عقده مركز أوغاريت الثقافي المؤتمر الأدبي حول "القدس هي الكلمة" ماذا قالت الكتابة عن مدينة التاريخ والحلم؟

عقده مركز أوغاريت الثقافي
المؤتمر الأدبي حول
في ذكرى الخامس من حزيران، واحتلال مدينة القدس، وعلى يومين متتاليين، الجمعة والسبت (0ـ6 حزيران) عقد مركز أوغاريت الثقافي مؤتمره الأدبي نصف السنوي، الذي اختير له عنوان "القدس هي الكلمة" تعبيرا عن مكانة القدس في الواقع الفلسطيني، وفي الوجدان الفلسطيني على حدّ سواء. وقد توزعت موضوعات المؤتمر على ثمانية محاور، تدور جميعها حول القدس كما عبرت عنها الكتابة، وحول مكان الكتابة في القدس، كعاصمة لفلسطين، وللنشاط الثقافي فيها منذ زمن بعيد.
وقد مهدت الدكتورة فيحاء عبد الهادي، رئيس مجلس إدارة المركز لافتتاح جلسات المؤتمر بكلمة ترحيبية، تحدثت في جزء منها عن أهمية الحديث عن القدس، في هذه المناسبة، وفي هذا الزمن الذي تتعرض فيها للتهويد الذي يهددها بفقدان عروبتها وتهجير سكانها، ثم أدارت الجلسة الأولى.
في المحور الأول: القدس في كتابات الرحالة، انطلقت الدكتورة رنا بركات، أستاذة التاريخ في جامعة بيرزيت، المتخصصة في التاريخ الاستعماري في فلسطين على وجه الخصوص، من فكرة تشير إلى أن دافع الكتابة عن القدس لدى معظم الرحالة الغربيين، كان أن يمهدوا لاستعمار فلسطين. وأشارت الباحثة إلى أن كلّ أنواع الزيارة، سواء أكانت من باب الحجّ إلى الأرض المقدسة، أو بحثا عن معرفة، أو سياحة في أرض مشمسة، كانت تصب في التمهيد للانتداب البريطاني، كمقدمة لتسهيل الاستيطان الصهيوني. وتحدثت الباحثة عن مجموعة كثيرة من الكتابات، اتخذت هذه الصيغة، ولاحظت فيها أنها كانت تكتب عن المكان، دون أن تذكر شيئا عن سكانه، انطلاقا من مقولة الأرض المهجورة، التي انبثق منها شعار الصهيونية بعد ذلك: أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض.
في الجلسة الثانية، التي أدارها الدكتور على خواجة، تحدث الباحث محمد البطراوي عن الصحافة الثقافية في القدس؛ وجاء حديثه محصلة لاطلاع واسع من ناحية، ولتجربة ذاتية من ناحية أخرى، لأنه عمل في أبرز الصحف الثقافية التي صدرت في القدس، قبل الاحتلال وبعده. وفي سرد ممتع، أشار الباحث إلى كون القدس مركزا أساسيا للنشاط الثقافي، منذ زمن بعيد، وتحدث عن الصحف التي صدرت فيها، وعن اهتماماتها الثقافية على وجه التحديد، ثم عن علاقة ذلك بالتواصل الثقافي مع الأدباء الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948. وقد خص بالحديث صحيفتين هامتين صدرتا في القدس، الأولى هي "الأفق الجديد"، التي خرج من عباءتها معظم الجيل الفلسطيني الذي بدأ يكتب أواخر الستينيات من القرن الماضي، والثانية هي "الفجر الأدبي"، التي ساهمت في إنعاش الكلمة المقاومة تحت الاحتلال، وكتب فيها جيل آخر من الكتاب.
وأدارت الجلسة الثالثة الكاتبة فاطمة حمد، وتحدث فيها الباحث سعيد مضية عن ثقافة التنوير التي كانت تتركز في القدس، خصوصا قبل نهاية العصر العثماني فيها. وقد أشار الباحث إلى مجموعة من المنورين الفلسطينيين، الذين ساهموا في التنوير العربي أيضا، من خلال تواصلهم، كما أشار إلى ما قدموه من كتابات ومواقف في هذا المجال.
ثمّ اختتم اليوم الأول بجلسة رابعة أدارها الكاتب صافي صافي، وقدم فيها الكاتب المقدسيّ المعروف محمود شقير، الذي تحدث عن علاقته بالقدس منذ طفولته التي بدأها في تجمع سكاني قريب، صار قرية بالتدريج، ثمّ أصبح واحدا من أحياء القدس. وببساطته المدهشة، صور الكاتب حالة الدهشة التي أصابته وهو يدخل المدينة، بكثافة سكانها، وتعدد الأمكنة فيها. وأشار في ملاحظات شديدة الصدق إلى أن ما كتبه حتى الآن ينطلق من إحساس القروي بالمدينة، لأن معظم شخصياته تبدأ من القرية التي عاش فيها طفولته، أو القرية التي عمل فيها مدرّسا بعد ذلك. ورغم عمله في الصحافة الثقافية في القدس، قبل أن يبعده الاحتلال، إلا أن روح القرية ظلت طابع ما كتب، حتى بعد العودة؛ لكنه أشار إلى أنه يحاول الآن أن يدخل المدينة بكتابته التي يستكملها الآن، بأجواء وشخصيات ومواقف مدينية.
