في لقاء مع «القدس الثقافي» .. الشاعر سامي مهنا: العرب مأسورون في حالة خطابة .. تجيشهم العبارات الرنّانة التي تتجاوب مع أحلامهم!

الشاعر العظيم، هو المخترق والمتخطّي والمتعدّي والمتجاوز للآفاق المرسومة، والعادات المتّبعة والأفكار القائمة المطلوب ثورات ثقافية تخلخل الأنظمة الاجتماعية التقليدية المقيّدة لحرية الرأي الآخر، والتي تقمع المختلف

في لقاء مع «القدس الثقافي» .. الشاعر سامي مهنا: العرب مأسورون في حالة خطابة .. تجيشهم العبارات الرنّانة التي تتجاوب مع أحلامهم!

الشاعر العظيم، هو المخترق والمتخطّي والمتعدّي والمتجاوز للآفاق المرسومة، والعادات المتّبعة والأفكار القائمة المطلوب ثورات ثقافية تخلخل الأنظمة الاجتماعية التقليدية المقيّدة لحرية الرأي الآخر، والتي تقمع المختلف
إحساس جميل أن تقرأ شعرًا داخل البحر أمام أسوار عكّا التي حطّمت عنفوان الغزاة . مصطلح الشهادة  بدأ يدخل في باب التجارة، ويخرج أحيانًا من سياقه المقدّس
القدس-القدس الثقافي- هو ابن البقيعة الجليلية »بلدة الشعراء» ..له ثلاث مجموعات شعرية ويترقب اصدار الرابعة، يتمتع بحس وطني مسؤول فهو يراهن على الإنتماء من أجل افشال المخططات الرامية إلى أسرلة المجتمع الفلسطيني في الداخل ، يتولى حاليا منصب رئيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين-حيفا، يقوم بجهود كبيرة من أجل لملمة تشتت المثقفين في الداخل وتوحيدهم تحت مظلة واحدة. هو اعلامي مبدع، يعتقد أن الإعلام العربي لا يقوم بدوره من أجل تقريب الناس إلى الأدب... تحزنه الحالة الثقافية العربية وتدني مستوى القراءة، إنه الشاعر سامي مهنا الذي يقول في لقاء مع »ے الثقافي» إن علم اسرائيل وكل ما فيها من رموز لا تمثله ولا ينتمي إليها.
يعتقد مهنا أن العرب عبارة عن »ظاهرة صوتية» يعيشون في حالة خطابة وتجيشهم العبارات الرنّانة التي تتجاوب مع أحلامهم. يؤكد ان الشاعر العظيم هو المخترق والمتخطّي والمتعدّي والمتجاوز للآفاق المرسومة، والعادات المتّبعة والأفكار القائمة، والايدلوجيا تسبي المنجذبين إليها.
يرفض التغييرات المستوردة ويطالب بثورات ثقافية تخلخل الأنظمة الاجتماعية التقليدية المقيّدة لحرية الرأي الآخر، والتي تقمع المختلف. وفيما يلي نص الحوار:

ابن قرية البقيعة الجليلية
-انت ابن قرية البقيعة الجليلية ..ما الذي تعنيه هذه القرية؟ وكيف اثرت البيئة التي عشت فيها عليك كشاعر؟ البقيعة قرية صغيرة، قريبة من لبنان، وهذا القرب يعطيك شعور التقاطع بين فلسطين ولبنان، وبأن بلاد الشام والوطن العربي لا تجزئة الحدود.
في الماضي أطلق المرحوم توفيق زياد على البقيعة »بلد الشعراء»، وذلك للنشاط الإبداعي الذي ميّز هذه البلدة، فهي تحّلت دائمًا بالحس الوطني، والحس الثقافي، وهذا ما يميّزها.
-على سطح بحر عكا قامت مؤسسة الأسوار بتكريم عدد من الشعراء الشباب من بينهم أنت، كيف تصف ذلك اليوم وما الذي يعنيه لك ذلك التكريم؟ كانت مبادرة جميلة من الأخ الأستاذ يعقوب حجازي مدير مؤسسة الأسوار في عكّا، وتمّت الأمسية بنجاح، ولفتت الأنظار إلى بعض الشباب المتميّزين.
وهو إحساس جميل أن تقرأ شعرًا داخل البحر أمام أسوار عكّا التي حطّمت عنفوان الغزاة.
الاعلام العربي لا يقرب الناس إلى الأدب
-تقوم بتقديم برنامج أدبي عبر أثير اذاعة الشمس بعنوان» كلمات» ..كيف تصف العلاقة بين الاعلام والأدباء وما الذي استطاع تحقيقه برنامج »كلمات»؟ وما هي آلية اختيارك للمواضيع التي تطرح فيه؟ أنا أعدّ وأقدّم برنامج »كلمات» للسنة الرابعة، في اذاعة الشمس، وهي الإذاعة العربية المستقلة الرسمية الوحيدة في البلاد، وتتحلى بالروح الوطنية، وهي الإذاعة الأكثر شعبية في الداخل، وبرنامجي أدبي ثقافي، يستضيف أدباءً ومفكريّن ومثّقفين من معظم الوطن العربي، بالاضافة إلى مواضيع أدبية وثقافية متنوعة، وقراءات شعرية ونثرية، وقد فوجئتُ أن الناس الذين لا يهتمون بالأدب عادةً يستمعون للبرنامج باهتمام، ممّا يشير أن الناس تحب الأدب، وأن من لم يعتد على القراءة يحب الإستماع أو مشاهدة ما يتعلق بالأدب والقضايا الثقافية، والمجتمع العربي قليل القراءة لكنه مرتبط بالأدب والشعر بغريزته، وهنا دور وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، التي بامكانها أن تقرّب الناس من الأدب، ولكن للأسف معظم وسائل الإعلام العربية المرئية والمسموعة لا تقوم بهذا الدور، لإعتقادها أن الأدب لا يجذب الجمهور العريض ولذلك يسقط من حساباتها في موازين الربح والخسارة، وأعتقد أنهم على خطأ.

