بسمة نحّاس من أجل الناس

قد تكون بساطته وفطنته، وملامحه الطيّبة، بوابات دخوله إلى قلوب جمهوره دون استئذان، هكذا أعتقد أو هكذا شُبِّه لي، وعلى عكس ما يعتقده كثيرون أنّ إضحاك الناس أمرٌ سهل، لكنهم ينسوْن أنّ مَن يجعلنا نبتسِم يملكُ موهبةً خاصة وحضورًا مميزًا، يأخذنا من عالمنا الواقعي المليء بالمشاغِل والهموم والمتاعِب، إلى عالمٍ كلهُ تفاؤل ورضىً وانتعاش، هِيَ إذًا لمساتُ فنانٍ وإبداعاتُ ممثلٍ ونصوصٌ مُنتقاة بعناية، جعلتْ من الممثل والمخرج أيمن نحاس، حاضرًا دائمًا في الذاكرة المسرحية منذُ سنوات...

بسمة نحّاس من أجل الناس

 قد تكون بساطته وفطنته، وملامحه الطيّبة، بوابات دخوله إلى قلوب جمهوره دون استئذان، هكذا أعتقد أو هكذا شُبِّه لي، وعلى عكس ما يعتقده كثيرون أنّ إضحاك الناس أمرٌ سهل، لكنهم ينسوْن أنّ مَن يجعلنا نبتسِم يملكُ موهبةً خاصة وحضورًا مميزًا، يأخذنا من عالمنا الواقعي المليء بالمشاغِل والهموم والمتاعِب، إلى عالمٍ كلهُ تفاؤل ورضىً وانتعاش، هِيَ إذًا لمساتُ فنانٍ وإبداعاتُ ممثلٍ ونصوصٌ مُنتقاة بعناية، جعلتْ من الممثل والمخرج أيمن نحاس، حاضرًا دائمًا في الذاكرة المسرحية منذُ سنوات...

اختارَ أيمن نحاس دربًا طويلاً لا يعرف هو نفسه نهايته، ووضع خلال مساره بصماته، مَثّل وأخرجَ، عمل مع طاقم، ثم شارك في عمل ثنائي مع حنا شمّاس، في شماس نحاس، لعدة سنوات، ووقفَ وحيدًا على خشبة المسرح، ومثّل في أعمال مسرحيّة ضخمة، هي مجموعة من التجارب الفنية التي نالت اهتمام الجمهور، وهو سواء بمفرده أو في عملٍ ثنائي أو مع مجموعة اختارَ في معظم أعماله الكوميديا الساخرة والناقدة، لِيُعري هذا المجتمع مِن عيوبه، وليزرعَ أفراحًا وآمالاً رغمَ الصِعاب...

ما بين البداية واليوم!

يقول الممثل والمخرج أيمن نحاس: "ما بينَ البداية واليوم مشوارٌ طويل، تغيرت فيه الأشياء، كما تتغير حياتنا جميعًا، بدأتُ في العام 2001 بعملٍ جماعي في مسرح للمضطهَدين، هو عملٌ يطرح قضايا عامة تهم المُشاهدين، واعتبرها بداية قوية".

"وبعد هذه التجربة خُضتُ الكثير من الأعمال المسرحية تمثيلاً وإخراجًا، ومنذ البداية حتى اليوم تغيرت أمور كثيرة، أضفتُ لمسات جديدة، أزلتُ بعض الذي اعتدتُ عليه، تغيرْتُ وغيرتُ".

"وما بين التعليم والتطبيق مسافات طويلة، فسنوات التعليم منحتني الأدوات والإمكانيات، لكننا في الواقع ننكشف على عالم آخر، عالم ليس كُلُ ما نريدهُ مستطاع، ففي المسرح الحقيقي الواقعي على خشبة المسرح، نقف أمام جمهور لا يهمه الأدوات وما اكتسبته من التعليم، هو يريدُ مسرحًا فحسب، لكنّ أدواتي معي حتى اليوم، وتجربتي في العمل المسرحي جعلتني أعرف ما الجيد وما الملائم، وما يحتاجه الجمهور ولا ما يريده".

أيمن يُحب الإخراج ويعشقُ التمثيل!

