20/08/2010 - 01:57

مختارات للشاعرة الايرانية ليلى فرجامي

مختارات للشاعرة الايرانية ليلى فرجامي
باسم الماء والأرض .. تتحد النار والريح



ليلى فرجامي شاعرة إيرانية وعالمة نفس ولدت في طهران عام 1972 ، هاجرت مع عائلتها إلى الولايات المتحدة عام 1986 هربا من جحيم الحرب العراقية الايرانية.

كتبت أولى قصائدها في عمر السادسة عشرة ، وأغلب نصوصها الشعرية ما زالت في لغتها الأم الفارسية..

حصلت فرجامي على شهادة عليا في علم النفس وعاشت في جنوب كاليفورنيا، وكانت قد نشرت ديونها الأول : ( سبعة بحار .. قطرة ندى واحدة) ، في طهران عام 2000 عن دار روزكار ، ثم نشرت بعد ذلك كتابا شعريا آخر بعنوان ( رسائل الاعتراف ) واعترافات فتيات السوء ،وديوان جديد حمل عنوان ( مأزق بوذا).ونشرت هذا العام كتابا شعريا حمل عنوان ( ورد ) .فضلا عن ترجمتها للكثير من الأعمال الشعرية الفارسية إلى الانكليزية. وتمارس فرجامي علاج مجاميع من المرضى النفسيين جنوب كاليفورنيا وتؤسس لكثير من البرامج النفسية المتعلقة بالصدمات النفسية للأطفال، فضلا عن إيمانها بقدرة الفن على علاج المرضى النفسيين

تنتمي فرجامي إلى جيل الشعراء الشبان الذين تأثروا بتجربة فروغ فرخزاد الشعرية وتمردها وحساسيتها الشعرية، نشرت فرجامي نصوصها الشعرية في اكثر المجلات الأدبية شهرة مثل سيمورغ ، بخارى ، باران ،ماكس، كيلك، غابيل ،جوهران وكارنامه. شعر ليلى فرجامي في كثير منه محاولة لتحدي الحكمة الايرانية التقليدية، وسعت فرجامي إلى ان تحول قصائدها إلى ملصقات جامعة ضخمة عن البؤس الإنساني في عالم الشرق،واعتمدت ادخال عذابات الانسان الشرقي إلى عقل القارئ بقوة ،عبر الكثير من المقترحات الشعرية من أجل ايصال الفهم الخانق لمعنى الحياة، فدائما هناك دموع تذرف في القصيدة ، ولهاث انساني ممزوج بمأساة يومية ،ثمة عذاب يرافق القارئ وسط هذه الأجواء الشعرية التي تتحدى الذائقة العامة الايرانية ، لم تتوقف فرجامي عن إدانة الحروب العبثية، لم تتوقف عن رثاء الطفولات الضائعة،عن تقريع الموت الذي تؤنسنه فرجامي بجرأة، لم تتوقف عن عرض بذاءة العالم المعاصر، عن الحصار الذي يلف روح الإنسان الشرقي..

وهو ما جاهدت فرجامي من أجله ، من أجل إيجاد فرصة للاعتذار من الروح الإنسانية المعذَّبة في الشرق . القصائد التي ننشرها هنا مختارات من عدة مراحل شعرية لفرجامي نأمل أن تقدم صورة عن شعرها حتى وإن كانت هذه الصورة اجمالية فالهدف منها في النهاية الإشارة إلى تجربة شعرية تشكل امتدادا للشعر الإيراني المعاصر.







مأزق بوذا



لا تكترث

بينما تتساقط جذوع الأشجار

الغابات تحترق ولا تبالي

تتشظى أمك وأنت تأمن حلاوة ثدييها حتى منتصف الليل

لممر بخاري

ممتلئ بأصوات أجنحة مطمورة

داخل مدينتك المطلقة

ويموت أبوك وتدفع مشطه

الملئ بالشعر الأبيض إلى جيبك الخلفي

كما تدفن طقم أسنانه الصفر في شجيرات صمغ الأرض المعذّبة

نحن نغني حين تصفر

ونقبل حين تصفر

نحن لا نبالي ..

لمَ لمْ يظهر الإمام الغائب ثانية

بعد ما أقسم على العودة..

عند احتراق الأطفال داخل صفوفهم

مع المساطر والدفاتر والسبورات والمماحي

حين يضحون في دوائر مربعة هؤلاء الذين تصلبوا

وهم يتفحمون في الجمر.

كلا ... لن يظهر الإمام ثانية

لا نبالي إن لم نستطع ابتلاع حبات الكرز ثانية

حال وقوفنا تحت المطر

ونمارس الحب مثل شبحين مظلمين

قبل أن تصبغني حزمة الأجنحة،

أعلم أنك والدهم

كلا.. لا نبالي

لن نكون بشراً أبداً

إذن دعونا نكون قملاً مقبولاً في الأقل (أو لطيفاً)

القمل الذي يزخرف شعر فتاة

في مزار شريف

الفتاة التي ستفقد قريباً أصابعها ومشطها الحزين .