اختراق الايديولوجيا
- يقول ادونيس: ما الذي يميّز الشاعر العظيم عن الشاعر العادي، فيما يتصل بالعلاقة مع الايديلوجيا؟ إن هذا الأخير »يلتصق» بالايديلوجيا، وينصب نفسه »داعية» لها، بينما الشاعر العظيم يخترقها، دائمًا، كلهب يمنع الأشياء والأفكار من أن تترمّد. فإذا كانت الايديلوجيا أفقًا محدودًا، فإن الشعر العظيم هو النسغ الذي يفجر هذه المحدودية، ويتجه نحو ما لا حدود له، وما لا ينتهي. بينما الشعر الرديء يتحرك في ظل الايديلوجية، ولهذا يكون تفسيرًا وإعلامًا، أي دون الشعر، ودون الايديلوجيا نفسها...ما رأيك فيما قاله ادونيس؟ هل تعتقد أن الشاعر العظيم يجب أن يخترق الايديولوجيا دوما؟ أتفق تمامًا مع أدونيس، والذي يشرفني بالمناسبة أنه تربطني به علاقة شخصية. والشاعر العظيم، هو المخترق والمتخطّي والمتعدّي والمتجاوز للآفاق المرسومة، والعادات المتّبعة والأفكار القائمة، والأيدلوجيا تسبي المنجذبين إليها، كونها حالة تتمازج فيها المشاعر والعقل، ولكي يخدم الشاعر والأديب والمفكّر الحقيقي هذه الأيديولوجيا التي يؤمن بها،عليه أن يخترقها كما قال أدونيس، ويطوّرها، ويحدّثها، لأن خطورة الأديولوجيا أنها إذا جمدت تحولّت إلى سجن، وتنقلب على نفسها وعلى المؤمنين بها، لذلك يجب على الشاعر أن يكون واعيًا للتحولات والتغيرات، وأن يحرّك الأديولوجية بتخطيه لها، لا أن يسجن نفسه في قوالبها الجامدة، كي لا يأخذ شكلها ومقاساتها وحجمها. فالإبداع تحرّك وتحريك، وتغيّر وتغيير لا جمود، فالجمود هو الاسم الآخر للموت.

العرب »ظاهرة صوتية»
-يقول ادونيس: العربي الاتباعي المنحى يفضل الخطابة على الكتابة، ذلك أن الخطابة أقرب إلى محاكاة النطق الإلهي أو الوحي، أي المعنى، من الكتابة. فالكتابة ليست إلا النطق وقد سقط في الزمان. إنها ظل شاحب للنطق....هل تعتقد أن الشعوب العربية تذوب في الخطابات كونها اتباعية؟ بالطبع، فإن العرب كما وصفهم أحد الأدباء، لا يزالون »ظاهرة صوتية»، ونحن مأسورن في حالة خطابة، تجيّشنا العبارات الرنّانة التي تتجاوب مع أحلامنا، كتعويض عن واقعنا، فنعيش في نشوة الخطاب، ننتصر فيه ونعيد أمجادنا، ونهزم الأمم، وندوس قمّة المجد، كل ذلك من خلال الخطاب، كأن الخطاب هو الفنتازيا التي ترفعنا إلى عالم الأحلام، وهذا التخذير، كان من أسباب هزائمنا. لست ضد الخطابة، شرط أن تفتح آفاقًا لبناء واقع آخر،وهذا يتم بعقلنة الخطاب العربي، وتحويله من خطاب تأجيجي تهييجي إلى خطاب نقدي عقلاني، ويحوّل العقلية العربية الإتّباعية إلى عقلية نقدية مفكّرة وفاعلة تستطيع التغيّر والتغيير. والفكر الاتباعي ينجذب إلى المألوف والمعروف، والخطابة العربية السائدة، هي اجترار دائم لكليشهات جاهزة، وهذه العقلية الاتباعية تنجذب إلى الخطاب السائد.

لا لاستيراد التغيير..نعم لثورات ثقافية
-يقول ادونيس كذلك: اذا كان التغيير يفترض هدمًا للبنية القديمة التقليدية، فإن هذا الهدم لا يجوز بآلة من خارج التراث العربي، وإنما يجب أن يكون بآلة من داخله، إن هدم الأصل يجب أن يُمارس بالأصل ذاته..ما هو رأيك برياح التغيير التي تهب على الوطن العربي بدءا من تونس ومرورا بمصر وغيرها من البلدان؟ أتفق مع أستاذي الكبير أدونيس، وجملته هذه التي طبقها شعريًا وأدبياً وعمّقها في كتبه الأخيرة هي الدفاع عنه حيال تهم استيراد الحداثة، وأنا أيضًا لا أومن بالتغييرات المستوردة من الخارج بأشكالها وقوالبها ومضامينها المستوردة، لأن لكل شعب نفسية عامة مختلفة على مستوى الماكرو، وهذه النفسية المتعلقة بالموروث والتراث واللغة والمعتقد والمجتمع والثقافة لا يمكن أن تتغير بآليات من خارجها، بل من داخلها، وهذا لا يتنافى مع التأثر الايجابي من الثقافات الأخرى الذي يأتي عن طريق التلاقح الثقافي، شرط أن يكون تلاقحًا، لا ذوباناً.
وبالنسبة لرياح التغيير التي تهب على معظم بلدان العالم العربي، برغم شعورنا الطيب ومناصرتنا لثورات الشعوب التي تطمح لحالة أفضل، إلا أنني أعتقد أنه يجب أن تصاحب هذه الثورات المباركة، ثورات على الصعيد الاجتماعي، تتعلق بالبنية النفسية والثقافية للفرد وبالتالي للجماعات، وإلا فإنّ هذه الثورات ستكون كالثورات التي سبقتها، قبل عقود، تبّل نظام بنظام، وإن كان النظام الجديد أفضل، فإن وضع الشعوب لن يتغيّر كثيرًا، فماذا يمكن أن يفعل نظام صالح لشعب تحكمه المعايير الرجعية، ولمجتمع يقمع المرأة والأقليات الديينية والمذهبية والعرقية، على سبيل المثال، الثورات التي يمكن أن تغير الأمة العربية بالإضافة إلى ثورات إسقاط الأنظمة الديكتاتورية والفاسدة، هي ثورات ثقافية تخلخل الأنظمة الاجتماعية التقليدية والسلفية والرجعية والأصولية والقمعية والمقيّدة لحرية الرأي الآخر، والتي تقمع المختلف.
الدكتاتورية في العالم العربي لا تقتصر على الأنظمة، بل هي مترسّخة في ذهنية الأفراد والجماعات، فالأب دكتاتور في بيته، ورجل الدين ديكتاتور في عقيدته، والسياسي دكتاتور في آرائه، إلخ.....، الثورة الحقيقية هي دمقطرة الأفراد والجماعات والشعوب وتغيير المفاهيم وليس فقط تغيير الأنظمة.

