الكاتب الاردني أمين شنار "الوجودي المؤمن"... غاب بصمت تام

-

الكاتب الاردني أمين شنار
في العام 1961 صدرت في القدس مجلة «الأفق الجديد» نصف شهرية، لم تلبث ان تحولت الى شهرية. وقد ترأس تحريرها شاعر شاب لم يكمل الثلاثين من عمره آنذاك هو أمين شنار.

دارسو الحياة الادبية في الاردن وفلسطين يعتبرون ان هذه المجلة هي اول دورية ادبية، اسهمت بصورة دينامية خلاقة ولا سابق لها في نشر وتقويم الإبداع الجديد، وفي وقت لم تكن فيه الصحف المحلية تخصص صفحات للثقافة. على ان أمين شنار نفسه اسهم في إرساء هذا التقليد عبر صحيفة «المنار» اليومية، وحيث كانت الأفق الجديد تصدر عن دار «المنار للصحافة». أما الأدباء المساهمون في المجلة، والذين اكتشفتهم «الأفق الجديد»، فلم يلبثوا ان تحولوا الى محررين للصفحات الثقافية ومن هؤلاء محمود شقير، خليل السواحري، يحيى يخلف... والى هؤلاء عرف مبدعون كثر طريقهم الى النشر للمرة الأولى، عبر صفحات هذه المجلة، ومنهم الشاعران الراحلان محمد القيسي وعبدالرحيم عمر، وفايز صياغ وعز الدين المناصرة ووليد سيف والقاصون فخري قعوار وماجد ابو شرار وصبحي شحروري. بل ان المجلة اجتذبت اليها اقلام غادة السمان، صلاح عبدالصبور، احمد عبدالمعطي حجازي، مجاهد عبدالمنعم مجاهد... وبالطبع لم تكن المجلة آنذاك تدفع أي مكافآت مالية، اذ كان النشر بحد ذاته مكافأة معنوية لا تقدر بثمن. وكما كان عليه حال المجلات الادبية الاخرى، وحيث كان أمين شنار وصياغ والقيسي والمناصرة، ينشرون في الاوان نفسه في «الآداب». اما فايز صباغ فقد نشرت مجلة «شعر» قصيدة له في عددها الخامس، وقد اصدر ديواناً واحداً بعنوان «الحب مثلاً».

واكبت «الأفق الجديد» موجة الحداثة في الشعر والقصة في الاردن والعالم العربي لخمس سنوات وبـ66 عدداً. حيث توقفت في العام 1966 لأسباب مالية كالعادة، ولسبب آخر وهو دمج الصحف بقرار حكومي، ومنها صحيفة «المنار» التي كانت تصدر عنها المجلة بصفحة اخرى، وعندما تبين ان دائرة الثقافة والفنون التي أنشئت حديثاً آنذاك تستعد لإصدار مجلة هي «أفكار»، التي ما زالت تواظب على الصدور بصورة شهرية.

غير انه كان لـ «الأفق الجديـــد» سحــر البدايـــات، فقـــد فتحـــت بالفعل افقاً جديداً لحركة الابداع واجتذبت اليها جيل الشبان، فلم يسهم بها أدباء مكرسون آنذاك، مثل عيسى الناعوري ومحمود سيف الدين الايراني وفدوى طوقان وسلمى الجيوسي، حيث كانت مجلتا «الآداب» و «الأديب» تستقبل انتاج هؤلاء في تلك الآونة.

وقد تميز رئيس تحريرها أمين شنار بخاصية فريدة: انه اسلامي النزعة والتوجه والقناعة، على انه شديد الحماسة لموجة الحداثة وشريكاً فاعلاً فيها. وبينما يتسم شعره بنبرة غنائية عذبة صافية، إلا أنه يحفل بنزعة تأملية عميقة ذات نفس وجودي، حتى قيل انه وجودي مؤمن.

وأبعد من ذلك، فقد سمح تحرره الفكري بأن تزخر «مجلته» بكتابات يساريين ووجوديين، وكان ينشر (لغيره) قصيدة عمودية واحدة كل عددين، الى جانب عشر قصائد على الاقل من شعر التفعيلة.

بعد هزيمة العام 1967، واثر نزوحه من البيرة (توأم رام الله) حيث كان نائباً لرئيس بلديتها، ومدرساً ثانوياً للغة العربية في الكلية الابراهيمية في القدس، بعد هذا التاريخ وأثناء إقامته المديدة في عمان، بدأت تنمو لديه نزعات صوفية. وواظب على الكتابة في صحيفة «الدستور» باسمه وبأسماء مستعارة، الى جانب كتابة رواية «الكابوس» التي فازت بجائزة دار النهار للنشر عام 1968، مناصفة مع الشاعر الراحل تيسير سبول.

لم يكن أمين شنار زاهداً، بل كان هو الزهد نفسه، فلم يعمد الى جمع قصائده المنشورة في «الأفق الجديد» و «الآداب» و «المعارف» (صدرت في بيروت أواسط الستينات برئاسة تحرير يوسف الحوراني، وعاشت عمراً قصيراً) و «أفكار» الاردنية و «الشعر» المصرية... لم يجمعها في أي ديوان، ولم يتطوع رسميو الوزارة ولا الرابطيون (أركان رابطة الكتاب) الى جمع آثاره الشعرية. غير ان وزارة الثقافة قامت في العام 2002 بمناسبة اختيار عمان عاصمة ثقافية، بجمع اعداد مجلة «الأفق الجديد» في مجلدات صدرت من المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

رحل أمين شنار بصمت شديد الاحد الماضي 18 ايلول (سبتمبر) الجاري، وقد ظهرت في الصحف اعلانات نعي عائلية به، اما الصفحات الثقافية فقد تجاهلت خبر غيابه ليومين متتاليين.

على ان ابراهيم خليل جمع معظم قصائده فــــي كتاب صغير اصدرته صحيفة «الدستور» التي امضى شنار عمره في الكتابة فيها (وهي وريثة المنار) إلا أن الإخراج بالغ الرداءة لهذا الكتاب المضغوط، وبنط القصائد الصغير، وكذلك العنوان الذي تم اختياره للكتاب «الشاعر والأفق»، حيث لا يتبين القارئ إن كان الكتاب مجموعة شعرية أم هو دراســـة، ذلك كله اسهم في دفن الكتاب وصرف الاهتمام عنه. ومنذ نحو عقد من الزمن، أغلق شنار باب بيته ولم يفتحه إلا لقلة من أقرانه المتصوفين المعتزلين (بينهم الممثل عمر قفاف) وقد تناساه النقاد والمحررون، حيث لم يتم اجراء أي مقابلة صحافية معه، وبذلك فقد اسهمت الصحافة الثقافية اسهاماً «طيباً» في تجهيله!



محمود الريماوي
صحيفة الحياة

التعليقات