دعنا نكون قملاً مقبولاً

ذلك هو مأزق بوذا:

أين ستؤمن بربك

حين يكون داخلك سلاح؟





رسالة إلى أبي



أبي :

الرسالة هذه .. أقول فيها وداعاً لجميع البالونات

التي فرَّت خيوطها القصيرة من يديّ في ألعاب مرتبكة

وصارت نهباً لملائكة الريح.

هذه رسالة لانفجار الشرايين الصغيرة تحت ابزيم

حزام جدي

في نتانة الكحول الحادة ومجامر الأفيون الملتهبة،

مهشم ومتلاشٍ في التربة مثل دمٍ واهن.

هذه رسالة لكل الثلج الذي استقر فوق ابهاميك

عارضاً على جزمتيك الممزقتين هجرةً مؤقتة

تحت شارته البيضاء.

هذه رسالة لكل الثلج الذي اعتاد مشاركة اللون ذاته في طفولتك،

تلك البراءة النائية

تغطي جسدك مثل ثوب كاهن مخفي

وهو يتحول إلى بزة جندي غاضب

راغباً،

خلاقاً

وقاتلاً للأعداء.

هذه رسالة إلى كل الثلج الذي ذاب في ميادين الحرب

ولم يخمد النار الملتهبة في خنادق قلبك،

هذه رسالة إلى المخاوف المصطادة في كهوف روحي

تلك الأفاعي الغادرة وهي تبرز رؤوسها من جحور مظلمة ... زاحفة تلدغ في ضوء الشمس.

هذه رسالة من فتاة لا يمكنها أن تصغر كي تمدّ ذراعيها إلى ذراعيك

كي تعبر فوق جداول ماء متدفق.



أبي

هذه رسالة إلى مدفن رنين الكلمات الموروث

في صندوق أصوات دارنا القديم.

هذه رسالة لهذا اليوم:

لليوم الذي عفوت عنه.



نافذة



من نافذة مفتوحة على ممر

وممر مفتوح على وهم الشارع

الشارع الذي تمر خلاله آلاف الحقائب الملونة

لتزاوج بين شرايين المارة الأبرياء وشفرة المجزرة الدامية

فتاة بعينين أليفتين تحدق في

جثة طفولتها

من نافذة مفتوحة على رصيف خارجي.







رسائل إعتراف



لا يزال المطر يهطل ..

ولم يصل أبي إلى الآن

لقد اعتاد المجيء متأخراً

وأمي لم تزل تمعن في هذه الفكرة :

هل صعود السلم ونزوله لا يذيب الشحم؟

والدتي تطيل التفكير.



أنا فتاة سيئة

دفعت حياتي داخل بئر

بخيط سري

لإخراج العشاق واحداً بعد الآخر

احددهم كما يوسف النبي.



فتاة سيئة أنا

لتحولي إلى حوت يونس

أو روح عيسى

أو عصا موسى

أو ماء قيصر الخالد

ويد عابثة تفلق القمر نصفين.

اللعنة!

تمنيت لو لم أُظهر المعجزات!

وهل يحتاج النمل إلى التجوال

كي يؤمن بالضوء والصوت والهواء؟



أنا فتاة سيئة

لم تصبح سندريلا أبداً

(ماهذا الإرباك)!

ولم أفقد فردة حذائي الكرستالي

جنب قصر الأمير الثري



أنا فتاة سيئة بلا شك

لأن الفتيات الشريرات

يركضن خلف خيول القمر الفضية

حافيات فوق أسلاك شائكة من دون أن يطلقن تنهيدة واحدة

لأن الفتيات السيئات

يعرفن طبيعة المرايا

ويطهّرن مفاقس الزئبق

خلال أنفاسهن

حتى إفشاء الزجاج

الزجاج الرقيق

مثل الناس فالجميع يتناثر

حين تنظر في عيونهم

(وحتى آلهتهم تتناثر

حين تنظر في عيونها

وتنهار ساقطة إلى الأرض :

فقانون الإدراك الكوني

يحدد بالعواصف دائماً).



أمي تطيل التفكير

بينما يصل أبي إلى البيت

ملتقطاً تفاحات لم تنضج بعد

من حقيبة أوراقه

واضعاً إياها أمام فمي المغلق

وهو يقول : أهلاً .. أهلاً .. أهلاً .. أهلاً.



أنا فتاة سيئة

صامتة وحيدة

في تحياتي عند الوداع.







نبي البحر



لا مسافة بيني وبين الشاطئ

إذ يمكنني رؤية قواقع البحر كلها

ووجبات الرمل

في أفواه السمك الميت

وكل الجالسين تحت الشمس

وكل الرياح المندفعة من الشرق إلى الغرب

ويمكنني الغرق أيضاً

دون أن يعرف أحد

يمكنني أن أغدو الرجل

الذي نام داخلي لسنين

باحثاً بين الماء عن مرآة

لم تزل تحتفظ بانعكاس

طيور بيض تسهب ظلالها

عبر سماء شعثاء

يمكنني أن أصبح مثل الرجل

الذي نام داخلي لسنين

مستيقظاً في عاصفة

ولن يعثر عن طريق نحو اليابسة.