علم اسرائيل لا يمثلني
-في احدى التظاهرات التي نظمتها الطائفة الدرزية مطالبة دولة اسرائيل بتحصيل حقوقها، كنت مصرا على أن يقوم المتظاهرون بانزال العلم الاسرائيلي لأنكم تطالبون بحقوقكم ولا تستجدون..كيف ترى وضع الطائفة الدرزية اليوم؟ وما هو موقفكم من من الخدمة العسكرية لأبناء هذه الطائفة في الجيش الاسرائيلي؟ أقولها بصراحة إن علم اسرائيل وكل رموزها لا تمثلني ولا أنتمي إليها، فهي رموز تيولوجية ترتبط فقط باليهود، وحتى وإن انتهى الصراع العربي الفلسطيني الاسرائيلي بسلام شامل، واستعاد الفلسطينيون كامل حقوقهم، وأسسوا دولتهم المستقلة، وانسحبت اسرائيل من جميع المناطق المحتلة الفلسطينية والسورية واللبنانية، فإن كل هذا لن ينهي الصراع مع الفلسطينيين مواطني دولة اسرائيل، الذين يعيشون في دولة لا تعترف بهم كأقلية قومية، لها الحق المطلق أن تنتمي لشعبها وأمتها وذاكرتها، ورموزها، لذلك على إسرائيل أن تعي أنه لن تنهي صراعاتها دون أن تجد الصيغة النهائية التي يجب أن تتعامل فيها مع مواطنيها الأصلانيين، الذين تعتبرهم ضيوفًا غير مرغوب بهم رغم أنهم أصحاب الوطن، وهذه إجابة لحادثة مطالبتي بإزالة أعلام اسرائيل في مظاهرة للمجالس العربية الدرزية التي تتعامل معها دولة إسرائيل مثل كل باقي الأقلية العربية الفلسطينية في البلاد.
وموقفي من التجنيد الإلزامي المفروض قسرًا على هذه المجموعة منذ عام 1956، معروف ضمنًا، فأنا منذ ما يقارب العقدين، ومنذ رفضي الشخصي وحتى الآن أعمل ما بوسعي ضد الخدمة في جيش الاحتلال، وكنت من مؤسسي ونشيطي أكثر من حركة تناضل ضد التجنيد والتجند الطوعي لباقي أبناء شعبنا، ومن هذه الحركات، حركة المبادرة، وميثاق المعروفيين الأحرار، وحركة الحرية للحضارة العربية، والهيئة العامة لرفض الخدمة العسكرية والوطنية والمدنية، الممثلة بجميع الأحزاب والحركات الوطنية العربية في الداخل، والممتدة إلى بعض البلدان في العالم العربي.