عن علاقته بالتمثيل والإخراج قال أيمن: "أعشق التمثيل، أحب الوقوف على خشب المسرح، ولدي أكثر من 8 تجارب إخراج، أحببتها، وكان للكثير منها تأثير واضح، لكنني لا أريد أن أختارَ بين التمثيل والإخراج، خاصة أنني أحبُ هاتين التجربتين ولا استغني عن إحداهما على حساب الأخرى. قبل ثلاث سنوات قررتُ استكمال اللقب الثاني في الإخراج، في لندن، جهزتُ أوراقي وقُبلت للدراسة، لكن أزمة مالية اقتصادية ضربت العالم، وضربت الجمعيات التي كنتُ سأحصل على منحة منها، فقررتُ تأجيل مشروعي، لكنني قد أقرر يومًا ما قريبًا أو بعيدًا تنفيذ فكرتي التي طالما أردتها".

"العلاقة بين المخرج والجمهور تختلف عن علاقة الممثل بالجمهور، المخرج يُنهي عمله فتنقطع تقريبًا العلاقة مع الجمهور، يصبح العمل ملك الممثلين والمسرح والجمهور، أما التمثيل فهناك علاقة حسية إنسانية خاصة تربط الممثل بالجمهور، هُناك أرى نفسي مشدودًا".

هل أنتَ راضٍ عن مشوارك الفني؟!

"بالمجمل أنا راضٍ عن 95% من أعمالي التي اشتركت فيها، أحببتها وأحملها معي، أتمتع بكل لحظةٍ عشتُها، يعودُ بِيَ الخيال إلى شماس نحاس، هذا العمل الساخر الذي صقل شخصيتي المهنية والشخصية، التعامل مع مسرح ساخر ومع الكوميديا مع جميع التجارب بما فيها الساتيرا، الستاند أب الكوميدي، الكوميديا السوداء، السكيتشات، علاقة روحية جميلة تربطني بهذه التجارب، هي ليست بصمة في حياتي فحسب، إنها طريقة حياة".

"بعد هذه التجارب التي صقلت شخصيتي تغيرت نظرتي للعمل وللاختيارات، لا أقبل كل عمل لمجرد العمل، وأبدي اهتمامًا حيثُ أجد نفسي. نعم أحب الكوميديا وخاصة الساخرة، لكن هذا لا يمنعني أيضًا من القيام بعمل درامي، لكنني مرة أخرى أؤكد أنني أجد نفسي أكثر معطاءً وبكل قوتي في الأعمال الكوميدية الساخرة".

"ما كنتُ أريد أن أحصر نفسي في الكوميديا الساخرة تحديدًا، لكن ما يشفع لي أنّ أعمالي متنوعة، تعاملتُ من خلالها مع مسرح أطفال، مع الدمى، وأنا في مرحلة تشدني إلى مكانٍ لا أعرف أين سأصل فيه، لكنني أريد الوصول وأستمتع بالبحث وأنا مبحرٌ حتى أصل برّ الأمان. وكي لا آخذكم بعيدًا، أقول إنني في هذا الوقت أتعامل مع المسرح الساخر وعصارة تجاربي تزيدني معرفة وعطاءً آمل ألا ينضُب".

كيف تصف علاقتك بالجمهور؟!

"علاقتي بالجمهور قوية جدًا، لا أتعامل مع واحد ولا حتى مائة ولا ألف، إنها كميات بشر مخيفة، تتغير وتتطور وتختلف بأهوائها، نعم الجمهور يريد أن يضحك، وأنا أقدّم له ما يحبه، وأنا أيضًا شخصيًا سأختار الضحك على البكاء، لكن بنظري أنّ الأمر أبعد من ذلك، الجمهور أحبني ليس لأنني أضحكته فقط، بل لأنني تعاملتُ بمسؤولية مع هذا الجمهور، وجدتُ نفسي بالضحك، طورتُ قدراتي، أتينا بكوميديا "غير شكل"، كوميديا ناقدة ساخرة، صِرتُ في خانة المسؤولية، وهي ليست سهلة، قد تُصيب وقد تخيب، نعم أضحكهم، ولا ألومهم إن لم يعجبهم كل ما أقدمه، فهناك توقعات للناس، ولا أستطيع أن أعرف ما يتوقعونه، لكنني أستطيع البحث عن عملٍ جيد، لهُ قيمته سواء بالضحك الساخر أو بالدراما أو غيرهما. لكنني لن أسمح بتقديم أعمال "هبلة".