ومع انتهاء اليوم الأول، باعتباره يوم الأبحاث المتعلقة بالذاكرة، بدأ اليوم الثاني للمؤتمر بجلسة صباحية أولى أدارها الشاعر سميح محسن، وتحدث فيها الدكتور غانم مزعل عن القدس في الكتابة الإسرائيلية، وهو الموضوع الذي كتب فيها أبحاثا رائدة، خصوصا حول الشخصية العربية في الأدب العبري.
وقد انطلق الباحث من فكرة واضحة في ذهنه، ومن معرفة عميقة بالكتابة الإسرائيلية التي يتابعها، ويترجم منها، رغم انصرافه المهني إلى المحاماة. ومن أهم ما أشار إليه الباحث ما ذكره من أن الكتابة الإسرائيلية تنطلق في أساسها من جذور توراتية، رغم أن معظم الأدباء من اليسار. وقال إن الكتابة عن القدس، قبل احتلالها، كانت أكثر منها بعد ذلك، لأن الكتاب انصرفوا إلى مواضيع أخرى ولدت بسبب الاحتلال. وقال إن اليمين هو الذي يصرّ على الكتابة عن القدس الآن، كما في الماضي أيضا، حينما كانت الكتابة نوعا من الحنين، ودعوة إلى العودة إلى صهيون، المكان الذي صار رمزا للقدس التوراتية، لأن الغياب عنها يعني حياة الذل. وركز الباحث على الشعر الإسرائيلي، الذي أوحى بفكرة العودة من الشتات، كما كان الأمر لدى نحمان بياليك، شاعرهم القومي، الذي كتب عن فلسطين دون أن يزورها، ثم كما أصبح عند شاعرة اليمين الإسرائيلي ومغنيته أيضا، نُعمي شمير، صاحبة قصيدة " القدس من ذهب" التي تحولت إلى نشيد وطني.
وفي الجلسة التالية، التي أدارتها الدكتورة رجاء رنتيسي، تحدث الرائد الفني والمسرحي إميل عشراوي عن التجارب المسرحية في القدس، وقدم تفصيلا تاريخيا لهذه التجارب، منذ القدم، لكنه ركز على النشاط المسرحي الذي أنتج المسرح الفلسطيني الحديث، منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، وخصوصا فرقة بلالالين، التي جاءت بمبادرة من هواة من القدس ورام الله، شكلوا الفرقة، وبدأوا نشاطا مسرحيا جماعيا بحماسة كبيرة، كان لها أثرها الواضح، الذي وصل إلى سمعة عربية ودولية. ومن هذه الفرقة ولدت فرق أخرى بعد ذلك، على رأسها الحكواتي، وكانت هذه الفرقة نواة لعدد كبير من الفرق المسرحية التي لا تزال تنشط حتى الآن، وإن تغيرت الظروف والعلاقات، وربما الالتزام بالفن نفسه، وهي الحالة التي تحدث عنها الفنان عادل الترتير بتوسع وحرقة أكّدت أنه ما يزال يعيش مزاج تلك المرحلة.
وكانت الجلسة السابعة من جلسات المؤتمر بإدارة مهند عبد الحميد، وتحدث فيها الدكتور أحمد حرب، أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة بيرزيت عن القدس في شعر محمود درويش. وفي دراسة معمقة، توصل الباحث إلى قصائد الشاعر في القدس، وبعض كتاباته النثرية أيضا، تنطلق من جذر رئيسي يعتبر القدس صورة مناقضة لبابل في التراث العبري. وقد دلل الباحث على وجهة نظره بنصوص كثيرة من الشاعر الراحل، كان أبرزها ما قاله نثرا عندما تسلل إلى القدس بعد احتلالها، ثم ما قله شعرا حين تسلل إليها مرة أخرى، لكن بعد عودته في تسعينيات القرن الماضي.
الجلسة الثامنة والأخيرة أدارها الشاعر مراد السوداني، مدير عام بيت الشعر الفلسطيني، وقدم فيها الأديب وليد أبو بكر دراسة عن القدس في السّرد الفلسطينيّ المعاصر، خلص فيها إلى أن رواية القدس، التي تستلهم المكان، وتطاول حجم المدينة التاريخية وقدسيتها، لم تكتب بعد، وأن الكتابة السردية التي تتطرق إلى القدس، بدأت قريبة من الكتابة السياحية، التي تعدد الأماكن الشهيرة في المدينة، ثم دخل بعضها هذه الأماكن دخولا حييا، أخذ يتزايد بالتدريج، حتى صارت القدس مكانا للفعل الإنساني في بعض السرد، وأصبح بالإمكان أن تتحول إلى مزيج من الواقع والأسطورة، كما يليق بها، في بعضه الجديد.
المؤتمر في مجمله حظي باحترام كبير من حضوره الذي يتمتع بالثقافة والقدرة على الحوار، وقد عبر عدد منهم عن الارتياح لسير الجلسات ومادتها بشكل واضح. ومن المعروف أن أبحاث المؤتمر، كما هي عادة مركز أوغاريت الثقافي، سوف تنشر في وقت لاحق، في كتاب من منشوراته.

.

التعليقات