نسعى إلى المساواة مع الشعب اليهودي
-تقول في قصيدة لك بعنوان »الانتماء» تقول: أنا أحيا بوَضْعٍ جَيِّدٍ... ولكنّي أُريدُ الانتماءْ.. فما الإِنسان يا ربّيبلا ربٍّ نسمّيهِ انتماءْ... أنا أحْيا بلونٍ باهتٍ... صُبِغتْ ملامحُهُ... لكي لا يُزعجَ الأسيادَ إِنْ مرّوا بحارَتِنا... أنا أحيا باسمٍ آخرَ... وبِنبْضِ قلبٍ آخرَ... وشهادةٍ أنّي على دينِ الولاء... لُملكِهمْ وسمائِهِمْ وحياتِهِمْ.. وتراثِهِمْ وصباحِهِم ومسائِهِمْ... جُرِّدْتُ منِ كلِّ الملامحْ.. كيْ أبيِّضَ جبهتي.. في عينِ سائحْ أنا يا ربُّ مغلوبٌ على أمري... فلا التاريخُ يَنْفَعُني.. ولا لُغَتي ولا أصلي... فهذا العصرُ لا يرضى بتاريخي ولا يرضى بحاضِرِنا.. فنحنُ العالمُ العاشِرْ... بلا أصْلٍ ولا لُغَةٍ... ولا عِلْمٍ ولا أَدَبٍ... ولا ماضٍ ولا حاضِرْ د=ولسْنا أمَّةً كبُرى..الفلسطيني الذي يحمل الجنسية الاسرائيلية دائما كان يعاني من قضية الازدواجية كونه مواطنا اسرائيليا ومنتميا للقضية الفلسطينية..في ظل الحديث عن الانتماء هل تعتقد بان ضم فلسطينيي الداخل لدولة فلسطينية ونزعهم من الدولة الاسرائيلية قد يكون حلا لموضوع الانتماء؟ لا أعتقد أنه هنالك ازدواجية بين الانتماء الوطني وبين المواطنة في دولة اسرائيل، بل العكس، لولا وجودنا كمواطنين في هذه الدولة، بظل الواقع التاريخي، لما بقي شبر واحد داخل فلسطين التاريخية يحمل سمات التاريخ الصحيح، الجليل والكرمل والمثلث بمساجده وكنائسه ولغته وانتمائه بقي كما كان قبل النكبة بفضل تمسكنا بالأرض حتى وإن كان الثمن الهوية الزرقاء. وعلينا أن نسعى بكامل قوانا لتحقيق المساواة الكاملة مع الشعب اليهودي، كوننا أصحاب الحق المطلق على أرض آبائنا وأجدادنا، وذلك دون أن نتنازل أبدًا عن انتمائنا المطلق لشعبنا وأمتنا، هذه المعادلة صعبة وتحتاج إلى الكثير من الوعي والصبر والصمود والنضال والوحدة والمساندة.
-تقول: سلامٌ على سرو الكلامْ... سلامٌ على ظلِّ الحسامْ... سلامُ النخيلِ ورملِ الصّحارى ورحمةُ أرزٍ... تخلَّص مّما نسميه حربًا.. فكتَّ الترابَ وهاجرَ غربًا.. أيا من يُفيقُ بأرض الفراتِ... أميّةُ تحتَ الحوافرِ نامْ فقبِّلْ نعلَ الخليفةِ ليلاً .. وقبِّلْ نعلَ الخليفةِ فجرًا.. عليه السلامْ...متى يحل السلام على وطننا العربي؟ سيحل السلام عاجلاً أم آجلاً، فلا يمكن لأنصاف الحلول أو اللاحلول أن تبقى إلا الأبد، وستفهم اسرائيل يومًا أن السلام العادل والشامل هو شرط بقائها، إذن الخيار عندها، إما السلام وإما الزوال، فالشعوب العربية تسير إلى الأمام قوة وتسلحًا، وكرامةً ووعيًا. ولا يمكن لجزيرة أن تحارب المحيط إلى الأبد.
وأتمنى أن يحل السلام العادل الذي يمكن في ظله أن نعيش سوية دون تفرقة.

صعود الغزل الصريح
-العريُ أفصحُ شارحٍ للعَيْنْ... وأراكِ واضحةً وغامضةً كمنعطفِ الفصولْ.. جسدٌ بلونِ الفجرِ يلبسُ ما تبقّى من ثيابِ العتمةِ... الصحوُ يبرقُ من شقوقِ الثوبِ ينحسرُ الضبابُ عن الصباحْ..ونضوجِ حبُّ الخوخِ يثقلُ غصنَهُ...ألا تعتقد بأن الغزل العذري يتراجع في هذا العصر لصالح الغزل الصريح؟ نعم أعتقد ذلك، وهو أمر طبيعي يواكب الانفتاح، فكل شيء اليوم صريح، انظر إلى الفضائيات والصحف ومواقع الانترنيت، كيف يمكن أن نتغنى بعشيقة نجالسها على طريقة قيس ابن الملّوح، وجميل بثينة، يجب أن يكون الشعر عن الواقع الملموس وإلا دخل في الكذب، الشعر والأدب الصريح كان شائعًا وبشكل طبيعي في الفترة العباسية، لأنه عبّر عن واقع الحياة المدنية، وكذلك الشعر المدني في الفترة الأموية، فشعر عمر بن أبي ربيعة المدني كان صادقًا، لأنه تحدث عن واقعه، وأيضًا شعر جميل بثينة العذري كان صادقًا لأنه عبّر عن طبيعة علاقته المرتبطة ببيئته وحياته.

الحالة النقدية في تراجع
-كيف تصف حالة النقد فلسطينيا وعربيا؟
هنالك حالة مؤسفة من الشلل النقدي، فلسطينيًا، ولا سيما في الداخل. عربيًا الحالة النقدية أفضل، لكنها بتراجع مستمر، وليست هنالك مواكبة حقيقية للتجارب الشبابية عربيًا، والنقد الحقيقي يتراجع لمصلحة، النقد الرديء، المحتكم للعلاقات الشخصية والخدمات المتبادلة، وهي ظاهرة منتشرة في المنتديات الالكترونية بشكل خاص، وأعتقد أن هذه الظاهرة تشكّل حالة من الفوضى التي تنسف الأدب الحقيقي. ومن ناحية أخرى هنالك نقاد كبار في العالم العربي، لكن فيضان النصوص، لا يترك لهم فرصة مواكبة الأعمال الجادة.

