ستربتيز في السفارة/ رشاد أبو شاور

-

ستربتيز في السفارة/ رشاد أبو شاور
تقول القصّة القصيرة أحياناً، إذا ما كتبت ببراعة، ما تعجز عن قوله رواية طويلة، مترهلة، منفوخة، كلّها لغو كلام، عكّ، رغي...

فالقصّة حكاية، والحكاية متعة وعبرة، والقصّة القصيرة الجيّدة مثل البطيخة الطيّبة ـ على الموس يا بطيخ ـ حمار وحلاوة، وتسلية (بزرها بعد التحميص).

القصّة التي استوقفتني حين قرأتها وشدّتني لقراءتها مرّات عنوانها: أمريكا..أمريكا، لكاتب سوري مخضرم هو عادل أبو شنب، وهي قصّة عن الستربتيز، وما أدراك ما الستربتيز العربي!...

الستربتيز آلية تأهيل تشترطها أمريكا على من يخنعون لأوامرها، ويطمعون في حمايتها، ومن يتشهّون العيش بالطريقة التي تروّج لها، ومن يختارون أسهل السبل لنيل الرضا.

في القصة القصيرة الجميلة القويّة التي كتبها القاص السوري عادل أبو شنب في مجموعته (هالوليا)، والتي تحمل العنوان: أمريكا.. أمريكا، نقرأ رحلة ستربتيزيّة عربيّة في السفارة الأمريكيّة.

فتاة عربيّة ـ ليس يهم اسمها، ولا من أي بلد عربي هي ـ ترتدي قميصاً وبنطالاً من الجينز، قبل توجهها إلى السفارة الأمريكيّة للحصول على فيزا تمكنها من السفر إلى بلاد العم سام، بلاد الحلم...

يجيء دورها بعد انتظار وقلق، فتقف أمام القنصل الأمريكي، الذي يفصل بينه وبينها شبّاك بقضبان حديد مستطيلة وكأنها لزنزانة (من الأسير أو السجين في هذه الحالة؟).

يسألها القنصل متهكماً:
ـ ماذا تريد فتاة في مثل سنّك أن تفعل في أمريكا؟
تجيبه:
ـ سياحة، أنا أحب أمريكا بجنون.
يبتسم ويقول لها:
ـ لا يكفي حبّها للوصول إليها...

يتعبها في المناورة والمداورة الابتزازيّة فتقول له:
ـ رجاء، أنا أحب طريقة العيش الأمريكية. هل تعلم أنني لا أستمع إلاّ إلى موسيقاكم، ولا أقرأ إلاّ كتّابكم العظام؟
تعدد له ما تحب أمريكيّاً: مجلات، وجبات سريعة، وكتّاب، وموسيقى...
ولكنه يرد عليها بما يحبطها:
ـ كل هذا لا يكفي...
ـ ما الذي يكفي للحصول على فيزا لدخول بلادكم إذاً؟

وخطرت للقنصل، المستر رونالد، فكرة ابتسم لها. إنه يعرف أن لأمريكا حظوة عند الشباب، وجبروتاً علي عقولهم وسلوكيّاتهم، فلماذا لا يمتحن هذه الفتاة الشرقيّة الامتحان الملائم وفي هذا الاتجاه؟

ـ نحن ابتدعنا رقصة الستربتيز، هل تعرفينها؟
بنبرة كئيبة وبالإنكليزية قالت:
ـ أعرفها طبعاً.
ـ أريني حالاً...
تسأله مستغربة:
ـ هنا!...
يصر عليها:
ـ ولم لا؟

وأمام إلحاحه تطلب منه موسيقي فيدير المسجلة، وتبدأ على استحياء في خلع ملابسها، بينما من اصطفوا بانتظار دورهم للحصول على الفيزا لبثوا صامتين، في حين شرعت تخلع ملابسها على صوت الموسيقي، والقنصل الأمريكي يشجعها مصفقاً بمرح.
تسأله بشيء من الحرج والحزن:
ـ ألا يكفي ما خلعته من ثياب؟
يقول لها آمراً بصلف:
ـ هل تخجلين؟ أكملي...

وعلى أنغام موسيقي البوب أكملت الفتاة. نزعت السوتيان، وبعد تردد لثوان معدودة تحررت من الكيلوت، فكانت كما خلقتها يا ربها، لكن ابتسامتها كانت قد انطفأت...

يهتف القنصل:
ـ برافو..برافو، أحسنت، أحسنت...
تسري عدوى التصفيق إلى الحضور، الذين تخلّوا عن دهشتهم، وراحوا يصفقون ويهتفون:
ـ برافو، أحسنت..برافو...

وتنتهي القصة، أو لا تنتهي، سوى بلحظة العري التعهيري، ولكن الفتاة العربيّة المتعرية لا تحصل على شيء سوي العار والمهانة والسقوط، ومعها جمهور المشاركين في طلب فيزا الرضي وجنّة الحلم الأمريكي!

لا يحتاج الخبر الذي قرأته في صحيفة عربيّة ـ تصدر في بلد عربي ـ عن افتتاح ناد للعراة في منتجع بحري إلى تعليق، فالمكان الذي ارتبط بالصفقات على القضية الفلسطينيّة، مكان الستربتيز الرسمي العربي، لا يثير الدهشة لدى القرّاء.

من خلعت قميصها لرضا ممثّل أمريكا ستعرّي ثدييها، ومن تأخذ فيزا الرضي بثدييها ستكون (حرّة) على الطريقة الأمريكيّة، أي ستخلع ما تبقّى، ولن نأبه لتغيّر لون وجهها بسبب بقايا حياء لا يردعها، ولا يدفعها لرفض تلبية رغبة القنصل الأمريكي الفاجرة، ولن نتأثّر من ارتباك وارتعاش أصابعها وهي تفك أزرّة قميصها، فهي في النهاية ستقف عارية تماماً، ولن تحصل سوى على تشجيع القنصل، أو السفير، أو وزير الدفاع، أو الرئيس الأمريكي...

الخبر الذي قرأته في صحيفة عربيّة عن افتتاح ناد للعراة في أحد المنتجعات العربيّة، وقصّة (أمريكا.. أمريكا) التي كتبها قاص عربي، دلالاتهما واحدة، ولا حاجة للشرح، فالقارئ العربي، والمشاهد العربي، والإنسان العربي في أي بلد من وطننا الكبير يشيح بنظره عن قبح نادي المتعرّين العرب خزياً مما هووا إليه، وهو مشغول بكيفيّة مواراة هذه الجثث العارية التي تمشي على أقدامها، لأنّ ليس إكرام الميّت دفنه كما في الأحوال العاديّة فقط، ولكن ستر العورة يكون بدفنها لأنها تؤذي العيون، والذوق العام، وتهدد بنشر فيروس الفاحشة الأشد فتكاً من الإيدز...

التعليقات