بعد لقاء وزير الثقافة المصري بالسفير الاسرائيلي: هل بدأت مرحلة التطبيع الثقافي؟!

-

بعد لقاء وزير الثقافة المصري بالسفير الاسرائيلي: هل بدأت مرحلة التطبيع الثقافي؟!

من يحمي الثقافة من خطر التطبيع؟
الواقع يقول أن هناك محاولات لا تنتهي من جانب إسرائيل لاختراقنا ونجحت في عدد من المجالات وتبدو الثقافة حائط الصد الأخير. فاروق حسني قابل منذ أيام بمكتبه في الزمالك السفير الإسرائيلي شالوم كوهين، ونحن لا نريد المزايدة عليه لأنه جزء من كيان أكبر، الحكومة تربطها علاقات مع إسرائيل، ولكن من حقنا أن نسأل المثقفين: هل تشعرون بالخطر الآن؟ هل تكفي مواقفكم الفردية لحماية الثقافة من التطبيع؟ ولماذا خفت صوت اللجان الشعبية المقاومة للصهيونية خلال العام الماضي؟

قديما كانت هناك لجنة الدفاع عن الثقافة القومية برئاسة لطيفة الزيات ولكنها ­ للأسف ­ جمدت بعد أن لعبت دورا هائلا في التصدي لمحاولات التطبيع، والآن هناك لجان وحركات كثيرة ولكن دورها غير ملموس مثل الحركة المصرية الشعبية لمقاومة الصهيونية ومقررها أمين إسكندر، واللجنة المصرية العامة لمقاطعة السلع والبضائع الإسرائيلية وهي جزء من اللجنة الشعبية العربية للمقاطعة ومقررها الناشط أحمد بهاء الدين شعبان، والرابطة الشعبية العربية لمقاومة الصهيونية والهيمنة الأمريكية ومقررها أشرف البيومي، ولجان مقاطعة البضائع في النقابات المهنية وأنشطها في نقابة الصيادلة والمسئول عنها أحمد رامي وغيرها.. فما السر في خفوت صوتها خلال العام الماضي؟ هذا ما يجيب عليه التحقيق التالي..

صنع الله إبراهيم قال إن الاختراق يحدث على جميع المستويات، والحكومة كلها تتراجع أمام إسرائيل، والحل الوحيد أن ينزل المثقفون إلي الشارع في مظاهرة، ليقولوا رأيهم المعارض لهذا حتى تعلن الدولة توقفها تماما عن التطبيع مع العدو..

وأضاف: 'أين اتحاد الكتاب؟ لابد أن يأخذ موقفا واضحا من الخطوة التي أقدم عليها فاروق حسني بدلا من الأمور المضحكة التي يفاجئنا بها، مثل فتحه فرعا في باريس، هذه مهزلة، كان الأجدر به أن يفتتح فرعا في قنا، لا بد أن تخرج مظاهرة إلي الشارع باسم الاتحاد لاستنكار ما حدث وما سيحدث، لقد بدأت 'الحدوتة' بالزراعة، ثم الغاز، والآن الثقافة.. ولا بد من مواجهة هذا بحزم'..

الدكتور عبدالمنعم سعيد علي العكس من صنع الله إبراهيم ، لا يشعر بأي خطر علي الإطلاق لأن الثقافة­ حسب تعبيره ­عريضة وصمدت ضد أخطار متعددة ، وقال عبدالمنعم: 'على العكس يمكننا الاستفادة من إمكانيات التفاعل المعكوس، فإسرائيل دولة يوجد بها مليون عربي ويهود شرقيون وغربيون ، ولا يمكن الحديث حول مسألة الدفاع عن الثقافة القومية إلا في إطار حرب معهم، والآن لا توجد حرب، وإنما هناك حركة جلاء تجري من غزة والضفة الغربية وأي نوع من التفاعل سيساعد علي الانسحاب وسيكون له نتائج إيجابية، باختصار لا يوجد تهديد للثقافة المصرية ومن يقول هذا عليه أن يثبت ، ثم إن الحديث عن عودة لجان جمعيات مناهضة للتطبيع كلجنة الدفاع عن الثقافة القومية غير مستحب، لأن هذه اللجان ستدين فترة الاحتلال والصراع بينما الاشتباك الثقافي ستكون له نتائج إيجابية.

