تخريب آثار الحسكة التاريخية في ظل حُكم داعش

معالم مدينة الحسكة التاريخية، التي تعتبر من أهم التلال الأثرية في سوريا، في خطر، جزء من هذه المعالم والآثار تم تكسيرها على أيدي الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، بعد أن ألقى عناصر داعش القبض على مهربين أجروا عمليات تنقيب وتهريب لبعض من هذه الأثار. موقع "تحرير سوري" أعد تقريرًا عن معالم الحسكة في ظل سيطرة داعش.

تخريب آثار الحسكة التاريخية في ظل حُكم داعش

معالم مدينة الحسكة التاريخية، التي تعتبر من أهم التلال الأثرية في سوريا، في خطر، جزء من هذه المعالم والآثار تم تكسيرها على أيدي الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، بعد أن ألقى عناصر داعش القبض على مهربين أجروا عمليات تنقيب وتهريب لبعض من هذه الأثار. موقع "تحرير سوري" أعد تقريرًا عن معالم الحسكة في ظل سيطرة داعش.


تعد محافظة الحسكة من المناطق الغنية بالإرث الحضاري والتاريخي الذي يعود إلى الألف السادس قبل الميلاد. إضافةَ إلى غناها بالتلال الأثرية، فمدينة الحسكة تحوي على أكثر من 1200 تل أثري. ولكن هناك على الضفة اليمنى لنهر “الخابور” تل عريق وضخم كان شاهداً على حضارات عريقة، هو ما تبقى من مدينة “عربان” وهي أكبر مدينة عرفها التاريخ في الفترة اليونانية، التي بناها العرب أثناء الحكم اليوناني وقد كانت حاضرة عظيمة، لا تقل في هيبتها عن “تدمر”، وقد استمرت المدينة حتى العصور الإسلامية حيث تنبه الخلفاء الأيوبيون والزنكيون لأهمية هذا الموقع من النواحي الاستراتيجية والعسكرية، من خلال صد هجمات التتار والمغول، حيث بنى هناك “نور الدين الزنكي” أكبر جسر لعبور نهر “الخابور”، لتمكين المقاتلين والتجار من العبور إلى الطرف الآخر دون الذهاب إلى المناطق التي تسيطر عليها القوات المغولية . وفي العصور الآشورية قبل 900 سنة من الميلاد عرف الملوك الآشوريون أمثال “حدد نيراري” و”تيكولتي نينورتا” أهمية المدينة للسيطرة على حوض “الخابور الجنوبي” ومنطقة “وادي الفرات”، وتميزت المدينة بأسوارها الضخمة وتماثيلها التي تبرز الثور المجنح الآشوري المعروف بضخامته وهيبته، وكان الناس في أحد أبواب مدينة “عربان” في تلك الفترة يقدمون النذور ويدفعون الضرائب للآلهة.

تاريخ بداية التنقيبات الرسمية التي حدثت في تل “عربان” الأثري

بدأت الدراسات الأثرية لسهول “الخابور” مرحلتها الأولى في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، عندما ورد نبأ للباحث الإنكليزي “أوستن هنري لا يارد”، الذي كان يعمل في موقع “نمرود”، أنه تم اكتشاف تمثالين كبيرين في “تل عجاجة”، مما دعاه إلى تنظيم حملة استكشافية خاصة للتنقيب في هذا التل الأثري، وفعلاً تم التوجه إلى المنطقة في ربيع عام 1850 ميلادي، حيث أجرى سبرين طوليين في التل، عثر خلالهما على بقايا قصر آشوري وعدد من التماثيل وكؤوس عليها نقوش، إضافة إلى خمس منحوتات تمثل ثلاثة ثيران لها رأس إنسان وسبع وجني (أي مخلوقات الجن)، وهكذا قادت تلك الشواهد إلى اعتقاد العلماء أن هذا التل يخفي في ثناياه مدينة “شاديكاني”، التي ورد ذكرها في سجلات الملوك في القرن في القرن التاسع عشر قبل الميلاد، وهم “حدد نيرا ري”، “تيمولتي نينورتا”، و”آشور ناصر بعل الثاني كما استطاع العالم “ج. سميث” من خلال اعتماده على النصوص المسمارية المكتشفة في الموقع، أن يعرف “ الثور المجنح” ، هذا التل الفخم بمدينة “شاديكاني”، حيث كان هذا التل الوحيد الذي تمكن الباحثون من معرفة هويته الحقيقية، وبالتالي معرفة اسمه الأصلي، كما أجرى “لايارد” أبحاثاً أثرية في “الخابور” الأعلى كشفت عن بقايا تل “مجدل”، مشيراً إلى أن الأبحاث توقفت في الفترات اللاحقة، ولكن عادت هذه البعثات الاستكشافية من قبل الحكومة السورية في ثمانينات القرن الماضي .

