المقالات الصهيونية المدسوسة في الصحف اللبنانية والسورية أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى 1936- 1939..(1/3)/ د.محمود محارب*

المقالات الصهيونية المدسوسة في الصحف اللبنانية والسورية أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى 1936- 1939..(1/3)/ د.محمود محارب*
أولت الدائرة السياسية للوكالة اليهودية، التي قادت السياسة الصهيونية تجاه الأقطار العربية، أهمية كبيرة لرأي النخب العربية وللرأي العام في الأقطار العربية، وسعت للتأثير عليهما.

وقد تنبه القادة الصهيونيون مبكراً الى دور الصحافة العربية، وأدركوا انها تحتل مكانة هامة في التأثير على الرأي العام في الأقطار العربية. وازداد إدراكهم هذا على أثر ثورة البراق في فلسطين في العام 1929، حيث غطت الصحافة العربية هذه الثورة، وأوصلت ما يدور من أحداث في فلسطين إلى الرأي العام العربي، وساهمت في بلورة وحشد الرأي العام العربي في الأقطار العربية لمناصرة الشعب العربي الفلسطيني.

وتهدف هذه الدراسة إلى كشف النقاب عن مساعي الدائرة السياسية للوكالة اليهودية التأثير على مواقف الصحافة العربية، في ثلاثينات القرن الماضي، من القضية الفلسطينية والصهيونية؛ والى تسليط الضوء على المقالات الصهيونية المدسوسة، والأخبار التي زرعتها الوكالة اليهودية، في الصحف اللبنانية والسورية أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى في 1936-1939.

فخلال العامين الأخيرين من هذه الثورة زرع جهاز المخابرات التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية ما لا يقل عن 280 مقالا مدسوسا في الصحف اللبنانية والسورية، والتي نشرت إما باسم هيئات تحرير تلك الصحف أو باسماء عربية مستعارة أو على شكل تقارير وكأنها من مراسلي الصحف؛ من أجل إخفاء كاتبها الحقيقي.

تستند هذه الدراسة إلى مصادر أولية وفي مقدمتها تقارير مسؤولي جهاز المخابرات التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية، المحفوظة في الأرشيف الصهيوني المركزي، وخاصة تقارير الياهو ساسون الذي كان مسؤولا عن نشر هذه المقالات المدسوسة.

ودأبت هذه الدراسة على ذكر أسماء الصحف العربية اللبنانية والسورية التي نشرت المقالات المدسوسة، وتاريخ نشرها، والمواضيع التي طرحتها وعالجتها المقالات المدسوسة، لإتاحة الفرصة أمام القارىء والباحث المختص العودة إليها إذا اراد التوسع في هذا الموضوع.

لقد وفرت الوثائق التي استندت عليها الدراسة، والتي كانت سرية للغاية في حينه، وفتحت لجمهور الباحثين بعد مرور العقود الطويلة، فرصة هامة لنا للولوج الى داخل ذهنية قيادة الوكالة اليهودية في تلك الفترة؛ ومكنت هذه الدراسة من الإطلال مباشرة على الأهداف التي سعت الدائرة السياسية للوكالة اليهودية إلى تحقيقها، وعلى الوسائل التي اتبعتها، وعلى النقاشات الداخلية التي كانت تجري بين قادتها حول أنجع الطرق لتحقيق الأهداف الصهيونية، وعلى مدى الجهود التي بذلتها الدائرة السياسية للوكالة اليهودية لتحقيق أهدافها، وعلى كيفية كسبها للعمل لصالحها وإغوائها الكثير من الصحافيين واصحاب ومحرري الصحف العربية، وغيرهم، في لبنان وسوريا في تلك الفترة.

وحرصت الدراسة على عرض المواضيع التي طرحتها وعالجتها المقالات المدسوسة، التي مثلت بدورها سياسة الوكالة اليهودية تجاه القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى.

