أم الفحم ليست صالة عرض.. 800 سنة على ماذا بالضبط؟!/ ممدوح إغبارية

يصبو الغيورين على مستقبل البلدات العربية، وأنا واحد منهم، إلى رؤية بلادهم مفعمة بالحراك الثقافي والسياحي والتجاري؛ وقد شهدت أم الفحم خلال الشهر الماضي محاولة جديدة للوصول إلى الحال المنشود، تجسدت في المهرجان الثقافي "800 سنة على أم الفحم"، الذي قامت على تنفيذه وتنظيمه صالة العرض والفنون، أو مثلما يسميها بعض أصدقائي "جاليري أبو شقرة".

أم الفحم ليست صالة عرض.. 800 سنة على ماذا بالضبط؟!/ ممدوح إغبارية

يصبو الغيورين على مستقبل البلدات العربية، وأنا واحد منهم، إلى رؤية بلادهم مفعمة بالحراك الثقافي والسياحي والتجاري؛ وقد شهدت أم الفحم خلال الشهر الماضي محاولة جديدة للوصول إلى الحال المنشود، تجسدت في المهرجان الثقافي "800 سنة على أم الفحم"، الذي قامت على تنفيذه وتنظيمه صالة العرض والفنون، أو مثلما يسميها بعض أصدقائي "جاليري أبو شقرة".

شدتني الأخبار المنثورة على مواقع الشبكة الالكترونية بعد أن قابلت بعض اليهود الذين حضروا أمسية الأفلام الافتتاحية المساء نفسه، شغفا برؤية أبناء أم الفحم فعلا يحتفلون بـ 800 سنة على أم الفحم، مؤكدين عمقهم التاريخي وتشبثهم بهويتهم.. بأرضهم.. بالمكان.

سرعانَ ما أيقنتُ أنني لستُ بحاجة إلى التدقيق كثيرا في الحضور وبرنامج المهرجان حتى أجزم أن الوجوه الفحماوية غُرّبتْ، ولم تشارك لا على مستوى التجنيد ولا التحضير ولا الاشتراك في المهرجان.

800 سنة على مدينة أم الفحم دون مشاركة المؤرخ الفحماوي المعروف، الأستاذ وجدي حسن جميل، مثلا، هل يعقل ذلك؟! 800 سنة دون حضور الجهات الإعلامية والكتاب الفحماويين مثل الكاتب أحمد كيوان؟! 800 سنة دون التطرق إلى تاريخ أم الفحم السياسي، مهد الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل، التي ولدت فيها حركات "أبناء البلد" و"الحركة الإسلامية"، و"التجمع الوطني الديمقراطي"، كيف يمكن هذا؟! 800 عام دون التطرق إلى ثوار أم الفحم في الثورة العربية الكبرى 1936، وتكريم عائلاتهم.. هل يمكن ذلك؟! والأسئلة كثيرة.. وأهمها قد يكون 800 سنة على ماذا بالضبط؟!

إن ما نظمته وقامت عليه صالة العرض والفنون، ليس إلا مشهدا هزليا شغلوا فيه إسرائيليون وسياح (أي سياح بالضبط؟!) دور المتفرجين والممولين، ولعبنا نحن ببيوتنا القديمة وتاريخنا العريق دور دمى المسرح التي صفق لها الجمهور بحرارة، إذ بات من الجلي لأهلنا أن "جاليري أبو شقرة" لا تتعدى إلا أن تكون وكالة لصرف معاشات لموظفيها عن طريق تجنيد الأموال تارة باسم متحف يتم الاحتفاء به في تل أبيب، وتارة عن طريق مهرجانات ثقافية لا تمت بتاريخنا الإنساني بأي صلة.

تحاول صالة العرض والفنون أن تسوق نفسها وكيلا للتغيير الثقافي والنهضة المجتمعية كمؤسسة راعية للفن والثقافة في أم الفحم، ويتساءل المواطن الفحماوي عن عدد الفنانين المحليين الذين قامت هذه الصالة، وجمعيتها "الصبار"، برعايتهم وتطويرهم في السنوات العشر الأخيرة، والحقيقة تجيب: صفر.

يجب على كل وكيل تغيير الاهتمام أولا بالدفاع عن معالم التميز المحلي وتطويره، والتأكيد مرارًا وتكرارًا على الهوية الثقافية لسكان المكان، لأنهم هم حجارة الزاوية لأي تغيير، ودون التغيير بمساعدتهم، بهم ولهم، لا يكون التغيير والتقدم عموما إلا قصة بائسة على نسق الغراب الذي قلد النسر ولم يستطع أن يكون نسرا ولا أن يعود ليكون غرابا.

غزتني ذكرى أيام الطفولة عند كتابة هذا المقال بالذات.. كنت أشرع أسبوعيا بتنظيم جولة أبناء الحارة يوم الجمعة إلى المُغُر الواقعة في حي عين الشعرة وخربة الغطسة بجانب جبل الشجيرة، بحثا عن صناعة أشكال مختلفة من قطع الفخار الموجود هناك، وكنا حين نعود إلى بيوتنا نتساءل عن تاريخ تلك القبور والمُغُر الموجودة في الجبال، وكانت تملأ الإجابة قلوبنا بالغبطة والزهو والاعتزاز بأن تاريخنا يعود إلى 5000 عام، وبأنفينا كنعانيّة تضرب عميقًا في الجذور.

800 سنة على ماذا بالضبط؟!

التعليقات