البروفيسور يزبك: ظاهر العمر نموذج لقائد فلسطيني يحتذى به

البروفيسور محمود يزبك: "تمثل فترة ظاهر العمر العصر الذهبي لفلسطين، وهو يشكل شخصية مركزية في تاريخها، ومع ذلك يجري تغييبه عمدا من مناهج تعليم المدارس العربية، فقد نقل المجتمع الفلسطيني من مجتمع زراعي فلاحي إلى مجتمع مدني. فهو باني المدينة

البروفيسور يزبك: ظاهر العمر نموذج لقائد فلسطيني يحتذى به

البروفيسور محمود يزبك

البروفيسور محمود يزبك: "تمثل فترة ظاهر العمر العصر الذهبي لفلسطين، وهو يشكل شخصية مركزية في تاريخها، ومع ذلك يجري تغييبه عمدا من مناهج تعليم المدارس العربية، فقد نقل المجتمع الفلسطيني من مجتمع زراعي فلاحي إلى مجتمع مدني. فهو باني المدينة الفلسطينية"


يقدم إبراهيم نصر الله في "قناديل ملك الجليل" رواية أخرى لفلسطين: بطل أسطوري "يرضع حليب الجياد، محيلا إلى أسطورة حي بن يقظان الشهيرة، غير أن أسطورته تتوسل نفسها من حكايات شعبية أيضا، وتختفي حين يؤنسن الروائي بطله وينسب أفعاله العظيمة بتوحيد الشام وحلم لم يكتمل بضم مصر إلى شخص ظاهر العمر الزيداني الذي يملك من الهمة وسعة الأفق، بمثل ما يملك من بُعدٍ أسطوري".

"وتدور حكاية ظاهر في القرن الثامن عشر وفضاؤها فلسطين - قراها ومدنها وساحلها والشام أيضا ومصر- غير أن البداية في طبريا مطمئنة وساكنة على بحيرتها والتي ستصير مدينة في ثلاثينيات القرن الماضي تضاهي نيويورك - بحسب مذكرات أنيس الصايغ- ولعل لذلك ينسب بشكل ما لظاهر الذي بنى مدينة تستعصي على جيوش آل عثمان في عز جبروتهم".

"ابن الخيول وملك الجليل والعرب عموما الذين يعانون ظلم العثمانيين في نهايات إمبراطوريتهم، ينهض ويوحد قرى فلسطين ومدنها ويمد ملكا لها بين بحر الجليل وعكا، مؤسسا لإرهاصات مشروع توحد لو أنه اكتمل لكان أول مشروع نهوض عربي سبق به تجربة محمد علي باشا الذي سار على خطى الظاهر".

وتبدأ قصة ظاهر العمر بحلم يتحقق منه الكثير، وتنتهي بمقتله خيانة على يد قائد جنده (الدنكزلي) وما بينهما من تفاصيل، وحروب ونجاحات وخيبات وحب كما في رواية نصر الله وتاريخ مجيد ومشرق ونموذج يجدر بنا دراسته والاقتداء به، كما في كتاب استاذ التاريخ في جامعة حيفا، البروفيسور محمود يزبك.

العصر الذهبي لفلسطين

حول كتابه "الشيخ ظاهر العمر الزيداني- العصر الذهبي لفلسطين في العصر الحديث"، أجرى "عرب 48" الحوار التالي مع البروفيسور يزبك.

