في زمن الحرب والكوليرا: الكتاب ملجأ اليمنيين الأخير

في زمن الحرب وأوقات الشدة تظل القراءة "ترفا" لدى أعين مثخنة بالأوجاع والآلام، "وهامشا" في زمن مليء بالانكسار والخوف كما هو حال اليمنيين الذين تعصف بهم حرب طاحنة منذ نحو عامين.

في زمن الحرب والكوليرا: الكتاب ملجأ اليمنيين الأخير

من الطبيعي، في زمن الحرب وأوقات الشدة تظل القراءة "ترفا" لدى أعين مثخنة بالأوجاع والآلام، "وهامشا" في زمن مليء بالانكسار والخوف كما هو حال اليمنيين الذين تعصف بهم حرب طاحنة منذ نحو عامين.

لكن واقع الحال في عدن، بدا مغايرا ومختلفا، بعد أن ازداد الإقبال على شراء الكتب والحرص على اقتنائها خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما اعتبره الكثير من المهتمين والمعنيين "تساميا" فوق الجراح وتمردا على الأوجاع.

ولربما أن ذكريات الحرب في المدينة المعروفة بمدنيتها وتنوع الثقافات بها، باتت من "الماضي" الذي لا ينبغي التوقف عنده ونصب سياج "الانعزال" حوله.

يقول صاحب مكتبة "خالد بن الوليد" بمحافظة عدن، علي العميسي، إن "الإقبال على القراءة واقتناء الكتب والمجلدات في عدن بات أكثر مما كان عليه قبل اندلاع المعارك، وصار الاهتمام بالمطالعة والتزود بكل ما هو جديد ديدن الغالبية من الناس، وبالأخص الشباب".

ورأى أن نسب التعليم المرتفعة في المدينة قد "يكون له الأثر الأكبر في ذلك، خصوصا وقد اعتاد غالبية السكان فيها على العيش بعيدا عن ظلمات الجهل والتخلف، حيث تدرج عشق القراءة والعلوم بين أوساط ساكنيها منذ سنوات طويلة".

واعتبر أن "ولع الناس بالقراءة ومتابعة كل جديد ليس أمرا غريبا ولا حدثا نادرا".

5 آلاف كتاب في شهر

5 آلاف كتاب هي إجمالي مبيعات مكتبة "خالد بن الوليد" خلال آذار/ مارس الماضي، وهي نسبة كبيرة لمكتبة واحدة في مدينة تضم عشرات المكتبات في ظل الظروف الصعبة وغلاء المعيشة وتأخر صرف الرواتب.

وعن أكثر الكتب مبيعا يقول العميسي، إن القراء مولعون بمتابعة أحدث الإصدارات، خاصة فيما يتعلق بالروايات سواء كانت عربية أو أجنبية، كما أن للكتب الدينية حيزا من اهتماماتهم.

ويضيف: تصل المبيعات في مكتبتنا بعدن إلى نحو 50 ألف نسخة في العام الواحد، ولفت إلى أن الإقبال على كتب الأطفال أيضا كبير مقارنة ببعض المحافظات التي لدينا فيها فروع، حيث تصل المبيعات في عدن إلى ألفي كتاب في الشهر الواحد.

وأشار إلى أن الفرع الرئيسي للمكتبة بالعاصمة صنعاء، لكن المبيعات فيه ـ مقارنة بفرعنا في عدن ـ لا تصل حتى إلى 50%، وهذا يؤكد مدى اهتمام سكان عدن بالقراءة باعتبارها أداة للمعرفة ووسيلة للرقي والازدهار، فضلا عن كونها تجربة ممتعة لا يهجرها من سحرته الكتب وهام بالمؤلفات وعشقها.

وردا على سؤال حول كيفية وصول الكتب إلى المدينة، قال إننا نجلبها من القاهرة وبيروت بشكل منتظم عبر ميناء عدن، مشيرا إلى أن الحرب لم تؤثر في الحصول على ما يحتاج إليه من الكتب والمجلدات إلا خلال المعارك بالمدينة.

كما أن المكتبة تحصل كذلك على المئات من المطبوعات التي يتم إعدادها في اليمن، خاصة لمؤلفين وكتاب يمنيين وفق صاحب المكتبة.

