولذاك لا تأخذ القوانين الدولية على محمل الجد.
لم يعد المرء يفهم الموقف الأوروبي فيما يتعلق بالمشكل بين إسرائيل والفلسطينيين لا في أوروبا نفسها ولا في الدول العربية والمسلمة. فأوروبا تساهم بقسط وافر في إعادة بناء فلسطين من الأموال العامة التي يدفعها المواطن الأوروبي العادي على شكل ضرائب، وإسرائيل تدمر بالتمام كل مرة كل شيء. إلى متى سيظل الأوروبيون يتفرجون وأيديهم في جيوبهم؟
تفرجت أوروبا بما فيه الكفاية وعليها أن تتحرك لإيقاف هذه المأساة الإنسانية في فلسطين. فكل البنية التحتية التي بنيت بمساعدة الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك مطار غزة، هدم من طرف الجيش الإسرائيلي. لا يمكن والحالة هذه السكوت عن طريقة الهدم والبعد الأيديولوجي الذي تنهجه إسرائيل. فالأموال التي تضعها الشعوب الأوروبية رهن إشارة الشعب الفلسطيني لإعادة بناء بلاده تذهب مع غبار قصف طائرات ومدافع إسرائيل، ليس فقط في غزة، بل في كل الأراضي الفلسطينية. من العار على الاتحاد الأوروبي ومن مظاهر ضعفه السياسي أنه لن يستطيع إلى حد الآن إيقاف العدوان على فلسطين. على المرء تقديم إسرائيل للمحاكمة أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي.
بالنظر إلى عدم توازن القوى في هذه الحرب التي دامت أكثر من اللازم، حيث تهاجم إسرائيل بأحدث الوسائل الحربية بينما يكتفي الفلسطينيون بالرشق بالحجارة وبعض الأسلحة البدائية، ما هو الحل اللائق في نظركم لهذا المشكل؟
ما هو جد مهم في اللحظة الراهنة هو أن تكف إسرائيل على الفور عن سياسة الاحتلال التي تنهجها والتي تعتبر في العمق السبب الرئيسي للتصعيد الحربي الحالي في المنطقة. على الدول الأعضاء في مجلس الأمم المتحدة ـ أقول كل الأعضاء وليس فقط أعضاء مجلس الأمن منهم ـ أن يذكروا إسرائيل بأن سياسة الاحتلال هي ضد كل محاولات السلم.
الكثير من الملاحظين يؤكدون أن إسرائيل هي اليد الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، لذا يحظون بعنايتها ومساعدتها غير المشروطة لهم. ألا يعتبر هذا مؤشرا صارخا على بداية انهيار الثقافة الغربية، التي تتفرج على فتك القوي بالضعيف دون أن تحرك ساكنا؟
ليس هذا فقط، بل إن هذا تأكيد واضح على الكيل بمكيالين عند الغربيين. ففي الوقت الذي يطالب المرء فيه الدول العربية والمسلمة بالديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون، يستقبل دون عذاب ضمير العدوان على حقوق الإنسان وقتل الأبرياء من طرف الإسرائيليين بسادية واضحة. وهذا ما نلاحظه بالضبط في الهجوم الأخير على غزة وسكانها. أكرر ما قلته: الغرب يتفرج على ما تقترفه إسرائيل من عدوان في حق الفلسطينيين، لأنها تمتلك لوبيات قوية في الغرب.
هل تعتقدون بأن لقيم العدل والديمقراطية، التي يحاول الغرب 'تصديرها' إلى دول أخرى، أية مصداقية سياسية وأخلاقية بالنظر إلى ما يقع في الشرق الأوسط؟
تظهر هذه التراجيدية الفلسطينية المؤسفة التي نتفرج عليها يوميا حجة قاطعة على كون الخطاب الغربي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ما هو إلا خطاب أجوف. فقد فقد هذا الخطاب كل مصداقيته وبالخصوص باكتفائه بالتفرج على الأحداث المأساوية في الشرق الأوسط.
