31/10/2010 - 11:02

الخيمة والنخل/ سعيد نفاع

-

الخيمة والنخل/ سعيد نفاع
قدرها الحِل والترحال وفي الغالب لا تختار لا الزمان ولا المكان، فحيز الاختيار لديها محدود محكوم . حطت رحالها في هذه الدنيا دون ادنى ارادة منها وراحت تُدق اوتادها وتوثق اصفادها في كل واحة اعتقدوها ملائمة لها ، واقتصر خيارها او دورها ، ليس دون تدخل سافر احيانا، على المكان والزمان الملائمين لمواصفاتها ليس الا .

جاءت الى هذه الدنيا لتاوي في حناياها وتحمي الحب والكره ،الضحك والبكاء ،الدموع المخلوطة احيانا بالدم واخرى بالبسمات، في حناياها تبتدىء حيوات وتنتهي حيوات. فاينما حلت والى اينما رحلت لن يستسيغ كارهو الحب ولا محبو الكره ولا العواصف بحرّها وقرّها رحابة وحنو حناياها، فكل ما في حناياها طرائد لهم، ففي الطراد وفي الزحف وفي الهبوب ادموها واحيانا حتى الثمالة.

استطاعت دائما ان تلملم جراحها وتتابع الحِلّ والترحال دون اعتراض يذكر، وتقوم بمهامها في ايواء الحب والكره، الضحك والبكاء وابتداء الحيوات وانتهائها .ومرحّلوها ومحلّوها راضون كل الرضى يحيون حياتهم مثلما يشتهون يغزون ويُغزَون يرحلون ويحلّون والحلال يكثر ويقل ، يكثر كلما يمموا جنوبا ويقل كلما اتجهوا شمالا وهكذا دواليك كل حولية.

حطوا الرحال اخيرا وبعد ان حل بهم الكثير من التغيير، وحطت معهم بالطبع دون ان يكون قد حل بها الا القليل من التغيير. وان كانت صُفّدت سابقا باوتاد تُدق في الرمال تذروها احيانا الارياح فتهتز وتتمايل والآلام تعتصرها، صٌفدت المرة بجذوع النخل بعد ان قطع اليقين الشك ان ليس الامر سرابا ناتجا عن تعب الترحال الذي طال وصعب هذه المرة من طول الوقوف على الاطلال . رغم ان الاصفاد على ما بدا كانت اقوى هذه المرة الا ان الجديد يبشر بالخير، فان كانت ووجه الشمس، فيما مضى ،لا يتفارقان الا عندما تهجع الشمس ، صار الفراق والشمس في عزها ولاكثر من مرة وفي وضح النهار ،لان للشمس في هذه الديار برقع نخليّ.

احبت الحب الذي تاويه اكثر واحبت الكره الذي تاويه اكثر واحبت الدموع حارة كانت ام باردة اكثر، صار ابتداء الحيوات وانتهاؤها في حناياها من لون وطعم آخرين، وصار الحلال يكثر دون علاقة بالشمال والجنوب، والنخيل يطول ويُسقط سعفا ويُعلي سعفا وقطوف بلحِه مدرارة تشبع من في الحنايا.

رغم بعض الخيوط المختلفة اللون التي كللت ثناياها بحكم تبدل الازمنة، الا انها وما دام النخل يتطاول وجذوعه تغلظ ضاغطة احيانا على اصفادها وهذه بدورها على اطرافها، تمسكت بالجار هذا وان جار، وقوّاها هو على الاقل امام العواصف ، وحمى وجهها حينما جنّت الشمس.

كانت تعرف ان دم هذا القلب الاخضر الزاهي المعطاء لذلك الجسم الاصفر الباهت الرحب المخيف ،ملكها ولمن في حناياها ولمن وجد في ذلك الجسم الاصفر الباهت المخيف ماواه. ولن يوقف النخل ومهما علا وتجذّر ومهما كثر بلحه ومهما اشتد وثاقها الى جذوعه، لن يوقف الكواسر ولا الزواحف ولا العواصف، وهي تطلب حقها في دم هذا القلب.

للكواسر وللزواحف وللعواصف حصتها في تلك الواحة رغم الحالّين الجدد، وان قبلتهم على مضض، لكنها لن تتنازل عن نصيبها في القلب. فتكسِر وتزحف وتعصف كلما وجدت الحاجة الى ذلك، غازية دون وجل ولا خجل ، فتصيب احيانا وتخطىء اخرى، وان اصابت وان اخطات ليس دائما لامر متعلق بها، فهي تكسر وهي تزحف وهي تعصف غير آبهة لا بالقلب الاخضر الزاهي ولا بمن في بطينيه ولا بمن في اذينيه ، نجاحها وفشلها متعلق كذلك بصماماته، النخل والجذوع والخيمة والوثاق، والتي لكثرة الكر والفر تضعف احيانا .

احب النخل، من بين الغزاة، العواصف بقدر ما كرهها ففيها مماته وفيها حياته، وما دامت تصب عليه جام غضبها حتى تحمرّ وجوه سُعفه فهذا ما تحمله منذ ان جاء الى هذه الدنيا، لانه عرف وبعد طول العمر ان هذا الثمن الذي يدفعه ياخذ مقابله، لكن خوفه زاد منذ ان شُد الوثاق اليه، ورغم ان الوثاق آلمه شدا وارتخاء الا ان هذا الالم صار جزء منه.

طاب المقام فالنخل اثِر والايثار مطمئنن، لكن الخيمة ومن كثرة الحِلّ والترحال ومن كثرة تقطع الاوثقة ظلت تجفل لكل بارقة ، تتفقد الاصفاد المكروهة عادة المحبوبة على قلبها رغم اعتصارها اياه وحتى الادماء احيانا.

ظلت جذوع النخل صامدة وظل الوثاق قويا لان النخل ما زال يحب التسامي ولان الخيمة ما زالت تحب وثاقها . لكن الكواسر صارت اوحش والزواحف اشرس والعواصف اعتى واوحشها واشرسها واعتاها تلك الآتية من الداخل، فهل سيظل النخل يحب التسامي وهل ستظل الخيمة تحب الوثاق ؟

التعليقات