الشللية وأزمة النصوص في المسرح العربي

تتباين آراء النقاد والمخرجين والمهتمين بالشأن المسرحي بشكل عام حول حقيقة وجود أزمة نصوص مسرحية جيدة تصلح للعرض على الجمهور، فبينما يصر فريق من المخرجين على وجود أزمة في النصوص المسرحية، يقول نقاد آخرون إنه لا توجد أزمة في النصوص أو المبدع

الشللية وأزمة النصوص في المسرح العربي

تتباين آراء النقاد والمخرجين والمهتمين بالشأن المسرحي بشكل عام حول حقيقة وجود أزمة نصوص مسرحية جيدة تصلح للعرض على الجمهور، فبينما يصر فريق من المخرجين على وجود أزمة في النصوص المسرحية، يقول نقاد آخرون إنه لا توجد أزمة في النصوص أو المبدعين، ويعتبر هذا الفريق أن الأزمة الحقيقية هي في “حالة الشللية” التي تحاصر الوسط المسرحي، وتجعل من الصعوبة على الكتاب والمبدعين من الشباب توصيل أعمالهم للمخرجين أو المنتجين المسرحيين، أو الحصول على فرصة لتحويل مسرحياتهم المكتوبة على الورق لأعمال فنية مسرحية يشاهدها الجمهور.

وهو ما تتفق معه د. نهاد صليحة، أستاذ الدراما بأكاديمية الفنون، والتي تقول: من واقع متابعتي للحركة المسرحية سواء في المعاهد أو في أكاديمية الفنون أو على مسرح القطاعين العام والخاص، فإنني أرى أنه لا توجد أزمة في انعدام النصوص المسرحية الجيدة.

وتشير صليحة إلى أن هناك العديد من النصوص المسرحية الجديدة الجيدة التي تحاول أن تخوض تجارب تجريبية جديدة في أكثر من اتجاه، لكن  المشكلة الحقيقية – على حد قول صليحة – والتي تعطي إحساساً عاماً بوجود أزمة في توافر النصوص المسرحية، هي غياب القنوات التي يمكن من خلالها توصيل الإبداع المكتوب إلى إبداع مشاهد، أي الخروج من طور القراءة إلى طور ظهور النص المسرحي على خشبة المسرح.

وتقول صليحة: إذا كنت تملك علاقات شخصية أو كنت من أهل الوسط، فنصوصك المسرحية ستجد طريقها للتمثيل على المسرح.

وتؤكد صليحة أنه نتيجة ذلك فكثيراً ما نرى الأبواب موصدة أمام المبدعين الحقيقيين رغم جودة ما يكتبون، يتم كل هذا في غيبة من الصحافة الفنية، وغيبة النقد الحقيقي الذي باستطاعته أن يلفت الأنظار إلى وجود خلل في توصيل النص المسرحي الجيد ليتحول إلى عمل فني على خشبة المسرح يتفاعل معه الجمهور، ويكشف عن وجود كتاب مبدعين من الشباب.

وتتفق مع ما سبق الناقدة المسرحية د. هدى وصفي، وتضيف: أن الأزمة ليست أزمة نصوص، إنما الأزمة تتمثّل في تنفيذ الأعمال المسرحية الجيدة، ومدى ما يتوافر لها من إمكانات سواء على مستوى الرؤية الحقيقية كمعالجة نص ما، أو مستوى المسرح الذي سنقدّم عليه هذه الرؤية، أو مستوى الممثلين الذين بإمكانهم تجسيد هذه الرؤية.

مشيرة إلى أن هناك العديد من الفنانين سواء كانوا ممثلين أو مخرجين استطاعوا أن يكونوا أسماء كبيرة وسمعة كبيرة، لأنهم أعادوا صياغة نصوص مسرحية جديدة بتقنيات حديثة، وهناك أيضاً الكثير من المبدعين الذين اعتمدوا على مخطوطات مسرحية بسيطة، وبالتدريب وباستخدام التقنيات المميّزة استطاعوا أن يكونوا عالماً فنياً مميّزاً خاصاً بهم.

إرهاصات المستقبل

ويتفق المخرج المسرحي عصام السيد مع ما سبق ويضيف أنه توجد بالفعل أزمة في النصوص المسرحية العربية الجيدة، مما جعل معزوفة المسرح العربي المتكامل ناقصة، فالمؤلف المسرحي العربي لا يعرف جمهوره جيداً، وبالتالي ما يكتبه لا يصل إليه.

