05/09/2011 - 00:17

أناملُ الليل/ نثريّة / سامي مهنا

أوّلُ المساءِ كُحلٌ يمرُّ على جفونِ السّماء تمحو أناملُ الليلِ الشجر رويدًا رويدًا،

أناملُ الليل/ نثريّة / سامي مهنا

أوّلُ المساءِ

كُحلٌ يمرُّ على جفونِ السّماء

تمحو أناملُ الليلِ الشجر رويدًا رويدًا،

تقلّمُ الأصواتَ، تحذفُ الجبال

تخلعُ الغيومُ بياضَها

يغلقُ البحرُ أبوابَهُ

تنسحب النوافذُ من مسافاتها وتنحسرُ داخل إطارها شكلاً هندسيًا متكتّمًا

هيَ ليست لوحةً بقدر ما هي انتقال روح المتأمّلِ من مقامِ المرئي إلى حَضرةِ المجهول

......وأراكِ بعيدةً قريبةً

كقمرٍ يعيد كتابةَ ما محاه الليل منتقيًا أعاليها وأجملها

يرسمُ رؤوس الشجر، وقمم الجبال ومدخلَ البحر ودمعَ النجوم

 يعيدُ بعض أصواتِ العصافير الغريبة

يختزنُ حزنَ يمامةٍ زرقاء

يرتبُّ شدو نبعٍ فوضويٍ

يرصدُ طقطقةَ الحطب بين أحضان النار العاشقة حتى القتل.

وعيناكِ ذاكرةٌ تطفو على قَدَرِ الأصابعِ

تقولين المساءُ بيننا

 قاربٌ يبحر في غموضٍ

لا نعرف إن كان موجودًا أم ضائعًا في بحرٍ نسيناه

أقول هو افتتانٌ يجذب العمر إلى سكرة جنونٍ لا يعي إلا ما يريد

تقولين: لستُ هناك  

أقول: ليست وحدتي انكسارًا

إنها فاتحةٌ لإيقاع الأغاني

وفهرسٌ لسحر الذاكرة

وأطلسٌ لحنين يعلنُ نبوءته الخائبة

والدهشة الطِفلةُ كتجدد الصّباح تنسكبُ من خوابي العشق خمرًا تعتقّهُ  الرغبة النبع  

يكتسح الليلُ كلَّ ما ينبتهُ النهار من أفكارٍ تروضُّ المشتاقَ

ويعصفُ عطرٌ يطل من جهة الذاكرة

ولا يبقي على الأرض أثرًا لأقدامِ القدرْ

أينَ أنتَ الآن، إن لم تكن مضرّجًا باللغة التي تكتبُ تاريخَ هذا العشقِ

على ورق المنافي،

أينَ أنتَ الآن

 

بين ظلالِ الهمس ورائحة الحنين ودمع إلهِ غارقٍ في أسطورةٍ تنبعثُ  

هنا أحبّك.

هنا أقول لوعّني الليل،

وصوتُ الحزنِ يعلو ليصيرَ نشيدًا للمراثي

 

يختلط الزمانُ تحت قُبّة المساء

يتجسّدُ الصّمتُ الدفين إيقاعًا للأغنيات التي أنشدها الرعاةُ في زمن البراءة

يوحدّني الحزنُ مع الأشياء، يضمُّ إليّ سماءَ الخريف

وشكوى الرياح، وألمَ الأشجارِ العارية.

أحدّق باللاشيء ويحدّقُ بي

للمجهول فِراسةٌ

فهو يعرف ما يخبئُ القلب،

ويجلبُ ما لسنا نراه

كأمواجٍ تدفعُ من البحر صدى نحيب بحارّةٍ غَرقوا

هنا أحبّك

في هذا اللامكان الذي يكحّل السماء بالسواد والصّمت

وينذرنا لموتٍ مدهشٍ وحميم

هنا أحبّكِ

التعليقات