"بالمُجمَل العلاقة مع الناس موجودة من أجلهم أحضّر نفسي، وأحصل منهم على قوة وأعطيهم أيضًا قوة، علاقتنا متبادلة بعيدًا عن الشعارات الجميلة أننا سنُغيّر، بدون جمهور لن نستطيع، نطوي رسائلنا ونضعها في الدُرج، وما كانت لتنبع الثورات أصلاً، إن لم يحتضنها الناس والجمهور العريض".

ينتقدون بعض التعابير "البذيئة"، فكيف تواجه ذلك؟!

يرد نحاس على مصطلح البذاءة بالقول: "اليوم أصبح بالإمكان الذهاب بعيدًا، فالجمهور انكشف على أمورٍ كثيرة، ويتفاعل مع كل ما هو طبيعي، هذا لا يعني أن الجمهور حاضر للانتقاد، فكلنا لا يحب أن يوجَه له النقد، الجمهور يتفاعل مع كل شيء من واقعه، وربما يحب الناس أن نعيش معه لحظات شراكة في أمور معينة، لكنها متغيرة من مكانٍ لمكان ومن مجتمع لمجتمع ومن شريحة لأخرى، فابنُ العشرين ليس كما ابن الـ 14، وليس كما ابن الـتسعين. وقبل أن نختار الكلمات، نحنُ نتطلع بالأساس إلى فهم الحالة، فلا يُمكن أن نأتي بمصطلحات من تكساس لنقدمها في حيفا، لأنها لا تربطنا بصلة، ولا تعنينا، هي ليست أشياؤنا، ولا تصيبنا في الصميم. لكننا من خلال عروضنا التي قُدمت شماس نحاس والمسرح الساخر، وصلنا إلى الكثير من الأماكن، ونجحنا بالتعامل معهم".

"أما البذاءة، فلها استعمالاتها، ولا نستهدف استعمالها إلا لنوصِل فكرة ونوجِع مجتمعنا بِما فيه من تزييف كبير نعيشه، علاقتنا لا تقف عند الكلمات، وليسَ هذا هو همنا. عن الجنس مثلاً يقولون أن مجتمعنا غير جاهز، لا مشكلة لدي في ذلك، فنحنُ نعالج أمور لا تقف عند حدّ الجنس، هناك مظاهر سلبية خطيرة، العنف، القتل، استعمال السلاح، المخدرات كلها تحتاج إلى معالجة".

"أنا أحب التعامل بالتلميحات وأوجه ملاحظة في جميع عروضي أنني غير مسؤول عن أي فكرة سافلة، تخرج في رأسكم، ففي النهاية نحنُ مجتمع واحد، ونفهم على بعضنا البعض. لكن هناك استعمالات لها ضرورتها، وكما قال مظفر النواب ردًا على انتقاده لاستعماله كلمات "نابية"، قال: "قد يلومني البعض على بذاءة أقوالي، لكن أعطوني موقفًا أكثر بذاءة من موقفنا هذا"، وأنا أقول: ماذا عن بذاءة التصرف والتعامل والنميمة والعمالة والخيانة؟ أليست هذه بذاءة؟ نعم هناك مظاهر سيئة، لكنني أنظر بإيجابية ولهذا اخترت الكوميديا الساخر، لأغيّر ومجتمعي سيتقبلني".

خادم السيديْن

يتحدث نحاس عن العمل المسرحي الجديد فيقول: "خادم السيديْن"، يُعد من الأعمال المهمة في العالم المسرحي، لطريقة النص المكتوبة، والشخصيات المُشاركة. وفي العمل أقوم بثلاثة أدوار، أحدهم قصير، والآخر أطول، والثالث دور رئيسي لي في المسرحية. تواجدي في العمل يسعدني، خاصة أن معي طاقم من الممثلين، لنشكل جوًا رائعًا، النص غريب ولذيذ ومختلف، هو نصٌ لا يحمل شيئًا من العبقرية لكنه قوي بقصته البسيطة، وكوميديا من الأخطاء الجميلة التي تختفي بسرعة، بفضل الدقة والتلاعب بالشخصيات، مع إيقاعٍ سريع وجميل، هو سيركٌ مسرحي كبير".