ويتضح من خلال عرض مواضيع المقالات المدسوسة أن الدائرة السياسية للوكالة اليهودية لم تكتف بطرح وجهة النظر الصهيونية ومفهومها وأجندتها، وكذلك لم تكتف بالعمل على تشويه النضال الوطني الفلسطيني، أو طرح أجندات بديلة للقضية الفلسطينية؛ وإنما أيضا شوهت الحقائق وزرعت أخبارا مختلقة، هدفت من ورائها التأسيس إلى رأي عام عربي يقف ضد الحقوق القومية للشعب العربي الفلسطيني ويتقبل إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

وتظهر الدراسة كيف استعملت الدائرة السياسية للوكالة اليهودية المقالات المدسوسة في الصحف اللبنانية والسورية لتحقيق أغراض سياسية أخرى. ففي كثير من الأحيان، أعادت الدائرة السياسة للوكالة اليهودية نشر المقالات المدسوسة، كاملة أو مختصرة، في "وكالة الشرق" وفي صحيفة "دافار" العبرية، وفي صحف بريطانية وفرنسية؛ وقامت أيضا في العديد من الحالات بإيصالها إلى متخذي القرار في لندن وباريس، وكأن هذه المقالات المدسوسة من بنات أفكار محرري صحف عربية يمثلون شريحة هامة في الرأي العام العربي في لبنان وسوريا.

***
في أعقاب ثورة البراق في فلسطين قي العام 1929، بذل مسؤولو الدائرة السياسية للوكالة اليهودية وجهاز مخابراتها جهوداً مكثفة من أجل التأثير على الصحافة العربية. وفي هذا السياق زار حاييم كالفاريسكي، مسؤول جهاز المخابرات في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية، بيروت في كانون الثاني ( يناير ) 1930، وأفضت زيارته إلى تشكيل لجنة في بيروت مكونة من أربعة نشيطين يهود لبنانيين بغرض التنسيق مع جهاز مخابرات الوكالة اليهودية بخصوص التأثير على الصحف اللبنانية والسورية لاتخاذ مواقف موالية للصهيونية (1).

وقد منح جهاز المخابرات التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية هذه اللجنة 150 جنيها فلسطينيا لتمكينها من القيام بمهامها (2). وأشار كالفاريسكي في تقرير له أن هذه اللجنة تمكنت من تغيير مواقف بعض الصحف العربية في لبنان مثل صحيفة "الأحوال"، وكذلك تغيير مواقف صحيفتي "لورينت" و "له – سيري" الصادرتين في بيروت باللغة الفرنسية (3).

وأضاف كالفاريسكي في تقريره أنه أثناء وجوده في بيروت اجتمع مع خير الدين الأحدب، محرر صحيفة "العهد الجديد"، والذي أصبح لاحقا رئيس وزراء لبنان؛ وقد أسهب كالفاريسكي في حديثه أثناء الاجتماع، عن ضرورة "التفاهم بين العرب واليهود"، وطلب من خير الدين الأحدب تقديم المساعدة للوكالة اليهودية بواسطة نشر مقالات موالية للصهيونية في صحيفته. وفي نهاية الاجتماع سأل كالفاريسكي خير الدين الأحدب عن المبلغ الذي يريده مقابل خدمته هذه. أجابه خير الدين الأحدب أنه يريد "مبلغ 400 جنيه فلسطيني في السنة، وهو مبلغ اعتقدت أنه مبالغ فيه. واتفقنا على مبلغ 200 جنيه فلسطيني تدفع بأقساط كل ثلاثة شهور" (4).

في الوقت نفسه الذي كان ينشط فيه كالفاريسكي في بيروت، زار دافيد يلين، أحد المسؤولين في جهاز المخابرات التابع للدائرة السياسية في الوكالة اليهودية، القاهرة، وثم تبعه الكولونيل فريدريك كيش رئيس الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية، والتقى كل منهما مع العديد من المسؤولين في مصر ومع قادة الطائفة اليهودية فيها. ووفق تقرير كيش، حققت زيارتهما النتائج التالية:

أولاً: تنظيم مجموعة من اليهود المصريين للقيام بنشاطات في الصحافة المصرية من أجل أن تتخذ مواقف مناصرة للصهيونية.
ثانياً: مصادرة الحكومة المصرية كراسات مناهضة للصهيونية نشرت في مصر.
ثالثاً: تنظيم مجموعة من المخبرين للعمل لصالح جهاز المخابرات التابع للدائرة السياسية في الوكالة اليهودية (5).

شهدت الدائرة السياسية تطوراً ملحوظاً في نشاطها تجاه العرب بعد تولي حاييم أرلزوروف رئاستها في العام 1931 على أثر استقالة فريدريك كيش. فمنذ أن ترأس الدائرة السياسية أولى حاييم ارلوزوروف، أحد أبرز قادة حزب "مباي"، أهمية كبيرة للسياسة الصهيونية تجاه الأقطار العربية، وسعى إلى بناء جهاز مخابرات عصري، ليشكل أداة فعالة في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية لتحقيق أهدافها(6).

