قراءه في قصة42 للكاتبة عناق مواسي/ حسين محمد العنكود*

قراءه في قصة42 للكاتبة عناق مواسي/
حسين محمد العنكود*
( لم يكن يشدني أي شيء في صغري، في زيارة لاتهمني كثيراً سوى...... الأحذية!!!)
بهذه ألجمله البسيطة الرائعة تبدأ القاصة العربية عناق مواسي سرد حكايتها المثيرة عبر لغة شعرية متدفقة ذات مفردات تلقائية،تبدو القصة ذات تفاصيل عاديه معاشه لكنها كانت قادرة على إذابة الكثير من الفائض عبر اختصارات تدل على تمكن الكاتبة من انتقاء ألمفردة المؤثرة للتعبير عن الحدث عبر تمكنها أيضًا من امتلاك الصنعة والحرفة بإتقان وقدره فذة على إرباك القارئ، مما يحتم قراءة النص عدة مرات إحداها لتفكيك مقاصده وهذا هو المهم لأجل رؤية إمكانية الكاتب في إرباك القارئ عبر تضبيب المعنى بترميز العبارة.
ليس هناك تداعيات ولا شخوص،هناك سلوك معين أثناء حدث معين يحدث كثيرًا في العالم ربما قد مارسناه جميعا أو مارسته شقيقات لنا أقصد (ترتيب أحذية الضيوف أو فحص مقاساتها على الأرجل) شابه معينه من بشر هذا العالم تمارس سلوكًا طبيعيًا ولكن لا أحد تقريبا يتحدث عنه،مجرد سلوك معين هو ترتيب أحذية الضيوف وتجريب مقاساتها على قدميها ،ليس لأجل شيء معين، ربما لتقضية الوقت (كنت أجمعُ أحذية النساء القادمات إلينا وأتظاهرُ بأنني أرتبُ البيت) وأثناء تجريب الكعوب العالية تعتقد أنها ستقترب من عالم جميل آخر تحبه (وأنا أتفتلُ بالكعب العالي، جواز سفرٍ إلى عالم سيدات راقيات) إلى حد الاستغراق الكامل بممارسة تلك أللعبه البريئة ونسيان كل تفاصيل العالم عبر الخوض في أسرار الأحذية (لعبة الأحذية هذه كانت ممتعة بالنسبة لي وقدوم الضيوف إلينا كان فرصة ذهبية لاكتشاف أنواع أخرى من أسرارٍ تختبئ في الأحذية) ثم تخضع اللعبة إلى شروط وتصنيفات فمثلما للوجوه أشكال وأسماء للأحذية كذلك أشكال وأسماء (منها الضيقة ومنها المتهرئة ومنها العالية ومنها المغبرة ومنها اللامعة ومنها المطقطقة ومنها الملتصقة بالأرض).
أننا لا نتعامل مع نص عادي بل مع كاتبة واعية لما تقول وما تفعله بطلة قصتها فهي ربما تعتقد أحيانا إن سلوكها هذا فيه نوعًا من الغرابة، أقصد البطلة ولا أقصد الكاتبة فهي تقول (لم يخطر ببالي أن تتحول اللعبة إلى واقعٍ أشبه بحقيقة متخيلة سقفها حد الجنون) ونعود إلى ما نعتقد من تأويلات يمتلكها النص عبر بعض المقاطع التي نظن أنها تضيء بعض الجوانب الفلسفية وإشكالات فهم الوجود(آفاق مدهشة خلف الظلال افتتحت أمامي، وبت أعرف الكثير من الأمور المارة على درب الأحذية.. ) (يا ربي لماذا كل هذا الضيق) (وفي انتعال الكعب العالي اختصاراً لمساحة ساقطة على الأرض وتطاولاً في مساحات عالية من الفضاء كنت أشعرُ بسعادةٍ غربية تهلُ علي من عوالم عليا جعلتني أتسامى عن أمورٍ تلتصق بالأرض.. ) (معارك شديدة في إقحام قدمي في أحذية كثيرة كلها ضيقة)( فهن ضيقات في أحذية واسعة وأنا أخنقُ وسعي في أحذية ضيقة)ومن خلال التفسير الذي يحق لي كقارئ له تأويلاته الخاصة أستطيع القول بأن الحذاء/الرجل لم يليق بمقاسات بطلة القصة وفقا لغالبية الأحجام المعروضة في واجهات العالم ("سأتركه لكِ ..فأنا لا التفتُ إلى الأشياء الضيقة... ") إنها تختصر الكثير من التفاصيل بعبارات ناضجة تمنحها عمقـًا يعطيك نوعًا من الإبهام والقناعة الراسخة بأنك تعرف بطلة القصة وهذا هو أحد أسرار تعلقنا وإعجابنا ببعض النصوص، بدقه أكثر:تحس أنها تلامس شيئا في داخلك وهذا أيضًا أحد أسرار تفوق النص.