"عرب 48": ما هو الداعي لإستعادة تاريخ ظاهر العمر في هذا الوقت بالذات؟

يزبك: "تمثل فترة ظاهر العمر العصر الذهبي لفلسطين، وهو يشكل شخصية مركزية في تاريخها، ومع ذلك يجري تغييبه عمدا من مناهج تعليم المدارس العربية. وأذكر أنه في سنوات 96 – 97، أي في عهد تولي شولميت ألوني- يوسي سريد لحقيبة المعارف، تشكلت لجنة كنت أحد أعضائها، وأدرجنا ظاهر العمر وشخصيات فلسطينية أخرى في المنهاج. إلا أن صعود حزب الليكود أدركنا قبل أن تخرج تلك التوصيات إلى حيز النور. وقد رأيت أنه من المهم أن نزيح تراب الزمن عن شخصية تاريخية سياسية مثل ظاهر العمر، لتكون نموذجا لنا وللأجيال الناشئة، نحتذي ونفاخر به مثلما نفاخر بشخصيات شعراء المقاومة كمحمود درويش وسميح القاسم. والكتاب هو موجز لبحث أكاديمي أوسع نُشر باللغة الانجليزية، وهو يقع في 45 صفحة من الحجم الصغير، حيث آثرت أن يكون كتيبا يسهل تداوله وقراءته، كما أنه يوزع مجانا، تيمنا بالقول المأثور ’زكاة العلم نشره’".

"عرب 48": ما هو الدور الذي جعل من ظاهر العمر يحتل هذه المكانة في التاريخ الفلسطيني؟

يزبك: "الدور الأساسي لظاهر العمر هو نقل المجتمع الفلسطيني من مجتمع زراعي فلاحي، إلى مجتمع مدني. فهو باني المدينة الفلسطينية، ومؤسس كل مدن شمال وساحل فلسطين، باستثناء صفد، والتي تمتد من طبريا والناصرة مرورا بعكا وحيفا وانتهاء بيافا. وما زالت آثار ظاهر العمر العمرانية، من مساجد وكنائس وقلاع وأسوار، شامخة تشهد على حضوره التاريخي في تلك المدن. ومعالم هذه الحضارة الفلسطينية تشكل تحديا لمقولة الصهيونية ’أرض بلا شعب لشعب بلا أرض’. فأسوار طبريا ومسجدها وبعض كنائسها بنتها أيدي ظاهر العمر. كما أنه أنشأ في الناصرة بناية السرايا (مبنى البلدية القديم الواقع في السوق) والتي تشكل نموذجا للحضارة العمرانية الفلسطينية، التي تشكل دليلا على أن فلسطين جزء أصيل من حضارة بلاد الشام، ليس في المأكل والملبس فقط بل وفي العمران أيضا".

"عرب 48": اللافت أنه بنى الكنائس أيضا؟

يزبك: "في الناصرة تم بناء أربع كنائس بمساعدة ومساهمة منه، وهي كنيسة الروم الكاثوليك التي تسمى ’المجمع’ وكنيسة الموارنة الواقعة في السوق القديم وكنيسة قديمة بنيت عليها كنيسة البشارة الحديثة وكنيسة الروم الارثوذكس في منطقة العين، التي جرى تجديدها في عهده. ولهذه الكنيسة قصة ظريفة، حيث توقف أمامها ظاهر العمر وهو في طريقه لقرية المنسي في مرج ابن عامر فعاهد نفسه أنه إذا انتصر في المعركة، التي كان متجها لخوضها، فإنه سيضيء الكنيسة إلى الأبد. وعندما عاد منتصرا أوقف أراض مزروعة بالزيتون، ما زالت موجودة إلى اليوم في المجيدل وغيرها وصارت عائدات زيتها تذهب لإضاءة الكنيسة".

"عرب 48": من يسمعك يعتقد أنه أقام الكنائس فقط وهو القائد المسلم؟

يزبك: "ذلك لأن بناء المساجد هو تحصيل حاصل. وفي هذا السياق مثلا، تجدر الإشارة إلى ما فعله في دير حنا، وهو الذي سكن في عرابة بعد خروجه من طبريا وله بيت ما زال قائما إلى اليوم هناك وتوجد عنه صورة في الكتاب. في دير حنا بنى مسجدا وعلى بعد 20 مترا منه بنى كنيسة، فصار يختلط صوت الآذان بأصوات أجراس الكنائس في ترنيمة فلسطينية فريدة من نوعها مثلت وما زالت تعايش الفلسطينيين بمختلف طوائفهم".

"عرب 48": نعرف أنه بنى الكثير من القلاع أشهرها قلعة ظاهر العمر في شفاعمرو؟

يزبك: "لقد بنى مجموعة من القلاع امتدت من صفد وحتى جدين (الموجودة اليوم ضمن كيبوتس "يِحيَعام") مرورا بقلعة شفاعمرو وسرايا الناصرة وحيفا وانتهاء بقلعة عكا. كما أنه بنى في يافا أسوار المدينة وخندقا حول الأسوار إضافة إلى بوابة يافا، التي كانت تسمى ’بوابة كريم’ على اسم زوج ابنته الذي حكم يافا".

