"بدون موبايل" لسامح زعبي: سينما فلسطينية تجارية على الأبواب؟ / صالح ذباح

بات اعتياديا لدى متابعي الأفلام الفلسطينية عند صدور فيلم جديد، ذاك الترقب لحبكة مثقلة بالدراما والتراجيدية في أحداثها، يحضر فيها الاحتلال المباشر بجنوده ودباباته ودمويته، أو يحضر فيها سرد النكبة وتجسيدها على الشاشة.

بات اعتياديا لدى متابعي الأفلام الفلسطينية عند صدور فيلم جديد، ذاك الترقب لحبكة مثقلة بالدراما والتراجيدية في أحداثها، يحضر فيها الاحتلال المباشر بجنوده ودباباته ودمويته، أو يحضر فيها سرد النكبة وتجسيدها على الشاشة.

ليس مستغربا أن تطرح هذه الصور والأجواء القاسية لأنها تعكس الواقع الفلسطيني المعاش، وقبلنا كمشاهدين فلسطينيين هذا الصنف وغدونا شبه مستسلمين لهذا الجانر أو المعادلة التي يتبعها معظم المخرجين الفلسطينيين في أفلامهم التي تأخذ دوما في الحسبان حظوظ عرضها في المهرجانات العالمية، ولا نستطيع إنكار- بل نقدر عاليا- دور أجيال من المخرجين بدءا من ميشيل خليفة في "عرس الجليل"، وضعوا اسم فلسطين على خارطة المحافل الدولية ومثلوا قضية شعبهم.

لكن قد ينسى الكثير من صناع هذه الأفلام المشاهد العادي والعائلة الفلسطينية التي تتوق لمشاهدة أنواع أخرى من الأفلام، تعزز تعلقها بالسينما وشعورها بأن هناك من يعبر عنها وقريب من تفاصيل حياتها اليومية ـ بعيدا عن الميتافورا، والصمت، والهمس الحاضرة في كثير من مشاهد معظم الأفلام الفلسطينية، حتى أن بعض من هم في "صناعة" السينما الفلسطينية يمازحون قائلين: "كي تصبح ممثلا فلسطينيا اصمت في الأوديشين!". إلا أن المخرج الفلسطيني سامح زعبي نجح في الخروج عن الشكل المألوف للأفلام الفلسطينية في فيلمه الروائي الطويل الأول "بدون موبايل"، الذي بدأ عرضه في الداخل الفلسطيني مؤخرا.

سلاسة وبساطة

يقدم زعبي فيلما فلسطينيا كوميديا، يتميز بسلاسته وبساطة حبكته التي تدور في قرية فلسطينية جليلية، وتعرض صراعا يدور ما بين السكان والسلطات الإسرائيلية حول وجود برج خليوي في وسط القرية، من خلال أحداث بطلها شاب مراهق (جودت)، لا تساعده الظروف من حوله أن يتطور نتاجا للأوضاع الاجتماعية – السياسية التي يعيشها، في ظل وجود أب غاضب يرى فيه شابا يستعمل هاتفه المحمول بلا مسؤولية، وباستمرار، لمُغازلة البنات، لا ينجح في اجتياز اختبار اللغة العبرية ودائم التسكع مع أصدقائه في القرية، إلى أن يتحول جودت ودون أي سابق إنذار إلى شريك لوالده في نضاله، ويتولى ترتيب المظاهرات المطالبة بسحب البرج الخليوي لأضراره على سكان القرية من خلال مفارقات ومواقف كوميدية. 

يظهر زعبي تلاحما ملفتا ما بين جيلي النكبة الثاني والثالث من خلال علاقة بطل الفيلم بوالده، فعادة ما يتسم جيل الآباء في الأفلام الفلسطينية إما بالانكسار، أو المسكنة، أو الغضب، دون مبادرة للتغيير، لكن في "بدون موبايل" نلحظ نموذجا لوالد ينتمي إلى الجيل الثاني للنكبة، ما زال ثائرا وذا مزاج حاد، ويسعى بفعله إلى رؤية قريته أفضل، ويناضل في مساحته الصغيرة، وبفضل هذا التلاحم يقود الأب والابن معا حراكا جماعيا على مستوى القرية، يحاولان من خلاله تغيير الواقع.

كوميديا تلقائية

تحسب لمخرجنا الفلسطيني قدرته على رسم كوميديا سلسة وتلقائية على الشاشة مصنوعة بذكاء وحرفية، تعتمد على كوميديا الموقف دون ابتذال أو تهريج، معادلة يصعب تحقيقها وتتطلب توجيهات دقيقة جدا من المخرج، بالذات لطاقم تمثيل جزؤه الكبير ممثلون غير محترفين، أدوا أدوارهم بعفوية شديدة في وقت كدنا ننسى فيه تقريبا معنى التمثيل التلقائي في الكثير من الأفلام الفلسطينية.

المواقف الكوميدية في "بدون موبايل" مليئة بالخصوصيات المحلية الفلسطينية، إلا أن الفيلم في الوقت ذاته يحتوي على مقومات عالمية تذكرنا كثيرا بالأفلام الأوروبية ذات الملامح النيو- واقعية، التي تسرد المجريات اليومية وصراع الإنسان البسيط في محيطه، بإيقاع غير متسارع نسبيا، دون إبهار في تقنيات التصوير، ومع ذلك لم تغب القضية السياسية والملاحقة الأمنية والعنصرية التي يعاني منها الفلسطينيون في الداخل في مجالات التعليم والعمل والتطور، وإن كانت بعيار خفيف نسبيا وبنكهة "ساتيرية" لا تعطل سير الكوميديا، ولكنها تحمل مدلولات كبيرة وتعطي للفيلم بعدا سياسيا هاما عبر رسائل وجمل ملفتة في الشريط السينمائي.

"بدون موبايل"

يبقى الاختبار أمام "بدون موبايل"، والذي طاف عشرات المهرجانات العالمية وفاز في بعضها كمهرجان "مونبيلييه" الفرنسي، أن يثبت نفسه كفيلم تجاري (كما يرغب مخرجه) في الأراضي الفلسطينية، قادر على اجتذاب الجماهير، متحدّ لظروف التوزيع والتسويق الصعبة في الداخل الفلسطيني، والتي ساهمت بشكل أو بآخر في بلورة الأشكال الحالية للأفلام الفلسطينية، إثر رغبة المخرجين في تطريز أفلام تناسب مقاسات المهرجانات في المقام الأول، وإن أفلح "بدون موبايل" في فتح الطريق لسينما فلسطينية تجارية تتحرر من قيود الممولين قليلا، هل ستشجع تجربة زعبي مخرجين آخرين على التفكير في فيلم فلسطيني ذي جانر سينيمائي لم نعتد عليه؟ هل ستدخل قوالب كالأفلام الغنائية أو البارودي أو الفنتازيا قاموس السينما الفلسطينية؟ ويبقى السؤال الأهم: هل نحن كفلسطينين قادرون أن نقوم بذلك تحت الاحتلال؟

التعليقات