رشاد أبو شاور يحاور الناشر والكاتب فتحي البّس مدير عام "دار الشروق للنشر والتوزيع"

-

رشاد أبو شاور يحاور الناشر والكاتب فتحي البّس مدير عام
- لو قبلت بالمساومة لكان ذلك تسليما بالتهم!
- هناك ظواهر خطيرة في معارض الكتاب العربي...
- الفقر، والرقابة، والإحباط..أعداء الكتاب العربي...
- عندي محاكمة يوم 19 أيّار الجاري بتهم ملفقة، بسبب كتاب (انثيال الذاكرة)..وقد تصدّى للدفاع عنّي أكاديميون، ومثقفون، ومحامون أردنيون...


فتحي البّس مؤسس ومدير عام دار (الشروق)، ودارس (الصيدلة) و(الفلسفة)، ورئيس اتحاد الناشرين الأردنيين لعدّة دورات، ونائب رئيس اتحاد الناشرين العرب، في حوار مع (القدس العربي) حول هموم النشر، والقراءة، وتراجع انتشار الكتاب العربي...

ولد فتحي البّس في مخيّم (الفوّار ) عام 1951، قرب الخليل لأسرة تنتمي لبلدة (الفلوجة) التي اشتهرت في حرب عام 48، حيث خاض الجيش المصري معارك طاحنة دفاعا عنها، وعن بلدة عراق المنشيّة، والتي تعرّض فيها لحصار دام ستة أشهر.. ومن تلك الحرب، وذلك الحصار، لمع نجم القائد جمال عبد الناصر، الذي طالما تحدّث في خطاباته عن (الفلّوجة)...

سؤال: كيف تنظر إلى أزمة انتشار الكتاب في الوطن العربي، هل سببها سوء التوزيع، أم الرقابة، أم تراه يعود إلى قلّة الإقبال على القراءة؟!

** تعاني صناعة النشر العربية من أزمة خانقة تتفاقم باستمرار. لقد أصبح معروفا أن الكتاب في رأس سلم قائمة الشطب عند الأزمات، وفي آخر سلم المشتريات في حالة الرخاء..

يحتاج الكتاب كمنتج ثقافي خاص إلى سوق واسعة، ولكن للأسف، فإن سوق الكتاب العربي مقطعة الأوصال، بين أجزاء متفاوتة في السعة والقوة الشرائية، ومستوى التعليم والثقافة، وتطبق فيها قوانين مختلفة، سواء من حيث الرقابة، أو الاستيراد والتصدير. أحيانا يصدر الكتاب وينتظر أعواما ليدخل إلى بعض الدول بسبب صرامة الرقابة وضيق أفقها، أو بسبب عدم توفر الخدمات اللوجستية. باختصار تتحرك المخدرات والأسلحة عبر الحدود العربية بسهولة أكثر من الكتاب.

مشكلة التوزيع مزمنة. قليلة هي دور التوزيع والمكتبات المتخصصة في بيع الكتب. ينتقي الموزعون وأصحاب المكتبات الكتب الأكثر مبيعا، في نظرهم، وبالتالي لا تجد الكثير من الكتب الجادة فرصة للعرض داخل البلد المنتج، أو في البلدان الأخرى. لذلك يقبل الناشرون على الاشتراك في المعارض حيث تنجو الكتب أحيانا من قبضة الرقابة ويتمكنون من عرض إصداراتهم، لكن للأسف، حتى المعارض أصبحت لا تحقق الهدف، حيث تنحو إدارات المعارض إلى فرض رسوم اشتراك مرتفعة جدا، تشكل مع كلف الشحن والسفر والإقامة عبئا ماليا كبيرا، خاصةً وأن الإقبال على هذه المعارض بدأ يتراجع بشكل ملحوظ ويضيع المشتري الجاد بين آلاف العناوين فلا يحظى الكتاب بفرصة معاينة واسعة.

للأسف ولّت تلك الأيام التي كانت الدول تستضيف الكتاب وناشريه وتتعامل مع المعرض على أنه تظاهرة ثقافية تنفق عليه لإنجاحها. حتى الدول الغنية بدأت تفكر بتغطية مصاريف موظفيها وأجهزتها من اشتراكات الناشرين. في نفس الوقت يطالب الناشر بتقديم حسومات للقراء. كل ذلك أفرز ظاهرة خطيرة وهي البيع بأسعار مرتفعة لتغطية الكلف، وكذلك إلى ظاهرة فساد خطيرة حيث يلجأ البعض إلى رشوة أعضاء اللجان المكلفة بالشراء، فيكون الشراء مكثفا من أجنحة وضعيفا في أجنحة أخرى. يترافق ذلك مع ظاهرة العزوف عن القراءة لأسباب كثيرة أهمها نظام التعليم التلقيني والقدرة الشرائية المتناقصة لدى المواطن العربي وحالة الإحباط والقهر من الظروف العامة وسقوط المشاريع الفكرية الكبرى.



