في ذكرى مرب فاضل وصديق عزيز/ عصام عراف

-

في ذكرى مرب فاضل وصديق عزيز/ عصام عراف
في ذكرى المربي الفاضل والأستاذ الجليل والصديق العزيز مهنا جبران

في التاسع من نيسان من العام المنصرم 2008 رحل عنا أبو وليم، الأستاذ مهنا جبران بعد حياة عامرة بالعطاء بدأها كمدرس في مدينة طبريا، ثم في قرية الرامة، ثم انتقل بعد ذلك إلى قريتنا معليا كمعلم في مدرستها، ثم أصبح مديرا لها منذ سنة 1948 حتى خرج إلى التقاعد سنة 1985.
كان المرحوم خير معلم وخير مدير، مخلصا لرسالته يتدبر أمر كل صغيرة وكبيرة في المدرسة. معلم قدير، يقدم المادة لطلابه بأسلوب واضح جذاب مما جعلني أعشق الرياضيات التي كان يدرسها للصفوف العليا، ولا أزال حتى اليوم أذكر الفرح الذي غمرني يوم شرح لنا برهان مساحة الدائرة كما عرفه قدماء الإغريق. كان المرحوم يقضي جل وقته في المدرسة وفي رعاية خلايا النحل الكثيرة التي كان يملكها، وكان قد أنشأ أيضا منحلة للمدرسة تدر عليها ما يسد حاجتها في فترة التقشف التي مرت بها البلاد في الخمسينيات، كما استغل مساحة الأرض بمحاذاة المدرسة حيث كان الطلاب يساهمون في رعاية النحل وزراعة الحديقة.
ربطتني به، بعد دراستي الثانوية، صداقة استمرت حتى يوم رحيله، زادت معرفتي به وإجلالي وتقديري لمزاياه الفريدة. كان يتمتع بمعرفة واسعة تشمل العلوم والتاريخ واللغات ويستمتع بالشعر الراقي. زرته مرة فوجدته يجلس على شرفة منزله وأمامه طاولة عليها كتاب مفتوح، ودفتر بين يديه يكتب فيه بخطه الجميل الذي كنت أحسده عليه، فسألته بعد أن سلمت عليه:
"ماذا تكتب يا أبا وليم؟"
فناولني الدفتر وقال:
"أنظر ما أبلغ الوصف في هذين البيتين"
ونظرت، فإذا بالكتاب الذي أمامه ديوان "الشوقيات" للشاعر أحمد شوقي وقد اختار أن ينسخ منه قصيدة "جارة الوادي" والبيتين اللذين أشار إليهما كانا:
كنا إذا صفقت نستبق الهوى
ونشد شد العصبة الفتاك
واليوم تبعث فيَّ حين تهزني
ما يبعث الناقوس في النساك
كان من جملة ما رواه لي، أنه أول من أدخل إلى قريتنا تربية النحل بالطريقة الحديثة، باستعمال الخلايا الخشبية ذات الطبقات المتعددة وحواجز الملكات التي تدر من العسل أضعاف ما تدره الخلايا الطينية التي كنا ندعوها "القفير"، وهي على شكل أنابيب تصنع من الطين المخلوط بالتبن. كان جني العسل منها - على قلته - يؤدي إلى فناء الكثير من النحل واليرقات، والملكة أحيانا. تعلمت منه أيضا تربية النحل وقد أهداني أول خليتين جعلت منهما خلايا عديدة في ما بعد.
قبل وفاته بعامين، اتصلت به من خارج البلاد لأقدم له التهاني بحلول عيد الفصح، فأجابني بصوت بدا فيه التأثر، الذي انتقل إلي شيء منه. ما أن انتهيت من الحديث معه حتى وجدتني أمسك القلم وأكتب هذه الأبيات التي استوحيتها من استحداثه لتربية النحل بواسطة الخلايا الخشبية، وجعلت عنوانها "الأستاذ مهنا والنحلة" تخيلت فيها النحلة تستنجد بالأستاذ مهنا بعد أن ضاق "القفير" عن اختزان الشهد، فيهب الأستاذ مهنا لنجدتها فيجني أجرا مضاعفا،شكر النحل والعسل الكثير. عندما عدت إلى البلاد، ذهبت كعادتي لزيارته، وقرأت له القصيدة وقدمتها له.

“الأستاذ مهنا والنحلة”

جاءَت النَّحلةُ يَوماً تتمنّى تسألُ العَونَ من المدعو مُهَنّا
قالت النحلةُ يا أستاذنا فاضَ ريقُ الزَّهرِ والساق تَثَنَّى
لم يَعُد في بَيتِنا مُتَّسَعٌ لِاختِزان الشَّهدِ والقَلبُ مُعَنّى
فرحيق الزّهرِ إن لَم يُجتَنَى صارَ قَبضَ الرّيحِ فَاسرع أسعِفنّا
شَمَّرَ الأُستاذُ عن ساعِدِهِ أحضَرَ الأخشابَ والمِنشارُ غَنَّى
وابتنى للنَّحلِ أَوكارَ المُنَى سَكَنَتها النحلُ بل خالتها جَنّة
بَكَّرَ النحلُ إلى تِلكَ الرُّبَى يرشفُ الإكسير نشوان مُرِنّا
فانتَشَت تِلكَ الرُّبَى من هَزجِهِ صَدَحَ العُصفورُ حتّى قيل جُنَّا
وغَدا أُستاذُنا مُبتَهِجاً قَطَف الشَّهدَ ونال ما تمنّى

عصام زكي عراف
معليا، الجليل الغربي



التعليقات