الخروج عن سياق مقدس
-تقول في قصيدة لك بعنوان» رسالة من شهيد يخلع الاوسمة»:لا تصدّقْ.. أنّني مِتُّ شهيدًا يا أبي..
أرسلوني قاربًا يجتازُ ... نهرًا من دماءْ... أحملُ الموتَ لوردٍ ولعشبٍ ولِماءْ... وانتظمنا موعدًا من حقدِ قايينٍ وعزيلٍ، ... وشئنا أن نشاءْ...... إنّما موتٌ أتى ... من حيثُ تحتجبُ السّماءْ... يحملوني فوق أكتافِ الأغاني... الشهيدُ البطلُ الحيُّ ... فلا تبكي أيا أمَّ الّشهيدْ... قابليهِ بالزغاريدِ وأشواقِ النشيدْ.. إبنَكِ الوحيدْ.... أغرقوكِ ... في الهتافاتِ، الأناشيدِ، القصائدْ... أغرَقوكِ في عناوينِ الجرائدْ...لا تبالي بالعباراتِ الجميلةْ... لا تبالي بالخطاباتِ الطويلةْ...لا تبالي بصَلاةٍ ... وثِقاتٍ ...هل تعتقد ان الاسخدام السياسي للدين قد افقد كلمة شهيد معناها في عصرنا هذا؟ عندما تستخدم السياسة الدين، تلوّث قدسيته، ونحن لسنا في عصر يحتاج فيه الدين إلى دولة، وفصل الدين عن الدولة هو من مبادئ الحياة المعاصرة، والدين البعيد عن السياسة يبقى أنقى وأرقى. وبالنسبة للشهداء والشهادة، أقدّس من يضحي بحياته لأجل قضية جماعية مقدّسة،ولكن مصطلح الشهادة بدأ يدخل في باب التجارة، وخرج من سياقه المقدّس، وأسأل: من هو الشهيد في المعارك الطائفية في العراق على سبيل المثال، ومن هو الشهيد في المعارك الفصائلية التي دارت في غزة بين فتح وحماس؟ وحتى العرب الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي حين يُقتلون يُسمون شهداء، فهل هم شهداء؟؟؟ وأسمع كثيرًا عبارة، اللهم اجعلني شهيدًا، فطلب الشهادة لأجل الشهادة هي محاولة اختصار الطريق إلى الجنة دون عناء.
الشهيد الحقيقي يضحي بنفسه إذا كان لا بد من التضحية من أجل هدف مقدّس أكبر من حياته، ويعود السؤال ما هو المقدّس ومن قدّسه، وندخل بإشكالية النسبية ووجهات النظر واختلاف المعتقد، ولذلك من وجهة نظري مقياس الشهادة هو الأخلاق، فإن كانت القضية التي يدافع عنها أخلاقية فهو شهيد، لذلك شهداء فلسطين الذين ماتوا لأجل قضيتهم العادلة، هم شهداء شهداء، وليسوا هؤلاء من تحدثت عنهم في قصيدتي.

الوحدة مع الأراضي الفلسطينية
-أنتم ترأسون حاليا اتحاد الكتاب الفلسطينيين في الداخل..لماذا جاء تأسيس هذا الاتحاد ؟ وما هي علاقتكم مع اتحاد الادباء والكتاب الفلسطينيين في الاراضي الفلسطينية؟ بعد مشاورات مع الكثيرين من الكتاب والأكاديميين تم الاتفاق على تأسيس الاتحاد، نظرًا لعدم وجود اتحاد كتاب منذ سنوات ممّا شكّل فراغًا وأحدث فوضى على الساحة الأدبية والثقافية، فوجهّنا دعوات إلى عدد كبير من الكتّاب، ووجدنا استجابة وحماسا كبيرا للفكرة، الأمر الذي تجلّى في الاجتماع التأسيسي الذي عقد في مدينة عكّا يوم 19.12.2010، وهو يضم اليوم حوالي التسعين كاتبًا من كل الأجيال.
وبالنسبة للعلاقة مع الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 67، فإننا وجدنا كل الدعم والمساندة، وشعرنا منذ البداية أن العلاقة طبيعية كما يجب أن تكون بين أبناء الشعب الواحد، وكلانا نعتمد مصطلح الوحدة لا التواصل والتعاون، وهذا النهج الوحدوي الصادق وجدناه راسخًا لدى الكثير من المؤسسات الفلسطينية، وعلى رأسها اتحاد الكتاب وبيت الشعر الفلسطيني ووزارة الثقافة، فالقائمون على هذه المؤسسات أناس وطنيون وشرفاء، ذوو رؤية وحدوية وشمولية ومتطلّعة لمستقبل أفضل. -ما هي أولوياتكم في هذا الاتحاد وما هي الاختلافات بينه وبين ما سبق تأسيسها من اتحادات؟وهل الأسماء الكبيرة قد انضمت للاتحاد؟ أود أن أنوّه أنه كان هنالك اتحاد عام برئاسة الشاعر سميح القاسم، وانطوى تحته اتحاد رئسه الكاتب محمد علي طه، ورابطة رئسها الشاعر حنّا أبو حنّا، وقد انحّلت هذه الأطر، وبقينا في فراغ بات محسوسًا لدى معظم كتّابنا، فأصبحت الحاجة ماسّة لإقامة اتحاد جديد، وقد استطعنا توحيد الأطر السابقة، فقد تشكّل مجلس استشاري للإتحّاد مكوّن من رؤساء الأطر السابقة، أي الأساتذة سميح القاسم وحنا أبو حنا ومحمد علي طه بالإضافة إلى أدباء متميّزين آخرين، من الرعيل الأوّل والثاني، ونستطيع أن نقول إن معظم الأسماء الهامة من كل الأجيال انضمت إلى الاتحاد ، بالاضافة إلى لجنة أكاديمية من حاملي لقب الدكتوراه في الأدب العربي والأداب الأخرى، والعلوم السياسية والإجتماعية والتاريخ والإعلام.
وأولياتنا تنظيم الحركة الأدبية، وإعادة الحراك الثقافي لمرحلة التأثير والتغيير والتفاعل الحقيقي مع الثقافة الفلسطينية والعربية والعالمية.

