27/07/2010 - 11:55

قصة ملك وثوب../ عاصم ستيتية

-

قصة ملك وثوب../ عاصم ستيتية
كان في الماضي البعيد، الذي يشبه الحاضر القريب، ملك يتملكه حب الظهور، فأمر يوماً مصمم أزياء أن يخيط له ثوباً لم يلبسه أحد من الملوك من قبل، وعليه إنجازه ليرتديه في يوم الاحتفال الكبير.

ذهب الخياط إلى مشغله بنشاط وحماسة وعكف على تصميم الثوب، بعد ان اختار لذلك أجمل وأغلى ما عنده من القماش الفاخر المطعم بأحجار كريمة وخيوط من ذهب. لما انتهى من صنعه قبل انتهاء المدة المحددة، مثل أمام الملك وقدّمه إليه، فارتداه الملك.

كان الثوب رائعاً بلونه الخمري المحاك بخيوط من ذهب، والمطعم بالجواهر النفيسة والأحجار الكريمة، ولم يرَ مثيلا لجماله وروعته أحد. ولما نظر الملك شكله في المرآة، تجهم وجهه وغضب غضباً شديداً وقال لمصمم أزيائه: ما هذا الذي صنعته لي؟ هذا ثوب يرتديه كل الملوك، ألم أطلب منك ان تخيط لي ثوباً لم يره أحد من قبل؟ إذهب واصنع الثوب الذي أريد فإن فشلت في ذلك فسوف آمر بقتلك.

ارتعد الخياط خوفاً وسارع إلى مشغله وهو يفكر حائراً كيف سيخيط ثوباً يشبه هذا الملك الغريب الأطوار، وكيف سينقذ نفسه من موت محتم؟ لم ينم ليلته من شدة القلق وظل ساهراً حتى ظهور أولى خيوط الفجر، سابحاً في بحر تفكيره، وفجأة لمعت في رأسه فكرة قرر فيها أن يصمم لهذا الملك ثوبا مصنوعا من الهواء، وفي اليوم الموعود مثل أمام مليكه حاملا بين يديه «الثوب المزعوم» المحاك بكامله من الهواء، ولما رآه الملك صُعق بما رأى، انه الثوب المطلوب، وراح يشيد بعبقرية حائكه الفذة، خلع الملك ثيابه كلها، وارتدى الثوب الجديد المعجز، وأخذ يتأمله في المرآة بإعجاب، ونال إعجاب الحاضرين في البلاط، ثم قرر أن يخرج به، وكان يوم الاحتفال الكبير، ليرى شعبه هذا الثوب الفريد، الذي لم يلبسه أحد من قبل، من الملوك الآخرين، فخرج مختالا فخورا بما يرتدي. وذهل الناس وهم ينظرون إلى مليكهم مصفقين له ولثوبه الـجديد المذهل.

غير أن فتى صغيراً انبرى من بين الحشود صارخاً «الملك لا يرتدي شيئاً إنه عارٍ من الثياب». والتفت الملك مذعوراً إلى الفتى، ونظر إلى نفسه مكتشفاً بالفعل أنه بكامل عريه ولا يلفه إلا الهواء، فأسرع هارباً من عيون شعبه ساتراً عورته بيديه، مذعوراً من الخجل، ملتجئاً إلى قصره تطارده الحقيقة المرة التي كشفها الفتى الصغير، بين أعداد الحشود الغفيرة التي كانت تصفق تصفيقاً كاذباً له ولثوبه المزعوم الذي كان يرتديه!

ترى من يملك جرأة وشجاعة هذا الفتى الصارخ بالحقيقة في وجه «هؤلاء» الذين يلبسون أثواباً من هواء أمام شعوبهم وهم في الحقيقة عراة؟
"السفير"

التعليقات