وأوضح أن الفتيات في عدن هن الأكثر قراءة، وتنال كتب "الروايات" سواء كانت عربية أو أجنبية الحيز الأكبر من اهتمامهن.

وفي هذا الصدد، تقول امتنان علي أحمد، تدرس بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة عدن، ليس الفتيات وحدهن من يقبلن على شراء الكتب، لكن الكثير من الشباب يهتمون بالقراءة أيضا، وإن كانت نسبة الفتيات أكبر قليلا، وتضيف ضاحكة، لربما كانت روايات الجزائرية أحلام مستغانمي سببا في ذلك.

فيما أرجعت رئيسة مؤسسة "إنسان للتنمية" (غير حكومية)، أندي الصلاحي، شغف الفتيات بالقراءة وحرصهن على قراءة الكتب المختلفة، إلى حالة الفراغ الكبيرة التي تعيشها معظم الفتيات، وقضائهن أوقات طويلة في المنازل بسبب الظروف الأمنية وغياب المتنزهات وانقطاعات الكهرباء، وما يصاحبها أيضا من انقطاع للإنترنت.

وتقول، خلال فترة الحرب وصلت ساعات قراءتي للكتب إلى 6 ساعات يوميا، وتحديدا أحب قراءة بعض المجلات مثل "الدوحة"، ومن قبل "العربي"، فضلا عن قراءة الكتب والمعاجم الأدبية كـ "جواهر الأدب"، و"رسالة المعري"، وبعض أشعار التونسي أبو قاسم الشابي، وأخيرا فرغت من قراءة كتاب "مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ" للفلسطيني جهاد الترباني.

إقبال كبير على معارض الكتاب

وذهب رئيس نادي "الناصية الثقافي" بعدن، أمجد محمد عبد الرحمن (25 عاما)، إلى ما قاله صاحب مكتبة "خالد بن الوليد"، مشيرا إلى أن المبيعات خلال معارض الكتاب التي تقام بين الحين والآخر في المدينة تصل أحيانا إلى 6 آلاف كتاب خلال ثلاثة أيام فقط.

وعزا السبب في ذلك إلى أمرين هامين، أولا "شغف الناس بالقراءة، بالذات فئة الشباب منهم، وثانيا لسعرها المناسب، خصوصا وهي كتب مدعومة من قبل رجال الأعمال والتجار، حيث يتم عرضها بنصف قيمتها الحقيقية".

تاريخ يتماهى

في أحد أحياء كريتر العتيقة، تنتصب مكتبة "الحاج عبادي" بشموخ محافظة على مكانتها وهيئتها التي كانت عليها منذ تأسيسها قبل 133 عاما، وتحديدا سنة 1884م، لتحكي عن مدينة تتماهى بتاريخها الموغل في القدم.

ويقول أحد أحفاد مؤسس المكتبة، فراس عبد الحميد عبادي، إن أكثر مبيعات مكتبتنا تاريخية، ومعظم المؤلفات والكتب الموجودة فيها قديمة، مشيرا إلى أن 70% من زبائن المكتبة هم من كبار السن، ربما لأنها تعنى بالكتب التاريخية.

ويضيف أن الإقبال على القراءة أكبر مما كانت عليه سابقا، وأرجع السبب إلى انتشار معارض الكتاب عكس ما كان عليه الحال حين كانت الدولة هي الوحيدة المخول لها إقامة تلك المعارض.

وأشار إلى أن "مجموعة عدن تقرأ" (مؤسسة ثقافية غير حكومية)، أقامت خلال عام ونصف العام تقريبا 3 معارض، وكان الإقبال فيها على شراء الكتب "أكثر من المتوقع".

وأوضح أن مكتبته لم تحصل على أي كتب جديدة، حيث يتم الاعتماد فقط على الكتب القديمة والتي تحظى باهتمامات الجمهور كالكتب الأجنبية المترجمة، كما هو حال كتاب "تاريخ من زوايا عدن" وهو الأكثر مبيعا، للباحث اليمني بلال غلام حسين.

ويشهد اليمن منذ أكثر من عامين حربا شرسة أودت بحياة قرابة سبعة آلاف شخص، وأصابت ما يزيد على 35 ألفا بجراح، وشردت أكثر من 3 ملايين من أصل حوالي 27.4 مليون نسمة، فضلا عن دمار مادي هائل وفق الأمم المتحدة.

 

التعليقات