كاتب مشبوه وتفاهات لا تستحق الرد
- يشن الكاتب مرشد ميعاري في مقال بعنوان» انجاز مهزلة تنظيم اتحاد الكتاب الجديد» هجوما عنيفا على الاتحاد والقائمين عليه ويقول: قرأت اسمي سامي مهنا وأنوار سرحان ، وجدت صعوبة في تذكر مضمون ثقافي يربطهما في ذاكرتي، في البداية توهمت إن سامي مهنا هو حسين مهنا»، في اشارة منه إلى ان القائمين على الاتحاد ليسوا من ذوي الاسماء الأدبية الكبيرة. ويضيف»هناك ضرورة ملحة لقيام تنظيم أدباء، له مضمون نقابي، وثقافي وفكري، أكثر عمقا ومسؤولية من الطرح الذي حمله الخبر عن إقامة هذا الجسم بطريقة الخطف والو لدنة»..كيف ترد على هذا الكلام؟ نحن نعرف أن »مرشد ميعاري» اسم مستعار يتقنّع به كاتب مشبوه من الداخل، أحس بالنقمة على الاتحاد الذي تجاهله بقرار جماعي، لأسباب عديدة، أولها مواقفه الوطنية المشبوهة، ومستواه الأخلاقي المتدني ككاتب، وقد تلاحظ ذلك من خلال لغته السوقية الركيكة، وإذا قرأت هذا المقال جيّدًا لرأيت أنه ناقم على اسم الاتحاد الذي تجاهل اسم اسرائيل، وهذا أكثر ما أغضب هذا »الكاتب» حسب اعتقادي، وهو معتاد بالهجوم على كل ما هو وطني ونظيف أحياناً باسمه الصريح وأحيانًا تحت أسماء مستعارة مفضوحة.
أنا شخصيًا لا أكترث للترهات التي يكتبها هذا الشخص، وبالطبع لن أتطرق لقضية الأسماء الكبيرة وغير الكبيرة، »وقضية الخطف والولدنة» ما هذه الترهات، هل يستطيع أحد أن يخطف منصبًا أيًا كان من عشرات كتّاب ومثقفين مجتمعين لتأسيس إطار ثقافي؟ إنها تفاهات لا تستحق الرد، وأكتفي بأن زملائي الكّتاب شرفّوني وشرّفوا الأخت الكاتبة أنوار سرحان بانتخابنا بالإجماع، وهذا شرف كبير نقيّمه عاليًا من إخواننا وزملائنا الكتّاب والشعراء، ونتمنى أن نكون عند حسن ظنهم، وهذا ينطبق على الهيئة الإدارية، وباقي اللجان، والاتحاد جسم ديموقراطي، وستجري فيه انتخابات للهيئات وبضمنها الرئيس والأمين العام والإدارة مرة كل سنتين.

لا انتهاء لصلاحية الشعراء الكبار
-تقول في قصيدة لك: محمود درويش الشاعر الرمز الذي رفض الاتكاء على مساند اسمهِ وقضيته، وظلّ يبحثُ عن القصيدة الأجمل بقلق البراكين وحماسةِ العواصف وهدوء النخيل. حمل على كتفٍ وطنًا ضائعًا ينتظرهُ، وعلى كتفٍ قصيدةً مفقودةً يبحثُ عنها».. من يحمل اليوم القصيدة الفلسطينية بعد رحيل محمود درويش؟ محمود درويش شاعر كبير، ليس فقط على مستوى الشعر العربي، إنّما في مجال الإبداع لا يوجد »خاتم الشعراء»، الإبداع يستمر ويطوّر، ولا يتوقّف عند حدّ مهما ارتفع سقفه، ولكن في الشعر كأيّ إبداع آخر، يبقى من وصل إلى درجة إبداعية عالية، تتجاوز المكان والزمان في مكانة ثابتة ودائمة، ومحفوظة في الوجدان والنفوس، فمكانة امرئ القيس والمتنبي وأبو تمام والمعري وأبو نواس والجاحظ لا تنتهي صلاحيتها، مهما اختلف الشعر والأدب وتنوّع وتجدّد.
لذلك بالاضافة إلى الشعراء الفلسطينيين والعرب الكبار الذين لا يزالون بيننا ونتمنى لهم طول العمر، معين الإبداع الإنساني لا ينضب أبدًا.
-يقول نور عامر في مقال له بعنوان» سامي مهنا بين الابتكار والحدث المعاد» ان ديوانك الأول اصعد وسلمي نار حقق نجاحاً ملموسا لشاعر في بداية الطريق أما ديوانك الثاني فليس افضل من الأول، اما ديوانك الثالث »اشعل الدنيا قصيدة» فقد تجاوز مرحلة التجريب.. كيف يستفيد سامي مهنا من تجاربه وهل تتقبل النقد وتتعلم من التجربة؟ وما هو مقياسك لنجاح أعمالك: النقاد ام الجمهور؟ قد أختلف بعض الشيء مع الأخ الناقد نور عامر، الذي أحترمه وأقدّره، بالنسبة لحكمه على المجموعة الثانية، التي اختلفت عن الأولى، فنيا وتطوّرًا، وأتفق معه أن مجموعتي الثالثة وصلت إلى نضوج أكبر، وأعتقد أنها تمثّلني أكثر من المجموعتين الأولى والثانية، وتشكّل هويتي الشعرية الأكثر تبلورًا، وهذا أمر طبيعي.
وأنا بالطبع أتقبّل النقد، وأستفيد منه، وأودّ أن أقسى ناقد يتعامل مع نصوصي هو أنا، وهاجس التطّور يرافقني بشكل مستمّر، وكلّ قصيدة جديدة أكتبها، أتركها لفترة طويلة وأعيد قراءتها بعين موضوعية بعد أن أكون قد تحّررت من سطوتها وحبّها، فإن لم أجد فيها تطوّرًا واختلافًا عن القصائد المنجزة، أحكم عليها بالإقصاء، وربما بالإعدام.
وبالنسبة لمقياس النجاح، الأمر مركّب ومعقّد للغاية، فهنالك من أهملهم القرّاء والنقاد لفترة طويلة وأصبحوا فيما بعد حجر زاوية، وأبو حيان التوحيدي نموذجًا صارخًا فقد أهمل لقرون، واليوم بدأ يستعيد مكانته الإبداعية. لذلك لا يوجد مقياس نهائي، لكن اهتمام الجمهور والنقاد بشكل عام مؤشر صادق لمكانة الشاعر.