يقول “عمر” لتحرير، أن هذا التل تحول منذ ثمانينات القرن الماضي إلى مقبرة متعارف عليها محلياَ بتل “عجاجه”، ويضيف أن لهذا التل أساطير عديدة يتداولها سكان هذه المنطقة، فيعتقد سكانها بوجود الجن في هذه التلة، كما ويوجد لوح طيني كان قد كتب عليه “نحن الذين متنا بالثلج الأحمر “، والأسطورة تقول إن في مرحلة من مراحل التلَة التاريخية نزل ثلج فغطى المنطقة باليوم الأول، واليوم الثاني كان كل من لمس الثلج مات وأصبح لون الثلج أحمر. ومن الأساطير الأخرى المنتشرة بين أهل هذه المنطقة، وجود مغارة تحوي سرداب، يقال أنَ هذا السرداب مربوط بمجموعة من سراديب أخرى تربطه بتلال المنطقة المحيطة بها منها تل “أحمر “، ويقال إنه يوجد بها سراديب لا حدَ لها.

تاريخ التنقيبات والحفريات الغير رسمية التي حدثت في تل “عربان”

يقول “عمر”: بدأت عمليات التنقيب في الفترة ما بين السبعينات والثمانينات عندما كان الناس تدفن موتاها على التل، بسبب طبيعة التل ونوعية تربته وسهولة الحفر فيه وبعده وأنه ذو أرض خصبة …. الخ. فعند عملية حفر القبور دائماً كان يتم العثور على بقايا غرف أو لقيات فخارية، ويضيف قائلاً: حتى أن بعض شواهد القبور الموجودة هناك لوحدها تحفة فنية. أضافةً للعثور على بعض القطع النقدية التي تعود لعصور مختلفة، وبقايا جرار وفخاريات متحطمة. ولكن الناس في هذه الفترة الزمنية، كان لديها خوف من اللَعنات واحترام الميَت، فعند العثور على هذه اللقى كان الناس يدفنوها مع الميت، فلم توجد بهذه الفترة عمليات تهريب أو بيع لهذه المكتشفات. ومن ثم كثر الكلام عن التل وعن أثاره، فتمت زيارة بعثة من قبل الحكومة السورية في بدايات التسعينات وكان أول تنقيب لهم من ناحية المنارة، وعثروا على الثور الجنَج، بالإضافة إلى أشياء أخرى ويقال إنهم عثروا على ذهب في هذه المنطقة.