سؤال: يشكو الكُتّاب من هضم الناشر لحقوقهم، ألا ترى أن معهم (بعض) الحّق، بخاصةً من تعامل دور نشر عربيّة في المشرق، والمغرب؟ سألتك هذا السؤال، كونك تسلّمت موقع رئيس اتحاد الناشرين الأردنيين، ومنصب نائب رئيس اتحاد الناشرين العرب، يعني أنت مطّلع، وعارف بخبايا النشر، والتوزيع، وما يُقبل عليه القارئ العربي؟!

** يعاني الناشر الجيد صاحب الرسالة تماما مثل الكاتب. يكتفي الكاتب أحيانا بصدور كتابه فيحقق مكسبا معنويا على الأقل، أمّا الناشر فهو يكد لاستعادة رأس ماله ويخسر أحيانا. يعتمد سياسة أن الكتب التي تنجح تغطي خسائر الكتب الأخرى. نعم يهضم بعض الناشرين حقوق بعض المؤلفين، وكذلك فإن بعض المؤلفين يحتالون على بعض الناشرين ببيع حقوق التأليف لأكثر من جهة بعناوين مختلفة.

ظاهرة التعدي على الحقوق موجودة في كل القطاعات. يبذل اتحاد الناشرين العرب، والاتحادات الإقليميّة، جهودا كبيرة للحد من هذه الظاهرة. سألني الكثير من المؤلفين عن طريقة يحافظون فيها على حقوقهم.. جوابي دائما أن لا ضمانة إلا أخلاق الناشر.. فكّل العقود يمكن التلاعب بها. لا ضمانة إلا الأخلاق. لذلك على المؤلف والناشر أن يختار من يثق بهم لتوقيع العقود.

هناك سبب أخر للشكوى، وهو أن الكاتب يحصل على حقوق النسخ المباعة، وعندما يأتي المؤلف في نهاية العام فيجد أن حقوقه لا تتعدى عشرات الدولارات، يغضب ويظن بالناشر أقسى الظنون. لا ذنب للناشر إذا لم يحقق الكتاب مبيعات كبيرة.

المسألة متفاوتة وهناك بعض الكتاب يحققون مكاسب مادية جيدة لأن مؤلفاتهم تجد إقبالا.. وفي ظني أن المؤلف العربي، حتى ذاك الذي يحقق مبيعات جيدة، لا يستطيع أن يعيش من ريع إنتاجه.
إذا السبب الأساسي في المشكلة هو العامل الاقتصادي.

الحل أن تتفهم الدول والمؤسسات أن الصناعات الثقافية لا تترك لاقتصاديات السوق، وأن من واجبات الدول ومؤسسات المجتمع المدني دعم صناعة الكتاب، كما تدعم الخبز، ويكون ذلك بالاقتناء الواسع للكتاب العربي. ربما يفاجأ القارئ أن مكتبات الجامعات تشتري نسخة واحدة من بعض العناوين التي تتعلق بالمساقات لديها وأن الطلاب يدرسون في دوسيهات يعدها أساتذتهم التجار، أو في كتب مزورة، أو مصورة، وأن وزارات الثقافة تقتني مؤلفات الكتاب المحسوبين على سياستها. إن الوضع صعب جدا، والشكوى مشروعة من كل أطراف صناعة الكتاب.

سؤال: أنت كناشر لك تجربة مع الرقابة، والآن جاء دورك كمؤلّف، فقد تمّ منع كتابك (انثيال الذاكرة)، وعندك محاكمة، وسيصدر الحكم بتاريخ 19 الجاري.. أين وصلت هذه المحاكمة، ومن شهد معك، ومن حرّك القضيّة ضدك ككاتب، ولماذا؟!.

** دافعت طيلة عمري عن حق التعبير والنشر، ولطالما وجهت انتقادات لاذعة لقوانين المطبوعات والنشر في الدول العربية، وطالبت بإلغاء الرقابة، وأكدت على مبدأ أن الكتاب يرد عليه بكتاب، والكلمة بالكلمة، وأن التنوع في الرؤى والأفكار والأذواق مصدر غنى روحي ومادي، وأن الكتاب الرديء لا يجد نجاحا، وإن نجح فإن هذا يعني أن المجتمع بحاجة إلى توعية وإلى العمل على الارتقاء بذائقته، ولا يكون ذلك إلّا بالمزيد من الإنتاج الثقافي الجيد. معروف أن الكتب تمنع لأسباب سياسية، أو دينية، أو اجتماعية، والتهمة جاهزة دائما، وهي التطاول على ساسة البلد، أو الإساءة للمعتقدات، أو الحديث في الجنس.

