22/07/2012 - 02:47

جدتي بين الأسود والزيتي / سوسن غطّاس

واليوم أنا وابنتي في انتظارعناق أنوية البلح وأحلام امرأة النخيل وتفتح الألوان في شباكها القديم

جدتي بين الأسود والزيتي / سوسن غطّاس

 

جدتي كانت امرأة النخيل

أتفيؤ بروحها من رعد الغموض

صمتها كان الكلام

لمنديلها هدهدة أحلامي

وحكايا بنت السلطان

والإنس والجان

سريرها بات مهدي الأبدي

علمني كيف يصير النوم

بعيدا عن حوافي الموت

آمِنْ....

 

تعمدت بدفء يديها

في مواسم هجرات الحساسين

إلى مواطن السُّمَّن

في ثوبها نكهة الزيتون والفيجن

 

في يوم تراكم فضولي

سألتها:

"خبريني يا ستي

لماذا ثوبك دائما أسود؟

سأحضر لك الزيتي."

 

رمقتني بحزن ثم قالت:

" لا يا ستي

ليرجع عمك."

 

سألتها بغرابة:

" مين عمي..

أنا لي عم؟"

 

"عمك وراء حدود المكان"

 

لم أفهم ما قالته

كنت في عامي السادس

شعرت بدموعها

تنثال على وجنتي

حين انحنيت لتقبيلها كعادتي

أدركت بأن الأمر جلل.

 

في اكتمال عقدي الأول

أذكر برده جيدا

كان يوم عطلتي المدرسية

كنت أتسكع في حلمي الصباحي

باستسلام النسيم للفراغ

بين حلم ولا حلم

فتحت عيني

جدتي جالسة في سريرها

والزيتي تماوج من رأسها

بدت لي انتفاضة عمر

من قمقم الحرمان

هرولت مسرعة

والفرحة في ضلوعي

"ستي لبست الزيتي

ستي لبست الزيتي."

 

في ذلك المساء

كان في بيتنا عرس

أقارب يتزاحمون

وموائد تفتح

بيتنا في حالة استثناء

أتوه بين العيون

أراقب الدموع

ويرهقني اختلاط

الدموع والفرح

 

زارنا فرح الزيتي

تلفعت عينا جدتي

بعبق الأمومة الشغوفة

زغردت مثلما يعانق

الصوت حنين الانتظار

بكت وعانقت ثم نامت

على تفتق الجراح

وأنا أركض وأدور

بين غربتي واغترابي وذهولي

 

كلمح البصر

لم أدر كم من أيام مرت

انتهت فسحة عودة الحياة لروحها

حان موعد انكماشنا في حفنات اللوعة

جدتي وأنا

رائحته لا زالت تعبق بصهاريج طفولتي

نعم هذا عمي

أنا لي عم

سيعود من حيث

رماه التشرد خلف حيزنا

حين صار اللجوء صليبا وعلقما

 

جدتي ظلت امرأة النخيل

سنوات مرت

حلق نسر فوق دارنا

رفرف بجناحين

حط رسالة أخيرة

من وراء الحدود

فيها صورة

لفها شريط أسود

وعادت جدتي

للونها الأسود

وصارت أيقونة شعب

تموت في أكباده الأحلام

 

واليوم أنا وابنتي

في انتظارعناق أنوية البلح

وأحلام امرأة النخيل

وتفتح الألوان في شباكها القديم

التعليقات