يتابع “عمر” حديثه: لم تمنع عمليات الدفن في هذه التل من قبل الحكومة السورية، واستمر الدفن لكن بوجود تصاريح وأن تتم مراسم الدفن بوجود حارس المقبرة أو التل أثناء الحفر. أما في فترة الثورة السورية، وتحديداً عند تحرير الجنوب ومنطقة “تل عجاجه” و“العريشة” بحوالي شهر شباط من عام 2012، فقد كان التل في الأشهر الخمس الأولى عبارة عن مقبرة فقط، ومن ثم بدأت الحملات المتجلجلة للحفر. ويتابع “عمر” قائلاً: بدأ التنقيب على شكل هجمات ومحاولات من أفراد القرى المحيطة، وتحديداً لصوص قرية “الجلو” الواقعة في الشمال الغربي من التل على بعد 1كم، وباعتبار أن الجزء الشمالي من التل هو مقبرة لأهل قرية “الجلو” والجزء الجنوبي لأهالي قرية “عجاجه”، فكانت الحفريات متركزة في الشمال من الجهة الشرقية تقريباً وبعدها ما لبثت أن شملت هذه الحفريات شرقي التل ووسطه، ولأن التل من الوسط كان شبه منخفض، فكان التركيز عليه بالمراحل اللاحقة. فمن الذين ساهموا بعمليات التنقيب والسرقة، هم بعض من أهالي قرية “الجلو “وأفراد من كتائب الجيش الحر، يقول “عمر”: أتذكر منها كتيبة من دير الزور اسمها “لواء القادسية “إضافةً لكتائب أخرى من المنطقة، ومجموعات من المنتمين إلى جبهة النصرة قبل ظهور الدولة الإسلامية “داعش”.

في هذه الفترة، عندما بدأت عمليات التنقيب بالانتشار واتصفت بالكثرة والعشوائية، قام ناشطوا مدينة الحسكة حملة توعوية وتوجيه رسائل إلى الهيئات الشرعية وكتائب الجيش الحر، ولكن لم تلقى هذه الدعوات أي أذان صاغية. ومن ثمَ منعت “جبهة النصرة” عمليات التنقيب إلى حين إعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”.

التنقيبات في ظل الدولة الإسلامية “داعش”

بعد سيطرة الدولة الإسلامية “داعش” على المنطقة ككل، عاد التنقيب وازدهر مرة ثانية. فقد ذكر الناشط “عمر” حادثة عن أحد عمليات التهريب التي تمت، فقال: كان أحد المنقبين قد عثر على تماثيل أشورية، ولكن قد بلَغ عنه أحدهم، “لأنّ المنقب الذي عثر على التمثال لم يرضى أن يتقاسم المال بحال تمَ بيع التمثال مع هذا الرجل”، فقام الرجل بإبلاغ عناصر الدولة الإسلامية “داعش” فقامت الدولة بتكسير التمثال، وقالت: “هذه أصنام ويجب أن تحطَم”، لذلك عند عثور الدولة على أي من التماثيل تقوم بتحطيمه على الفور. ومن ثمَ قامت الدولة الإسلامية “داعش” بوضع حاجز على طريق بري نحو العراق، قام هذا الحاجز بالإمساك بعدد من المهربين الذين كانوا يحملون تماثيل، هذه التماثيل تعود إلى الحقبة الأشورية، وكانت قد عرضت للبيع مقابل مبلغ “تتفاوت الشائعات على قيمة المبلغ فيقول البعض، بقيمة 500 مليون دولار للتمثال الواحد “ولكن “عمر” يقول: أن هذا الرقم بحاجة إلى تدقيق. كما يضيف أحد ناشطي المدينة الملَم بتاريخ هذه المدينة ويعمل على أرشفة مقتنياتها: “إنَ عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” تعاملوا مع الموضوع بأسلوب عقائدي بحت، فقالوا أي أثار وتماثيل هي صور يجب طمسها وإزالتها، وبالفعل تم تدمير عدد من التماثيل الأثرية المستخرجة من تل “عجاجه” الأثري، والذي كان سابقاً مدينة أشورية ضخمة تسمى “شاديكاني” ومن ثم مدينة أخرى في العصور المتلاحقة وخاصة العصر الروماني كانت تسمى مدينة “عربان”. كما تعرضت التلال المحيطة بجبل عبد العزيز للهتك والحفر اليومي، وشوهدت مئات القطع الأثرية بأيدي أهالي القرى المحليين، الذين يحاولون بيعها لمن يشتري بغض النظر عن جنسه ولونه.

