دور المجلة الثقافية: ميس نموذجا../ ناجي ظاهر

-

دور المجلة الثقافية: ميس نموذجا../ ناجي ظاهر
المساعي لإصدار مجلة " ميس"- شجر جميل له مكان في ربوع بلادنا- لم تتوقف منذ أشهر، تنفيذا لهذه الغاية عقدت لقاءات في كفر ياسيف، نقطة الانطلاق الأولى، بعدها في الناصرة وأم الفحم. أكثر من لقاء في هذه المدن والبلدات والهدف واحد، الهدف أن تصدر المجلة في أفضل وضع ممكن، جميع المبادرين متأكدون من أهمية إصدار هذه المجلة في هذه الفترة بالذات.

في إطار هذه المساعي، تجري الاتصالات وتعقد اللقاءات. مساء الثلاثاء الماضي، 20-10-2009، عُقِدَ لقاء في المقهى الثقافي " كازا بلاستينا" في الناصرة، بإدارة الصديق أسامة عمري، الهدف هو اللقاء بزوجته ورفيقة دربه الشاعرة رجاء عمري لتنسيق تعاون متوقع معها، أسامة يستقبلنا، نحن المبادرين، لإصدار المجلة بابتسامة اشتهر بها، ويوعز إلى العاملين في المقهى أن يهتموا بنا، يحاول أن يفعل هذا في الخفاء، غير انه لا يفلح، في وقت تال ينضم إلينا أسامة عمري، نحن: إبراهيم مالك، جمال حسن، أسامة وكمال ملحم، وأنا ناجي ظاهر، كاتب هذه السطور، يخبرنا أن رجاء ستتأخر قليلا عن الموعد في الساعة السابعة بسبب مقابلة تجريها معها " راديو شمس"، زميلنا أسامة ملحم، مدير جمعية ميس، يحاول الاتصال برجاء، يخبرنا أن رجاء ستحضر متأخرة، بعدها يخبرنا أسامة أن رجاء لن تتمكن من الحضور، ويضيف قائلا، مع هذا ستسهرون هنا، سنسهر معا.

هذه هي المرة الأولى التي ازور فيها " كازا بلاستينا" – الدارة الفلسطينية، كما يفسر مديرها أسامة عمري، مضيفا كازا بلانكا تعني الدار البيضاء. في السابق أدار أسامة البيت الفلسطيني في الناصرة، وهو أيضا مقهى ثقافي، كنت أتردد عليه أنا ومجموعة من الأصدقاء.

يلفت نظري في كازا بلاستينا، هذه العراقة في البناء، رائحة الماضي تنبعث من كل زاوية وجدار. الجو الشامي واضح من تريب الطاولات والكراسي، هذا الجو يبدو جليا، حينما نتخطى قاعة المقهى، وننتقل إلى ساحته الخلفية، حيث الأشجار المثمرة وسقسة الماء تنبعث مشنفة الآذان وكأنها موسيقى لا تتوقف، منطقتنا كانت تدعى ذات مرة منطقة بر الشام.

الأجواء تغرينا نحن المبادرين لإصدار مجلة ميس الثقافية، للشروع في الحديث، سرعان ما يتحول الحديث إلى ندوة أدبية، الحاضرون يتحدثون عن أهمية أن يكون العدد الأول عددا لافتا، ليس مهما أن يتأخر في صدوره قليلا المهم هو أن يكون بطاقة حقيقية لنا، العدد الأول هو عادة ما يكون تجريبيا إلا انه هو البطاقة التي نرسل بها إلى القارئ، كي يرافقنا، في هذا العدد تكمن بذور النجاح، وإذا لم نتوفق فيه كما نريد، فإننا سنجد أنفسنا في وضع لا نحسد عليه، قد يؤدي لأن نلملم أوراقنا ونتوقف كما فعل كثيرون سابقون بادروا إلى مثل ما نبادر إليه، وهو ما لا نريده، كما يقول إبراهيم مالك، أسامة ملحم، يتدخل قائلا انه يدرك ما يقال بهذا الخصوص تمام الإدراك، فهذه ليست المرة الأولى التي يبادر فيها لإصدار مجلة ثقافية، في عام 1995كانت له محاولة، تعلم منها الكثير، وهو لن يعود على أخطاء سبق وارتكبها لهذا السبب أو ذاك. يتدخل جمال حسن، اعتقد أننا نمتلك هذه المرة ما لم يتوفر في المرة الأولى، في تلك الفترة، فنحن مجموعة متنوعة من المبدعين كل في مجاله، اعتقد أن Hحدنا يكمل الآخر ويضيف إليه، نحن بصدد إصدار مجلة جادة سيكون لها مكانها الخاص بها، لاسيما وان الساحة المحلية تكاد تخلو من مثل هذه المجلة التي تقدم خدماتها إلى قطاعات واسعة من الجمهور خاصة أهل الفن وشداته.