نهضة عمرانية واسعة

"عرب 48": أنت تتحدث عن نهضة عمرانية واسعة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الفترة الزمنية القصيرة لحكمه، كيف تسنى له ذلك؟

يزبك: "لقد نجح ظاهر العمر في نقل المحتمع الفلسطيني من مجتمع زراعي استهلاكي إلى مجتمع زراعي تسويقي وازدهرت في عهده زراعة القطن في سهول شمال البلاد، فأقام الخانات في عكا لتخزين القطن، وأشهرها خان الشواردة. وبمعنى معين احتكر زراعة القطن ومنع من التجار الفرنسيين شرائه من الفلاحين بشكل مباشر كما كان قائما، وصار يزرع القطن بمساعدة الفلاحين ويورده للتجار الفرنسيين بتسعيرة فيها هامش ربح كبير للفلاح الفلسطيني وسعر رخيص نسبيا للتاجر الفرنسي. ولدينا وثائق تسجيل كاملة بكميات القطن التي كانت تصدر إلى مرسيليا عن طريق ميناء عكا. وأدى الربح الذي كان يجنيه من عوائد القطن إلى امتلاء خزينة الدولة بالأموال التي جرى استثمارها في بناء المدن الفلسطينية والمشارع العمرانية".

"عرب 48": وهل كان يدفع الضرائب للباب العالي؟

يزبك: "كان يدفع الضرائب وظلت علاقته جيدة مع الباب العالي حتى سنة 1775، عندما وقع في خطأ كبير بتحالفه مع روسيا، التي كانت تعتبر ألد أعداء الإمبراطورية العثمانية، فأرسلت الدولة العثمانية جيشا عن طريق البر بقيادة الجزار وجيشا عن طريق البحر بقيادة الكومدان حسن باشا، وهو جزائري الأصل، وفرضت على عكا حصارا بريا وبحريا، لم يستطع الصمود فيه طويلا. وعندما اضطر للخروج قتلوه وقطعوا رأسه، لتنتهي بذلك فترة ذهبية في تاريخ فلسطين".

"عرب 48": نعرف أن ظاهر العمر اعتلى الحكم عام 1710 وكان عمره 14 عاما واستمر حكمه حتى وفاته عام 1775 وكان عمره 86 عاما، أي أنه فعل ما فعله خلال فترة لا تتجاوز 65 عاما، ولكن ماذا عن أجزاء فلسطين الأخرى، القدس ونابلس والخليل، وكأنك لم تذكر حيفا؟

يزبك: "هذه المناطق كانت مدنا عامرة أيضا ولكن تحت ولاية الشام. أما حيفا فقد كانت تحت ولاية ظاهر العمر أيضا، وكانت في بداية حكمه مجرد قرية صغيرة في طيرة الكرمل، تم هدمها وبناؤها في داخل الخليج، في المكان الذي يقع فيه اليوم جامع ظاهر العمر، الواقع بجانب الجامع الكبير- جامع النصر. والمنطقة التي أقيمت فيها حيفا الجديدة توجد قلعة تسمى قلعة ’روشميا’. كما أنه بنى برجا كبيرا سمي ’برج الشمال’، كان يستطيع أن يراقب منه حيفا وعكا، وكانت حيفا تلعب دورا كبيرا في حماية الخليج".

"عرب 48": بعده بدأت فترة الجزار؟

يزبك: "نعم. ميزة ظاهر العمر أنه فلسطيني وأن انتماءه كان للمكان ولناسه، في حين كان الجزار مملوكيا من البوسنة. وبينما قام الأول بمسامحة الفلاحين بمجموعة كبيرة من الضرائب والتساهل في جبايتها، قام الثاني بفرض المزيد من الضرائب وجبايتها بالقوة. ولكن الأهم هو أن ظاهر العمر كان الحاكم الفلسطيني الوحيد حتى انتهاء الحكم العثماني".

التعليقات