كما يؤكد السيد على أنه من الضروري للكاتب المسرحي أن يكون شديد الحساسية لما يشهده المجتمع الذي يعيش فيه من تطوّرات، وأن تكون لديه إرهاصات بالمستقبل واستشعار الأحداث، معتبرا أن الكاتب المسرحي العربي الذي لديه مثل هذه القدرات أصبح عملة نادرة.

ويؤكد السيد على أن النص المسرحي الذي نريده هو نص عربي بالدرجة الأولى يفجر الواقع ويعرض له، بحيث يحمل الخصائص النفسية والسمات المتعلّقة بالشخصية العربية، وليس مجرد مسوخ نراها في بعض الكتابات.

كما يؤكد أن المسرح العربي المتكامل في حاجة إلى توافر العناصر المسرحية كاملة من مؤلف جيد إلى ممثل جيد إلى مخرج ومصمم جيد، معتقداً أن هذه معزوفة لم تكتمل بعد، مضيفا أن علاج المشكلة يبدأ من معرفتها جيداً.

مخرج وجمهور

وعلى الرغم من ذلك، فإن أزمة النص المسرحي ليست مرتبطة بالمؤلف فقط، فهي مرتبطة أيضا بالمخرج وحتى بالمتلقي أو الجمهور، فعلى الرغم من أن المخرج المسرحي الجيد هو الذي يفهم ويعي قيمة النص المسرحي، كذلك فإن الجمهور يؤثّر على اختيار المخرج للنص وطريقة معالجته. إن ما يوجد الآن في المسرح ليس مسرحاً، لكنه أقرب إلى الملهى الليلي.

وهو ما يجعل مراقبين للشأن المسرحي في العالم العربي يشيرون إلى أن ثقافة الجمهور ذاته “متدهورة” على حد قولهم، معتبرين أنه ليس لدينا جمهور مسرحي على وعي كامل بقضايا وطنه، ومثل هذا الجمهور يقبل على الأعمال الهابطة التي ليس لها هدف سوى إثارة الضحك، ووضع إمكانيات الممثل في خدمة الجمهور. وهو ما يجعل من الضرورة العمل على خلق جمهور أكثر ثقافة ووعياً وارتباطاً بقضايا وطنه وأمته، وليس الجمهور الذي لا يملك الرؤية أو الوعي، كما يؤكدون على ضرورة أن يكون للمسرح دور في توعية الجماهير وإرشادهم وتثقيفهم، خاصة وأنه في في حالة النص المسرحي الذي يبدعه المؤلف، نجد أن المؤلف قد تأثر بالمتغيّرات والأحداث المتلاحقة من حوله سواء كانت أحداثاً سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، فهذه الأحداث تحتاج إلى تأمل لاستيعابها والتعبير عنها.

ولن يكون هناك حلا لمثل هذه الأزمة إلا من خلال الانفتاح على التجارب المسرحية العالمية والكتابات المسرحية العالمية، لكن على شرط أن تساير هذه التجارب القيم والثقافة السائدة في مجتمعاتنا العربية، وفي نفس الوقت من الضروري الاهتمام بالمسرح المدرسي والجامعي، وتثقيف الطلاب وهم في المدارس عن أهمية المسرح في حياة الشعوب والثقافة الصحيحة للمسرح.

أفكار وغرائز

أما د. أحمد إبراهيم، أستاذ الدراما بالمعهد العالي للفنون المسرحية ، فيؤكد أن محاولة تقديم نص رصين في المسرح وسط هذا السيل العارم من الإسفاف والابتذال يُعدّ نوعاً من البطولة، متهما بعض كُتّاب المسرح بالاتجاه إلى المكاسب المادية وإهمال مناقشة القضايا السائدة في المجتمع، ولهم وجهة نظر في ذلك، وهي التسلية والترفيه عن الجمهور، والابتعاد عن الأفكار المأساوية أو القضايا المؤلمة التي تسبّب الحزن والألم للجمهور.

اقرأ/ي أيضًا| البطل السياسي في الرواية العربية

معتبرا أن هذا الوضع يجعل الأدوار معكوسة فيما يتعلق بالحالة المسرحية، فبدلا من أن يقوم المسرح بقيادة الجمهور وتشكيل وعيه، نجد أن الجمهور هو الذي يقود المسرح ويدفع المخرجين، وبطبيعة الحال الكتاب يقدمون له ما يشبع غرائزه من أعمال لا ترقى للفن المسرحي الجاد والملتزم.

التعليقات