بغضّ النظر عن إيران وسورية، تعتبر كل الحكومات العربية والإسلامية حكومات غير معادية للغرب. لماذا تحاول سياسات هذا الأخير بانتظام وباستمرار تقديم العالم الإسلامي كعدو لدود للغرب؟ أيعتبر هذا مقبولاً أخلاقيا؟
لا تكتفي النخبة السياسية المسيرة في الكثير من الدول المسلمة بالتحيز للغرب، عوض الدفاع عن مواطني فلسطين ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم، بل إنها تهاجم بالنقد القيادة الفلسطينية في غزة التي تحاول الدفاع عن نفسها وأرضها. وبهذا فإن هؤلاء القادة المسلمين يساعدون مباشرة بسلوكهم هذا قوات الاحتلال وهذا يعارض بطبيعة الحال رغبة مواطني الدول العربية نفسها. والظاهر أن هؤلاء القادة يخشون ردات فعل شعوبهم، لذا يلجؤون الى الاحتماء وراء الغرب. على القادة العرب والمسلمين أخذ العبرة من رؤساء، مثل رئيس فينزويلا وبوليفيا، ينتقدون بشجاعة وجهرا السياسة الإسرائيلية في فلسطين، لذا فإن مصداقيتهم الأخلاقية في هذه القضية أكبر بكثير من مصداقية الحكام العرب والمسلمين. من العار على منظمة الوحدة العربية تفويض ملف القضية الفلسطينية لمجلس الأمن الدولي، الذي لا يقوم بأي شيء يذكر لحل هذا المشكل، وبنود هذه المنظمة واضحة وتحث على الدفاع عن فلسطين ضد كل عدوان جائر.
يوجد أنصار السلام والحلول الإنسانية عند الجانبين فيما يخص المشكل الفلسطيني. كيف تمكن تقوية هذا الجناح من أجل الوصول إلى حل سلمي دائم في المنطقة، يكون قوامه الرئيسي هو الدفاع عن الكرامة الإنسانية بعيدا عن الحسابات السياسية والتكتيكات الأيديولوجية؟
ما يحتاجه المدافعون عن السلام بالسلم والعاملون من أجل التعايش بين الشعوب من المنظمات والجمعيات هو قبل كل شيء فتح وسائل الإعلام لهم في الدول التي يقيمون بها. لحد الساعة فإن أنشطة هذه المنظمات معروفة في إطار جد ضيق من طرف الرأي العام محليا ووطنيا وفطريا وعالميا. هناك وسائل أخرى للتواصل كالانترنيت مثلا، لكنها غير كافية نظرا لعدم توازن القوى الإعلامية المحتكرة من طرف السياسات الرسمية، وبالخصوص في الغرب. وما مقصلة المنع الإسرائيلي لوسائل الإعلام الغربية الدخول إلى غزة عند هجومها الأخير عليها إلا عربونا ساطعا على ما قلناه.
هناك الكثير من مبادرات الحوار وبناء الجسور بين الثقافات. ماذا في وسع هذه المبادرات عمله من أجل المساهمة في بناء سلم دائم في الشرق الأوسط؟
ما هو جد مهم في نظري هو إتاحة الفرصة للناس، وبالخصوص في الدول الغربية، للاطلاع الموضوعي والكافي على تاريخ وأسباب الصراع في فلسطين وما جاورها. فطالما أن المعلومات عن هذه القضية أحادية الجانب ومحتكرة من جانب طرف نزاع واحد، يعني طالما أن الأغلبية الساحقة من مواطني أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية لا تعلم بطريقة موضوعية عن تاريخ إجلاء الفلسطينيين عن أرض أجدادهم، فإنه من غير الممكن وصول هؤلاء الناس إلى تكوين فكرة عن الحقوق العادلة للفلسطينيين. فالحوار دون حقيقة غير ذي جدوى، بل وغير ممكن.

.

التعليقات