تحد كبير ورهان على الانتماء
--كيف تقيم علاقة المثقف الفلسطيني داخل الخط الاخضر بالمؤسسة الرسمية في اسرائيل؟ المؤسسة الإسرائيلية، تسعى ومنذ نكبة الـ 48، إلى التذويب الثقافي ولأسرلة من تبقى داخل الكيان العبري، من العرب الفلسطينيين، ومهمة كل المثقفين، والأحزاب والحركات والأطر العربية النظيفة، أن تواجه هذا المشروع الخطر، وهنا يلعب التثقيف الوطني والقومي، دورًا هامًا، وهو مهمة ليست سهلة، إذ أننا نواجه مؤسسات دولة، لها أذرعها العديدة الطويلة والقوية. فوزارة الثقافة الإسرائيلية تتدخّل بالمناهج التعليمية، وحتى أسماء المدن والقرى العربية، تتعبرن بقرارات حكومية، ومحاولة محو الذاكرة الفلسطينية موضوعة على الأجندة الإسرائيلية في أعلى مستويات الدولة، لذا فالتحدي كبير والمهمة ليست سهلة، لكننا نراهن دائمًا على وعي وانتماء شعبنا الذي تحدى المؤسسة الإسرائيلية منذ النكبة ولا يزال، إذ أنّ الست عقود ونيّف من حياة الدولة العبرية، لم تتمكن من ضرب الانتماء الوطني والقومي، بل أننا نرى أن كلّ جيل يتمسك أكثر من سابقيه بانتمائه الفلسطيني والعربي، وهذا جزء من معجزة شعبنا، الذي يربك ويحيّر المشروع الصهيوني برمّته.

تفعيل الحركة الثقافية في الداخل
-نلاحظ العديد من المنتديات التي تجمع الادباء الفلسطينيين داخل الخط الاخضر وتنظم لهم امسيات واحيانا تقوم بتكريمهم ..ما هو تقييمك للحراك الأدبي والثقافي داخل الخط الاخضر؟ لا بأس بالحراك الثقافي في الداخل، هنالك مؤسسات وجمعيات ثقافية وأدبية جيّدة، ونحن كاتحاد كتّاب بدأنا بالتعاون مع معظم هذه الأطر، وسنسعى لتفعيل أكبر للحركة الثقافية في الداخل.
-هناك هم فلسطيني عام يتمثل بالاحتلال ومحاولة طمس الهوية العربية لكل ما هو فلسطيني في هذه الديار، الا تعتقد بأننا كفلسطينيين ما زلنا نفتقد لمشروع ثقافي واضح المعالم في مواجهة حرب التهويد؟ ربّما يجب أن نعتمد إستراتيجية مدروسة أكثر لمواجهة حرب التهويد الخطرة، وان نواكب القوانين العنصرية التي تطورّها أحزاب اليمين الإسرائيلي، ونطّور أدواتنا كي نستطيع مواجهتها. وللأسف نحن معتادون على الاحتجاج والصراخ ورفع نفس الشعارات، ولا نطوّر دائمًا أدواتنا كي يكون رد فعلنا مؤثّراً وفاعلاً.

تطور شعري على حساب الرواية والقصة
- هناك من يقول بأننا كفلسطينيين أبدعنا شعرا أكثر مما أنتجنا قصة ورواية مؤثرة وفاعلة..هل تتوافق مع هذا الرأي؟ نعم أتفق مع هذا الرأي، وربما السبب يعود للحالة الخاصة التي أدّت لنمو وتطّور الشعر أكثر من الأجناس الأدبية الأخرى، وأهمها حالة المهرجانات الشعبية التي لعب فيها الشعر دورًا هامًا، الأمر الذي أدّى إلى احتفاء شعبي أكبر بالشعر من الاحتفاء بالأجناس الأخرى، وآن الأوان كي تأخذ القصة والرواية مكانتهما، ويوجد عندنا روائيون وقاصون على درجة عالية من الإبداع. والسبب الآخر هو أن العقلية العربية العامة مرتبطة بالشعر أكثر من الجنادر الأخرى لقدمه وارتباطه بالموروث، إلا أن باقي الأجناس بدأت تأخذ حيّزها.
- هل تعتقد ان الصحافة الإلكترونية في ظل التطورات التكنولوجية من الممكن أن تشكل بديلا عن المطبوع؟ لا أتمنى أن يحدث ذلك، رغم أهمية التطورات التكنولوجية وأهمية النت، إلا أن للكتب حميمية خاصة، لا تعوّض عنها شاشة الكمبيوتر، وثقافة الكتاب والمكتبات الورقية يجب أن تبقى.
- هناك من يقول بان الرواية العربية بدأت تخرج من معطف الرواية الغربية/ما رأيك في ذلك؟ وما الذي يميز الرواية الفلسطينية عن مثيلاتها في الوطن العربي؟ لا شك في ذلك، وكيف لا وعندنا روائيون كبار كنجيب محفوظ وحنا مينه وعشرات الأسماء الأخرى، الذين وضعوا بصمتهم على الأدب العالمي وليس فقط على الأدب العربي.
وأعتقد أن ما يميّز الرواية الفلسطينية منذ غسان كنفاني واميل حبيبي وغيرهم، هو الحالة المختلفة المرتبطة بالحالة الفلسطينية الخاصة.

لكل جيل خصوصيته
- ما هو الفرق بين ابناء جيلك وبين من سبقوك من الأدباء على الصعيد الفلسطيني؟ لكل جيل خصوصياته النفسية والاجتماعية والثقافية، وكل جيل يقف على أرضية ثقافية أعلى، شرط أن يكون ممن يعرف كيف يتّصل ويستفيد من التراث ومن القائم، ويعرف كيف ينفصل عنه دون انقطاع كي يتطوّر ويُطوّر.