القصة منذ ألدفقه الأولى تكشف أنها كتبت بواقعية سحرية وهي تذكرنا تقريبًا بقصص ماركيز. إأننا بأشد الحاجة إلى هكذا نصوص ناصعة وجريئة ولا يمكنها أن لا تغادر أذهاننا بسهوله، بعيدًا عما ينشر يوميًا من الكثير من النصوص الهجينة.
لكنني وإن بدت القصة رائعة إذا ما أطرت بمسالة الحذاء حصرًا إلا أنني أرى أن هذا الحذاء يحتمل الكثير من التأويلات كفكرة البحث عن الآخر المناسب أو الخروج من جلد العالم مثلاً أو التعبير عن اعتراض خاص تجاه سلوك البعض :عبر حذاء.
*حسين محمد العنكود/كاتب من العراق/hu_m9@yahoo.com


*النص
ـــــــــــــــــــــــــ
قصة(42)عناق مواسي
لم يكن يشدني أي شيء في صغري، في زيارة لاتهمني كثيراً سوى...... الأحذية!!!
كنت أجمعُ أحذية النساء القادمات إلينا وأتظاهرُ بأنني أرتبُ البيت، خلسةً كنت انتعل ذات الكعب العالي... أرفع تنورتي لفوق ركبتي أستديرُ أمام المرآة الطويلة أقف متعامدةً مع الضوء، ارجع ظهري إلى الوراء، أحبس أنفاسي، أشدُ عضلات بطني، أدفع صدري نحوَ الأفق، وأسند يدي على خاصرتي وتنوري معلقة على مشجب أصابعي، أتطاول بعنقٍ باسق وأتمتع بمنظر سيقاني الطويلة.... ويا أرض اهتزي...
وأنا أتفتلُ بالكعب العالي، جواز سفرٍ إلى عالم سيدات راقيات...
يااااااااااه ... سعادة كانت تدغدغ أرجلي، إحساسٌ آتٍ من عالم رفيع، ذاك الذي يبدأ بالكعب العالي ولا أعرف أين يمكن أن ينتهي...
لعبة الأحذية هذه كانت ممتعة بالنسبة لي وقدوم الضيوف إلينا كان فرصة ذهبية لاكتشاف أنواع أخرى من أسرارٍ تختبئ في الأحذية ....حينما كنت أفترشُ لقدمي اليافعتين أراضين متعددة..
منها الضيقة ومنها المهترئة ومنها العالية ومنها المغبرة ومنها اللامعة ومنها المطقطقة ومنها الملتصقة بالأرض، وكان يُخيّل إلي أي أصحاب شأن هم أصحابها... حاولتُ مراراً أن أدخل قدمي في أحذية كبيرة وانظر فأرى فراغاً متبقياً فيها وكنت أتساءل متى ستكبر قدماي لأعبأ هذا الفراغ... ومع الوقت أصبحتُ خبيرة بالتجربة... وكلما كنتُ أرى إحداهن كنت أكتشفها لأول وهلة، فيما توطدت علاقتي بالنعال عبر تجربتي بانتعال حذاءٍ يلائم مقاسه مقاس قدمي.
لم يخطر ببالي أن تتحول اللعبة إلى واقعٍ أشبه بحقيقة متخيلة سقفها حد الجنون...
ذات صباحٍ ممتد لحلمٍ لم أتركه في صحوتي المتمردة وخيالي غير المنضبط، بعد استراق نظرةٍ عالية إلى عالم الراقيات، تعقد الأمر فجأة!!!
رفض الحذاء قدمي... رغم العلاقة الطيبة بينهما...ولا اعرف لماذا باءت محاولاتي بالانهزام..
والستون دقيقة تلفظ أنفاسها الأخيرة لإغلاق دائرة الثامنة!
وجربت الكثير لكنها أضيقت...وصار من الصعب إيجاد حذاءٍ ملائم لقدمي الطويلتين العريضتين قياساً لسني الصغير... ولم أخرج من البيت.
وكان علي أن أفتش عن حذاءٍ ملائم. بدأتُ أتجول بين محلات الأحذية وأسافر بعيداً لأنه لم يتوفر في قريتنا الصغيرة محلات أحذية لمقاسات كبيرة. آفاق مدهشة خلف الظلال افتتحت أمامي، وبت أعرف الكثير من الأمور المارة على درب الأحذية.. كان الأمر مثيراً وأنا أرى منظرها اللامع وهي تصطف بسكونٍ على الرفوف من على الواجهات الزجاجية تطلب ود المارين حباً في الانتعال، أعلق ناظري ادخل أحيانا إلى هناك.. أُمسكُ بيدي إحداهن فأراها ضيقة أو تافهة الصنع رغم أنها لامعة وجديدة.. فأنسحب!!!!!!