تدمير تماثيل “الشدادي”

كتب الاعلامي ابو العلاء من مدينة الحسكة عن هذه الحادثة، فقال: قام عناصر من تنظيم دولة الإسلام بمصادرة عدد من اللقى الأثرية في ريف بلدة عجاجة (35كم جنوب الحسكة) ونقلها إلى مدينة الشدادي وقال بعض المواطنين الحاضرين أن عناصر التنظيم نصبوا اللقى الأثرية أمام مبنى المحكمة الشرعية بالشدادي ثم قاموا بتحطيمها على مرأى ومسمع من المتجمهرين هناك مع إطلاق الوعيد لكل من يبحث أو يتاجر أو يروج لهذه اللقى بالعقاب الشرعي المناسب. ويبدو من الصور الواردة أن هذه اللقى (تمثال لأحد الملوك الداثرين – حيوان مجنح) تعود لفترة الدولة الآشورية قبل الميلاد بما يزيد عن ألفي عام كما أنها مشابهة للقى تل عربان (عجاجة) والتي تعود إلى عهود دويلات المدن الآرامية التي انتعشت بُعيد الغزو الميدي لبلاد ما بين النهرين وانحسار حضارة نينوى. كما وقد خصَ الناشط “عمر” تحرير سوري، بالحديث عن بعض المكتشفات التي تمَ العثور عليها في بعض عمليات التنقيبات، فيقول: من بين الأثار التي عثر عليها وتمَ اكتشافها عن طريق المنقبين واللصوص، حجارة كريمة وقطع ذهبية إضافة إلى تماثيل تعود إلى العهد الأشوري تمثل “ثيران مجنحَة”، البعض منها استولت عليه الدولة الإسلامية “داعش” والبعض منها تمَ تهريبه. فقد تم بيع لوح طيني مسماري بقيمة زهيدة جداً “1500$” دولار إلى تجار من تركيا، أبعاد هذا اللوح تبلغ “15*25سم” كان قد عثر على هذا اللوح في تل “عجاجه”. وقد وجدت أيضاً قطعة ذات أهمية إضافة لسبع قطع أخرى، وهي عبارة عن أختام مختلفة الترميزات والأشكال، أبعادها “3*5سم” تقريباً، هذه الأختام معروضة للبيع بقيمة 900$ دولار للقطعة الواحدة.

وقد وجدت هذه الأختام في أحد تلال المدينة الأثرية. أيضاً قد تم العثور على كميات كبيرة من فخاريات تحوي على ذهب، يقال إنها من “لقيات الهول”. وجدت في ريف بلدة الهول شرقي مدينة الحسكة على بعد 40كم قرب الحدود مع العراق، فقد عثر على هذه الفخاريات الأهالي الذين يقومون بعمليات تنقيب غير شرعية، يقال أن الكمية تقدر بنحو طنين من الذهب “لا أحد يعرف المقدار الحقيقي لهذه الكمية” يضيف “عمر” متابعاً حديثه في تفاصيل مصير الذهب، قام بعض المنقبين بالحفر، و وجدوا جرات الذهب ولكن كان قد حدث إشكال بينهم أدى ذلك لإصابة أحد المنقبين، فوصل الخبر إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” فقامت بعملية مداهمة و قامت باعتقالهم جميعاً، و وضعت الذهب في بيت مال المسلمين . لم يتم البتَ في القضية حتى الأن بين المتخاصمين والمنقبين، فحسب الشريعة الإسلامية “إنَ الذي يعثر على كنوز الأرض يحصل بيت مال المسلمين على نسبة تقدَر بالخمس أما الباقي فيعود للمستكشف ”، هذا الذي تستند إليه الدولة الإسلامية “داعش”، ولكن إلى الأن لم يتم البتَ بالقضية ولم يعرف مصير الذهب، الذي أفاد ناشطون أن هذا الذهب يعود لفترة العصور الرومانية. بالنهاية، يوجه الناشط “عمر” عن طريق تحرير سوري، رسالة للمنظمات الداعمة للتراث وللأثار بملاحقة جميع التجار والمهربين في تركيا وأوروبا، وإعادة القطع المهربة إلى المدينة.
 

التعليقات