ودائما هناك خوف الرقيب من أن يخطئ فيجيز كتابا يسبب له مضايقة أمنية، أو اجتماعية، أو وظيفية، ولذا يريح نفسه بالتوسع في المنع، ويلقي بالمسؤولية على عاتق المسؤول الأعلى رتبة. لكن المسؤول الأعلى رتبة يجبن دائما فلا يتخذ قرارا. إنها دوامة.. ترتبط المسألة بالقرار السياسي، وأعتقد أن السياسيين في بلادنا يخافون من الكلمة كثيرا، رغم ما يطلقونه من تصريحات عن الحرية والديمقراطية.

بالنسبة لكتابي (انثيال الذاكرة) فقد منع من التداول لأسباب سياسية غير صحيحة، وقد حركت دائرة المطبوعات والنشر القضية ضدي. أُحلت إلى المحكمة بتهمة مخالفة نصوص في قانون المطبوعات تمنع التعدي على أرباب الشرائع، والأديان، والحياة الخاصة، وإثارة الفتنة، وكلها لا تنطبق على محتوى الكتاب.

لذلك لم اقبل مساومة تصدير الكتاب إلى الخارج، وطلبت أن يكون القرار للمحكمة لأني لو قبلت بالمساومة لكان في ذلك تسليم بالتهم.

دافع عني أمام المحكمة ثمانية من كبار المثقفين والكتاب والأكاديميين، أجمعوا أن محتوى الكتاب يخلو مما ذهبت إليه دائرة المطبوعات والنشر، وأنا متفائل بقرار المحكمة التي تتوافر لها أركان القرار المستقل. ربما من غير المناسب الآن الحديث عن وقائع المحكمة، ولكن من المؤلم حقا أن وسيلة إعلام واحدة في الأردن نشرت خبر المنع والمحاكمة، وأحجمت البقية خوفا أو ابتعادا بنفسها عن قضية حريات واضحة وجلية، بانتظار قرار المحكمة. انه مُحبط جدا أن يشعر الكاتب بتخلي أنصار الحرية والتعددية عنه.

كنت قبل أن أتورط بالكتابة أقف إلى جانب كل المؤلفين الذين تمنع مؤلفاتهم.. والآن جاء دوري ككاتب! من المتوقع أن يصدر القرار في جلسة 19/5/2009 بعد قرابة ستة أشهر من بدء المحاكمة...

سؤال: دار الشروق لها فرع في ( رام الله)، و.. تجربة مكتبيّة طموحة.. هل أنت متفائل بنجاح التجربة؟

** بدأت بالعمل في النشر والتوزيع منذ ثلاثين عاما في الأردن، وحققت دار الشروق نجاحات جيدة، وعاشت أيّاما ذهبية لتميزها فيما تنشر أو توزع. ولكن الأوضاع تتراجع منذ عدة سنوات، وبشكل خاص بعد حرب الخليج الأولى، حيث فقد الكتاب واحدا من أهم أسواقه: العراق.. كما تعاني الأسواق التقليدية للكتاب العربي: السودان، والمغرب، والجزائر، واليمن، وبقية الدول من أزمات مختلفة.

عندما سنحت الفرصة أن نفتح فرعا في فلسطين لم نتأخر، إيمانا منا بأهمية الثقافة والكتاب. فرعنا في رام الله أشبه بمؤسسة ثقافية متكاملة، حيث تقام فيها حفلات توقيع الكتب، وندوات ثقافية وفكرية، ومعارض فن، وندوات شعرية ونقدية. ننتقي ما نستطيع أن ننشره ضمن إمكاناتنا للمؤلفين الفلسطينيين، لأننا نهدف أن نكون جسرا للتواصل بين أبناء الشعب الفلسطيني ومحيطهم العربي والدولي.

الأوضاع صعبة جدا بسبب الظروف، لكني مع ذلك متفائل بالمستقبل. لم أهدف لجدوى اقتصادية عند إنشاء هذه المؤسسة الضخمة، وإنما لانحيازات قلبية ووطنية. إنها الاستثمار الأكبر للقطاع الخاص في الثقافة في فلسطين. وهكذا باتت تتكامل جهود الدار في الأردن وفلسطين والعالم.

