31/10/2010 - 11:02

التجريدية/ علا أبو حسب الله

التجريدية/ علا أبو حسب الله
"الإنجاز الحقيقي للفنان أن يجعل الشخص الذي أمامه يفكر ملياً فيما يمكن أن تعنيه لوحة ما،ولا يهم حينها إن كان قد فهم تحديدا ما يريد قوله منها...إنه يفهمها على طريقته الخاصة ويكون جزلا جدا بهذا الفهم."

كانت تداعب خاطري تلك العبارات،عندما كنت أراقبك من بعيد وأنتِ متسمرة أمام إحدى لوحاتي تحدقين بها مرة وتتحسسيها مرة أخرى. ثوبك الأسود المكشوف الكتفين المسدول على جسدك الأنيق بكبرياء،وشعرك الأسود الفوضوي، سوارك الأندلسي العتيق المتشبث بمعصمك... كانت كل تفاصيلك تشكل لوحة فنية غاية في الروعة والإتقان. كنت مشغولاً بمراقبتك تماما كما كنتِ مأخوذة بمراقبة اللوحة، لا أسمع إلا صمتك رغم ضجيج المدعوين المزعج.

راقبتك باحتراف أدهشني،إبتدائا من كعب حذاءك الدقيق وإنتهاءا بحركاتك الهادئة وأنفاسك المتصاعدة من رئتيك إلى أنفك وفمك،عيناك المدقوقتين بمسمار غليظ في اللوحة.
-معرض جميل ألف مبروك محمود.
-عادل ..بارك الله فيك،أين سوزان؟
-ستضع الأولاد عند حماتي وتأتي.

جاءني صوت عادل كصفعة التي رغم قوتها لم توقظني منك. كنت تماما مأخوذٌ فيك...لم أرَ في حياتي كهذا الحسن، لكن لا بد من خطوة تطوي المسافات بيننا.
* * *
هل أعجبتك؟ سألتك بعدما فاجأك وجودي.
-رائعة الأسود زادها أناقة.
-محمود إسماعيل، فنان تشكيلي وصاحب هذا المعرض
رددت وأنا أمد يدي لمصافحتك.
- أهلا وسهلا، خمنت أنك هو لقد رأيت صورتك على كرت الدعوة، أنا ريتا سالم وعانقت يدك يدي، لم أستطع أن أخفى ارتباكي وقتها لقد زلزلت كياني.
- أحب كثيرا الفن التجريدي لأن التجريد يهدف إلى استخلاص الجوهر من الشكل الطبيعي وعرضه في شكل جديد فهو بذلك تعبير عن الشكل النقي المجرد من التفاصيل المحسوسة، بذلك هو لا ينطوي على أي صلة بشيء واقعي هو الفوضى واللا-موضوعية.
صكت كلماتك الواعية أذنا بقوة لأستدرك قائلا:

- أهاا..أنا أعشق الفوضى واللا-موضوعية لذا جل لوحاتي على هذه المدرسة.
صوت عجوز قطع حوارنا "ريتا..هيا لنذهب"
-أوه ..حسن، دعني أعرفك بالسيد محمود إسماعيل صاحب المعرض.
-أهلا وسهلا.."حسن رجب" رجل أعمال وزوج السيدة ريتا سالم.
-سررت بلقائك سيد محمود.

زججت كلماتك البائسة في وجهي واستدرت،بعدما صنعت يدك مع ذراعه حلقة دائرية محكمة الإغلاق، ظلت عيوني معلقة فيك تراقبك تبتعدين حتى اختفيت.

ليل 6 آذار2008

التعليقات