رضوي عاشور عضو اللجنة الوطنية لأساتذة الجامعة لمناهضة العنصرية قالت إنها تستشعر الخطر مؤكدة أن المثقفين كان لهم موقف واضح خلال العقود الثلاثة الأخيرة ولكن لا بد من تأكيد هذا الموقف مرارا وتكرارا وقالت: 'لابد أن يؤكد المثقفون موقفهم بوضوح ضد الخطوات التطبيعية التي تتم الآن، وعلي الدولة إدراك أن الشعب كله ضد التطبيع، ومن غير المنطقي أن يكون موقفنا رافضا بعد 'كامب ديفيد' وأن نغير موقفنا الآن والمذابح قائمة علي قدم وساق، والطائرات الإسرائيلية تقصف القيادات الوطنية وتقوم بعمليات اغتيالات لا تتوقف.. ناهيك عن أن إسرائيل ­ كما هو واضح للعالم ­ السند رقم واحد في المنطقة للسياسات الإمبريالية الأمريكية'.

قلت لها: هل يتحرك المثقفون كأفراد أم ماذا؟

قالت: هناك عدد من اللجان الوطنية عليها وعلي كل النقابات التأكيد مرة أخرى أنها ترفض جميع أشكال التطبيع، وأن علي فاروق حسني أن يعلم إذا عقد أي اتفاق مع العدو الصهيوني أن هذا مضاد لإرادة مثقفي مصر'..

أحمد بهاء الدين شعبان بدأ حديثه بالإشارة إلي أنه لا يمكن النظر إلي لقاء وزير الثقافة (بالسفير الاسرائيلي) بمعزل عن سياق كامل لتطوير شكل التعامل بين الدولة المصرية وأغلب الأنظمة العربية وبين العدو الصهيوني.

سألته: وما دور المثقفين لمواجهة التطبيع الآن؟!

­ 'في واقع الأمر دورهم كبير، لقد نجحوا طوال العقود الثلاثة الماضية في صد موجات التطبيع مع العدو الصهيوني وبالذات في الجانب الثقافي، وهو الأمر الذي جعل كثيرا من المعلقين الإسرائيليين يستشيطون غضبا، مثل زئيف شيف المعلق السياسي المعروف الذي كتب يلعن مثقفي مصر متهما إياهم بأنهم السبب في تعطيل مسيرة التطبيع'.

وما سبب تراجع أو خفوت صوت الحركة المناهضة للصهيونية خلال العام الماضي؟!

­ بسبب انشداد قطاعات النخبة المثقفة إلي معركة التغيير الديموقراطي في البلاد، وأيضا بسبب محدودية عدد المثقفين الذين حملوا عبء هذه المواجهة في ربع القرن الأخير، والآن وجب على المثقف المزاوجة بين اهتمامه بقضايا التغيير الديموقراطي وقضايا مواجهة الصهيونية والإمبريالية التي لا تقل خطرا وتهدد الوجود العربي في الصميم. ويضيف قائلا:

ولحسن الحظ أن المثقفين شعروا بالخطر وانضموا إلي لجان مقاومة الصهيونية ومقاطعة الشركات والبضائع الإسرائيلية وكذلك مقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق، وهم بدأوا في وضع برنامج لتنشيط حركة المقاومة والمقاطعة بعدما لاحظوا تصاعد وتيرة التطبيع، ومع هذا يظل علي جميع التجمعات المصرية واجب كبير لا يمكن التهوين من آثاره إذا لم تقم به، وعلى رأسها اتحاد الكتاب، وهيئة قصور الثقافة ومؤتمر أدباء مصر في الأقاليم الذي تعقده سنويا، والمنتديات الفكرية، عليها جميعا واجب التحرك السريع لسد ثغرة تسلل العدو الصهيوني إلي الثقافة، باعتبار أن عملية الاختراق الثقافي هي من أخطر العمليات التطبيعية، وقد عبر اسحاق نافون عن ذلك أمام السادات في 1978 حين قال "إن التطبيع الثقافي لا يقل أهمية بأي حال من الأحوال من التطبيع في مجالي السياسة والاقتصاد'.