توجه حاييم أرلوزورف إلى جيل الشباب فاستقطب موشيه شرتوك (7) وعينه سكرتيراً للدائرة السياسية للوكالة اليهودية، ثم استقطب رؤوفين زيسلني ( شيلواح ) (8)، عندما كان طالباً في قسم الدراسات الشرقية في الجامعة العبرية بالقدس، وأرسله إلى بغداد، في العام 1931، لمدة عام، بهدف التجسس على العراق. كما جند ارلوزوروف الطالب الياهو ابشتاين (ايلات) عشية سفره إلى بيروت لإكمال تعليمه للقب الجامعي الثاني في الجامعة الأميركية في بيروت، ليقوم بنشاط تجسسي في لبنان وسوريا وليقدم تقريراً أسبوعياً للدائرة السياسية عن الأوضاع في البلدين (9).

لم يكتب لارلوزوروف أن يرى ثمار ما شرع بعمله منذ تبوئه رئاسة الدائرة السياسية للوكالة اليهودية. فقد اغتيل في تل أبيب في العام 1933، على خلفية احتدام الصراع بين التيار العمالي والتيار اليميني في الحركة الصهيونية (10)، فحل مكانه موشيه شرتوك (شاريت) في العام 1933، وظل في منصبه هذا حتى العام 1948 حيث أصبح وزيراً للخارجية في الدولة العبرية ومن ثم رئيساً للوزراء. وقد بلور وقاد كل من موشيه شرتوك ودافيد بن غوريون، الذي شغل منذ العام 1935 منصب رئيس إدارة الوكالة اليهودية وأصبح أول رئيس وزراء في إسرائيل، السياسة الصهيونية تجاه الأقطار العربية في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي.

استمر موشيه شرتوك في سياسة سلفه في استقطاب الكوادر الشابة. ففي العام 1933 وظف شرتوك الياهو ساسون في جهاز المخابرات التابع للدائرة السياسية(11). وفي نهاية العام نفسه وظف شرتوك في الجهاز نفسه الطالب عاموس لندمن الذي كان طالباً في الجامعة الأميركية في بيروت والطالبة أفيفه طوروفسكي التي كانت تدرس في الجامعة الأميركية في بيروت للقب الثاني، واختارت موضوع رسالتها "الحركة القومية العربية" ليتسنى لها شرح اهتمامها بالسياسة والسياسيين السوريين واللبنانيين.

وأثناء دراستها ونشاطها في بيروت تزوجت من عاموس لندمن فشكلا سوية بؤرة تجسس على لبنان وسوريا لعدة سنوات(12).
في سياق سعيها إلى اختراق الصحف العربية والوصول إلى الرأي العام العربي، أسست الدائرة السياسية للوكالة اليهودية في القاهرة وكالة أنباء باللغة العربية. ففي كانون الثاني (يناير) 1934 أسس ناحوم فيلنسكي عميل الوكالة اليهودية، وسجل رسميا في القاهرة، وكالة أنباء أطلق عليها اسم "وكالة الشرق – شركة تلغرافية لإذاعة الأنباء السياسية والاقتصادية والمالية" (13).

ومنذ إنشاء "وكالة الشرق" ظلت الوكالة اليهودية تزودها بالمواد الصهيونية الدعائية الإعلامية لنشرها وتوزيعها، خاصة على الصحف الصادرة في البلاد العربية.

طلب موشيه شرتوك من ناحوم فيلنسكي، مسؤول "وكالة الشرق"، وكان مقره في القاهرة، الانتباه وأخذ الحيطة والعمل بحذر واخفاء العلاقة بين "وكالة الشرق" و الوكالة اليهودية كلية، والتظاهر بالحيادية وإبراز الأرقام والحقائق بخصوص تطور المشروع الصهيوني، وذلك "لكي لا تتعرض وكالة الشرق للمقاطعة من قبل الصحافة العربية".

وأضاف موشيه شرتوك "علينا إغواء ونيل رضا" الصحف العربية بتزويدها أخباراً مثيرة وحيوية متعلقة بما يحدث في عالم الشرق الأوسط السياسي، ولكن "عندما نكون معنيين تحويل موضوع ما إلى موضوع مثير فإنك ستقوم بذلك بحذر وتكتيك كما تصرفت حتى الآن" (14).

