رسالة إلى روضة/ فتحي مرشود

رغم مرور حوالي العام على رحيلها، لكني وجدانيًا وعاطفيًا وشعوريًا ما زلت لا أصدّق بأن روضة بشارة - عطا الله رحلت لا أدري إلى أين... لأن روحها وفكرها راسخان وملموسان داخل الآلاف، خصوصًا الصبايا والشباب في كل فلسطين وأبعد من ذلك..!

رسالة إلى روضة/ فتحي مرشود

رغم مرور حوالي العام على رحيلها، لكني وجدانيًا وعاطفيًا وشعوريًا ما زلت لا أصدّق بأن روضة بشارة - عطا الله رحلت لا أدري إلى أين... لأن روحها وفكرها راسخان وملموسان داخل الآلاف، خصوصًا الصبايا والشباب في كل فلسطين وأبعد من ذلك..!  لذلك وللوهلة الأولى عند استلام توجه بالبريد الإلكتروني من شاب اسمه رامي منصور، ولا أظن أنني أعرفه من قبل يطلب بها أن نكتب عن روضة بمناسبة مرور سنة على رحيلها... بالطبع وبدون تردد أجبت بأنني سوف أكتب… فكيف لي أن لا أكتب عندما تكون المكتوب عنها محفورة عميقًا في قلبي وعقلي ووجداني. أنا لستُ كاتبًا ولا يمكنني أن أعبّر عما أشعر أو أفكر به وأريد كتابته بشكل يعكس ما حقًا أريد أن أقول.

جلستُ لأكتب فبدأت تراودني خواطر عديدة ومتنوعة حول علاقتي المهنية والفكرية مع روضة. لقد عرفت روضة لأول مرة عندما كانت طبيبة أسنان تعمل شبه متطوعة في إحدى الجمعيات الحيفاوية. لفتت انتباهي من اللحظة الأولى عندما رأيتها بشموخها وعنفوانها من ناحية، وتواضعها ومرحها من ناحية ثانية. تعززت العلاقة خلال السنوات، لكن أصبحت هذه العلاقة متينة وصلبة منذ أخذَتْ دور قيادة جمعية الثقافة العربية وبدأت تصعد وتسمو بها إلى التطور والنجاح وبمجهود جبار وتطوّع.

توجّهت روضة إليّ يوما ما وبحسم ووضوح أنها تريد استشارتي كوني مستشار تنظيمي مهني عربي فلسطيني كقولها.. وأضافت: 'أنا خارجة الآن من مكتب الجمعية في الناصرة، الساعة الآن الخامسة مساءً، أي سأصل عندك إلى المكتب في حيفا الساعة السادسة كأقصى حد...'. حاولتُ أن أستوقفها لأشرح لها بأنني مشغول جدًا وبأننا لم نحدد موعد مسبقًا، لكن ردها كان: 'إذا كنت مش بجلسة مع آخرين معناه فش مشكلة، انهي الأمور اللي مسببة لك الضغط ونلتقي في بيتي بعد السابعة...'. قالت ذلك بحسم وجزم ولطافة ومرح لا تمكنك من الرفض. كيف يمكن لأي انسان أن يجمع بين كل هذه الأمور بجملة واحدة قصيرة وتشمل كلمات ربما تكون متناقضة مثل الحزم والمرح في آن واحد.

هكذا بدأ مسار العمل المشترك بيني كمستشار تنظيمي وبين روضة وجميع أفراد طاقم العمل وأعضاء الهيئة الإدارية والعامة. ولن أدخل في حيثيات مسارات الاستشارة والعمل التي كانت ممتعة ومليئة بالتحديات أيضًا.

أريد التوقّف عند روضة الإنسانة والمرأة والعربية والفلسطينية والمبدعة التي لا تكل ولا تتوقّف عن التفكير والعمل والعطاء حتى في أصعب مراحل المرض. روضة الإنسان لم تنس مرة وخلال أية جلسة أو ورشة عمل أو لقاء أن تسألني وبخضم العمل – كيف حالك أحوال البنات وكيف الصحة، وتسهب بأسئلتها الإنسانية الحقيقية ولا تعطيك مجالا للتهرب أبدًا من الإجابة لأنك تدرك بأنها مهتمة جدًا وتريد حمايتك ورعايتك وشحنك بالطاقات. 

لن أنسَ آخر مكالمة هاتفية بيننا قبل حوالي الشهر من الرحيل، فقد اتصلت لأسأل عن حالها وكانت الدموع تملأ خدي كما يحصل الآن وأنا أكتب. وقبل أن أسألها عن صحتها وعند سماعها صوتي سبقتني وقالت: 'كيفك طمني عنّك؟…'. حال روضة الإنسانة يتماثل مع قول جبران: 'الإنسانية نهر من النور يسير من أودية الأزل إلى بحر الأبد'.

بقيت روضة شامخة وقوية ومعطاءة وناقدة بامتياز حتى في حال النزاع، فروضة تفكّر بغيرها وبكل الحالات، لذا وعندما أقول روضة موجودة في مكانٍ ما… لأن روحها وفكرها يسانداني كما يساندا الآلاف غيري..

كانت روضة مرجعيتي وسنَدي الفكري، وأصبحت ربتي ومعلمتي ومرشدتي، فقد كان لها تفسير مقنع حول كل ما يحصل حولنا في فلسطين والعالم العربي والعالم قاطبة. لا حاجة للإشارة والإطالة عن روضة المديرة - القائدة المهنية والمتفوقة بامتياز وتمايز… لأن قيادتها الحكيمة والسليمة والمهنية لجمعية الثقافة العربية، وشبكة العلاقات المؤسساتية والشخصية التي حاكتها بيديها قد أوصلت الجمعية إلى نجاح منقطع النظير ومستدام، نلمس ثماره اليوم وسنلمسه بالغد والمستقبل.

 تحية إجلال وإكبار ومحبة لك روضة يا خالدة التي لم تتوقفي أبدًا عن التأثير حتى بعد رحيلك، من خلال ما صنعتيه ومن خلال الإرث والأثر الباقي والطبع من خلال رفيق دربك الاستاذ الدكتور والمربي إلياس عطا الله أطال الخالق بعمره وعزز أعماله وانتاجة الخالد.

محبتي وتقديري واحترامي

فتحي مرشود

ديسمبر 2014

التعليقات