محمود درويش حلم بالعودة الى الجليل فاستقر به "المجيء" في رام الله / عبدالسلام الريماوي

محمود درويش حلم بالعودة الى الجليل فاستقر به
في الثالث عشر من شهر آب 2008 كان ابناء الشعب الفلسطيني في الجليل وحيفا ويافا والقدس ورام الله وفي كل بقاع اللجوء، ينتظرون ومعهم عشاق الحرية والانسانية في الوطن العربي والعالم، فارسهم الجميل محمود درويش بعدما "آن له ان يعود"، الى فلسطين الرمز والحقيقة، الى أمه حورية، الى شعبه الذي أمتلأ به حتى ضاقت شرايينه..
في مثل هذا اليوم من العام الماضي انطلق محمود درويش من مدينة هيوستن الاميركية، عائدا الى ذلك الجزء المتاح من وطنه الشخصي، على مرمى التفاتة من القدس، المدينة الايقونة التي لم يسكنها قط لكنها سكنته بازقتها واسواقها العتيقة..
محمود درويش عاد من هيوستن الى فلسطين مرورا بمدينة عمان التي كانت الملاذ الذي يلتجا اليه عندما كان هدير الدبابات الاسرائيلية امام بيته برام الله يصم اذن القصيدة، فتدخله فصلا آخر من حصار بيروت..
هنا على تلك التلة التي أطال التلويح نحوها - عن قصد او دون قصد- خلال لقائه الشعري الاخير مع جمهوره الفلسطيني في قصر الثقافة برام الله، كان مستقره "المؤقت"، (متران من التراب لجسده وللازهار التي يحب كي تمتصه على مهل).
مسافة قصيرة تفصل بين "مستقر" محمود درويش على تلك التلة المطلة على القدس والبحر، وبيته في حي الطيرة المطل ايضا على البحر. من هناك كان درويش يطلق لقلبه العنان كي يأخذه الى الشمس في البحر وقت المغيب والى البروة حيث الطفولة، والجديدة حيث الاهل، وحيفا حيث الرفاق والسجن والمدرسة..
لم تكن رام الله الوطن الشخصي بالنسبة لدرويش، وان كانت المكان الذي بدأ الفلسطينيون بصياغة اولى مفردات "وجودهم السياسي" فيه. وكان محمود يرد على سؤال تجسيد حلم العودة بان وجوده في رام الله "مجيء" وليس "عودة"، فهو لم يعد الى البروة مسقط راسه واما الجديدة فقد وصلها "زائرا" تارة و"مودعا" تارة اخرى، لأمه وأسرته..
في ذلك اليوم، قبل عام، كانت الدموع لم تجف بعد على فقيد فلسطين والانسانية، لكن كان على محبيه صغارا وكبارا ان يستعدوا لاستقبال شاعرهم بما يليق بأمير، فغصت شوارع رام الله ومحيط قصر الثقافة بجموع القادمين من الجليل والمثلث والقدس ونابلس ومن الجولان السوري المحتل. فامتزجت الدموع وتعانقت الرايات العربية في مشهد قلما تكرر في مدينة مثل رام الله.
جاءت "حورية" والاشقاء والشقيقات من قرية الجديدة، علّهم يستطيعون اصطحابه معهم الى هناك ليكون معهم وبينهم، لكن قوانين السياسة الاسرائيلية فرضت على الاهل ان يتركوا الأبن بين أهله ومحبيه في رام الله.. غير ان الأم لم تحتمل طويلا وجع البعد عن حبيبها، فلحقت به بعد ستة شهور.
لم يتحقق حلم درويش بالعودة الكاملة الى وطنه الشخصي فكان "المجيء" مرة اخرى الى رام الله...


.

التعليقات