وضع حاييم فيلنسكي نصب عينيه هدفاً سياسياً كبيراً، كما ذكر في أحد تقاريره، وهو منع قيام جبهة عربية موحدة ضد الصهيونية وذلك بشق شرخ واسع بين الحركة الوطنية الفلسطينية والأقطار العربية، وبخلق مصاعب أمام الحركة الوطنية الفلسطينية في كل الشرق (15). ففي ضوء تمسك قادة الصهيونية المستمر بإقامة وطن قومي يهودي في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني، وتعاظم تدفق الهجرة اليهودية الى فلسطين في تلك الفترة، والرفض الصهيوني الدائم لاستقلال فلسطين، وفي ضوء ازدياد التعاطف الشعبي العربي مع الشعب العربي الفلسطيني، اقترح حاييم فيلنسكي شن حملة سلام إعلامية في الصحف العربية لخلق انطباع عن الصهيونية في الرأي العام العربي، مغاير لماهيتها ومناقضا لأهدافها، وإظهارها وكأنها تحب السلام وتسعى لتحقيقه.

فقد اقترح فيلنسكي، في تقريره إلى موشيه شرتوك، الشروع "بهجوم سلام كبير" وذلك عبر نشر مقالات في الصحافة اليهودية في فلسطين تدعو إلى السلام مع العرب لتقوم "وكالة الشرق" بترجمتها ونشرها في الصحافة في الأقطار العربية.

اعتقد حاييم فيلنسكي أن هذه الحملة يتوجب أن تتوجه إعلامياً ليس إلى الفلسطينيين وإنما إلى البلاد العربية التي يمكن أن تتأثر بها وكذلك الى الدوائر الأوروبية المهتمة بفلسطين (16).

استمر نشاط "وكالة الشرق" سنوات طويلة زرعت خلالها المعلومات الهادفة إلى الإساءة للحركة الوطنية الفلسطينية، والى خلق وتغذية الصراعات العربية – العربية، وإلى غرس أوهام حول سعى الصهيونية تحقيق السلام.

علاوة على ذلك، استخدم العديد من قادة جهاز المخابرات التابع للوكالة اليهودية صفة "مراسلي وكالة الشرق"، وفي مقدمتهم الياهو ساسون والياهو ابشتاين، في زياراتهم الكثيرة للعواصم العربية في تلك الفترة، للتغطية على عملهم التجسسي ضد العرب (17).مع تصاعد الكفاح الوطني الفلسطيني المسلح، الذي وصل إلى إحدى ذراه، باغتيال حاكم لواء الجليل أندروز ومساعده في 26 – 9 – 1937.

صعدت سلطات الانتداب البريطانية من بطشها بالشعب الفلسطيني وحركته الوطنية. فقد أقدمت سلطات الانتداب، بعد خمسة أيام من مصرع اندروز، على حل اللجنة العربية العليا واللجان القومية في فلسطين، وأصدرت أمراً بعزل المفتي الحاج أمين الحسيني من رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى، وشنت حملة اعتقالات واسعة شملت قادة وكوادر الحركة الوطنية الفلسطينية. وقد لجأ المفتي الحاج أمين الحسيني إلى المسجد الأقصى تجنباً لاعتقاله، ثم غادر القدس سراً إلى لبنان.

لقد شكلت سوريا ولبنان ساحة هامة لدعم الثورة الفلسطينية منذ اندلاعها في العام 1936. وازدادت أهمية سوريا ولبنان، وشكلتا مركزاً وقاعدة إسناد هامة للثورة الفلسطينية، بعد لجوء الحاج أمين الحسيني إلى لبنان في تشرين الثاني (أكتوبر) 1937.

أدركت قيادة الوكالة اليهودية أهمية كل من لبنان وسوريا للثورة في فلسطين وتابعت عن كثب توجهات رأي النخب والرأي العام في البلدين.

وتكشف الوثائق الإسرائيلية، وخاصة تقارير الياهو ساسون والياهو ابشتاين، أن الوكالة اليهودية اهتمت جداً بالصحافة اللبنانية والسورية أثناء ثورة 1936 – 1939 الفلسطينية، وبذلت جهوداً كبيرة للتأثير عليها. ففي كانون الثاني (يناير) 1937 اجتمع كل من الياهو ساسون والياهو ابشتاين مع وديع تلحوق، المحرر في صحيفة " الإنشاء" السورية، في فندق أمية في دمشق، وبحثا معه إمكانية أن يقوم بنشر مقالات في الصحافة السورية تشرح المشروع الصهيوني في فلسطين.