يبادر كاتب هذه السطور للإضافة إلى ما يقال، اعتقد أننا مقبلون على إصدار مجلة مختلفة قليلا، مجلة تعنى بالشأن الثقافي بصورته العامة ولا تتوقف عند الكتابة الأدبية كما حصل في مجلات سبق وصدرت في بلادنا، هذا الاعتناء يمكن أن يتسع ليشمل كل ما هو ثقافي أو له علاقة به، فالقارئ في هذه الفترة يختلف عنه في الفترات السابقة، ايام كانت الكلمة هي صاحبة الشأن، هذا القارئ اختلف اليوم نوعا ما، فهو قارئ للوحة والصورة وللإيقاع الموسيقى والعمراني، كما انه قارئ للمسرحية والفيلم السينمائي.

على المجلة التي تريد أن تواكب العصر ومستحدثاته أن توسع من دائرة اهتماماتها، ونحن يوجد لدينا فنانون مشهود لهم في العطاء، أضف إلى هذا أن جمعية ثقافية هي جمعية" ميس" تقف وراء إصدارنا لهذه المجلة، تدعمها في وقفتها هذه جمعية "إبداع" للفنانين العرب في البلاد ممثلة برئيسها الفنان الصديق جمال حسن.

يثني الكاتب الصديق إبراهيم مالك على ما أقوله، ويرسل نظرة آملة إلى الأشجار المثمرة المحيطة بنا، ويضيف قائلا، لقد تأخرنا قليلا في إصدار العدد التجريبي من مجلتنا، السبب ليس الكم في النتاج المقترح للنشر، وإنما في الكيف، هناك من يتردد في التجاوب معنا من الإخوة الكتاب والشعراء وينتظر صدور العدد الأول، بعدها سيقرر التعامل معنا كما افهم من كلامه، لا اعرف كيف يمكننا إصدار عدد متميز دون التعاون التام بين القوى الثقافية مجتمعة، نتوقف عند هذه النقطة، كل منا يريد أن يدلي بدلوه فيها، فهي نقطة الأساس والانطلاق، تختلط الآراء وتتعدد.

النتيجة تأتي على النحو التالي، علينا أولا أن نعمل على جمع نماذج من أفضل ما لدينا في مشهدنا الثقافي الراهن، ولا بأس في أن نعيد نشر بعض من نماذج سبق ونشرها أصحابها في كتب لم توزع إلا في نطاق ضيق، مثل هذا النشر يمكننا من تقديم نماذج طيبة من أدبنا وإبداعنا الثقافي، هذا لا يعني أن نتجاوز أصحاب النصوص المقترحة، علينا استشارتهم والتنسيق معهم، نفعل هذا مؤقتا بالطبع، فيما يتعلق بالنصوص التي سننشرها في المجلة، علينا أن نعمل على أن تكون من أفضل نماذج مشهدنا الثقافي، ليس مطلوبا منا أن نفكر في أي من المشاهد الأخرى في العالم، نحن تابعون لهذه المساحة من الأرض ولهذا الزمان، وليس مطلوبا منا أن ننتظر، من اجل إصدار مجلة، أن يكون لدينا مبدعون من الصف الأول في العالم، كما يطلب منا أن نكون متواضعين ومنطقيين في رغبتنا، فنكتفي بتقديم الأفضل مما ينتجه مبدعونا، على أمل أن نساهم في الارتقاء المتواصل. ويطلب منا ثانيا أن نعمل على تأصيل الثقافة المحلية، عبر تقديم المعلومات وحتى النصوص من الفترة السابقة على عام 48، فنحن لم نأت من فراغ ولنا هناك ثقافتنا التي تأثرنا بها وكان لها وجودها، قبل إقامة إسرائيل على أنقاضنا، كاتب هذه السطور مثلا تأثر بقراءاته لكتاب فلسطينيين من تلك الفترة أمثال خليل بيدس ومحمود سيف الدين الإيراني، صحيح أن جذوره امتدت فيما بعد إلى مساحات أخرى من الثقافة الأجنبية التي تأثر بها مبدعونا الفلسطينيون السابقون أنفسهم، غير أن جذوره تبقى واضحة المعالم، مثلما هي لدى سواه من المبدعين من أبناء جيله، أما فيما يتعلق بالآداب العربية، التي لا يمكن فصلنا عنها، بإمكاننا أن نخصص صفحات من مجلتنا لنشر نماذج مميزة منها.

نقطة أخرى يشدد عليها المتحدثون تتعلق بالإخراج الفني للمجلة، هذه نقطة هامة جدا وهي تشكل عامل جذب قوي لدى القراء ونحن منهم في النهاية، علينا أن نوكل أمر إخراج المجلة إلى أهل المعرفة والتخصص ولدينا العديد منهم، إخراج المجلة، غلافا ومادة، يجب أن يكون من ناحيته الفنية رفيع المستوى. النقطة الهامة الأخرى هي أن تصدر المجلة ضمن خطة مدروسة، وأن تصل إلى قرائها في وقت محدد وبانتظام.

التعليقات