يا ربي لماذا كل هذا الضيق.... أما كان أن تكون قدماي أصغر اختصاراً لمشاوير الهم بحثًا عن ملاذٍ لأصابعي السائرة على هذه الأرض.... وأنا أرى الأقدام الأخرى تمشي براحتها وتستبدل ما يحلو من الأحذية وبمقاساتٍ صغيرة لكنها كثيرة ومتوفرة..
كانت أحلامي تكبر.. وسني عمري تكبر.. وأقدامي أيضًا تكبر لكن ....أحذيتي تبقى كما هي وأحياناً تضيق ...
كنت أخشى أن أخلع حذائي أمام الآخرين وكنت أعمل ألف حسابٍ للمكان الذي اذهب إليه إذا كان بحاجة لأصابع قدمي أن تنفس الفراغ.... وكنت التصق به خشية على أقدامي من أن تطول أكثر...
حتى أن آثار الدعسات التي كنتُ اتركها على الرمال كانت دائمة واضحة كأسراب بطٍ مختالٍ بعد المستنقع. ولما كنتُ أصل البيت كنتُ اخلعها عند المدخل بعد ضيق يومٍ كامل...
رددتُ في مسيرة التفتيش كلمة "وجدتها" إلى حين أنني كلما وجدتُ حذاءً ملائماً كنت أطير من الفرح وأبيته أحيانا كثيرة تحت غطائي كي يبقى معي ولا يفارقني وأتمتع بكل لحظة فرح أطيرها مع أقدامٍ وجدتُ لها أخيرًا مكانًا تطمئن فيه... وكان يكلفني تعباً مضاعفاً من البحثِ والقياس ومحاولات إقحام فاشلة في مساحات ضيقة....وفي انتعال الكعب العالي اختصاراً لمساحة ساقطة على الأرض وتطاولاً في مساحات عالية من الفضاء كنت أشعرُ بسعادةٍ غربية تهلُ علي من عوالم عليا جعلتني أتسامى عن أمورٍ تلتصق بالأرض..
والأمر تحول إلى مغامراتٍ غاية في الدهشة، في مساءات احتفالاتٍ تخصني عن بعدٍ كانت أو عن قربٍ، كنت أهملُ الهمَ طويلاً، وأحمله معي أينما أنا ..إلى الشارع، إلى العمل، إلى أي مكان..
وأفكرُ طوال الوقت، ماذا سأنتعل؟؟
حتى أنني كنت اشتري الحذاء أولاً ثم ألائم له فستاني على عكس الفتيات، بينما أرى الأحذية الأخرى تُنْتَعل بطريقة مدهشة في أرجلهن وكأنها فصلت إلى أقدامهن... وفي حفلة الرقص حيث يتمايلن بأجسامهن الناعمة كنت أرى استقرارهن في أحذيتهن التي تساعدهن على الحركة بينما أنا أخشى من الرقص وأبدو ملتصقةً بحذائي، وما حدث بالأمس كان غريباً..
المحلُ مزدحمٌ بالنساء. فأي توجسٍ بدأ بالخفقان في حذائي....
تظاهرت بإخفاء الحقيقة بدأتُ بطلب الأحذية ابتداءً من رقم 38 أقيسُ وأتوجعُ فاعتذر...
ثم 39 أقيسُ وأتوجعُ فاعتذر... ثم 40 أقيسُ وأتوجعُ فاعتذر ... حينها بدأت تتصوبُ نحوي أنظارهن باندهاش... وأنا أطلبُ أحذية بمقاساتٍ غير مألوفة لأقدام سنوات صغيرة في الجيل..
بلعتُ أنفاسي وطلبت 41 لأقيس، توجعت فاعتذرت لضيق القصة وغرابة اللون وأعذارٍ أخرى بينما يشتعل الغيظ في أصابع قدمي، كيفَ سأطلبُ مقاساً اكبر؟؟؟؟ والخروج دونما شراء زوجٍ منها يتطلب مني الاعتذار من صاحب المحل بعد معارك شديدة في إقحام قدمي في أحذية كثيرة كلها ضيقة...
وأنا أرصدُ أغلب مقاسات أرجلهن التي تتراوح بين الست وثلاثين حتى الأربعين وهذا ما جادت به الرفوف. تساءلتُ في سري، متى ستستقر قدماي في حذاءٍ يلائمها وتلائمه؟ وكيف سأطلبُ حذاءً يفوق مقاسه مقاس كل اللواتي في المحل؟؟؟
والأنظارُ تلتفت إلي، حاولتُ الانسحابَ بخفةٍ، سمعتُ إحداهن منهن تقول لي، "جربي هذا" وأشارت إلى حذاءٍ ما... أي إحراجٍ هذا... فهن ضيقات في أحذية واسعة وأنا أخنقُ وسعي في أحذية ضيقة......
صوبتُ نظري إليها... فإذا بها امراةٌ تافهة... فرمقتها من خلف كتفي وقلتُ وأنا أغادر:
"سأتركه لكِ ..فأنا لا التفتُ إلى الأشياء الضيقة... "
.

التعليقات