وقد تمخض هذا الاجتماع عن موافقة وديع تلحوق القيام بهذا الدور، شريطة أن تزوده الوكالة بمواد معتدلة (18). وبعد أن عاد الياهو ساسون والياهو ابشتاين من دمشق إلى القدس، أرسل الياهو ابشتاين إلى وديع تلحوق "مقالة تبحث في العلاقات الاقتصادية بين فلسطين وسوريا مبنية على أرقام ووقائع معتدلة كل الاعتدال في أسلوبها ومبناها"، ورجاه أن يقوم "بنشرها في صحيفة الإنشاء، أو في أحدى الصحف الكبرى في دمشق"، وطلب منه أن يرسل للوكالة اليهودية ثلاثة – أربعة أعداد، وأخبره أنه سيرسل له قريباًَ مقالات أخرى. ولم ينس الياهو ابشتاين أن يعلمه أنه "لكم الحرية في إدخال قلمكم على المقالات وجعلها عند الضرورة ملائمة للنشر بالجرائد السورية بدون أن يحصل لكم بسبب ذلك أي متاعب" (19).

في ضوء تفاقم الأوضاع في فلسطين في خريف 1937، شدد مجدداً الياهو ساسون على أهمية دور الصحافة اللبنانية والسورية في التأثير على الرأي العام في البلدين. ففي تقرير له من بيروت في بداية تشرين الثاني (أكتوبر) 1937 ذكر الياهو ساسون أنه "رأى بأم عينيه الناس وهم يركضون وراء بائعي الصحف ويختطفون الصحف كي يقرأوا الأخبار حول الوضع في فلسطين".

وأضاف الياهو ساسون أن اهتمام الجمهور اللبناني بالوضع في فلسطين يفوق بكثير اهتمامهم بمعركة الانتخابات للبرلمان اللبناني التي كانت تجري في تلك الأيام(20).

وأثناء وجوده في دمشق في تلك الفترة، ومن خلال متابعته الوضع في سوريا عن كثب، لاحظ الياهو ساسون في تقرير له من دمشق، أن عادل العظمة ونبيه العظمة والدكتور صبحي أبو غنيمة وشكيب أرسلان والشيخ كمال القصاب يؤيدون الثوار الفلسطينيين، ويضغطون بشدة على الحكومة السورية بأن لا تعرقل فعالياتهم.

وذكر في تقريره أن الحكومة السورية في وضع صعب بسبب النزاعات بينها وبين مناطق عديدة في سوريا وكذلك بسبب رفض فرنسا المصادقة على الاتفاقية الفرنسية – السورية، لذلك لا تتجرأ الحكومة السورية منع النشيطين السوريين والفلسطينيين من القيام بفعالياتهم داخل سوريا (21 ).

بعد تحليله للوضع في سوريا قدم الياهو ساسون خطة للدائرة السياسية في الوكالة اليهودية، اقترح فيها أن تقوم الوكالة اليهودية بجملة من الخطوات لكي تؤثر على الوضع في سوريا أبرزها:

1. الاتصال مع باريس وحثها للضغط على الحكومة السورية لتقوم بوقف الدعاية المناهضة للصهيونية في الصحف السورية.

2. حث باريس على عدم المصادقة على الاتفاقية الفرنسية – السورية، فمن شأن ذلك أن يرغم الحكومة السورية أن تضبط نفسها تجاه القضية الفلسطينية من ناحية، وأن يزيد من معارضة الشعب السوري للحكومة السورية من ناحية أخرى، وهو ما يقود إلى إضعاف الحكومة السورية وإضعاف اهتمام السوريين بالقضية الفلسطينية.

3. نشر مقالات في الصحف السورية، كل يوم تقريباً، تدعم الطروحات الصهيونية المركزية إزاء الوضع في فلسطين وسوريا.

4. إثارة مسألة لواء الاسكندرونة في الصحف ونشر مقالات حوله، وكذلك نشر جميع الخطب التي ألقاها القادة السوريون حول لواء الاسكندرونة في كتيبات لكي ينصب اهتمام السوريين بلواء الاسكندرونة ويكفون عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية. وأضاف ساسون أنه توجد في حلب معارضة قوية ضد الحكومة والتي يمكن استغلالها بسهولة، وأن صحف حلب ستكون على استعداد نشر مقالات تهاجم الحكومة السورية و"الكتلة الوطنية" لأهمالهما مسألة لواء الاسكندرونة.

5. إثارة الصحف الإنجليزية وحثها على مهاجمة حكومتي سوريا وفرنسا لأنهما تسمحان للصحافة السورية وللسوريين التدخل تدخلاً فعلياً في قضية فلسطين (22).