"إنه عمل لثمانية ممثلين، الدور الرئيسي لعامر حليحل، مع أدوار رئيسية ثانوية وأدوار ثانوية، ومجموعة شخصيات تشكل جهدًا وعملاً مترابطًا ليس سهلاً، والكل منسجم في خطٍ واحد وطاقة واحدة ولا يُسمح بهبوط العزيمة، وعلى مدار ساعة و40 دقيقة نعيش بمتعة وكوميديًا مع تقنيات وإخراج جميل".

نحاس: نحنُ نفتقر ماديًا ونثري المسرح فنيًا!

عن التقدم في السنوات الأخيرة في مجال العمل الفني المحلي يقول نحاس: "نعم لا توجد ماديات كافية ولا مؤسسات راعية، لكن هناك قوة تجعلنا نتحرك، ربما يكون الخوف القادم ان تكون هنالك مؤسسات داعمة وتصبح المنافسة على "الشبع"، لا على الحاجة".

ويضيف "ما يحدث معنا على الساحة المحلية هي الإنتاجات الشخصية، والتي نجحت بفضل الإرادة والرغبة والتصميم، أنا عملت أكثر من 14 عمل على حسابي الشخصي، سواء في التمثيل أو الإخراج أو التسويق، وكلما زاد العمل كانت الحركة أفضل وكان الجمهور مُشاركًا أكثر، ينتظر العمل، ويُبدي اهتمامه فيه. هذا ما يجب أن نحافظ عليه، الوتيرة السريعة والحركة الدائمة، خاصة أنّ هناك فرق بين عمل يخرج كل أسبوعين وبين عملين يخرجان كل ثلاثة أشهر. العمل المسرحي يتطلب الحركة ويعوّد الجمهور على المتابعة".

المنافسة المشرّفة

يقول نحاس: "لا تضيرني المنافسة بل على العكس، وكل شخصٍ يقدم فنًا ويُبدع فيه فهو متميز، هذا يعني أن نجاح غيري لا يجعلني سيئًا، وفشل غيري لا يجعلني بارعًا، فلكلٍ منا الحق باختراق الأبواب، وبعيدًا عن المتاجرة بالفن والمسرح، من خلال عروض تجارية خاوية من المضامين، فهناك عروض أخرى تستحق الاهتمام. والمنافسة عاملٌ مساعد لتطور مجتمعنا، وهذا يجعل كل شخص يعمل بالفن يبحث عن الأفضل دائمًا، ولا يتوقف طموحي في النظر إلى مَن كان أحسن مِني، بل أنظر إلى ماذا سأقدم مِن جديد".

حاجز العالمية

عن العالمية علّق نحاس: "نعم أرغب في الوقوف على مسارح باريس ولندن وكان لي ذلك، لكني لا أحلم حدّ الهوس في النظر إلى العالمية. وإذا جاءتني فرصة فلن أعارضها، لكنني لا أركض إليها معصوب العينين".

"نعم أحب أن أعرض في باريس، لكنني أتعجل تقديم عروضي في البلدات العربية التي لم أصلها، نعم العالمية تسعدني وتثريني لكن همي الآن في البقعة التي اعيش فيها، أنا مرتبط مع هنا أكثر من ارتباطي مع الخارج، على الأقل هذه الفترة من حياتي".

هل تخشى عدم التقدير كما حصل مع جوليانو؟!

" رحيله مؤسفٌ، وصدمة كبيرة، وخيبة أمل أنّ يقدم أحدنا دون مقابل، ولا ينتظر سوى الاحتواء، لا أعتقد أن جوليانو انتظر مُقابلاً، هي احتوائية المجتمع والحاجة للاحتضان، ليس في جنين فقط، بل في كل بقعة من العالم، ننتظر الاحتواء ولا نحصل عليه، شيءٌ مؤلم حقًا، لكن هناك إصرارٌ على البقاء يجعلنا نواصل المشوار".

منَ يُنافسك؟!

يتحدث أيمن نحاس عن منافسه فيقول: "لا أريد ان اتحدث عن الكبار المخضرمين، أرى في صديقي وزميلي عامر حليحل ممثلاً متميزًا ومخرجًا وإنسانًا رائعًا، شعلة نار، يمنحني القوة والاهتمام الكبيرين وكذلك تربطني علاقة بخليفة ناطور، "يهوسني"، يسحرني رغم قلة مشاركتي معه. الاثنان انظر إليهما كمنافسين رائعين، وفنانين بارعين".

 

 

التعليقات