لغة “الألخميادو”... سلاح العرب الثقافي في الأندلس

في عام 1492 طُويت آخر صفحات تاريخ الحكم الإسلامي في الأندلس بسقوط غرناطة، آخر معاقل المسلمين في شبه الجزيرة الإيبيرية، والتي سلمها حاكمها أبو عبدالله الصغير، وفقا لمعاهدة مع الملك فيرنانديو والملكة إيزابيلا، تضمن للمسلمين حرية الممارسات ا

لغة “الألخميادو”... سلاح العرب الثقافي في الأندلس

في عام 1492 طُويت آخر صفحات تاريخ الحكم الإسلامي في الأندلس بسقوط غرناطة، آخر معاقل المسلمين في شبه الجزيرة الإيبيرية، والتي سلمها حاكمها أبو عبدالله الصغير، وفقا لمعاهدة مع الملك فيرنانديو والملكة إيزابيلا، تضمن للمسلمين حرية الممارسات الدينية، والحفاظ على الهوية الإسلامية، والتقاليد الأندلسية وعلى ممتلكاتهم وأموالهم ولغتهم، وثقافتهم وشعائرهم، وغيرها من البنود التي تضمن للمسلم عيشا كريما في ظل الحكم الكاثوليكي، إلا أنه سرعان ما نُقضت، حيث مارست السلطات المسيحية اضطهادا تجاه المسلمين وكانت محاكم التفتيش التي ضغطت على المسلمين للتخلي عن دينهم، واعتناق المسيحية، والتحدث بالقشتالية دون العربية، وغيرها من الإجراءات التي تهدف إلى طمس الهوية الإسلامية الأندلسية واستبدالها بالهوية المسيحية الإسبانية، فخُير المسلم عام 1501 بين التحول للمسيحية أو الطرد والنفي خارج أرض الوطن، وأصدر فيليب الثاني ملك إسبانيا أمرا ملكيا في عام 1567، يجبر الموريسكو “المسلمون الذين بقوا في إسبانيا” على ترك استخدام اللغة العربية في جميع المناسبات، والأحوال الرسمية وغير الرسمية، كلاما وكتابة، حيث اعتبر استخدام العربية جريمة، وأعطى المسلمين مهلة ثلاث سنوات لتعلم اللغة الإسبانية، بعدها تم التخلص من كل المواد المكتوبة باللغة العربية.

“الألخميادو”... تشبث بالثقافة والأرض

في ظل تلك الضغوط ، قرر من تبقى من المسلمين في الأندلس ممارسة الإسلام خفية، ونصرة البقية الباقية من تراثهم وثقافتهم، وهويتهم باللجوء لاستعمال لغة “الألخميادو” السرية، التي تعرف عربيا بـ”عجمية الأندلس″، فدونوا بها كل ما يتعلق بالإسلام، وترجمت إليها كتب الدين والأحاديث النبوية، بينما حافظوا على الآيات القرآنية باللغة العربية، وكانت لفائف “الألخميادو” يتناقلها الموريسكو.

وتعتمد لغة “الألخميادو” على نسخ اللغة الرومانية القشتالية بأحرف عربية، وذلك بمبادلة كل حرف روماني قشتالي بحرف عربي يعتبر الأقرب إليه من الناحية الصوتية في محاولة للتوسط بين المنطوق والمكتوب، ويُطلق على الأدب الموريسكي الذي دَوّن اللفظ الروماني بحرف عربي اسم “ألخميا” أو “ألخميادو”، وهي مشتقة من كلمة “الخاما” (بالإسبانية: Aljama) وتعني الحي الذي يقطن به المسلمون.

ويستخدم لفظ “ألخميا” أو “ألخميادو” للدلالة على اللغة الرومانية القشتالية في إطار مزيج فريد من اللغتين العربية واللاتينية العامية، حيث كتبت الصوتيات اللاتينية بالأبجدية العربية، ليكون الألخميادو لغة رومانية منحدرة من اللاتينية انفردت بطريقة كتابتها بحروف عربية، واستخدمت في إسبانيا، وكانت شائعة في شبه الجزيرة الإيبيرية.

لعب الألخميادو دورا فائق الأهمية في الحفاظ على اللغة العربية في حياة مسلمي الأندلس، فبعد سقوط آخر مملكة مسلمة في شبه جزيرة إيبيريا، أُجبر مسلمو الأندلس على اعتناق المسيحية وممارسة التقاليد والعادات القشتالية وحضور الصلوات في الكنيسة، أو المغادرة، إلا أن بعض الموريسكو حافظوا على معتقداتهم وتقاليدهم وثقافتهم سراً عبر استخدام “الألخميادو”.

نشأت لغة الألخميادو في القرن الرابع عشر قبل إصدار قرار التنصير، بسبب الاضطهاد الكبير الذي تعرض له المسلمون بعد سقوط الأندلس في يد الحكم الإسباني، واندثرت في القرن الثامن عشر، فكان عمرها حوالي 400 سنة تقريبا.

وتدوين هذه اللغة بحروف عربية يعكس رغبة هؤلاء الموريسكو في التعبير عن الانتماء لعقيدة الإسلام الجماعية، حيث أدركوا أن الذي يفقد لغته العربية يفقد أيضا ثقافته الإسلامية، لذلك استعملت اللغة الألخميادية الموريسكية أبجدية القرآن تعبيرا عن الارتباط الثقافي والروحي بالأمة الإسلامية.

ظهور “الألخميادو”

وقد وظهرت أولى بوادر أدب الألخميادو، بحسب المستعرب الإسباني مغيل دي إيبالثا، في قشتالة القديمة بعد بضع سنوات من فتح القسطنطينية عام 1453، وتحديدا في عام 1460، ويربط إيبالثا ظهور الألخميادو بظاهرة تدوين بعض كتاب شعوب أوروبا المسلمة إنتاجاتهم الأدبية بلغتهم الأم، مستخدمين في ذلك الأبجدية العربية، كما يربط ظهور أدب الألخميادو كأدب مفسر للإسلام، بعد هجرة فقهاء وعلماء الأندلس، الشيء الذي ولد رغبة واهتماما بتخليد الخطاب الديني في نصوص تمزج اللاتينية بالعربية.

اكتشاب “الألخميادو”

وقد عرف المؤرخون عن أدب الألخميادو، في مطلع القرن التاسع عشر، ونشأ اهتمام كبير بدراسة وتحليل وفك رموز وثائق ومخطوطات هذا الأدب من طرف بعض رواد هذا المجال مثل باسكوال غيانغوس، وإدواردو سابيدرا، ولا زال هذا الأدب محفوظا في المكتبة الوطنية الإسبانية في مدريد ومعدودا من الموروث الثقافي والحضاري.

اقرأ/ي أيضًا | "التفاف" معرض فلسطيني يحكي تشويه الاحتلال للطبيعة

ومن أهم كتابات اللغة الألخميادوية التي نجت من الضياع، “قصة العصر الذهبي” و”قصة علي والأربعون جارية” و”قصة الإسكندر ذي القرنين”، ومن أمثلة الكتب التي كتبت بالأعجمية في العلوم التقنية كتاب “إبراهيم المرباش” المسمى “العز والمنافع للمجاهدين بالمدافع″، وهو في التقنية العسكرية.

التعليقات