وفي ما يخص الصحافة في لبنان اقترح الياهو ساسون في رسالته إلى برنارد جوزيف، نائب رئيس الدائرة السياسية للوكالة اليهودية، إرسال رسالة شخصية إلى رئيس الجمهورية اللبنانية اميل اده ولفت انتباهه إلى ما تنشره الصحف اللبنانية وإلى ردود فعلها الشديدة على ما يجري في فلسطين، وإن يعرب برنارد جوزيف في رسالته عن أمله "أن تقوم الحكومة اللبنانية التي حافظت خلال كل الفترة على حيادها تجاه القضية الفلسطينية، بالطلب من الصحافة اللبنانية الكف عن التدخل في القضيةالفلسطينية " (23).

____________
يتبع.....
1- Col. F. H. Kisch , Letter to the chairman of the Political Commission , XVllth Zionist Congress to the Chairman of the Political Commission , 2nd Assembly of the Council of the Jewish Agency for Palestine , accompanied by a report on the work of the Joint Bureau For Arab Relations. 1931 , p.28
2- تقرير حاييم كالفاريسكي بتاريخ 12-1-1930، ملف 3562/25S، الأرشيف الصهيوني المركزي.
3- المصدر نفسه.
4- المصدر نفسه.
5- Col. F. H. Kisch , Letter to …، مصدر سبق ذكره.
6- الياقيم روبينشتاين "هطيبول بشئيلاه هاعرفيت بشنوت هعسريم فهشلوشيم: هيبطيم موسدييم" (معالجة المسألة العربية في سنوات العشرينات والثلاثينات: نظرة مؤسساتية ) هتسيونوت، الجزء الثاني عشر، 1987.
7- المصدر نفسه.
8- لعب رؤوفين شيلواح دورا هاما في تأسيس وبلورة أجهزة المخابرات الإسرائيلية وقد رأس جهاز الموساد بعيد إقامة إسرائيل. للمزيد انظر إلى حجاي ايشد، موساد شل ايش أحاد: رؤوفين شيلواح افي هموديعين هيسرائيلي، (موساد لرجل واحد: رؤوفين شيلواح أب المخابرات الإسرائيلية)، القدس: عيدنيم، 1988.
9- الياهو ايلات، شيبات – تسيون فعراف، (عودة صهيون والعرب) تل أبيب: دفير، 1974، ص11.
10- عبد الحفيظ محارب، هاغاناة، اتسل، ليحي، العلاقات بين التنظيمات الصهيونية المسلحة 1987 – 1948، بيروت: مركز الأبحاث الفلسطيني، 1981، ص 40.
11- الياقيم روبنشتاين... مصدر سبق ذكره. ولد الياهو ساسون في دمشق في العام 1902 وهاجر في العام 1920 إلى فلسطين، وكان يكتب ويتحدث العربية بطلاقة.
12- يوآب غيلبر، شورشي هاحفتسيليت: هموديعين بييشوف، 1918 – 1948،(جذورالزئبقة: المخابرات في الييشوف 1918 – 1947 ) تل أبيب: وزارة الدفاع، 1992، ص128.
13- الياقيم روبنشتاين... مصدر سبق ذكره.
14- المصدر نفسه.
15- رسالة فيلنسكي إلى ابشتاين، بتاريخ 15 – 12 – 1934، ملف 3135/25S، الأرشيف الصهيوني المركزي.
16- رسالة فيلنسكي إلى موشيه شرتوك بتاريخ 9 – 12 – 1934، ملف 3135/25S، الأرشيف الصهيوني المركزي.
17- الياقيم روبشتاين... مصدر سبق ذكره.
18- الياهو ساسون، بديرخ ايل هاشلوم، (في الطريق إلى السلام) تل أبيب: عام عوفيد، 1978، ص 48. يخفي هذا الكتاب الكثير من تقارير ورسائل الياهو ساسون، وكذلك حذفت من التقارير المنشورة في هذا الكتاب، اتصالات وعلاقات الياهو ساسون مع "زبائنه" ذات الصلة المخابراتية.
19- رسالة الياهو ابشتاين إلى وديع تلحوق في 24 – 1 – 1937، ملف 22229/25S، الأرشيف الصهيوني المركزي (بالعربية).
20- الياهو ساسون، الطريق إلى السلام... مصدر سبق ذكره ص،78.
21- المصدر نفسه، ص 80.
22- المصدر نفسه، ص 80 – 81
23- المصدر نفسه، ص 82.

التعليقات