سؤال: ما نوعية الكتب التي يقبل عليها القارئ الفلسطيني، وما مدى تأثير الوضع الاقتصادي هناك على الكتاب، و.. ماذا عن الرقابة، خاصة وقد سمعنا عن مصادرات لبعض الكتب، ودهم لمكتبة (دار الشروق) في رام الله، ومصادرة نسخ كتاب المفكّر الكبير الدكتور إدوارد سعيد، بسبب نقده لاتفاقات أوسلو؟

** يقبل القراء في فلسطين على الكتب الفكرية والسياسية والأدبية. هناك اهتمام واسع بالرواية، وبكتب التاريخ، وبالطبع للكتاب الديني حضور خاص.

لا توجد رقابة لدى السلطة الفلسطينية. ما حصل منذ سنوات طويلة أن قائد جهاز أمني أحب أن يظهر ولاءه للمرحوم ياسر عرفات، فداهم المكتبة وحجز كتابا لادوارد سعيد، وآخر لأنيس صايغ. عندما علم الرئيس عرفات بذلك أمر بإعادة الكتب، ووبخ من قام بهذا العمل. هذه هي الحقيقة، ومنذ ذلك الزمن لم نتعرض لأي مضايقة.
المشكلة الحقيقية هي في إجراءات (إسرائيل)، ورقابتها، ومنعها إدخال الكثير من الكتب العربية في الوقت الذي تغض فيه النظر عن قرصنة الكتب العربية واسعة الانتشار، وتوزيعها داخل الخط الأخضر، وعموم فلسطين، لا بل إعادة تصديرها إلى بعض الأسواق العربية. إنها قرصنة تحت بصر السلطات (الإسرائيلية)، وتشجعها من خلال منع دخول الكتب الأصلية.

بالنسبة للوضع المالي للفلسطينيين وللمؤسسات فإنه ينعكس سلبا وبحدة على مبيعات الكتب. للأسف لا يلقى الكتاب عناية ورعاية. يحدث اهتمام موسمي عندما يقام معرض فتشتري السلطة بعض الكتب لإنجاح المعرض...

سؤال: إذا كان الناشرون العرب يشكون من قلّة انتشار الكتاب الأدبي بخّاصة، فما تفسيرك لتزوير بعض هذه الكتب..ألا يدل هذا على أن بعض الكتب رائجة، وتربح؟!

** بالتأكيد هناك كتب تحقق مبيعات جيدة.القراصنة يسطون على هذه الكتب. إنها مافيا منظمة يتمتع أعضاؤها بعلاقات ممتازة فيما بينهم. يتقاسمون طباعة الكتب الرائجة، ويتبادلونها، فيصبح لدى القرصان عناوين جيدة أكثر بكثير من الناشر، أو الموزع الفرد، ويحققون أرباحا طائلة، وفي نفس الوقت يخسر أصحاب الحقوق، مؤلفين وناشرين وموزعين، دخلا مهما يمكن أن يساعد على استمرار الإبداع والإنتاج.

سؤال: وهذا السؤال تابع لما قبله: كيف تحمون حقوق الناشر ، والمؤلف، من عمليات السطو التزويريّة، أنتم كاتحاد ناشرين عرب؟

** نحاول ذلك من خلال حث السلطات العربية على إصدار قوانين تحمي حقوق المؤلف وتنفيذها، وأن تتعاون مع أصحاب الحقوق بالتحقيق، ومنع تداول الكتب المقرصنة، إضافة إلى ذلك نتبادل المعلومات ونحاول محاصرة القراصنة ولكن لهؤلاء أساليب جهنمية، إضافة إلى أن الناشر والمؤلف لا يستطيعان متابعة القرصنة في الأسواق العربية المختلفة، في ظل عدم تعاون السلطات.
منذ تأسيس الاتحاد هناك لجنة، هي اللجنة العربية لحماية حق المؤلف تختص بمتابعة قضايا القرصنة حيثما استطاعت.

سؤال: في مطلع السبعينات كان الناشرون يخبروننا، وكنّا في بداية الطريق، أنهم يطبعون من أعمالنا ثلاثة آلاف نسخة، وكنّا نشكو من هذا الرقم المتواضع، الآن تخبروننا أنكم تطبعون ألف نسخة، فيما ازداد عدد العرب ملايين المواطنين، وارتفعت نسبة المتعلمين..كيف تفسّر هذا الأمر؟!

