12/04/2014 - 14:56

مذكرات: ذاكرة تحلم بالحرية/ راوي سلطاني

أذكر جيداً أول جملة قالها المحقق في تلك اللحظة: "أحداً لن يستطيع مساعدتك الآن سواي، لا تفكر بأن أهلاً أو أصدقاءً أو معارف يمكنهم فعل شيء لأجلك"

مذكرات: ذاكرة تحلم بالحرية/ راوي سلطاني

عندما فتحت عينيّ صبيحة يوم الاثنين لم أستطع أن أفهم ما يجري، لم أعِ حينئذ أني أصحو على حياة جديدة. لم أعِ أني أعيش لحظةً تتغير فيها حياتي للأبد، وأن هناك لحظة فيها يتحول عالمنا الذي ظننا أننا نعرفه جيداً، إلى عالم لم نعرفه من قبل.

كنت عندها أسمع صراخاً لا يصل معناه إلى رأسي. كل ما كنت أفكر فيه هو أنني في حلم، وكيف أصحو منه، لكن سرعان ما أكدوا لي أني لست في حلم، بل أعيش كابوساً صُنع مسبقاً.

عرّف ضابط المخابرات عن نفسه باسمٍ مزيف، وقال أني رهن الإعتقال منذ "اللحظة" بتهم تمس بأمن الدولة. هذه اللحظة التي غيرت حياتي، هذه اللحظة التي منعتُ فيها من أن أكلم أحداً أو أن أرى أحداً أو أن أقوم بأي شيء سوى الذي يأمرونني بفعله.

أمر الضابط أولاً بأن توضع الأصفاد في يدي ورجلي، بعد أن رفض أن أغسل وجهي وأبدل ملابسي. بقيت جالساً دامياً مكبلاً والعشرات من رجالات الأمن العام يفتشون جسمي وغرفتي وبيتي وروحي، يركلون ويرمون ويقلبون كل أشيائي، حتّى الدفينة داخلي لم تسلم من عبثهم، قلّبوا كل قصاصات الغرام التي جمعتها في دفتر وخبأتها، بعثروا كل الصور والشعر والنثر والخمرة التي رتبتها. كل ما كنت قد جمعته بداخلي على مر السنين من قوة وثقة، ضاع منّي بين أيديهم وأقدامهم، وكل الأسوار التي كنت أظن أنّها حولي لتحميني تداعت أمام ذلك الاجتياح.

امتدت هذه اللحظة كأنها عمر لا ينتهي، وامتدت كأنها خلفية ثابتة لكل ما في ذاكرتي من صور، قبلها وبعدها. وكأن كل ما عشته كان نهراً يجري نحو هذه اللحظة، وكل ما أعيشه بعدها نهر ينبع منها.

أذكر جيداً أول جملة قالها المحقق في تلك اللحظة: "أحداً لن يستطيع مساعدتك الآن سواي، لا تفكر بأن أهلاً أو أصدقاءً أو معارف يمكنهم فعل شيء لأجلك".
فاجأني ما قاله، وشعرت بأن كلامه جاء ليهزني وليذكرني بأني لست وحدي..

ليذكرني بأن أمة، هي أهلي وأصدقائي ورفاقي، كلها معي، ليذكرني بأن جموعاً من شباب وشيوخ ونساء ورجال، ستخرج في ثورة الياسمين، وفي ال٢٥ من يناير، وفي ليبيا، وفي اليمن، وفي البحرين، وفي سوريا، وفي السودان، وفي لبنان لتكون معي.

وليريني وجوه أهلي وأصدقائي تبتسم لي من وسط الذاكرة، وتذكرني بأنها هنا معي، وأن "اللحظة" ما هي إلا بذرة أمل في طريق الحرية.

أخذوا في تلك اللحظة ما أخذوه من كتب وصور وأنا، وتركوا لي ذاكرتي التي تحلم بالحرية، ليضعونا معاً في زنزانة، ليصبح عالمي زنازين وذاكرة وأملا بالحرية.

التعليقات