أفضل زوج لديّ



إمرأة متزوجة أنا

الموت زوجها.

الموت زوجي ...

يقبل شفتي قبل الذهاب إلى العمل

حاملاً حقيبة ملأى بالتعازي.

برقّة يغلق الباب خلفه

خشية أن يعرف الجار وقت وجوده

مثيراً أعصاب عزرائيل

الذي يعمل بوقت إضافي منذ الخليقة.

لم يضربني الموت يجناحيه

أو يرشوني حتى

الموت يدرك جيداً

أن لا يمكنني طلاقه أو القبول بغريم له

يخبرني أنه يعشق أسناني وجمجمتي

وعمودي الفقري بجنون،

وهو الذي سيحمي فكي ومعصمي الناعمين

بحجم ديناصور صغير يدعى: "صلة مفقودة"

داخل متحف عشاقه الأثري

والموت وفيٌّ جداً ... لم يتركني لأجل زوجة أخرى

وكريم جداً ... يضمن لي كل أرض أريد..

وحينما يجتاجني الحنين إلى الماضي

العيش على الأرض

يوجهني الموت نحو أجنحة مفروشة فوق عتبة الباب

هامساً : رحلة تأمل أنا إمرأة ميتة.







اعترافات فتيات السوء



تحية عزيزي
فكرت أن اكتب إليك كي لا تقلق
يقولون انهم شخّصوا مرضي
هل تعلم عزيزي
كنتُ عاشقة كبيرة

عاشقة الحجر والطين على جانب الطريق

عاشقة جسد الطفل الرقيق وهو يدفن تحت التراب

عاشقة الأبقار التي جف حليبها في أشهر القحط
عاشقة لورق الحائط الممزق المتسخ في المطابخ القديمة
عاشقة لبطانية أشم منها رائحة امرأة نامت مع الأرواح
عاشقة لحقائق قصيرة المدى وكثيرة الغموض
عاشقة لتحليق متخيل لبطل سيسقط
وعاشقة لك .





هل تعلم يا عزيزي

كنت وفية جدا
وفية لانجذابي للحفر التي حفرها الآخرون وسقطتُ فيها
وفية للأكاذيب التي تخجل أن تقول الصدق
وفية للأقطاب المليئة بالعيوب

للذين يرشدون إلى الضلال

وفية لساعات نسيان الزمن الذي يتأخر

وفيه للفتوات والدون جوانات ، والسوبرمانات
والرجال الاخرين الذين باسم واحد
ووفية لك .
هل تعلم عزيزي
الطبيب يقول انه رأى خناجر كثيرة على ظهري
ممتنة أنا لتطور الطب
وممتنة أيضا لأجهزة الاشعة والاشعاع المقطعي والام آر أي
ليتك تعلم
انني لم أنم لسنوات لآلام جروحي

التي لا تطاق.
أتعلم يا عزيزي
فكرت أن اكتب إليك كي لا تقلق
يقولون انهم شخصوا مرضي
وعلاجي هو التنفس

فقط لو أياديك الحنونة تفهم ،

أياديك التي

كانت حراس سجن حنجرتي
فكرت أن اكتب إليك كي لا تقلق .







أنا



الأوطان بعيدة

الأوطان قريبة

حاضرة أنا وحية كوطن

ابتدأت حلزونية، منقطة، فريدة

أبدية كدوامة ، كدوائر مجنونة

وفي جاذبية لا تتوقف نحو

تنفس منفرد

يدعى الحب.





مدينة تحت النار



الصباح يستدعي أصوات الرصاص

والمذاق الرطب لكبريت أعواد الثقاب المشتعلة ليلة أمس

تزحف أجساد الجنود المتصلبة

مثل توابيت بين المقابر

تحت نظام:

يسار .. يمين

يسار .. يمين

يسار .. يمين

والسماء التي تهرق دائرتها سائلاً أصفر

فوق الجدران الخدرة

قبل اختفائها في هدوء.

في اليوم الأول للحرب

أخرجت مفكرتي

لأشطب أيام أعيادي ميلادي كلها







وضاعة العدم



يغادر عشيقي آخر نَفَس

في إيماننا الجريح .. داخل حطام أراضيه المهزومة

شؤم ملكي

ملكي ...

كالموت

لا يمكنه إصابة الملوك.





البئر



صعدت البئر ولم أر شيئاً

لا ضوء سوى شجيرات

وشجرة تيبست عطشاً

بين صخور سماوية

عقيمة

صعدت البئر ولم أر شيئاً

سوى دلو أحلام فارغ

يتدلى في خيط العتمة

لم أجد شيئاً في ذاتي

لكن فراغاً فيها يقول:

وهمٌ داخل أوهام

مثل بئر داخل آبار عدة.

___________

شاعر ومترجم عراقي مقيم في النرويج

التعليقات