انحسار أدب المقاومة
-هل تعتقد أن الأدب المقاوم آخذ بالانحسار في عصر هيمنة القطب الواحد؟ الأدب المقاوم بمعناه السياسي أخذ بالانحسار لأسباب كثيرة، ومنها انحسار الثورة الفلسطينية ذاتها، وتراجع المدّ القومي العربي، الخيبات العربية المتعددة، وانتهاء أحلام التغيير المرتبطة بالقومية والوحدة والاشتراكية، المدّ الديني المتعصّب عربيًا، عودة المجتمعات العربية إلى الدينية الشعبوية الشكلانية المنغلقة، الحروب الطائفية، الاحتراب والانقسامات الفصائلية الفلسطينية، معاهدة أوسلو الفاشلة، وغيرها... كل هذه التراجعات تحطّم الآمال التي دغدغتها الأحلام ذات يوم، وشعر المقاومة لا يرتبط بممارسات الاحتلال وحسب بقدر ما يرتبط بالشعور الذاتي ـ الجماعي الذي يحرّض مفهوم وأدب المقاومة التي تقاوم الاحتلال والاستعمار من خلال نفسية واثقة أن الاحتلال هو العدو الوحيد والعائق الوحيد لتحقيق حالة أفضل، لكن حين تكون الموبقات الداخلية لا تقّل عن الاحتلال إعاقة لواقع أفضل، يصاب الفكر والفن والأدب المقاوم بإحباطات. ومن ناحية أخرى تردّي الحالة كما وصفتها، يؤدي إلى اتساع مفهوم المقاومة، ويخرجها من دائرة المفهوم السياسي المقاوم للاحتلال والاستعمار والظلم الخارجي، إلى فكر وأدب مقاومة، أوسع يقاوم كلّ معوّقات التطور والتقدم والحداثة والعصرنة والحرية والديموقراطية والانفتاح، فتصبح مفاهيم المقاومة أكثر فلسفية وانسانية وشمولية، وتصبح المقاومة، مقاومة كل قبح ورجعية وتخلّف وقمع وظلم بما فيها الاحتلال، وتصبح حتّى قصيدة الحبّ التي تطرح مفاهيم راقية تحرّر المرأة من استعباد الرجل قصيدة مقاومة.

أقل شعوب الأرض قراءة!
- هناك من يجزم أن القراء العرب عموما في تناقص، أين يكمن الخلل في القارئ أم في الكاتب؟
أولاً نحن نعرف أننا وللأسف الشديد أقّل شعوب وأمم الأرض قراءة، وهذا من أهم أسباب مآسينا وانتكاساتنا وواقعنا السيئ كعرب وكمسلمين. ومن ناحية أخرى هنالك تضخّم في الكتّاب والكتابة ممّا يسيء لقيمة الأدب ويكثر من غابات الأشجار غير المثمرة، والتي يستصعب القارئ أمامها أن يميّز أو حتّى أن يهتدي إلى ما يستحق القراءة والاهتمام، وخصوصًا في ظلّ الإعلام والترويج التجاري. إذن المشكلة كامنة في جهتيّ المعادلة.

الكتابة حاجة نفسية
-لمن تقرأ ولمن تكتب؟
أقرأ كثيرًا ولكثيرين، وقراءاتي متنوعة بالطبع وغير مقتصرة على الأدب، وبالنسبة للأدب أقرأ الأدب العربي شعرًا ونثرًا، قديمه وحديثه، وأقرأ كثيرًا الأدب والشعر المترجم، وقليلاً في لغة الأصل بالعبرية والانجليزية، وطبعًا هنالك من أحبهم وأفضّلهم على آخرين ولكني لا أودّ أن أدخل في الأسماء، ولكن في الأدب والشعر والفكر العربي القديم أهتم جدًا بأدب الفترة العبّاسية.
وأكتب أولاً لأن الكتابة حاجة نفسية ملّحة، وأتمنى أن ما أكتبه يصل إلى الآخر ويِؤثّر فيه.
-ما الذي يضحكك وما الذي يبكيك كأديب ؟
نحن كعرب نعيش في حالة استثنائية تجعل ما هو مبك مضحكاً بالوقت نفسه، فكيف يمكن أن نسمع خطاباً لمعمّر القذّافي دون أن نضحك ونبكي في الوقت ذاته.
وعلى المستوى الخاص، أنا أحب الضحك جدًا، وتبكيني أمور كثيرة، ولا أستطيع أن أرى ألم إنسان دون أن أبكي أو أحزن إلى حدّ البكاء.
--ما هو جديدك؟هل لك ان تطلعنا على خططك المستقبلية؟ عندي مجموعة شعرية جديدة جاهزة للطبع، نشرت بعض قصائدها في الصحف والمواقع الالكترونية ولم أنشر الكثير منها، وسوف أرسلها لدار نشر قريبًا.
هل لك من رسالة أخيرة لقراء ےالثقافي»؟
أولاً أحيّي كل قارئ وصل إلى هذا السطر، وأقول إنّ اكتساب الثقافة هي من أهّم ما يمكن أن نفعله لأجل أنفسنا وأولادنا ومحيطنا ومجتمعاتنا وأوطاننا وشعوبنا وإنسانيتنا.
وأخيرًا أشكرك، وأشكر صحيفة ے وهي من أهم صحفنا الوطنية الفلسطينية لهذا الحوار، وأتمنى للأمة العربية المزيد من التنّور والتطّور والتقدّم، ولشعبنا الفلسطيني أن ينال كلّ مطالبه العادلة/ ويحّقق كلّ طموحاته للتحرّر والاستقلال وأن يزول الاحتلال البغيض وتقوم الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف بإذن الله.

التعليقات