06/06/2011 - 21:54

نهار دموي تشعله الذكرى الرابعة والأربعون لهزيمة حزيران / محمود شقير*

نهار دموي تشعله الذكرى الرابعة والأربعون لهزيمة حزيران، التي ما زلنا نعيش نتائجها المربكة حتى الآن.

نهار دموي تشعله الذكرى الرابعة والأربعون لهزيمة حزيران / محمود شقير*

 

نهار دموي تشعله الذكرى الرابعة والأربعون لهزيمة حزيران، التي ما زلنا نعيش نتائجها المربكة حتى الآن.

في صباح الذكرى تفقّدت أشجار الحديقة وأزهارها فلم أجد زهرة الصيف، مع أن الصيف أصبح الآن ملء السمع والبصر منذ أيام. كانت قد انسلت إلى مكان ما من دون أن تخبرني بذلك. قلت لنفسي: أترك لها حرية الإقامة في الحديقة مثلما تشاء، وأترك لها حرية التجوال مثلما تشاء. وقلت: ربما ذهبت للتسوّق، فهي كما أخبرتني تحبّ التسوّق حدّ الانتشاء، مع أن هذا اليوم ليس ملائمًا للتسوّق، فثمة ذكريات قاتمة ودماء. قلت: ربما ذهبت لكي تحصي أعداد الشهداء الذين قضوا على حدود الجولان برصاص الأعداء. أو ربما ذهبت إلى حاجز قلنديا العسكري لكي تضمّد جراح الشابات والشبان الذين تصدّوا بصدورهم العارية للجنود المدججين بالسلاح، قاصدين القدس التي تتعرّض للتهويد صباح مساء. قلت: ربما طارت مثل البرق أو مثل الريح إلى صنعاء أو تعز أو إلى جسر الشغور أو حماة لتهتف مع الهاتفين والهاتفات من أجل الحرية والديمقراطية والدولة المدنية وحقوق الإنسان.

نهار دموي ولا فنجان قهوة حتى الآن، لأن ّزهرة الصيف لم تكن هنا، لا في الحديقة ولا في البيت ولا على سطح الدار ولا عند الجيران. قلت: لهذا الشجر ولتلك الأزهار التي تملأ الحديقة أمزجة مثل البشر، ومن يضمن لي أن شجراتنا وزهرات حديقتنا لسن نساء متخفيات!

تأسيت على الدماء البريئة التي نزفت طوال هذا النهار. وشاهدت فيلمًا عن القرى الثلاث التي هدمت بعد الهزيمة بأيام. اسم الفيلم: ذاكرة الصبّار. وتساءلت: هل صبّار القرى المهدومة الذي ظل شاهدًا على أصل المكان، ما هو إلا نساء متخفّيات ولهن كلّ هذه الأشواك؟

في الليل، وأنا أنتظر عودة زهرة الصيف الرشيقة، قرأت قصيدة صديقي العائد إلى الفيسبوك بعد غياب، قرأته وهو يقول: "لو أنني غيمة/ لأمطرت في الدفاتر/ سطورًا من الماء/ ومرايا تقطر بالعسل/ ولقلت لسيدة الأرض/ صباحك فلٌّ أميرتي النائمة". وفيما أنا مستغرق في تأمّل الفضاء الذي رسمه صديقي بكلماته الرقيقة، سمعت حفيف فستان أليف ونقْرَ حذاء على وجه البلاط.

نظرت عبر الشبّاك، ومن خلال الضوء المنبعث من مصباح في الخارج، رأيتها وهي تخلع فستانها بعذوبة واستبطاء، تحرّر قدميها من أسر الحذاء، وترتدي شكل زهرة ثابتة بالقرب من شجرة البرتقال. قلت لنفسي: أتركها لكي تستريح الآن، وفي الصباح نشرب القهوة معًا، وأسألها عمّا تجمّع لديها من قصص وحكايات.

كان الوقت بعد منتصف الليل بقليل، وحرارة الصيف هذه الليلة لا تطاق، ومن أمكنة شتى يسيل دم مختلط بأنين خافت وآهات.

 

* قاصّ فلسطيني

التعليقات