****

الفنان التشكيلي عادل السيوي المتحدث باسم حركة 'أدباء وفنانون من أجل التغيير' التي تم تأسيسها مؤخرا بمشاركة عدد من المثقفين والمخرجين الكبار، صنع الله إبراهيم ، بهاء طاهر، محمد البساطي، توفيق صالح، أحمد الخميسي وآخرين، قال ا إن رفض التطبيع يعتبر واحدا من أهم المعارك التي خاضها المثقفون في العقود الأخيرة ونجحوا فيها إلي درجة كبيرة. مضيفا: 'وكان الشيء الإيجابي في هذه المعركة هو إحياء روح المقاومة، ولكنٌ جزءا كبيرا من نجاحهم في هذا كان يستند إلي حس شعبي كبير رافض وإلي عدم وجود تعارض حاد بينهم وبين أجهزة الدولة في هذا الموقف، ولهذا لا يمكن تحميل وزير الثقافة مسئولية اللقاء وحده، لأن هذا اللقاء تم داخل اتفاق أكبر تعمل مصر بمقتضاه خاصة في هذه اللحظات التي تري فيه الإدارة الحالية أنه وسيلة لتفادي ضغوط الإصلاح والتغيير من الخارج'.

وقال: 'رفض التطبيع موقف اتخذته نقابات كثيرة، علينا أن نصرٌ في كل تجمعاتنا على إعلان رفضنا للتطبيع، لأن الصراع ممتد'


سألته: وما دور حركة 'أدباء وفنانون' في مقاومة ذلك؟


فأكد أن ورقة إعلان مباديء الحركة ضمت بندا عن رفض التطبيع، وبهذا المعنى فإن من يوقع على بيانات الحركة أو ينضم إليها هو رافض بالتالي للتطبيع.

وأشار إلي أنه لا توجد آلية حتي الآن في طريقة تعامل الفنانين مثلا مع السفير الإسرائيلي لو ظهر فجأة في معارضهم وقال: 'لقد زار معرضا لأحمد نوار في مجمع الفنون، ونوار ومعه أحمد فؤاد سليم لم يعرفا كيف يتصرفان بشكل محدد فتظاهرا بأنهما ليسا في المجمع وأن القاعة مغلقة، والشيء نفسه حدث مع فاروق حسني في المجمع منذ عامين ، السفير الإسرائيلي 'شايف شغله كويس'، ويتجول، ويريد أن يري ردود أفعالنا ونحن ليست لدينا خطة، وقد كتبت مقالا أكدت فيه أننا لا نملك أجندة لرد الفعل، ولكن نقيب التشكيليين أهمله، كان يمكن مثلا أن نتفق على إنزال اللوحات من أماكنها، أن نكتب ورقة ونتلوها عليه نعلن فيها رفضنا لوجوده، لكن لم نفعل شيئا.

****

اتحاد الكتاب عليه واجب كبير كما اتفق معظم المتحدثين، وقد طرحت هذا علي رئيسه محمد سلماوي فقال: 'موقف الاتحاد راسخ وقديم برفض جميع أشكال التطبيع الثقافي، وهناك قرار واضح ولا لبس فيه من الجمعية العمومية يلزم جميع مجالس الاتحاد بذلك، ونحن نسير وفق هذا بعيدا عن موقفنا الشخصي المعروف في هذا الصدد والذي دعا جهات إسرائيلية كثيرة لاتهامنا بمعاداة السامية'.

وقال: 'نحن كمثقفين نملك الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع فعلي فرض أن الدولة قد وعدت إسرائيل بالتطبيع الثقافي ­ وهو ما لم يحدث ­ فإنها لن تستطيع تنفيذ هذا الوعد إلا عن طريقنا نحن، فالمثقفون هم الذين يطبعون ثقافيا وليست الدولة، وطالما أن مواقفنا واضحة وثابتة فإن هذا في حد ذاته يمنع الدولة من أن تلتزم أمام إسرائيل بالتطبيع لأن القضية ليست قضية سياسية تتم بين وزير وسفير وإنما هي في الأساس قضية شعبية، الشعب هو الذي يملك زمام الموقف فيها، وقد شاهدنا في ظل سطوة نظام السادات وجبروته كيف كان يلتقي هو ووزراؤه بالمسئولين الإسرائيليين ويظل الشعب رافضا لاستقبال الإسرائيليين في بيوته أو التطبيع معهم.
ليس لدي إحساس بالخطر، وإنما الخطر الحقيقي يأتي حين أشعر بأن موقف المثقفين نفسه قد بدأ يتزعزع، وأنا لا أجد أمامي أي بوادر لذلك'.



عن "اخبار الأدب" المصرية

التعليقات