** نعم ازداد عدد ملايين الفقراء في العالم العربي، وزاد عدد المتعلمين الذين لا يستعملون الكتب للدراسة كما شرحت سالفا، واستشرت عملية قرصنة الكتب المقررة للدراسة، وانتشرت ظاهرة الأستاذ التاجر، وتراجعت الحريات، وزادت العوائق أمام انتقال الكتاب في أسواقه الطبيعية، واستفحلت ظاهرة العزوف عن القراءة، وفقدت صناعة النشر أسواقا رئيسية لأسباب مختلفة، ولم تعد هناك مؤسسات قطاع عام تشتري أعدادا كبيرة من الكتب كما كان يحصل في العراق والجزائر وليبيا واليمن. لذلك أصبح الرقم ألف كبيرا للأسف، باستثناء بعض العناوين.

لدينا عناوين لم تنفد كمية الألف منها حتى الآن رغم أنه مضى أكثر من عشر سنوات على طباعتها!.
لذلك نناشد دائما السلطات في القطاع العام لتغذية المكتبات العامة والمدرسية والجامعية بالكتب، والتخلي عن مهمة إصدار الكتب المدرسيّة لصالح دور النشر كما هو حاصل في كُل بلاد العالم. الناشر الذي يحقق أرباحا يمكنه أن يخصص ميزانيّات اكبر لنشر كتب إبداعيّة ثقافيّة فكريّة

سؤال: أنتم الناشرون العرب، ألا تتساءلون عن تخلف العرب ( قرائيّا) ، ألا تتلمسون حلولاً للخروج من هذا المأزق الثقافي العربي، الذي ينّم عن حالة ترد، وجهل، وأميّة ( قوميّة عربيّة) شاملة؟!

** بالتأكيد يقلقنا عدم الإقبال على اقتناء الكتب والقراءة. إن ذلك يهدد العديد من دور النشر الأصيلة بالإفلاس. اقترحنا في أكثر من مناسبة على السلطات العربية إطلاق حملات توعية لأهمية القراءة والثقافة والتوسع في إنشاء المكتبات العامة وإعادة النظر في برامج التعليم التلقينية وتشجيع التفكير والبحث الأصيل. للأسف لا تستجيب السلطات، ويزداد الطين بلة عندما تركز الدول العربية على التدريس باللغات الأجنبية وخاصة باللغة الانكليزية الأمر الذي يؤدي إلى ضعف القراءة باللغة العربية أو حتى تذوق النص العربي وفهمه. إن التدريس باللغة العربية، حاضنة الثقافة والحضارة ولغة التفكير والتواصل أمر أساسي، ولكن للأسف ليس لدينا حيلة. انتقدت مرة السعي للترجمة إلى اللغة العربية في ظل تراجع تذوق النص العربي أصيلا أو مترجما وطالبت بالتركيز على تعزيز اللغة العربية قراءة وكتابة وتذوقا، فلم يعد المعنيون يسمعون لي رأيا. الترجمة مهمة جدا وضرورية ولكن ما فائدتها إذا كان أبناؤنا لا يتذوقون أو يفهمون لغتهم.

سؤال: انثيال الذاكرة.. أهو بيضة الديك؟! أم سيدخلك في عالم المؤلفين، والكتّاب؟ وأنت ستكون ناشر نفسك، يعني في تمام الانسجام!

** منذ الصغر وأنا مهتم بالقراءة، والثقافة والسياسة..
شغلت منصب رئيس تحرير وأنا في العشرينات من عمري، كنت أكتب في السياسة والفلسفة والحريات في الكثير من الصحف. أشعر دائما بان لدي ما أقوله وانأ متابع لمناهج النقد وفنون الكتابة والبحث. أصدرت مجلة الجديد في عالم الكتب والمكتبات ورئست تحريرها. أحبطتني التجربة واضطراري لإيقافها. لم التفت للكتابة الإبداعية واكتفيت بتذوق النصوص وأن أكون قارئا متميزا. أؤمن أن القارئ المتميز يمكن أن ينتج كاتبا متميزا. كان لـ"انثيال الذاكرة"- هذا ما حصل- رواية كبرى كما قال إلياس خوري في مراجعته للكتاب المنشورة في ملحق النهار. اخترت أن تكون مذكرات لأني لم أرد أن تكون شخصيات الكتاب خيالية بينما هي حقيقية من لحم ودم أحبت وقاتلت واستشهدت ودفعت ثمنا غاليا لأفكارها وإيمانها وقناعاتها.

لن يكون انثيال الذاكرة بيضة الديك. لدي مشاريع أخرى قيد الانجاز لن أسارع في تحديد نوعها. هل هي ميزة أن أكون ناشرا؟! لكنني كغيري أنفق على كتبي، فالنشر مكلف، ولن أحمّل الدار خسارات كتب لا تلقى رواجا، أو لا تتوفر الميزانيّة لإنتاجها...

حاوره في عمّان: رشاد أبوشاور

التعليقات