أفراح القبة: تداعي الحكاية المحفوظية

كان من الممكن أن يخرج هذا العمل بصورة أفضل كثيرا مما خرجت عليه، ناجياً من الثقوب البنائية، وتغيير الكتّاب، وضياع ثيماته. وهو ما جعل المتابعين بعد حماسهم في الحلقات الأولى يضجرون ثم يسخطون.

أفراح القبة: تداعي الحكاية المحفوظية

ربما لم يواجه عمل درامي هذا العام ما واجهه مسلسل "أفراح القبة" من ضجيج ومتابعة إعلامية لتفاصيله، منذ بداية الإعلان عن بدء تنفيذه وحتى لحظات كتابة هذه السطور. وهو الآن، رغم عرضه مرة واحدة، يعتبر أكثر الأعمال متابعة واهتماما، وأكثرهم رحابة وتمردا عن السردية الاجتماعية الغالبة على الدراما الرمضانية.

ولأن المسلسل مأخوذ عن رواية نجيب محفوظ التي تحمل الاسم نفسه، عاد الجدل المكرور حول مقارنة الرواية بالعمل الدرامي، وعما إذا كانت "خيانة" للنص الروائي أو يمكن اعتبارها شكلاً بصرياً للتأويل ولمنفذه حرية التصرف في النص كما يحلو له. وهو الجدل الذي صار يأخذ مساحة ثابتة في التغطيات الصحافية حول كل فيلم ومسلسل مأخوذ عن رواية، ولا جديد فيه، خاصة وأن المقارنة بين وسيطين فنيين مختلفين هي فاسدة بالضرورة.

لكن المقارنة هذه المرة، طاولت المسلسل في مواجهة الأفلام والمسلسلات المأخوذة عن أعمال محفوظ، ومسلسل "حديث الصباح والمساء" على وجه التحديد الذي صاغه للدراما الراحل محسن زايد المعروض العام 2001، ولاقى متابعة جماهيرية هائلة وقت عرضه، وحفاوة نقدية كبيرة بقدرة زايد على تحويل واحد من أصعب الروايات المحفوظية بناءً إلى عمل درامي.

التطلع والتحفز تجاه المسلسل قبل بدء عرضه، بدا كبيراً في ظل المكانة التي يحظى بها نجيب محفوظ بالطبع، ثم بالجدل الذي يثيره الكاتب الأول للعمل محمد أمين راضي، وانسحابه وعدم إكمال الكتابة بعد تسليم 17 حلقة، لتكمل العمل المؤلفة نشوى زايد.

هكذا واجه المسلسل مزاجين برؤيتين مختلفتين، ما بشّر بتداعٍ في البناء، ومشكلات لا حصر لها توقعها الجميع جراء التغير الاضطراري، خاصة وأن أمين راضي يعتمد في بناء سرديته على ثيمات عديدة، سواء في المسار الحكائي، أو في كل حلقة منفصلة. وهو ما جعل أمين راضي في السيناريو الخاص بـ"أفراح القبة" يسمي الحلقة بـ"مشهد" ويعنونها بواحدة من روايات نجيب محفوظ واعتماد العنوان اليومي كمركز للحكي في الحلقة، لتتجاور القطع المحفوظية جنبا إلى جنب في فضاء أوسع لـ"أفراح القبة" كما في نص السيناريو الذي كتبه وحصلت "المدن" على نسخة منه، من الكاتب نفسه.

مع عرض الحلقة الأولى، اتضحت بعض معالم الكتابة لدى راضي، رغم عدم وجود اسمه في شارة البداية، معتمدا على الفكرة الجوهرية في الرواية، حيث ذوبان الفوارق بين الواقع والمتخيل بل ينتصر الخيال على الواقع كما يقول أحد الأبطال في الرواية "الجديد المتخيل أكثر من الواقع بكثير".

الرواية -على قلة صفحاتها- محفزة على التخليق الدرامي، بتفكيك حيوات أبطالها وإعادة بنائها اعتمادا على المساحة بين النص المسرحي وواقع الأبطال.

غير أن المعروض بعد انسحاب راضي، ضاعت منه فكرة الثيمات اليومية، تهلهل الإيقاع في كثير من تفاصيل المسلسل، وصارت بعض المسارات الدرامية غير منطقية، بل واستسلمت تماما لكليشيهات سخيفة حول أوديبية وهاملتية، ناهيك عن أن الحوار ضاعت منه خصوصيته الستينية بمفردات أكثر عصرية في كثير من الأحيان.

على كل ذلك، فمحمد ياسين من أفضل مخرجي الدراما المصريين، وسابقته مع مسلسل "موجة حارة" جعلته البطل الأساسي للعمل بلا منازع، وها هو للمرة الثانية يكون هو البطل الأهم لأفراح القبة، حيث أن صورته هذا العام هي من الأفضل إن لم تكن الأفضل إطلاقا.

كان من الممكن أن يخرج هذا العمل بصورة أفضل كثيرا مما خرجت عليه، ناجياً من الثقوب البنائية، وتغيير الكتّاب، وضياع ثيماته. وهو ما جعل المتابعين بعد حماسهم في الحلقات الأولى يضجرون ثم يسخطون.

تمثيلياً، تفوق لافت لإياد نصار في دور طارق رمضان، ورانيا يوسف في دور سنية عبده، وصابرين في دور حليمة الكبش، وصبري فواز في دور كرم يونس والأخير هو أقرب الشخصيات الدرامية للعمل الروائي في مبادئه الأخلاقية ولامبالاته المستمرة في مواجهة العالم.

الموسيقى التصويرية لهشام نزيه واحدة من أبطال العمل ومن أسباب نجاحه، ثم تطعيم المسلسل بالأغاني زادت من حيويته.

ربما لو كان استمر المسلسل بكتابة مؤلف واحد، أو على الأقل باتفاق مؤلّفيه الاثنين، لأنقذ عمل كان يستحق أن يكون لافتا ومهما. الأكيد أن بصمة محمد أمين راضي وإخراج محمد ياسين هما عنصرا قوته.

(المدن)

التعليقات